قلوب ناصعة البياض
باهي اليوم هي أسْعَد انسان في هذا المنزل بعد ان أصبح لها غرفة مستقلة بدولابها وتسريحتها
وسريرها . سوف تنعم باهي بخصوصية أغلى عليها من كنوز الدنيا مجتمعة .
وقفتْ باهي امام باب غرفتها , تَرَيَّثَتْ قليلا قبل ان تدخلها بقدمها اليمنى , انه هاجس إستحوذ
وجدانها , ولم تتردد في الأذعان له .
تَجَرَّدَتْ باهي من وقارها واخذت ترقص بالغرفة , تحتضن الدولاب تارة , وتارة تتنطنط فوق
السرير . تارة تُطِل من النافذة , وتارة تعبث بالتسريحة وبما تحوي من ادوات تجميل .
لم يكن ينقص باهي سوى ان تنظُم شعراً وتتغزل بغرفتها التي كانت لها بيوم من الأيام حلما
يصعب تحقيقه .
وسط هذا الطوفان من العواطف البريئة , إذ بها تتوقف عن كل هذا اللهو .
انهم يحفرون اساسات لبرج سكني سوف يتم تشييده فوق الأرض الفضاء المحاذية لإحدى
نافذتي غرفتها .
لطمت خدَّيها الصغيرين وهي تهذي :
ــ رَاحَتْ السَكْرَة وأجَتْ الفَكْرَة .
يُطل البرج مباشرة على إحدى نافذتيها . ومن المؤكد ان نزلاء هذا البرج سوف يقضمون من
خصوصيتها الشيء الكثير, ومن المؤكد ايضا انهم سوف يبيتون فيه طيلة النهار والليل وربما
طيلة فصول السنة حين يشاهدون إحدى حوريات الجنة ماثلة امامهم .
فَنَظَراتِ زُوَّار الصيف هؤلاء فيها من النور الذي وُهِبَ لعيون الذئاب فلا يَرُون جَمَالَ قَدِّ المَهَا
ولكنهم يَرُون لَحْمَها والشَّحْم .
بدت باهي عاجزة عن ايجاد حل لهذه المعضلة , فرأت ان تغلق النافذة وهي التي تعشق
الهواء والنور والفضاء الرحب .
أخذت باهي تجوب الغرفة , جيئاً وذهاباً . ألقت نظرة الى النافذة الثانية والتي تشرف على
العمارة الأخرى المجاورة وخاطبتها قائلة :
ــ وانتِ , ألا تُضمرين لي مفاجئة تقضمين فيها البقية الباقية من خصوصيتي ؟
رأته يتلصَّص من خلف نافذته , ويُخفي بيده ابتسامة ساخرة .
فبادرته بوابل من القذائف الخارقة الحارقة قائلة :
ــ انا كنت ناقصاك انت كمان ؟ يا نكد حظي .
وَقَفَتْ بالنافذة تنظر نحوه نظرة غضب وإزدراء والشرر يتطاير من عينيها . أدْرَكَ المُتَلَصِّصْ
حساسية الموقف , فسألها ببراءة لا تخلو من مكر :
ــ لماذا تنظرين اليَّ هكذا ؟
فبادرته على الفور :
ــ الناس تنظر نحو السلاطين , أفلا يحق لها ان تنظر للحرادين امثالك ؟
تلقى الصفعة وردَّ بأقصى منها قائلا :
ــ اذا كنت انا حردون , فأنت حرباية .
لم يُكتب لهذا الحوار ان يستمر , ليتمادى كل طرف بإيذاء الآخر . فها هي والدة جارها
المُتَلَصِّصْ تطرق باب غرفته تدعو ابنها تامر لتناول وجبة العصرونة .
بنفس الوقت قامت والدة باهي بطرق باب غرفة ابنتها تدعوها لتناول الطعام ايضا .
لم تُذعن باهي للهزيمة بل اعتبرتها نصراً مما حدا بها قبل ان تغادر الغرفة لترقيص لسانها
والتلويح بيديها مُسْتهزئة بجارها .
لم يغمض لباهي جفن وهي تتقلَّب فوق سريرها , تحتضن وسادتها برهة وبرهة أخرى تُلقي
بها حتى عَافَتْها الوسادة , الى ان أتى الصباح بعد عناء طويل .
دسَّت شطيرتها بين كتبها واوراقها . ثم امسكت بيدها كتاب التحويل الموجه من ادارة التعليم
للمدرسة الجديدة التي تم نقلها اليها وانطلقت مسرعة نحو المدرسة وقد إستأثر جارها جُلّ تفكيرها .
فأخذ ضميرها يؤنبها ويحثها على استرضاء هذا الجار . لما أعياها الفِكَرْ , خاطبت نفسها قائلة :
ــ انا لم اكن يوماً سليطة اللسان وقليلة الذوق . ماذا حدا بي كي ارشقه بهذه الألفاظ ؟
على اي حال , هو لم يُقصِّر بالرد , وإعتزازه بنفسه قاده لشن حرب كانت اقسى علي وأشدّ .
لكن , مهما بدر مني فأنا بنت وهو الولد.
ما زالت باهي في حِيرَةٍ من أمْرِها . هل تعتذر له حين تراه ؟
استقر رأيها , ان تقف بالنافذة بعد عودتها من المدرسة وتبتسم في وجهه فور رؤيته ,
فالأبتسامة أجدى من الكلام وتصل القلب بلمح البصر .
دخلت المدرسة , وبعد ان قامت بتسليم كتاب النقل للإدارة . ارشدتها إحدى المدرسات الى
صفها . فعبرت الساحة واتجهت نحو الصف , رأته يجلس فوق رحلاية والمكان بجانبه خالي .
رقص قلبها من الفرح وقالت له وهي تجلس قُربهُ باسمة :
ــ صباح الخير يا حردون .
أجابها بإبتسامة ملأت وجهه :
ــ صباح النور يا حرباية .
ما هي إلاّ ثوان , وكانت المُدَرِّسة تقف امامهم . وقفوا جميعاً إحتراماً لها .
اشارت لهم بالجلوس وهي تقول :
ــ صباح الخير يا أحبائي . قبل ان ابدأ الدرس ما رأيكم لو نتعرَّف على اسماء بعضنا البعض ؟
وسوف أبدأ بإسمي . انا إسلام .
اشارت بيدها نحو الرحلاية التي يجلس فوقها مَنْ كانا خصمان بالأمس , وهي تحدق بتامر
تدعوه للتعريف بنفسه .
وقف بثبات وقال بوضوح :
ــ انا مسيحي .
لم تستطع المُدرِّسة كتمان ضحكتها , في حين جلجل بالضحك عدد من التلاميذ في مؤخرة الصف .
تداركت المُدَرِّسة الموقف بسرعة وربتت فوق رأسه قائلة :
ــ احسنت يا ...
وقفت باهي على اطراف اصابع قدميها حتى كادت تلامس حلمة اذن المُدَرِّسة وهمست :
ــ تامر .. اسمه تامر
فبادرتها المُدَرِّسة بالسؤال :
ــ وأنتِ ؟
لم تُفاجأ باهي , وكانت قد اعدَّتْ نفسها للأجابة ببرائتها المعهودة . فأجابت وهي تلوح بيديها
وكأنها تلقي قصيدة :
ــ اسمي بهية , وهذا اسم والدة ابي , ولكونه من الأسماء القديمة , فإنهم في البيت يدعونني باهي
وكذلك كل مَن يعرفني من اصدقاء وصديقات يدعوني بإسم باهي ايضا .
أخذت المُدَرِّسة بيد بهية ووقفت بجانبها قائلة لها وللتلاميذ :
ــ ان اسم بهية من الأسماء الجميلة . مَنْ منكم يعرف مَنْ هي البهية ؟
رفع احد التلاميذ يده . وعندما سُمِحَ له بالأجابة قال :
ــ البهية هي السيدة مريم العذراء عليها السلام .
لم تكن المُدَرِّسة تتوقع احداً يُجيب على السؤال . ومن فرط اعجابها به تقدمت نحوه وهي
تمتدحه قائلة :
ــ أحسنت , لا بل أبْدَعْتْ . ما اسمك ؟
اجابها وقد احمرَّتْ وجنتيه خجلاً :
ــ اسمي احمد .
حوَّلت رأسها نحو تامر وقالت :
ــ أرأيت يا تامر ؟ نحن هنا جميعنا مسيحيون , وجميعنا ايضا مسلمون ...
قرع جرس الفسحة , فتدافع التلاميذ نحو الباب كَسَيْلٍ جارف غير مكترثين لما تقوله المُدَرِّسة .
وضعت باهي الشطيرة بين اسنانها , وقبل ان تقضمها سألت تامر :
ــ اين شطيرتك ؟
لم يُجبها , فاسترسلت قائلة :
ــ سوف اقسم شطيرتي بيني وبينك .
تقدَّم احمد نحوهما وبيدة شطيرته قائلاً :
ــ هل تسمحان لي بالأنضمام اليكُما ؟
ابتسما , وأجاباه سوياً :
ــ نعم , وهل نستطيع ان نقول لا لنجم الصف ؟
استرسلت بهيه بالحديث وهي تنظر نحو احمد :
ــ ربما شطيرتي لا تعجب تامر يا احمد, فهل تقبل ان تتقاسم شطيرتك معه ؟
اجاب بدون تردد :
ــ طبعا , وبكل الحب .
وضع تامر يداً فوق كتف احمد واليد الأخرى فوق كتف بهية, وقال بخجل :
ــ شكرا لكما , معي شطيرتي ولكني لا استطيع ان آكلها , لأن سني يتقلقل ويؤلمني .
دَفَسَتْ بهية يدها في جيبها واخرجت منديل ورق مكرمش , فرفَدَتهُ والتقتط منه شيئاً بحجم حبة
العدس البلدي وكالثلج في بياضه وهي تقول :
ــ انظر يا تامر , هذا سني , كان يتقلقل قبل ساعات , نتشته واحتفظت به .
فهم يقولون ان من يحتفظ بأول سن حليب له بعد قلعه يرافقه النجاح والحظ حتى الممات .
انتش سنك الآن واحتفظ به , مثلي .
ارتبك احمد , وسأل بهية ببراءة ناصعة البياض :
ــ بالأمس قلعت اول سن حليب لي والقيته في سلة المهملات . والآن , سني الثاني يتقلقل .
يا ترى ماذا يقولون عن الذي يحتفظ بسنه الحليب الثاني بعد قلعه ؟
اجابته وهي تُمسك بتلابيب ابتسامة خرج نصفها من مَبسَمِها قائلة :
ــ سوف ينعم برفقة اصدقاء مخلصين مثلنا .
فقهقهوا ثلاثتهم حتى امتلأت عيونهم بالدموع , ولم يتوقفوا إلاّ حين اعلن الجرس انتهاء الفسحة .
باهي اليوم هي أسْعَد انسان في هذا المنزل بعد ان أصبح لها غرفة مستقلة بدولابها وتسريحتها
وسريرها . سوف تنعم باهي بخصوصية أغلى عليها من كنوز الدنيا مجتمعة .
وقفتْ باهي امام باب غرفتها , تَرَيَّثَتْ قليلا قبل ان تدخلها بقدمها اليمنى , انه هاجس إستحوذ
وجدانها , ولم تتردد في الأذعان له .
تَجَرَّدَتْ باهي من وقارها واخذت ترقص بالغرفة , تحتضن الدولاب تارة , وتارة تتنطنط فوق
السرير . تارة تُطِل من النافذة , وتارة تعبث بالتسريحة وبما تحوي من ادوات تجميل .
لم يكن ينقص باهي سوى ان تنظُم شعراً وتتغزل بغرفتها التي كانت لها بيوم من الأيام حلما
يصعب تحقيقه .
وسط هذا الطوفان من العواطف البريئة , إذ بها تتوقف عن كل هذا اللهو .
انهم يحفرون اساسات لبرج سكني سوف يتم تشييده فوق الأرض الفضاء المحاذية لإحدى
نافذتي غرفتها .
لطمت خدَّيها الصغيرين وهي تهذي :
ــ رَاحَتْ السَكْرَة وأجَتْ الفَكْرَة .
يُطل البرج مباشرة على إحدى نافذتيها . ومن المؤكد ان نزلاء هذا البرج سوف يقضمون من
خصوصيتها الشيء الكثير, ومن المؤكد ايضا انهم سوف يبيتون فيه طيلة النهار والليل وربما
طيلة فصول السنة حين يشاهدون إحدى حوريات الجنة ماثلة امامهم .
فَنَظَراتِ زُوَّار الصيف هؤلاء فيها من النور الذي وُهِبَ لعيون الذئاب فلا يَرُون جَمَالَ قَدِّ المَهَا
ولكنهم يَرُون لَحْمَها والشَّحْم .
بدت باهي عاجزة عن ايجاد حل لهذه المعضلة , فرأت ان تغلق النافذة وهي التي تعشق
الهواء والنور والفضاء الرحب .
أخذت باهي تجوب الغرفة , جيئاً وذهاباً . ألقت نظرة الى النافذة الثانية والتي تشرف على
العمارة الأخرى المجاورة وخاطبتها قائلة :
ــ وانتِ , ألا تُضمرين لي مفاجئة تقضمين فيها البقية الباقية من خصوصيتي ؟
رأته يتلصَّص من خلف نافذته , ويُخفي بيده ابتسامة ساخرة .
فبادرته بوابل من القذائف الخارقة الحارقة قائلة :
ــ انا كنت ناقصاك انت كمان ؟ يا نكد حظي .
وَقَفَتْ بالنافذة تنظر نحوه نظرة غضب وإزدراء والشرر يتطاير من عينيها . أدْرَكَ المُتَلَصِّصْ
حساسية الموقف , فسألها ببراءة لا تخلو من مكر :
ــ لماذا تنظرين اليَّ هكذا ؟
فبادرته على الفور :
ــ الناس تنظر نحو السلاطين , أفلا يحق لها ان تنظر للحرادين امثالك ؟
تلقى الصفعة وردَّ بأقصى منها قائلا :
ــ اذا كنت انا حردون , فأنت حرباية .
لم يُكتب لهذا الحوار ان يستمر , ليتمادى كل طرف بإيذاء الآخر . فها هي والدة جارها
المُتَلَصِّصْ تطرق باب غرفته تدعو ابنها تامر لتناول وجبة العصرونة .
بنفس الوقت قامت والدة باهي بطرق باب غرفة ابنتها تدعوها لتناول الطعام ايضا .
لم تُذعن باهي للهزيمة بل اعتبرتها نصراً مما حدا بها قبل ان تغادر الغرفة لترقيص لسانها
والتلويح بيديها مُسْتهزئة بجارها .
لم يغمض لباهي جفن وهي تتقلَّب فوق سريرها , تحتضن وسادتها برهة وبرهة أخرى تُلقي
بها حتى عَافَتْها الوسادة , الى ان أتى الصباح بعد عناء طويل .
دسَّت شطيرتها بين كتبها واوراقها . ثم امسكت بيدها كتاب التحويل الموجه من ادارة التعليم
للمدرسة الجديدة التي تم نقلها اليها وانطلقت مسرعة نحو المدرسة وقد إستأثر جارها جُلّ تفكيرها .
فأخذ ضميرها يؤنبها ويحثها على استرضاء هذا الجار . لما أعياها الفِكَرْ , خاطبت نفسها قائلة :
ــ انا لم اكن يوماً سليطة اللسان وقليلة الذوق . ماذا حدا بي كي ارشقه بهذه الألفاظ ؟
على اي حال , هو لم يُقصِّر بالرد , وإعتزازه بنفسه قاده لشن حرب كانت اقسى علي وأشدّ .
لكن , مهما بدر مني فأنا بنت وهو الولد.
ما زالت باهي في حِيرَةٍ من أمْرِها . هل تعتذر له حين تراه ؟
استقر رأيها , ان تقف بالنافذة بعد عودتها من المدرسة وتبتسم في وجهه فور رؤيته ,
فالأبتسامة أجدى من الكلام وتصل القلب بلمح البصر .
دخلت المدرسة , وبعد ان قامت بتسليم كتاب النقل للإدارة . ارشدتها إحدى المدرسات الى
صفها . فعبرت الساحة واتجهت نحو الصف , رأته يجلس فوق رحلاية والمكان بجانبه خالي .
رقص قلبها من الفرح وقالت له وهي تجلس قُربهُ باسمة :
ــ صباح الخير يا حردون .
أجابها بإبتسامة ملأت وجهه :
ــ صباح النور يا حرباية .
ما هي إلاّ ثوان , وكانت المُدَرِّسة تقف امامهم . وقفوا جميعاً إحتراماً لها .
اشارت لهم بالجلوس وهي تقول :
ــ صباح الخير يا أحبائي . قبل ان ابدأ الدرس ما رأيكم لو نتعرَّف على اسماء بعضنا البعض ؟
وسوف أبدأ بإسمي . انا إسلام .
اشارت بيدها نحو الرحلاية التي يجلس فوقها مَنْ كانا خصمان بالأمس , وهي تحدق بتامر
تدعوه للتعريف بنفسه .
وقف بثبات وقال بوضوح :
ــ انا مسيحي .
لم تستطع المُدرِّسة كتمان ضحكتها , في حين جلجل بالضحك عدد من التلاميذ في مؤخرة الصف .
تداركت المُدَرِّسة الموقف بسرعة وربتت فوق رأسه قائلة :
ــ احسنت يا ...
وقفت باهي على اطراف اصابع قدميها حتى كادت تلامس حلمة اذن المُدَرِّسة وهمست :
ــ تامر .. اسمه تامر
فبادرتها المُدَرِّسة بالسؤال :
ــ وأنتِ ؟
لم تُفاجأ باهي , وكانت قد اعدَّتْ نفسها للأجابة ببرائتها المعهودة . فأجابت وهي تلوح بيديها
وكأنها تلقي قصيدة :
ــ اسمي بهية , وهذا اسم والدة ابي , ولكونه من الأسماء القديمة , فإنهم في البيت يدعونني باهي
وكذلك كل مَن يعرفني من اصدقاء وصديقات يدعوني بإسم باهي ايضا .
أخذت المُدَرِّسة بيد بهية ووقفت بجانبها قائلة لها وللتلاميذ :
ــ ان اسم بهية من الأسماء الجميلة . مَنْ منكم يعرف مَنْ هي البهية ؟
رفع احد التلاميذ يده . وعندما سُمِحَ له بالأجابة قال :
ــ البهية هي السيدة مريم العذراء عليها السلام .
لم تكن المُدَرِّسة تتوقع احداً يُجيب على السؤال . ومن فرط اعجابها به تقدمت نحوه وهي
تمتدحه قائلة :
ــ أحسنت , لا بل أبْدَعْتْ . ما اسمك ؟
اجابها وقد احمرَّتْ وجنتيه خجلاً :
ــ اسمي احمد .
حوَّلت رأسها نحو تامر وقالت :
ــ أرأيت يا تامر ؟ نحن هنا جميعنا مسيحيون , وجميعنا ايضا مسلمون ...
قرع جرس الفسحة , فتدافع التلاميذ نحو الباب كَسَيْلٍ جارف غير مكترثين لما تقوله المُدَرِّسة .
وضعت باهي الشطيرة بين اسنانها , وقبل ان تقضمها سألت تامر :
ــ اين شطيرتك ؟
لم يُجبها , فاسترسلت قائلة :
ــ سوف اقسم شطيرتي بيني وبينك .
تقدَّم احمد نحوهما وبيدة شطيرته قائلاً :
ــ هل تسمحان لي بالأنضمام اليكُما ؟
ابتسما , وأجاباه سوياً :
ــ نعم , وهل نستطيع ان نقول لا لنجم الصف ؟
استرسلت بهيه بالحديث وهي تنظر نحو احمد :
ــ ربما شطيرتي لا تعجب تامر يا احمد, فهل تقبل ان تتقاسم شطيرتك معه ؟
اجاب بدون تردد :
ــ طبعا , وبكل الحب .
وضع تامر يداً فوق كتف احمد واليد الأخرى فوق كتف بهية, وقال بخجل :
ــ شكرا لكما , معي شطيرتي ولكني لا استطيع ان آكلها , لأن سني يتقلقل ويؤلمني .
دَفَسَتْ بهية يدها في جيبها واخرجت منديل ورق مكرمش , فرفَدَتهُ والتقتط منه شيئاً بحجم حبة
العدس البلدي وكالثلج في بياضه وهي تقول :
ــ انظر يا تامر , هذا سني , كان يتقلقل قبل ساعات , نتشته واحتفظت به .
فهم يقولون ان من يحتفظ بأول سن حليب له بعد قلعه يرافقه النجاح والحظ حتى الممات .
انتش سنك الآن واحتفظ به , مثلي .
ارتبك احمد , وسأل بهية ببراءة ناصعة البياض :
ــ بالأمس قلعت اول سن حليب لي والقيته في سلة المهملات . والآن , سني الثاني يتقلقل .
يا ترى ماذا يقولون عن الذي يحتفظ بسنه الحليب الثاني بعد قلعه ؟
اجابته وهي تُمسك بتلابيب ابتسامة خرج نصفها من مَبسَمِها قائلة :
ــ سوف ينعم برفقة اصدقاء مخلصين مثلنا .
فقهقهوا ثلاثتهم حتى امتلأت عيونهم بالدموع , ولم يتوقفوا إلاّ حين اعلن الجرس انتهاء الفسحة .
تعليق