حكايات وعبر:
حكاية النضيرة الحقيرة وما جرى في مدينة الشمس في الظهيرة
جاسم محمد صالح
[align=justify]( في الشدائد يعرف المرء ) فإما ان يكرم وإما ان يهان , وحدثت سرقة في المعنى قالوا أيضا : في الامتحان يكرم المرء أو يهان …على أسوار مدينة الحضر حيث كان شعار الشمس مرتفعا على أسوارها جرى ذلك الامتحان…
فجيوش الفاتحين كانت كالجرذان تملا الأرض و تأكل كل من ما هب ودب, كانت الحضر مثابة أمام الجميع مرتفعة كالجبال تتلألأ عزا ومجدا وكرامة , اغتاظ الطامعون من ذلك , سيروا الجيوش من بلاد فارس مئات الألوف… تلو مئات الألوف, حاصرت تلك المدينة العربية مثل زهرة الشمس بين يدي متوحش حجري, أحاطوا بها من كل جانب كالسوار المحيط بالمعصم, حاولوا اقتحامها أكثر من مرة , عجز الأمر عليهم, كيف يفشل الفرس في احتلال الأرض العربية ؟ كيف؟؟, هذا أمر عجيب وغريب , ثار القائد … وصال وجال ولكن بدون فائدة وكانت الحضر صخرة تتحطم عليها كل ما يريدون , فشل الجميع في حل المشكلة , فاضطر القائد الفارسي لان يستعين بحمار حكيم وكان الحمار حكيما حقا وحقيقة , قال له الحمار :
- عليك بالنضيرة , فإنها صغيرة
ففهم القائد الفارسي ( حسجة) الحمار فقام له إجلالا , فقبله من رأسه وقال لاحد غلمانه :
- أعطه يا غلام عشر باقات من الجت والبرسيم والشعير المحسن. وبسرعةامتلأت حقيبة الحمار الحكيم ( السمسونايت ) بباقات من البرسيم المعالج وراثيا وودع القائد الفارسي عائدا إلى زريبته ومعه سيارة السوبر ورشاشة الكلاشنكوف وأربعة ملايين دينار وباقات الجت الطازجة وهو لما يزال يرقص و(( يهوس )) وممسكا بعقاله :
- ها … ها… ها
فحينما طال الحصار ويئس القائد الفارسي من دخول المدينة اخذ بنصيحة الحمار الحكيم وبدأت رسائل العشق تنهال على النضيرة , كلمات لم يكتبها حافظ الدين الشيرازي ولا عمر الخيام ولا جلال الدين الرومي, كتب إليها فيما كتب وبماء الذهب وعلى الحرير الصيني المتعدد الألوان :
- (( ان رواق عيني منزل لك , فتكرمي بالنزول فيه ))…
التوقيع ((العاشق الولهان طغيان بن طغيان )) .
حمل الحمام الزاجل الرسائل بشوق أكثر وكانت رسائل النضيرة للقائد الفارسي محمولة على أجنحة الفراشات البرتقالية ومكتوبة على ألستن الوردي وبأسلوب شعراء عذره الغارقين في عذريتهم :
احبك حبين حب أهل الهوى وحب… لأنك أهل لذاكا
وكان ما كان وتكسرت القلوب على مذبح الوفاء ولوعته وفتحت له أبواب مدينتها … رغبة في لقاء الحبيب الذي طال انتظاره , لتتلقفه الأحضان تلو الأحضان, قتل الجنود المحتلون كل من دب وهب في المدينة بوحشية الإنسان , فامتلأت المستشفيات وضاقت المقابر وتشرد الملابس وأحرقت المدينة عن بكرة أبيها وكان الشاعر ( ت. أس.اليوت) كان يعنيها في قصيدته التي اسماها : (الأرض اليباب) … وتزامن مع دخول المحتلين ان فتحت حديقة الحيوانات في الجيزة أقفاصها وخرج منها أبناؤها المبجلون محمولون على طائرات ألـ ( دي . سي ) نحو مطار المدينة , فأجهزوا على ما تبقى من الحجر والبشر وراحوا بسياراتهم الفارهة يتنزهون في شوارع المدينة , كأنهم في حديقة الحيوانات …(( يتفرجون )) وسط الليل المكفهر ووسط التراب الذي غطى الوجوه التي ما عادت وجوها , وعلى أشلاء عشرات الألوف من الضحايا لبست النضيدة فستان زفافها وتوجهت للقاء القائد الفارسي أحلامها ليحملها على حصانه الأبيض ونقلها بعيدا بعيدا عن مدينتها , وكان رأس أبيها المقطوع يحق لها بصمت فما عاد قادرا على الكلام :
- ماذا يا نضيرة ؟ من يخن أباه ؟ وأمه ؟…. ومن يخن شعبه وأبناء جلدته ؟ ومن يفتح أبواب مدينة للأعداء المحتلين لا يؤتمن .
صرخ القائد الفارسي كصرخة هارون الرشيد يوم اخذ رؤوس بني برمك:
- اقطعوا رأس النضيرة لانها حقيرة … وقطعوا جسدها واحرقوه واسحقوه وارموه في مزابل المدينة… الخائن لا يؤتمن …لقد تواطأت معي وخانت بلدها.
ولحظتها تبخرت الأحلام وضاعت الآمال وفقدت (البكارة) واحتلت المدينة ولم يكن للخيانة من مصير غير هذا .
واليوم حيث تكاثر المحتلون وتفننوا في خيانتهم ولبسوا آلاف الأقنعة وحملوا الهويات والجوازات , فمن يدعي انه شريف وهو طامع بالملك وهو غارق في العمالة للانكليز حتى أذنيه, وبين إسلامي يودي الصلوات الخمس على سجادة شارون والكنيست , وبين محرر تحمل ابنته -ان كانت ابنته- قنينة الويسكي وهي تقبل الجنود الأمريكان من فيالق اللوطية والكي كية وهي مخمورة , ويبادلونها التقبيل بحرارة أكثر وفراش اسخن بينما أبوها ( الحبنتري) يعقد مؤتمرا في (قاعة المؤتمرات) و(نادي الصيد) يتكلم فيه عن الشرف العربي وعن الحرية والديمقراطية واحترام حقوق سكان مأرب وحضرموت قبل التاريخ ويتصافح مع ( غارنر ) المنسي ويقول وهو ممسك بعقاله لأولئك المحتلين الذين لا نعرف نحن جنسهم :
لا يسلم الشريف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
أين أنت يا نضيرة؟؟؟ أين أنت يا حقيرة؟؟؟… هذا جزاء من يخون وطنه ويتعاون مع الأعداء المحتلين , أما جزاء الله فهو الأكبر… الأكبر … الأكبر. [/align]
تعليق