[frame="4 98"]
مسرحية
البئـر
الحائزة على الجائزة الثانية فى مسابقة التأليف المسرحي
بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2006
ربيع عقب الباب
الشخصيات
هارون الرشيد هارون بن محمد (المهدي) بن عبد الله (المنصور) العباسي
الهاشمي، والرشيد لقبه. أبو جعفر. ويقال له أبو محمد.
استخلف بعهد من أبيه بعد موت أخيه الهادي.
جعفر هو جعفر بن يحي بن خالد البرمكى .. وزير الرشيد وربيبه
ورفيق طفولته وصباه
يحي كبير الوزراء في خلافة الرشيد
الفضل هو الفضل بن الربيع بن يونس بن كيسان .. كبير الحجاب
عبد الله عبد الله بن مالك الخزاعى .. صاحب الشرطة فى عهد الرشيد
إبراهيم الموصلى المغنى الأكثر شهرة
أبى بن أبى مريم مهرج الرشيد
عمربن العباس بن مجد من ندماء الرشيد
مروان مروان بن أبى حفصة .. شاعر الرشيد
علية علية بنت المهدي بن المنصور، من بني العباس، أخت هارون
الرشيد، أديبة، شاعرة، تحسن صناعة الغناء، كان أخوها
إبراهيم ابن المهدي يأخذ الغناء عنها. مولدها ووفاتها ببغداد.
زبيدة زبيدة بنت جعفر .. زوج الرشيد وابنة عمه ..وأم الأمين
دنانير جارية عند يحي بن خالد .. تحسن الغناء .. تجريد الأغاني من
وضعها .
مسرور جلاد الرشيد الشهير
برخلة جلاد .. صاحب المأمورية الخطيرة ويطلق عليه ( ياسر )
جبريل بن بختيشوع طبيب
الأمين الابن الأصغر للرشيد من زوجه زبيدة
المأمون الابن الأكبر من جارية الرشيد ( مراجل )
بدوى صاحب الصياح وقت تعليق البيعة فى الكعبة
الرجل صاحب مهمة الفتك بالهاربين إلى مكة واليمن
كائن البئر رسالة رحمة .. وهو من ضحايا عهود العباسيين السابقة
المكان : بلاد العراق .. البصرة و بغداد .. مكة
الزمان : سبعة وثمانون و مائة هجرية
اللوحة الأولى
نبوءة
خارج بغداد.. بئر تظللها شجرة عتيقة .. صوت الريح
يصفر .. بعض الأتربة تتطاير فتخلق جوا متربا كالغمامة
.. يقبل شابان فى زى التجار فى العصر العباسي الأول ..
أحدهما يجذب الآخر
هارون هيا .. ألا تكفْ عن عنادِك ؟
جعفر مولاي .. أَتْعَبْتَنِي .. حتى غدوتُ عاجزا .. من طريقٍ إلى طريق..
وبلا توقفِ ..وكلما قلتُ لنفسي هانتْ .. تقولُ ليسَ هو المكانَ
.. ليس هو المكان .. ليس ...........
هارون جعفر .. لا تعاندْ
جعفر ليتني أستطيعُ
هارون اقتربنا .. هاهي ذي البئرُ .. نعم البئرُ.. المكانُ كما رأيتُهُ !!
جعفر أيَّةُ بئرٍ .. إنه مكانٌ مهجور .. حتى الشجرةُ الوحيدةُ آيلةٌ
للسقوط !
هارون المكانُ كما رأيتُهُ يا جعفر..كأنه هو..نعم..الشجرةُ ..البئرُ ..
الأتربةُ والغبارُ..أصواتُ الرياح !
جعفر مكان .. بئر .. تهوى المفاجآتِ دائمًا .. أتذكرُ أيامَ كنا صغارا
.. كم أريتني العفاريتَ فى عزِّ الظهرِ الأحمر ..ثم تُخلِّفُني وحيدا
.. أنتظر .. حتى تستشعرَ أنتَ سُخفَ اللعبة فتنهيها !
هارون أنا .. دائما تعشقُ الكذب .. دائما .. يومًا ما سأقتلُك لأجل
كذبك !
جعفر أو تستطيعُ ذلك فعلا ؟
هارون و لم لا .. هل أقسمُ لك ؟
جعفر لا .. دعنا من هذا إلى تلك ( يعنى البئر )
هارون انتظرْ يا جعفر .. تأملْ البئرَ .. تأملْها جيدا
جعفر البئر .. محضُ بئرٍ نتنة .. يا الله .. ألا تشمْ الرائحة ؟
هارون هذه أقلقتْ منامي أمس .. قَتَلَتْنِي !
جعفر قتلتْك .. ومازالتْ الروحُ فيك !!
هارون قه قه قه .. وجدتُني .. وكأن نفرا من القومِ يلقون بي عُنوةً في بئرٍ
دون رحمة .. بئرٍ مثلَ هذه .. مثل .. إنها نفسُ البئر ..وأنا أصرخُ ..
وأقاومَهُم .. وأطلبُ النجدة .. و لا مغيث .. صرخاتي .. أقلقتْ
كلَّ من بالقصر .. الجواري .. والعبيدَ .. و أظنُها أفزعتْ زُبيدة !
جعفر عجيبٌ أمرُ هذا الحلم .. أقصدُ الكابوس .. لكن مرةً واحدةً ربما
كانت من تأثيرِ طعامٍ ثقيل !
هارون لم تكن مرةً واحدةً .. بل ثلاثا ..دعنى أكملْ لك .. فجأةً تعلقَ
برقبتي شيءٌ..مجردَ شيءٍ ..حيوان..إنسان .. لا أعرف.. له أظافرٌ
كالمخالب .. ولحيةٌ تصلُ إلى .. إلى ماذا ..كلُّ ما أحسستُهُ أنها بلا
انتهاء !!
جعفر ليس غيرُ الريحِ .. والغبارِ .. وأنا وأنت !
هارون جعفر .. كأنه الحلمُ بكلِّ مافيه .. انظرْ إلى البئر ؟ ألا تسمعْ صوتَها؟
جعفر بئرٌ عفَا عليها الزمن .. لها رائحةٌ لا تحتملُ .. صوتٌ .. صوتُ عويلٍ
.. قد تكونُ الريحَ ..مولاى ..إنها أصواتٌ متعددةٌ لا صوتا واحدا !!
هارون ماذا لو دُلِّيتَ .. ونظرتَ ما تحمل ؟
جعفر ليس بعد !
هارون جعفر .. أنا لا أهْزِل !
جعفر ومن قالَ لكَ أنى اكتفيتُ .. وأريدُ الموت .. من يتحملُ هذه
الرائحةَ .. كأنه قبرٌ يا مولاي !!
هارون جعفر !
جعفر مولاي .. ليكن شاهدٌ واحدٌ .. أَتَقْتُلُني بلا شهودٍ ؟
هارون لا تخفْ ..أُقسمُ لك يومَ أقتُلَك ؛ سيكونُ الشهودُ كثيرين .. هيا
يا جعفر .. الحلمُ لم يكنْ عبثا !
جعفر الأمرُ لله .. هاأنا ذا ( يتعلق بالحبل وينزل به ) أعرفُ أن نهايتي
على يديك ..أعرفُ ..سأفتقدُ الشوارعَ .. والبيوتَ .. وأنفاسَ
الطيبين .. ودمعةَ الشكرِ والعرفانِ حين أجيبُ سائلا.. سأفتقدُك
أنتَ يا هارون .. نعم ..ليتني بالفعلِ أموتُ قبلَك .. لا أكادُ
أتصورُ الحياةَ .. وأنتَ لستَ فيها .. ما عَرِفْتُ سواكَ .. و لا
أريدُ ( يختفي الصوت ) .
هارون نزل الحبلُ كلَُهُ .. جعفر .. أَجبْنِي .. جعفر ..كان المهديُّ
والمنصورُ يحبان هذا النوعَ من السجون .. حيث يكونُ الموتُ
صبرا.. الضحيةُ تموتُ مرفوعةَ الرأسِ .. حتى ولو لم تُرِد (
الحبل يهتز ) كأنه يطلبُ منى سحبَ الحبلِ ! ( يلف بكرة الحبل
..ثقيلة بعض الشيء ) هانتْ ..يا الله .. خفَّتْ .. يالله ( فجأة
تظهر رأس شعثاء ) ما هذا ( يلف البكرة ) نفسُ الهيكلِ ..لم يكنْ
له وجه ..نعم ( يسرع بسحبه خارج البئر..كائن ضئيل للغاية
عبارة عن شعر ممتد ، ولباس متهرىء تماما، وقدمين منتفختين ) من
أنتَ ؟( يحمله .. يضعه إلى جدار البئر ) من أنتَ .. ومن أسقَطَك
هنا .. فى هذه البئر ؟
الكائن ( يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة ) انتظرْ قليلًا أيُّها السائلُ !
هارون هل أُحضِرُ لك بعضَ الماء ؟
الكائن ألا ترفعَ صاحبَكَ ؟
هارون لينتظرَ بعضَ الوقت !!
الكائن ربما نسيتَهُ كما نَسِيَنِي أميرُ المؤمنين المنصورُ !
هارون تقولُ أميرُ المؤمنين المنصورُ ؟
الكائن نعم .. أميرُ المؤمنين .. أتُنكرُ ؟
هارون أُنكرُ ماذا ؟
الكائن ألا ترفعَ صاحبَك .. البئرُ تمتلىءُ بالجثث .. ألا تسمعَ صوتَهُ ؟
هارون صوتُ مَنْ ؟
الكائن صاحبِك أو عبدِك الذي رفعني ؟
هارون ألا تراني ؟
الكائن قد يموتُ بين الجيفِ .. ارفعه !!
هارون ليمتْ كيف شاء .. المهمُ أنت !!
الكائن أتوسلُ إليك .. ارفعه !!
هارون لك ما تريدُ ( يدلى الحبل ) جعفر .. هاهو ذا الحبل في الطريق
إليك .. جعفر .. ألا تسْمَعْني !!
الكائن جعفر .. إذن أنت هارون .. ألستَ هارونا ؟
هارون أنا هو .. فمن أنت ؟
الكائن إذن فقد مضى المنصورُ .. والمهديُّ .. وموسى الهادي !!
هارون إلى رحمةِ اللِه ذهبوا .. فمن أنت ؟
الكائن لم أنتَ متعجلٌ .. هل رفعتَ صاحبَك يا مولاي ؟
هارون لن أستطيعَ وحدي ..فهو ثقيلٌ كالملحِ .. ثم إنه يستطيعُ التسلقَ
كالقرد .. هاهو ذا .. ألم أقلْ لك !
الكائن الحمدُ لله ( بينما جعفر يخرج .. يكح ويتقيأ بشكل موجع )
أرأيتَ .. كدتَ تقتُلَهُ .. وستقتُلَهُ يوما !
هارون سأقتُلَهُ يوما !!
الكائن شرَ قِتلةٍ .. وتأكلُ الطيرُ من لحمه !
هارون ماذا تقول ؟
الكائن ألا تصدقُ .. صدقْ يا ولدى .. ستقتُلَهُ ، وتُمثِّلُ به !!
هارون أنا .. أنت تهذي .. نعم تهذى .. أقتلُ جعفرا .. إنه مظلتي في حرِّ
القيظِ .. ومدفأتي فى ثلجِ الشتاء ..وأُنْسِى في وحشتي .. وكَرَمِي في
بُخْلِي ..وعزَّتِي في وجعي وانهزَامِي ..وآيةُ الحقِّ حين تستبدُ بى
العصبيةُ والجَلْفَةُ .. كيف يا شيخ ؟
الكائن لن تأخذَكَ فيه رحمةٌ و لا شفقةٌ .. ولن يشفعَ له شيءٌ .. كائنٌ على
وجهِ الأرض !!
هارون أمازلتَ تهذي ؟
الكائن أنا لا أهذى يا مولاي ..حقيقةٌ حملْتُهَا معي إلى هذه البئر ..لم تتغيَّرْ
معالـمُهَا .. لم تتغير !!
هارون جعفر .. جعفر ( يقترب منه وقد عانق التراب .. يزحف جعفر
فيسند كتفه بجدار البئر ، كأنه سمع ما فاه به الشيخ ) .
الكائن أمعكَ عطرٌ يا أمير ؟
هارون عطرٌ .. حالا أَتِى به ( يسرع هارون .. يختفي فنسمع صوت
صهيل جواد ) .
الكائن بم تحسُّ يا جعفر ؟
جعفر إني أموتُ يا عمى .
الكائن لم يأتِ وقتُكَ بعد .. لكنه قريبٌ .. قريب !!
جعفر قل لا يعلمُ غيبَ ربِّك إلا هُو ( يكح .. يتحشرج صوته ) .
الكائن حقا وصدقا .. لكنني أعرفُ .. أحدُكما يقتُلُ صاحبَهُ .. يقتلُ
صاحبَهُ .. قُضِىَ الأمرُ !
هارون ( يقبل .. يقترب ومعه قربة ماء .. يقترب من الشيخ ..يجرعه الماء )
اشربْ يا شيخ .. اشربْ
الكائن سقاك اللهُ من فُراتِ الجنةِ .. الله .. وخلقنَا من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ
.. اسقِ صاحبَك .. اسقِ صاحبَك !
جعفر ( يقترب منه هارون ) عفوا يا مولاي ( يأخذ منه القربة ..يشرب )
هارون دعنى أنثرْ عليك قليلا من العطر ( يفتح قارورة .. يرش وجه
جعفر وملابسه ) فعلا .. رائحةٌ لا تحتملُ ..وأنتَ يا شيخ ( يقترب
منه .. ينثر عليه العطر ) كيف كان احتمالُك لكلِّ هذا النتن ؟!
الكائن احتمالُ المؤمنِ بقضاءِ اللهِ وقدره .. جزاك اللهُ خيرا يا ولدى
هارون لم تقلْ .. من أنتَ يا عمى ؟
الكائن الماضي والمستقبلُ الذي ينتظرُك .. وتسعى إليه .. سلْ عنى المنصورَ
والسفاحَ .. أقصدُ عبدَ الله ..لو تقدرُ ..كلمةً واحدةً أقولُـها لك ..
سيمضى صاحبُك .. ولن تهنأَ بعيشٍ .. ربما قلتُ لك ابتعدْ عنه ..
أو أَبعدْهُ عنك ..لكنني لن أقولَـها ..لأنها ستكونُ مثلَ غبارِ الطريق
.. لن تُجْدِي نفعا..كلُّ ما أريدُ قولَهُ .. إياكَ وألسنةَ السوء .. إياك
ثم إياك من زورةِ الغضبِ .. إياك !!
هارون كيف تقولُ ذلك .. ألم أقلْ لك ما جعفرُ لي ؟
الكائن وسمعتُ جيدا .. ولكن
هارون ولكن ماذا ؟
الكائن قضاءُ اللهِ وقدرُهُ !
هارون أرفضُ أن أكونَ يدا غادرةً .. وقلبا متقلبا !!
الكائن هذا أنت .. لك ملائكةٌ وشياطينٌ .. تسعى فى ركابِك !
هارون ألا من مخرجٍ يا شيخُ من هذه السقطة ؟
الكائن الأفعالُ للخلقِ .. والتقديرُ والقضاءُ لله ..قد يُؤخرُ.. وقد يُبدلُ !
هارون فقل لى .. دُلَّنى .. لا تتركنى
الكائن إني أموتُ يا ولدى !
هارون أرجوك .. لا تبخلْ بها !
الكائن معي قارورةٌ وتعويذةٌ .. هاهي .. خذْها .. واقتسمْهَا معه !!
هارون اقتسمُهَا معه ؟
الكائن نعم .. وحاذرْ أن تستأثرَ بهَا وحدَك !
هارون لا أفهم ؟
الكائن أما القارورة ( يكح .. يلتقط أنفاسه )
هارون قلْ يا شيخ ؟
الكائن مالك لا تصبرُ ( يلتقط أنفاسه ) القارورةُ بها دِهَانٌ يُعيدُ الشبابَ
هارون يُعيدُ الشبابَ .. فلم لم تستعن به ، وتخرجْ من البئر؟
الكائن كان طلسما مرصودا باسمِكَ ، لن يُجدي نفعا لغيرك .. دعنى أكملْ
قبلَ الذهابِ ؛ إن كنتَ صادقا فى تغييرِ قدرِك وقضائك !!
هارون قل .. لن أقاطعَك !
الكائن التعويذةُ تُغنِى حاملَها مدى حياتِهِ .. بحبِّ النساء .. بالمالِ .. بحبِّ
الناس .. اخترْ ما ترَى أيَّ الاثنتين ترغبُ .. وأعطِ صاحبَك الأخرى
.. واحذرْ من الجمعِ بينها ..احذر ( يرتخي جسده ويموت في الحال )
هارون مات ( يقلب فيه ويجس نبضه ) ماتَ الشيخُ .. جعفر .. لم لا تجبْ
.. مات الشيخ .. جعفر .. هل متَّ أنتَ الآخرُ .. جعفر !!
جعفر مولاي .. أتناديني ؟
هارون جعفر .. لم أنت ساكنٌ هكذا .. بم تحسُّ ؟
جعفر بالموت .. لا أستطيعُ فكاكا .. يُحاصِرُني .. كأني حبيسٌ في دائرتِهِ ..
شُدَّني يا مولاي .. شدنى !
هارون جعفر ( يسحبه ) قم .. هيا يا جعفر
جعفر هل نام الشيخ ؟
هارون مات !!
جعفر إنا لله و إنا إليه راجعون .. خرج من الموت إلى الموت !!
هارون وأنت .. ألا نمضى ؟
جعفر الموتُ يحاصرُني !
هارون جعفر قم .. قلت لك قم .. هيا
جعفر الجثثُ تملأُ البئرَ يا مولاي !!
هارون سوف نردمُها فورا
جعفر ستظلُ تنضحُ يا أميرَ المؤمنين !!
هارون ستزرعها معي وردا وفلا وعنبا وحنطة !!
جعفر هل تقدرُ ؟
هارون ألستَ بجانبي ؟
جعفر وما جدوى وجودي بجانبك ؟
هارون جعفر ( بحدة ) هل سمعتً الشيخ ؟
جعفر ألم تقلْ مات ؟
هارون هيا بنا .. هيا يا جعفر !
جعفر لا أستطيعُ
هارون أتتخلى عنى ؟
جعفر ( بوهن وضعف )عَمِلْتُ لك حمَّارا .. ونخاسا .. وصيادا .. وتاجرا
.. وحطابا .. وقائدا .. وسفيرا .. ومسخا .. ومضحكا .. أنيسا ..
ونديما .. ومهرجا .. وما الجدوى .. لا شيء !!
هارون جعفر .. لا تثقلْ علىَّ.. أمامَنَا طريقٌ طويلٌ .. طويلٌ .. هذه البئرُ
العفنةُ كيف تكونُ بستانا وبيوتا لعبادِ الله .. وحدي لا أستطيعُ .. لا
أستطيعُ يا جعفر !!
جعفر وما أنا سوى تابعٍ فى طابورٍ طويلٍ من التابعين !!
هارون بل كلُّ التابعين أنتَ .. قم .. لا تتمادَ .. هل سمعتَ الشيخ ؟
جعفر ألم تقلْ .. مات ؟
هارون ماتَ .. نعم مات !
جعفر هل قالَ شيئا ؟
هارون ليتنا مارفـ.......
جعفر كان يحتاجُ لنسمةِ هواءٍ طيبةٍ وشربةِ ماءٍ .. فهل كُنَّا نحرمُهُ منها ؟
هارون سيأخذُك منى !
جعفر ليتَهُ فعل !
هارون جعفر .. أنا لن أتحملَ .. سأربطُكَ فى فَرَسِي وأَجُرُكَ جرا ..أسمعتَ !
( يخرج قارورة ) معي نبيذٌ .. جرعةٌ واحدةٌ .. وتركضُ مثلَ فرسٍ
اشرب ( يجرعه .. تهيج أنفاسه .. يسكن تماما كأنه مات ) جعفر ..
جعفر (يصرخ) !!
اللوحة الثانية
شجون زبيد ة
مخدع في قصر الرشيد – جعفر على الفرا ش _ الطبيب جبريل بن
بختيشوع بن جورجيس يعوده بحضور عليه بنت المهدى أخت الرشيد
جعفر أين أميرُ المؤمنين .. أين هو ؟
عليه أميرُ المؤمنين .. حرامٌ عليك .. نشَّفْتَ دمَهُ يا جعفر .. إنه لا يهدأُ
..أتى بك وهو يصرخُ .. قتلتُ جعفرا .. قتلتُ جعفرا .. و لم يقوَ على
الانتظارِ هنا حتى ينتهي الطبيب !!
جعفر نادِه يا عُليَّةُ .. أرجوك !
عليه استرحْ أنتَ .. استرحْ .. واهدأ قليلا !
جعفر ما فعلتُ ذلكَ إلا لأرى جبريلَ الطبيب .. ويمرضَنِي كما يُمرضُ أميرَ
المؤمنين !
علية ( بفرح ) سأنادى أميرَ المؤمنين ( تتجه صوب الباب ) مولاي هارون
.. يا أبا جعفر ؟
جعفر ( يضحك ) لا شيء .. ظننته الموت .. فأسلمت له عناني !
هارون ( يدخل متهللا ) هيه أيُّها الطبيبُ .. كيف حالُ مريضِنا .. أقصدُ
ميتِنا ؟
جبريل سلْهُ يا مولاي ؟
جعفر ( يتحرك نازلا ) ها أنا ذا .. عمرُ الشقي ممدودٌ .. وراءك ..وراءك
.. أتظنُ أنَّك انتهيتَ منى .. واللِه أبدا !
هارون جعفر .. مكانَك
جعفر ليس هناك شيءٌ يا مولاي .. الطبيبُ جبريلُ عمِلَ اللازمَ !
هارون هل يستطيعُ تناولَ بعضِ النبيذِ ياجبريلُ ؟
جبريل يستطيعُ ماهو أكثرُ .. عفوا مولاى .. الصبحُ أوشَكَ على الطلوع !
هارون ( يرفع كيسا من حزامه ) خُذْ يا أجلَ الأطباء .
جبريل من فيضِكَ نعيشُ .. دام عزُّك وسلطانُك .
جعفر وأنا أيضا ( وهو ينزل نهائيا عن السرير ) .
جبريل عافاك اللهُ وشفاك ياوزيرَنا الحبيب ( يأخذ ما يقدمه ) أستودعُكم
الله !
هارون بخبثِكِ هذا كدتَ تقتُلني يا بنَ يحي !!
جعفر أنا .. قلْ إن قلبَك ضعيفٌ .. لم يعدْ يتحملُ يا مولاي !
هارون ألا تشربَ قليلا من النبيذ ؟
جعفر أخشى أن تذهبَ بي
هارون أنا ضامنُكَ ( يضحكان .. ينادى ) يا عُليَّةُ .. ادخلي
علية ( تدخل فرحة ترفل ) لبيكَ أميرَ المؤمنين !!
هارون أسمعيني شيئا .. لو أبدعتِ الليلةَ .. لن أكملَ .. سأجعلُهَا مفاجأة
علية ( تجلس إلى جانبه ، وتستعد للغناء )
ليتَ الخيالَ على الأحبابِ ما طَرَفَـا
وليتَ هذا الـهوى للناسِ ما خُلِقَـا
لولا حـرارةُ قلبي من تَـذكُّرِكُم
ماسالَ دمعي على خدي ولا اندفقَـا
أُصَـبِّرُ القلبَ فى يومـي وليلتِهِ
وصار جسمي بنارِ الحبِّ مُـحْتَرِقـا
( الرشيد يشرب حتى يغلبه النوم .. يقف جعفر لينصرف )
عليه ألا تنتظر قليلا !
جعفر نام أميرُ المؤمنين .. أرهقتُهُ كثيرا .. لم يهدأْ منذ خروجِنَا !
علية أين كنتما ؟
جعفر نتفقدُ الأحوالَ ، ونعسُّ بين الخلقِ كالعادة !
علية جعفر .. تعسُ وتتفقد ؟
جعفر هل أقسمُ لكِ ؟
علية لا .. ولكن اجلسْ قليلا
جعفر لا .. لا بدَ من الانصراف !
علية جعفر .. أنسيتَ أنك زوجي على سنةِ اللهِ ورسولِه ؟
جعفر أنسيتِ أنتِ عهدَ أميرِ المؤمنين .. لا تكوني واهمةً ؟
علية بدأتُ أضيقُ بهذا الوضعِ .. ألم .........
جعفر لستِ وحدَك يا عُليَّة
علية حين دخلَ علينا يحملُكَ .. كدتُ أموتُ يا جعفر( وهى تعطيه يدها )
جعفر ( يأخذ يديها بحب ثم يتركها ) ليتكِ ماكنتِ عُليَّة .. ليتك !!
علية أحبُّكَ يا جعفر .. وأنتَ تعرفُ كم أتعذبُ !
جعفر لعنةُ الخلافةِ تحاصرُنا يا علية .. ألا تبًّا لها من لعنة !
علية خذني يا جعفر .. اختطِفَنِي .. وأرضُ اللهِ واسعةٌ !
جعفر لن أختطفَكِ وحدَكِ .. لابدَ حينَ أقررُ ذلكَ .. أن أختطفَ هارونا أيضا
علية هارون .. هارون .. ضُمَّني يا جعفر .. ضمني !!
جعفر ليتني أتستطيعُ .. ليتني ( يتقدم منها ، يتراجع ، يعطيها ظهره )
عليه جعفر .. أنتَ خائفٌ .. خائفٌ ترتعدُ !!
جعفر و لا كلمةً .. نحن قبِلْنَا .. وعلينا الطاعةُ حتى يأذنَ الله !!
علية إن بي شوقا إليك !!
جعفر علية .. إني ...........
علية طب طب .. أم جعفر .. زبيدة .. في انتظارك !!
جعفر إني خارجٌ إليها فورا ( يتحرك متجها إلى الخارج )
زبيدة مرحبا بك يا جعفر ( تدخل فجأة )
جعفر أكرمَكِ اللهُ يا مولاتى
زبيدة أنتَ بخيرٍ على ما أرى ؟
جعفر الفضلُ يرجعُ لأميرِ المؤمنين .
زبيدة كنتُ أريدُكَ فى أمرٍ هام !
جعفر مولاتى تأمرُ
زبيدة ( تتقدم بعيدا فيتبعها .. تسر إليه ) يصلني ما تُحَاولُهُ لإقصاءِ ولدى
عن ولايةِ العهد !
جعفر مولاتى .. لا تنسى .. أنا آل برمك أولُ من طالبَ الرشيدَ بالعقدِ
لمحمد .. أم.........
زبيدة ( تقاطعه )جعفر .. أنتَ لستَ وزيرَنا فقط .. أنت أخو الرشيدِ
وصاحبه وسميره.. والرشيدُ يميل لولدي محمد ..وقريشٌ .. العشيرةُ
كلُّها .. فكُنْ فى الكفةِ الراجحةِ أو أصمتْ ..واطلبْ العافيةَ !
جعفر مولاتى .. إنها الأمةُ .. وإمارةُ المسلمين ؟
زبيدة جعفر .. لا تقطعْ مابيننا من ودٍّ ورحمةٍ .. كُنْ سندا لي .. أكُنْ لك
أختًا وأمًّا .. وأكنْ إلى جانبِك إذا ادلهمتْ الخطوبُ ... وكشرتْ
عن أنيابـِها ذئابُ الليل !
جعفر مولاتى .. أستميحك عذرا ؛ فأنا متعبٌ .. في وقتٍ آخر .. سوف
نُقلقُ مولاي الخليفة !
زبيدة لم انهِ حديثي بعد .. ثم ما أمرُ الجاريةِ التي جلبتَها .. وتأويها فى
قصرِكَ ؟
جعفر من منهن يامولاتى ؟
زبيدة دنانير .. أو دراهم .. لا أدرى .. كلهُن سواء !
جعفر مالها ؟
زبيدة مالَ حالُها .. كلَّ ليلةٍ يُنصبُ السامرُ .. ويُقبلُ الخليفةُ مُترنحا وهو لا
يكادُ يرى شيئا أمامه ؟
جعفر مولاتى .. أرجوك
زبيدة أيعجبُكَ ما يحدثُ .. القصرُ يزدحمُ بالجواري والعبيدِ .. أكثرِ
من ثلاثمائة جاريةٍ .. يطأهن .. يجبُ عليك نصحه .. والمحافظةَ
على وقارِهِ وهيبتِهِ .. أليسَ هذا أولَ مهامِك يا جعفر ؟
جعفر هذا أمرٌ لا أخوضُ فيه .. إنه يخصُّ أميرَ المؤمنين .. فلا تُحملِيني
مالا طاقةَ لي به .. أرجوك يا سيدتي !!
هارون ( فجأة كأنه كابوس ) لا .. لا يا شيخ .. هذا جعفر .. نعم
جعفر .. كذب .. من أنت .. كذب ما أدعيت .. نعم كذب ..
ابتعدْ أيُّها الشيخُ .. ابتعد
جعفر ( يسرعون نحوه ) مولاي .. مولاي أميرَ المؤمنين .. هارون
هارون ( يقعد .. العرق يملأ وجهه ) من .. جعفر .. يبدو أنى غفوتُ
قليلا .. لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .. لا حولَ و لا قوةَ إلا بالله !
جعفر أنا سببُ هذه الكوابيس .. معذرةً يا أحبَّ خلقِ اللهِ إلى نفسى !
هارون اجلس يا جعفر .. اجلس .. زبيدة .. مالك يا أم جعفر .. مجردُ
كابوسٍ .. هيا اتركنني وجعفر .. هيا ( تخرجان )
جعفر أرهقتُكَ كثيرا .. لابد أن تستريح .
هارون جعفر .. إني أختنق .. أختنق .. خذني معك إلى بغداد !
جعفر بل تنام .. تنام .. ولا تفكرُ في شيءٍ مهما كان !
هارون عقلي لا يهدأُ يا جعفر.. لا يهدأُ .. من بلادِ الرومِ .. إلى السندِ
.. وبلادِ الصين .. إلى حاضرةِ الدنيا .. آه .. كم من الأحلامِ
يتبخرُ .. يهوى كأوراقِ الخريفِ .. كم يا جعفر .. خطوةُ النهارِ
نقطعُها في شهور ..نسيرُ عكسَ تياراتٍ عنيدةٍ ..كلُّ زادِنا الإيمانُ ..
وفقط !!
جعفر لا تقلْ هذا .. يا جبارَ بنى العباس .. خطوةُ النهارِ تكفيها لحظةٌ
لو أردتَ .. لست مكتوفَ الأيدي .. أعداؤك يأتونَك هنا بين
قدميك مقبلين ثيابَك ..راجين رحمتَك وعفوك ..لا تقلْ ما قلتَ
مرةً ثانيةً .. أعرفُ أحلامُك أكبر .. أعرفُ .. البئرُ واسعةٌ ..
تختنقُ بالرممِ .. أعرفُ أننا نمضى بلا خُطةٍ .. فقط ما يقدرُنا اللهُ
على فعله .. نعم .. فهونْ على نفسِكَ !!
هارون لا يغرَّنَك ما حدثَ مع يحي بن عبد الله .. وعبد الملك بن صالح
العباسي.. فهذا استثناء !
جعفر ليكن الاستثناءُ قاعدةً ..العفو سمةَ الدولةِ..والكرمُ عنوانَ حكمِها
.. والسيفُ على من عاداها !
هارون أرهقني أولادُ العمومةِ .. آلُ طالبٍ .. وآلُ عباسٍ !!
جعفر مولاي .. دعْ عنك هذه العذاباتِ .. يعيشون عصرا ذهبيا .. أين
أنت مما فعلَ الهادي والمهديُّ والمنصورُ عليهم رحمةُ الله .. أين أنت
.. أنت تاجُ العباسيين .. ومنارتُهم التي أضاءتْ سماءَهم القاتمةَ !
هارون أكادُ لا أصدقُك يا جعفر .. الفضلُ بنُ الربيعِ يقولُ عكسَ ذلك
.. وابنُ مالكٍ الخُزَاعىُّ صاحبُ الشرطةِ .. زبيدةُ ..تريدُ محمدا ..
وأنا أريدُها لعبدِ الله .. كلُّهم ضدي .. ضد إرادتي .. إلا أنتم يا
آلَ برمك !!
جعفر وما نحنُ إلا بعضٌ من كلٍّ .. نُخطىءُ كما يُخطىءُ كلُّ البشرِ .. لكن
اللهَ خلقَ العينَ ؛ لترى .. والقلبَ ؛ ليحسَّ .. وخلقَ العقلَ ، يميزُ
.. والبصيرةَ لإنارةِ القادم .. لم يروا هارونا كما يجبُ .. لم يعرفوه
كما عرفناه .. لم يحسوا به كما أحسسنا .. مولاي .. هيا بنا نغيِّرُ
المكانَ .. هيا !!
هارون يقولون.. جعفرُ بنى قصرا بالذهبِ والفضةِ و........
جعفر أقوضُهُ لو كان صحيحا !!
هارون و الفضلُ بنُ يحي كون جيشا من الديلم قوامُه خمسمائة ألفَ مقاتلٍ !!
جعفر مولاي .. ما كان الفضلُ بنُ يحي ليفعلَ ، إلا ما فيه صالحُ أميرِ
المؤمنين .. وولى نعمته !!
هارون وأن الـ..........
جعفر دعنى أمضى !!
هارون لم أنه كلامي بعد
جعفر مولاي أرجوك .. دعنى أمضى الساعة !
هارون لن تمضى
جعفر لستُ رُكاما يا سيدي .. يدفنُ فى بئرٍ من مضى من ضحايا.. أنا
وأنتَ فى سلةٍ واحدة .. جعفرُ والرشيدُ .. يا للأسف .. تركتَ لهم
أذنيك حتى امتلأ القلبُ .. واختلطتْ الأنفاسُ !
هارون جعفر .. لا تأتى بما يُؤخذُ عليك !
جعفر وأنا على أتمِ استعدادٍ .. هل أحبسُ نفسي .. هاتِ أمرَك ؟
هارون والحلمُ يا جعفر ؟
جعفر بين أصابعِكَ يا مولاي .. يختنقُ .. احذرْ أن يموت !!
إظـلام
اللوحة الثالثة
لعبة شيطانية
زبيدة فى حالة دل وجلسة غرام مع الرشيد تحيط بهما الطنافس
والرياش .. أمامهما لوازم الشراب.. تتهادى أصوات موسيقى من
خلف ستارة .. أجواء أسطورية !
زبيدة هارون .. طيِّبْ خاطِرِي .. وقلْها
هارون أقولُ ماذا يازبيدتى ؟
زبيدة يا رجلٌ .. ألا تحبُّ محمدا ؟
هارون وما دخلُ هذا بالحبِّ والكرهِ .. يازبيدة .. ليست عُقْدًا أو رداء ..
إنها الخلافةُ ؟!
زبيدة قالها ولدُك عبدُ الله .. محمدٌ أولى بها منى .
هارون أما رأيتِ تصرُّفَ الاثنين .. دخل عبدُ الله فقبلَ يدَكِ .. ولم يتحركْ
حتى أذنَّا له .. وحين سُئلَ قدمَ أخاه على نفسه .. أما محمدٌ .. لا.. لا
.. يا أمَ جعفر .. لا يصلحُ .. لا يصلحُ !!
زبيدة ( تستشاط غضبا ) بل قُلْ أنك تميلُ لابنِ الجارية ؟
هارون زبيدة .. لم أنتِ غاضبةٌ ؟
زبيدة غاضبةٌ ..أو ضاحكةٌ ..سيانَ .. لم يعدْ أمرُ زبيدةِ يُهمُّكَ يا هارون !
هارون لا تقولى هذا .. تعرفينَ قدرَك عِنْدى .. ألا تعرفين ؟
زبيدة انتهى كلُّ شيءٍ ..أصبحَ قلبُكَ مُوزَّعًا بين جواريك وإمائك الكُثْر !
هارون يا لوزةَ قلبى .. وصبوةَ روحي .. ما أحلاك حين تُبعِدِينَ رأسَكِ الجميلَ
هذا عن مشاكلِ الحكمِ والسياسةِ !
زبيدة أبعد .. وابني .. حيلتي ومعاشي .. محمد .. أأتركُهُ نهبًا لرياحاتِ الآراءِ
.. و الأمزجةِ المتقلِّبة ؟
هارون كيف .. لابدَ من تنغيصِ عيشي .. وإقلاقِ راحتي .. أتدرين بماذا أفكرُ
.. أفكرُ فى تركِهَا ..للشورى ..ليرجعَ الأمرُ إلى أصلِهِ كما تركهُ رسولُ
اللهِ عليه صلواتُ اللهِ .. لكن الفتنةَ قائمةٌ ..والصورةَ لم تتكشفْ جوانبُهَا
بعد .. وأنا مازلتُ أخشى المقامرة !!
زبيدة وولدى .. وأنا .. إنك مريضٌ .. مريضٌ .. تفكرُ فى المستحيلِ .. ألم
يكْفِكَ أنك ظلمتُ ولدى .. وما أنصفْتُهُ ؟!
هارون ظلمتُه !!
زبيدة نعم .. وليْتَهُ العراقَ ..وأَعْرَيْتَهُ عن العُمَدِ والقُوَاد .. وصيَّرْتَ ذلك
إلى عبدِ الله دونِه .. الرجالَ والعتادَ .. وخُرَاسَان .. و ..........
هارون ومن أنتِ وتميْزُ الأعمالِ واختيارُ الرجالِ .. إنى وليتُ ابنَكَ السلمَ
و عبدَ اللهِ الحربَ .. وصاحبُ الحربِ أحوجُ إلى الرجالِ من المسالم
.. ومع ذلك نتخوَّفُ ابنَك على عبدِ الله .. و لا نتخوَّفُ عبدَ اللهِ
على ابنِكِ .. إن بُويع !
زبيدة ويلٌ للبرامكةِ منى ..إنهم حُواةٌ لا يهدأون ..هذه آرَاؤهم ..مقاصدُهم !
هارون وما دخلُ البرامكةِ فى هذا الأمر ؟
زبيدة أليسَ عبدُ اللهِ بين يدي جعفر .. هو ربيبُهُم .. وصنيعتُهُم ؟
هارون ليتنى أعطيتُهُم محمدا أيضًا .. ما نَدِمتُ على شيءٍ أشدَ الندمِ إلا على
ذلك .. ومن لها غيري!! .. قالها فى عظمةٍ وكبرياءٍ وصلف .. متناسيا
أخاه الأكبر .. الأكبرَ يازبيدة !!
زبيدة هارون حبيبي .. انهِ الأمرَ الآن .. واللهِ إن لم تنهِ الآن .. هِيه ( تتدلل
بسرف وتهتك )
هارون سأقتلُهُما يازبيدة .. ولن تسامحيني على ذلك !
زبيدة ليكن ما يكون .. هيه
هارون ستحْمِلِينَ دمَهُ ؟!
زبيدة لن يكونَ شيءٌ مما تقولُ .. إن هي إلا أوهامٌ !!
هارون ليستْ أوهامًا يا أمَ محمد .. طالما الأمرُ انتهَى بنا إلى هنا .. لابدَ أن
أصارحَكِ .. لكنى .....
زبيدة بم تُصارحُنِي .. أو تُخْفِى عنى شَيئًا.. هِيه ؟
هارون أشياءَ وأشياء !
زبيدة وهُنْتُ عليك يا هارون ؟
هارون لم تُطَاوعْني نفسي بإزعاجِك
زبيدة هات ما عندك.. ولا تمزق قلبي !
هارون تعرفين ماشاءَ اللهُ .. المنجمَ اليهوديَّ ..لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .
زبيدة أَعْرِفُهُ !
هارون وتعرفين أن سعْيَهُ لا يخيبُ .. ورؤيتَهُ صادقةٌ لا لبسَ فيها ؟!
زبيدة أعرف .
هارون تحدثَ بكلامٍ أَفْزَعَنِي .. كابوسٌ مريع .. فى اليقظةِ وفى المنامِ .. ونصحَ
بعدمِ عقدِ البيعةِ للصغير .. نصحَ بذلك وهو يرتجفُ مما رأى !
زبيدة وماذا رأى ؟
هارون بالطبعِ أشياءَ في غايةِ الفظاعة..لن أقولَ منها شيئا ؛ لخشيتي عليك !
زبيدة ولو .. يكفيني شرفًا عقدُ النيةِ عليها !!
هارون زبيدة .. تعرفين كم أحبُّ ولدى.. ولدَك .. انتهينا ( ينهى الأمر ) .
زبيدة ( تجرعه الكأس تلو الآخر ) قتلتَ شياطيني .. هارونُ لزبيدة .. وزبيدةُ
ملكُ هارون ..مليكُ قلبِهَا وروحِها و مهجتِهَا .. بَقِىَ شيءٌ ( وهى
تتلوى كالأفعى بين يديه )
هارون زبيدة .. ماذا أصابَك الليلةَ ؟( تجرعه كأسا )
زبيدة التضييقُ الذي يمارسُهُ يحيى بنُ خالدٍ ، وغلقُهُ الأبوابَ !!
هارون ينفذُ أوامري .. وهو ليس متهما في حريمي !
زبيدة أوامرُكَ علينا .. وعلى ولدِهِ .. لا ؟
هارون ماذا تقولين ؟
زبيدة أقول .. وهل أقولُ إلا ما يرددُهُ الجميعُ .. الخدمُ والوصيفاتُ !!
هارون وأيُّ شيءٍ يرددُهُ الخدمُ والوصيفاتُ ؟
زبيدة اتصلَ بعُليَّة .. واختلى بها !
هارون زوجُها .. أليس زوجَها ؟
زبيدة زوجَها .. منذ متى .. وأين ما عَقَدَ عليه .. ألم تشترطْ عليه عدمَ
مواقعتِها ؟
هارون هل حدثَ شيءٌ من هذا ؟
زبيدة نعم .. حدثَ وحدثَ .. وأثمرَ ياخليفةَ المسلمين !!
هارون أتُخرِّفِين يا امرأة ؟
زبيدة ماكنتُ أريدُ البوحَ بما أعلمُ ؛ لمعرفتي أن الأمرَ يُحزنُك ،ويُثيرُ غضبَك !
هارون دعي مكرَ النساءِ .. وأَكملي حديثَكِ !!
زبيدة أنجبتْ ولدًا !
هارون أنتِ الليلةَ تُخرِّفين .. نَأى عنى شياطينَك يا بنتَ جعفر !!
زبيدة أنجبتْ ولدًا !
هارون من أنجبتْ ؟
زبيدة عُليَّه !
هارون ممن ؟
زبيدة من جعفرِ بنِ يحي !!
هارون جعفر ( يقف .. يقهقه ) غيرُ صحيح .. جعفر .. مستحيل !!
زبيدة بيني وبينَك بيِّنةُ الأمر !
هارون ومابينةُ الأمرِ يا أمَّ محمد ؟
زبيدة الوليد !
هارون الوليد ؟
زبيدة وشِهَادَةُ الخدمِ والوصيفات !!
هارون أرينيه ؟
زبيدة خوفا منك دفعتْ به إلى جاريةٍ وغلام .. وارتحلا به إلى مكة !
هارون اكتفيتُ منك يا امرأة .. أصبح مجلسُكِ غمًّا .. والبعدُ عنكِ غمًّا ..
أين أذهبُ ياربى ..عُلية .. ولد .. ومن جعفر .. أصبح خيالُكِ خِصْبًا
يا بنتَ جعفر !!
زبيدة نسمعُ الوصيفات .. وصيفاتُ علية .. هُوووه .. إنهم يلعبون لعبةً
كبرى وفى غايةِ الإحكام .. جيشٌ .. وقصورٌ .. وأتباعٌ .. وأموالٌ
مكدسةٌ .. ووليدٌ .. ذكر.. من صُلبِ أسرةِ الخلافة !!
هارون يا لشياطينِ زبيدة ..والفضلِ ..وابنِ مجد .. الجميعُ يريدُ رأسَك يا جعفر
.. حتى زبيدة تريدُها حالا .. تُنجبُ وتخونُ العهد .. لا أظنُك تفعلُها ..
.. حتى لو قالتْ.. هيتُ لك ..قد تكونُ صادقةً ياهارون ..يالكيدِ النساء
..لم لم تُخبرْني إن كانتْ صادقةً ؟ اشربْ يا هارونُ .. ليلُكَ سيطول ..
سيطول .. سيطول ( فجأة يظهر كائن البئر )
الكائن ستقتُلُه شرَ قِتْلَةٍ .. وتمثلُ به !
هارون لا .. لا يا شيخ !
الكائن والقارورةُ والتعويذة .. استأثرتَ بها !!
هارون القارورة .. التعويذة .. أين هما ..أين ( يقف مهتاجا ثائرا كمن ضاع
منه شيء ثمين ) التعويذة و القارورة ( يخرج )
زبيدة جُنَّ هارون .. أيةُ تعويذةٍ وأيةُ قارورة .. كلما تحدثتُ معه فى هذا الأمرِ
افتعلَ ما يُنهى به حديثَنا .. ولو .. لن أتركَهُ .. لن أتركَهُ .. ولن أدعَهُ
يرقدُ بجانبى إلا إذا أنهىَ الأمرَ و استمعَ منى .. نعم .. وليعرفَ الجميعُ
من زبيدةُ بنتُ جعفر !!
إظـلام
اللوحة الرابعة
خيوط اللعبة
بهو فى قصر الحريم .. الفضل بن الربيع ينتحي جانبا بزبيدة زوج
الرشيد ؛ مخافة رصد عيون الخدم وكبير الوزراء !
الفضل وصدّقَكِ ؟
زبيدة طلبَ الوصيفاتِ
الفضل طلبَ الوصيفات ؟
زبيدة عصرَهُن عصرًا
الفضل في حضورِ مولاتى ؟
زبيدة في حضوري .. خَشيتُ أن ينفردَ بِهن .. ويكتشفَ اللعبةَ
الفضل أعرفُ أننا نلعبُ لعبةً خطيرةً .. ولكنْ للضرورةِ أحكاما
زبيدة وقعَ بين خيوطِنا .. لكن ربما .....
الفضل أطلقَ العيونَ والرجالَ وراءَ من ارتحلوا إلى مكة ؟
زبيدة نعم .. هذا ما أخشاه !
الفضل أصلُ إليهم .. ونجرى أمامَهُ حتى اليمنَ وحضرموت !!
زبيدة وإذا ما واجَهَ عُليَّه .. تعرفُ كم يُحبُّها.. ويحتفِي بها ؟
الفضل قد يلطمُهَا لطمتين أو ثلاثَ .. وفى النهايةِ .. الأمرُ بيده !!
زبيدة هارونُ عنيدٌ .. وربما أثرَ فيه جعفرُ أو عُلية .. ودفعَهُ إلى استدعاءِ
طبيب !
الفضل هذا أمرٌ لم أفكرْ فيه بعد .. ولكني سأجدُ له حَلًا أمثل !!
زبيدة ألا تستطيعُ مع جبريل أو جابرِ بنِ حيان ؟
الفضل إنه يثقُ بما يأتي به جبريل .. صعبٌ رشوةُ هذا الرجل .
زبيدة أقولُ لك .. دع الأمرَ لي .. إن حاولَ سأجدُ حلا !!
الفضل مازلتُ غيرَ مطمئن .. هل قلن له رأينا الوليد ؟
زبيدة وأكثرَ من ذلك .. نحن حملنا الوليد .. هدهدناه .. ونحن من
أعطيناه للجارية قبلَ رحيلِها
الفضل هل أجزلتِ لـهُن العطاء ؟
زبيدة بالطبع !
الفضل هذه اللعبةُ لو تمتْ على خيرٍ .. كانت القاصمةَ لآلِ برمكٍ جميعا !
زبيدة ولكنْ قلْ لى يا فضل .. ما أمرُ القارورةِ والتعويذة ؟
الفضل لا أعلمُ ياسيدتى .. إنه يشكُّ فى الجميع .. الخدمِ والجوارى ..
ويتهددُهم بقطعِ الرقبةِ إن لم يعثروا عليها !
زبيدة لم أرَ معه تعويذةً ولا قارورة ؛ اللهمَ عدَا قواريرَ العطر و الدهان الخاص
به !
الفضل إنه دائمُ البحثِ عنها .. لابدَ أنها تحملُ سرًّا
زبيدة أىُّ سرٍّ .. ربما كانتْ دهانا جديدا .. أو عملا لعرافٍ أو منجم !
زبيدة دعنا من أمرِها ..ما تمَّ كان تدبيرا تُحسدُ عليه يابنَ الربيع ( تنظر
بشكل ملفت ) هيا ..أرىَ يحي قادما
الفضل كُوني فى طبيعتِك .. كأن شيئا لم يكن !
يحى عفوا سيدةَ القصر !!
زبيدة أهلا يا أبا الفضل .. أترُكُكما سويةً ( تنصرف )
يحي مالك يا فضلُ لا تهدأ ؟
الفضل ومن أين يأتي الهدوءُ .. وأنتم عليها ؟
يحي احترسْ يا فضلُ .. وتكلمْ على قدرِ حجمِك !
الفضل وأنت تعرفُ حجمي .
يحي نعم .. أعرفُهُ تماما .. وأدركُ ما يحملُ .. فلا تجازفْ .. أخمدنا النارَ
.. وطوينا البئرَ على ما تحمل .. فلا تفتحْها !
الفضل أيةُ بئرٍ يا كبيرَ الوزراء ؟
يحي البئرُ التي فتحَها قديما الربيع !
الفضل الربيع .. الجميعُ يعرفُ قدرَ أبى .. ويشهدُ له !
يحي نعم .. يشهدُ له .. كان عليها حين ذهبَ أبو أيوب الموريانى ..
وأيضا أبو معاوية بنُ يسار .. ويعقوبُ بنُ داود .. هل تذكرُ يا
فضل .. أم تُرَاك نَسِيت !!
الفضل كلامٌ فارغٌ .. وحديثٌ ممجوجٌ .. لا أساسَ له !
يحى كانوا من خاصةِ الخاصة .. لهم المنزلةُ الأسمى عند المنصورِ والمهديِّ
.. أحدهم كان قريبا إلى حدٍّ بعيد ..حتى أن المهديَّ خرجَ يوما على
القومِ وهو يهتفُ .. هذا أخي .. هذا أخي ..ثم كان الربيعُ بحصافتِهِ
وفصاحتِهِ ؛ فانقلبَ المنصورُ ؛ و انقلبَ المهدىُّ من بعد.. وسارا فى
بركةٍ دم ؛ شوهتْ تاريخَهما معا !!
الفضل قل إن بنى العباس لا يروقون لك .. أنهم متعطشون .. مصاصون
للدماء ؟
يحي ها بدأت فصاحتُك .. ويلى منك .. ومن ذكائِك الوضيع .. تُنِيرُهُ
التآويلُ الرخيصة .. ومن نحن حتى لا تُعجبُنا تصرفاتُ سادتِنا يا
فضل ؟
الفضل قلها لنفسك .. و لا تخضْ فى أمورِ الخلفاء !
يحي صحيح .. دعنا من الربيع .. ألم تكنْ أنتَ وسواسُ موسى الهادي حين
كان يدبرُ لقتلِ الرشيد ؟!!
الفضل أنا .. أنا يا يحي .. سامحك الله .. سامحك ( يتظاهر بالبكاء )
يحي تُنكرُها أيضا .. يا سبحانَ الله .. أنتم أهلُ الفتنِ ومشعلو الحرائقِ
يا فضل .. فلا تجادل !!
الفضل وأنتم بيضٌ .. ميامين ؟
يحي تعرفنا .. وتعرفُ أجدادَنا..نعرفُ قدرَ السادةِ ..كما نعرفُ الحُقَرَاء !!
الفضل إلى هذا الحدِّ يا يحي ؟
يحي قلْ كبيرَ الوزراءِ يا حاجب .. ولا تتعدَ حدودَك .. أراكَ فأُكذبُ
نفسي .. وأسمعُ بأذني فأقولُ وشايةً من عبدٍ أو وصيف .. ولكنك
لا تتوبُ .. و لا ترتدعُ .. حتى استطالتْ يدَاك .. ووصلتَ إلى
حريمِ الخليفة .. إلى أمِّ جعفر !!
الفضل امنعنى لو تقدر !
يحي من السهلِ منعَك .. لكنى لا أتصرفُ بدونية .. فما أيسرَ أن
أستصدرَ أمرا باعتقالِك حالا !
الفضل أنت واهمٌ يا يحي .. واهم !!
يحي ما حدودُ المؤامرةِ التي تدبرُها.. هيه ؟
الفضل فوق ما قد تتصور .. ويتصورُ الوزيرُ جعفر !
يحي جعفر .. هيه !!
الفضل إياك تتصورُ أنى تاركَكُم تنعمون بكلِّ هذه الأموالِ والأملاكِ
والقصورِ والضياع .. ماذا تريدون منها .. تريدونها مجوسية ..
ونارا تعبدُ في أرضِ الإسلام ؟!!
يحي هي العصبيةُ إذن ما تتكىءُ عليه ؟
الفضل هي وغيرُها يا يحي !
يحي نفسُ اللعبةِ القديمةِ والأبيدة .. لكنك لن تَفلح .. لن تفلح !
الفضل هل تستطيعُ أن تبررَ لي موقفَكم من يحي بنِ عبدِ الله .. ولماذا
أفلتموه من قبضةِ الرشيد .. تصرفاتُكم مكشوفةٌ أمامَ الجميع ؟!
يحي كنتَ تريدُهُ قتيلا ؟!
الفضل هذا ما يحددُه مولانا الرشيد !
يحي ويومَ عُدْنَا به من الديلم معترفا بذنبه .. راجعا عنه ، دون إراقةِ دماءٍ
.. ألم يحمدْها لنا الرشيد ؟
الفضل نعم .. ولكن الـ.................
يحي ماذا يا رجل .. هؤلاء أبناءُ عمومتِه آلُ طالب .. وآلُ عباس أخوة
.. ويومَ نُصلحُ بينهم .. نكونُ قد أخمدْنَا الفتنةَ التي لعنَ الرسولُ
الكريمُ من يُوقِدُها !!
الفضل دونَ الرجوعِ للخليفةِ وولى الأمر ؟
يحي لا يمكن .. أيعقلُ أن نفعلَ شيئا مهما صغُرَ دونَ علمِ الخليفة ؟
الفضل فعلتم .. وتفعلون .. وآخرُ أفعالِكم كانتْ مع عبدِ الملك بنِ صالح
.. يا أبا الفضل !
يحي عبدُ الملك العباسي يا فضل .. كان عندَك مكبلا بالحديد .. وجيء
به أمامَ الخليفة .. وجيء بالواشيين .. ابنه عبد الرحمن .. و قمامةِ
كاتبهِ ِ.. قالا.. وقال .. فى حضرةِ الرشيد .. وكنتَ أنتَ شاهدَ عَيانٍ
الفضل ما خفي عن الرشيدِ تورطُكم فى أمره !!
يحي أيُّ أمرٍ يا رجل .. اتقِ اللهَ فينا .. اتقِ اللهَ ياظالم .. بحسدِك ووشايتِك
ظنها الرشيد .. وبادرَ بإبعادِ الفضلِ ولدى .. وحبسَهُ .. و أنت لا
تحركُ ساكنا .. هددني بابني .. و أنا في حولِ اللهِ ألتاذُ به ..حتى تأكدتْ
له طهارةُ أيدينا و نبلُ مقصدِنا .. وبرأنا ساحةَ الرجل !!
الفضل كان لابدَ من موتِهِ .. كان يريدُ الخلافةَ .. وسيظلُ يريدُها يا يحي
يحي من صورَ لك ذلك ؟
الفضل ولدُه عبدُ الرحمن قالَ ذلك ..وكاتبُه قمامة !
يحى عدو أبيه .. يقولُ اللهُ تعالى :" «إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا
لكم فاحذروهم» .. صدق الله العظيم
الفضل والبيعةُ التي باركتموها لمحمدٍ الأمين ، بولايةِ العهدِ؛ ثم انقلبتُم عليها ؟
يحي وما نحن إلا رعايا الخليفة .. ولكن من واجبِنا التنبيهَ واستحسانَ الرأي
.. وعدمَ كتمانِ الحق .. إذا سُئلنا عنه !!
الفضل لك دُربةٌ في ردِ السؤالِ كما تُحبُّ يا يحي .. لكن قلوبَكم مع عبدِ
اللهِ المأمون .. نعم .. أعلنها جعفرُ للخليفة !!
يحي وما يحزنُك في ذلك يا فضل ؟ تُحصِى علينا الأنفاس .. تتعقبُنَا كأنها
الحرب .. ما كنتُ أصدقُ مع ما كنتُ أُكنُهُ لك من مودةٍ وحبٍّ
واحترام .. أن تتحولَ عنا بمثلِ هذه الدرجة .. ما تدبرُهُ خطيرا غيرَ
مأمونِ العاقبة .. وقديما قالوا .. وعلى الباغي تدورُ الدوائر !!
الفضل على الفاشلِ الخاملِ الضعيف .. يا يحي !
يحي ليكن .. ولتعلمَ أنا مع ما يقررُه الخليفة .. إذا قال : الأمينُ فهو
الأمين .. ونحن رجالُه .. وإن قال : المأمونُ فهو المأمون .. ونحن
رجالُه .. هذا أمرٌ يخصُ الخليفةَ وحدَه !!
الفضل وأنت كبيرُ وزرائِه .. وتعرفُ أن قريشا قلوبُها مع محمدٍ الأمين ..
وليس سواه !
يحي ليكن .. هذا ولدُنا والآخرُ ولدُنا أيضا .. وكلاهما زينةُ رجالِ بنى
العباس !!
الفضل فلم لا تقلْها وترحْ الخليفة ؟
يحي قلتُها دائما يا فضل .. فاهدأ و لا تغالِ .. وتذكرْ دائما أنها لم تدمْ
لأحد .. لم تدمْ لأحد .. وإنا للهِ و إنا إليه راجعون !!
إظـلام[/frame]
مسرحية
البئـر
الحائزة على الجائزة الثانية فى مسابقة التأليف المسرحي
بالهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة 2006
ربيع عقب الباب
الشخصيات
هارون الرشيد هارون بن محمد (المهدي) بن عبد الله (المنصور) العباسي
الهاشمي، والرشيد لقبه. أبو جعفر. ويقال له أبو محمد.
استخلف بعهد من أبيه بعد موت أخيه الهادي.
جعفر هو جعفر بن يحي بن خالد البرمكى .. وزير الرشيد وربيبه
ورفيق طفولته وصباه
يحي كبير الوزراء في خلافة الرشيد
الفضل هو الفضل بن الربيع بن يونس بن كيسان .. كبير الحجاب
عبد الله عبد الله بن مالك الخزاعى .. صاحب الشرطة فى عهد الرشيد
إبراهيم الموصلى المغنى الأكثر شهرة
أبى بن أبى مريم مهرج الرشيد
عمربن العباس بن مجد من ندماء الرشيد
مروان مروان بن أبى حفصة .. شاعر الرشيد
علية علية بنت المهدي بن المنصور، من بني العباس، أخت هارون
الرشيد، أديبة، شاعرة، تحسن صناعة الغناء، كان أخوها
إبراهيم ابن المهدي يأخذ الغناء عنها. مولدها ووفاتها ببغداد.
زبيدة زبيدة بنت جعفر .. زوج الرشيد وابنة عمه ..وأم الأمين
دنانير جارية عند يحي بن خالد .. تحسن الغناء .. تجريد الأغاني من
وضعها .
مسرور جلاد الرشيد الشهير
برخلة جلاد .. صاحب المأمورية الخطيرة ويطلق عليه ( ياسر )
جبريل بن بختيشوع طبيب
الأمين الابن الأصغر للرشيد من زوجه زبيدة
المأمون الابن الأكبر من جارية الرشيد ( مراجل )
بدوى صاحب الصياح وقت تعليق البيعة فى الكعبة
الرجل صاحب مهمة الفتك بالهاربين إلى مكة واليمن
كائن البئر رسالة رحمة .. وهو من ضحايا عهود العباسيين السابقة
المكان : بلاد العراق .. البصرة و بغداد .. مكة
الزمان : سبعة وثمانون و مائة هجرية
اللوحة الأولى
نبوءة
خارج بغداد.. بئر تظللها شجرة عتيقة .. صوت الريح
يصفر .. بعض الأتربة تتطاير فتخلق جوا متربا كالغمامة
.. يقبل شابان فى زى التجار فى العصر العباسي الأول ..
أحدهما يجذب الآخر
هارون هيا .. ألا تكفْ عن عنادِك ؟
جعفر مولاي .. أَتْعَبْتَنِي .. حتى غدوتُ عاجزا .. من طريقٍ إلى طريق..
وبلا توقفِ ..وكلما قلتُ لنفسي هانتْ .. تقولُ ليسَ هو المكانَ
.. ليس هو المكان .. ليس ...........
هارون جعفر .. لا تعاندْ
جعفر ليتني أستطيعُ
هارون اقتربنا .. هاهي ذي البئرُ .. نعم البئرُ.. المكانُ كما رأيتُهُ !!
جعفر أيَّةُ بئرٍ .. إنه مكانٌ مهجور .. حتى الشجرةُ الوحيدةُ آيلةٌ
للسقوط !
هارون المكانُ كما رأيتُهُ يا جعفر..كأنه هو..نعم..الشجرةُ ..البئرُ ..
الأتربةُ والغبارُ..أصواتُ الرياح !
جعفر مكان .. بئر .. تهوى المفاجآتِ دائمًا .. أتذكرُ أيامَ كنا صغارا
.. كم أريتني العفاريتَ فى عزِّ الظهرِ الأحمر ..ثم تُخلِّفُني وحيدا
.. أنتظر .. حتى تستشعرَ أنتَ سُخفَ اللعبة فتنهيها !
هارون أنا .. دائما تعشقُ الكذب .. دائما .. يومًا ما سأقتلُك لأجل
كذبك !
جعفر أو تستطيعُ ذلك فعلا ؟
هارون و لم لا .. هل أقسمُ لك ؟
جعفر لا .. دعنا من هذا إلى تلك ( يعنى البئر )
هارون انتظرْ يا جعفر .. تأملْ البئرَ .. تأملْها جيدا
جعفر البئر .. محضُ بئرٍ نتنة .. يا الله .. ألا تشمْ الرائحة ؟
هارون هذه أقلقتْ منامي أمس .. قَتَلَتْنِي !
جعفر قتلتْك .. ومازالتْ الروحُ فيك !!
هارون قه قه قه .. وجدتُني .. وكأن نفرا من القومِ يلقون بي عُنوةً في بئرٍ
دون رحمة .. بئرٍ مثلَ هذه .. مثل .. إنها نفسُ البئر ..وأنا أصرخُ ..
وأقاومَهُم .. وأطلبُ النجدة .. و لا مغيث .. صرخاتي .. أقلقتْ
كلَّ من بالقصر .. الجواري .. والعبيدَ .. و أظنُها أفزعتْ زُبيدة !
جعفر عجيبٌ أمرُ هذا الحلم .. أقصدُ الكابوس .. لكن مرةً واحدةً ربما
كانت من تأثيرِ طعامٍ ثقيل !
هارون لم تكن مرةً واحدةً .. بل ثلاثا ..دعنى أكملْ لك .. فجأةً تعلقَ
برقبتي شيءٌ..مجردَ شيءٍ ..حيوان..إنسان .. لا أعرف.. له أظافرٌ
كالمخالب .. ولحيةٌ تصلُ إلى .. إلى ماذا ..كلُّ ما أحسستُهُ أنها بلا
انتهاء !!
جعفر ليس غيرُ الريحِ .. والغبارِ .. وأنا وأنت !
هارون جعفر .. كأنه الحلمُ بكلِّ مافيه .. انظرْ إلى البئر ؟ ألا تسمعْ صوتَها؟
جعفر بئرٌ عفَا عليها الزمن .. لها رائحةٌ لا تحتملُ .. صوتٌ .. صوتُ عويلٍ
.. قد تكونُ الريحَ ..مولاى ..إنها أصواتٌ متعددةٌ لا صوتا واحدا !!
هارون ماذا لو دُلِّيتَ .. ونظرتَ ما تحمل ؟
جعفر ليس بعد !
هارون جعفر .. أنا لا أهْزِل !
جعفر ومن قالَ لكَ أنى اكتفيتُ .. وأريدُ الموت .. من يتحملُ هذه
الرائحةَ .. كأنه قبرٌ يا مولاي !!
هارون جعفر !
جعفر مولاي .. ليكن شاهدٌ واحدٌ .. أَتَقْتُلُني بلا شهودٍ ؟
هارون لا تخفْ ..أُقسمُ لك يومَ أقتُلَك ؛ سيكونُ الشهودُ كثيرين .. هيا
يا جعفر .. الحلمُ لم يكنْ عبثا !
جعفر الأمرُ لله .. هاأنا ذا ( يتعلق بالحبل وينزل به ) أعرفُ أن نهايتي
على يديك ..أعرفُ ..سأفتقدُ الشوارعَ .. والبيوتَ .. وأنفاسَ
الطيبين .. ودمعةَ الشكرِ والعرفانِ حين أجيبُ سائلا.. سأفتقدُك
أنتَ يا هارون .. نعم ..ليتني بالفعلِ أموتُ قبلَك .. لا أكادُ
أتصورُ الحياةَ .. وأنتَ لستَ فيها .. ما عَرِفْتُ سواكَ .. و لا
أريدُ ( يختفي الصوت ) .
هارون نزل الحبلُ كلَُهُ .. جعفر .. أَجبْنِي .. جعفر ..كان المهديُّ
والمنصورُ يحبان هذا النوعَ من السجون .. حيث يكونُ الموتُ
صبرا.. الضحيةُ تموتُ مرفوعةَ الرأسِ .. حتى ولو لم تُرِد (
الحبل يهتز ) كأنه يطلبُ منى سحبَ الحبلِ ! ( يلف بكرة الحبل
..ثقيلة بعض الشيء ) هانتْ ..يا الله .. خفَّتْ .. يالله ( فجأة
تظهر رأس شعثاء ) ما هذا ( يلف البكرة ) نفسُ الهيكلِ ..لم يكنْ
له وجه ..نعم ( يسرع بسحبه خارج البئر..كائن ضئيل للغاية
عبارة عن شعر ممتد ، ولباس متهرىء تماما، وقدمين منتفختين ) من
أنتَ ؟( يحمله .. يضعه إلى جدار البئر ) من أنتَ .. ومن أسقَطَك
هنا .. فى هذه البئر ؟
الكائن ( يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة ) انتظرْ قليلًا أيُّها السائلُ !
هارون هل أُحضِرُ لك بعضَ الماء ؟
الكائن ألا ترفعَ صاحبَكَ ؟
هارون لينتظرَ بعضَ الوقت !!
الكائن ربما نسيتَهُ كما نَسِيَنِي أميرُ المؤمنين المنصورُ !
هارون تقولُ أميرُ المؤمنين المنصورُ ؟
الكائن نعم .. أميرُ المؤمنين .. أتُنكرُ ؟
هارون أُنكرُ ماذا ؟
الكائن ألا ترفعَ صاحبَك .. البئرُ تمتلىءُ بالجثث .. ألا تسمعَ صوتَهُ ؟
هارون صوتُ مَنْ ؟
الكائن صاحبِك أو عبدِك الذي رفعني ؟
هارون ألا تراني ؟
الكائن قد يموتُ بين الجيفِ .. ارفعه !!
هارون ليمتْ كيف شاء .. المهمُ أنت !!
الكائن أتوسلُ إليك .. ارفعه !!
هارون لك ما تريدُ ( يدلى الحبل ) جعفر .. هاهو ذا الحبل في الطريق
إليك .. جعفر .. ألا تسْمَعْني !!
الكائن جعفر .. إذن أنت هارون .. ألستَ هارونا ؟
هارون أنا هو .. فمن أنت ؟
الكائن إذن فقد مضى المنصورُ .. والمهديُّ .. وموسى الهادي !!
هارون إلى رحمةِ اللِه ذهبوا .. فمن أنت ؟
الكائن لم أنتَ متعجلٌ .. هل رفعتَ صاحبَك يا مولاي ؟
هارون لن أستطيعَ وحدي ..فهو ثقيلٌ كالملحِ .. ثم إنه يستطيعُ التسلقَ
كالقرد .. هاهو ذا .. ألم أقلْ لك !
الكائن الحمدُ لله ( بينما جعفر يخرج .. يكح ويتقيأ بشكل موجع )
أرأيتَ .. كدتَ تقتُلَهُ .. وستقتُلَهُ يوما !
هارون سأقتُلَهُ يوما !!
الكائن شرَ قِتلةٍ .. وتأكلُ الطيرُ من لحمه !
هارون ماذا تقول ؟
الكائن ألا تصدقُ .. صدقْ يا ولدى .. ستقتُلَهُ ، وتُمثِّلُ به !!
هارون أنا .. أنت تهذي .. نعم تهذى .. أقتلُ جعفرا .. إنه مظلتي في حرِّ
القيظِ .. ومدفأتي فى ثلجِ الشتاء ..وأُنْسِى في وحشتي .. وكَرَمِي في
بُخْلِي ..وعزَّتِي في وجعي وانهزَامِي ..وآيةُ الحقِّ حين تستبدُ بى
العصبيةُ والجَلْفَةُ .. كيف يا شيخ ؟
الكائن لن تأخذَكَ فيه رحمةٌ و لا شفقةٌ .. ولن يشفعَ له شيءٌ .. كائنٌ على
وجهِ الأرض !!
هارون أمازلتَ تهذي ؟
الكائن أنا لا أهذى يا مولاي ..حقيقةٌ حملْتُهَا معي إلى هذه البئر ..لم تتغيَّرْ
معالـمُهَا .. لم تتغير !!
هارون جعفر .. جعفر ( يقترب منه وقد عانق التراب .. يزحف جعفر
فيسند كتفه بجدار البئر ، كأنه سمع ما فاه به الشيخ ) .
الكائن أمعكَ عطرٌ يا أمير ؟
هارون عطرٌ .. حالا أَتِى به ( يسرع هارون .. يختفي فنسمع صوت
صهيل جواد ) .
الكائن بم تحسُّ يا جعفر ؟
جعفر إني أموتُ يا عمى .
الكائن لم يأتِ وقتُكَ بعد .. لكنه قريبٌ .. قريب !!
جعفر قل لا يعلمُ غيبَ ربِّك إلا هُو ( يكح .. يتحشرج صوته ) .
الكائن حقا وصدقا .. لكنني أعرفُ .. أحدُكما يقتُلُ صاحبَهُ .. يقتلُ
صاحبَهُ .. قُضِىَ الأمرُ !
هارون ( يقبل .. يقترب ومعه قربة ماء .. يقترب من الشيخ ..يجرعه الماء )
اشربْ يا شيخ .. اشربْ
الكائن سقاك اللهُ من فُراتِ الجنةِ .. الله .. وخلقنَا من الماءِ كلَّ شيءٍ حيٍّ
.. اسقِ صاحبَك .. اسقِ صاحبَك !
جعفر ( يقترب منه هارون ) عفوا يا مولاي ( يأخذ منه القربة ..يشرب )
هارون دعنى أنثرْ عليك قليلا من العطر ( يفتح قارورة .. يرش وجه
جعفر وملابسه ) فعلا .. رائحةٌ لا تحتملُ ..وأنتَ يا شيخ ( يقترب
منه .. ينثر عليه العطر ) كيف كان احتمالُك لكلِّ هذا النتن ؟!
الكائن احتمالُ المؤمنِ بقضاءِ اللهِ وقدره .. جزاك اللهُ خيرا يا ولدى
هارون لم تقلْ .. من أنتَ يا عمى ؟
الكائن الماضي والمستقبلُ الذي ينتظرُك .. وتسعى إليه .. سلْ عنى المنصورَ
والسفاحَ .. أقصدُ عبدَ الله ..لو تقدرُ ..كلمةً واحدةً أقولُـها لك ..
سيمضى صاحبُك .. ولن تهنأَ بعيشٍ .. ربما قلتُ لك ابتعدْ عنه ..
أو أَبعدْهُ عنك ..لكنني لن أقولَـها ..لأنها ستكونُ مثلَ غبارِ الطريق
.. لن تُجْدِي نفعا..كلُّ ما أريدُ قولَهُ .. إياكَ وألسنةَ السوء .. إياك
ثم إياك من زورةِ الغضبِ .. إياك !!
هارون كيف تقولُ ذلك .. ألم أقلْ لك ما جعفرُ لي ؟
الكائن وسمعتُ جيدا .. ولكن
هارون ولكن ماذا ؟
الكائن قضاءُ اللهِ وقدرُهُ !
هارون أرفضُ أن أكونَ يدا غادرةً .. وقلبا متقلبا !!
الكائن هذا أنت .. لك ملائكةٌ وشياطينٌ .. تسعى فى ركابِك !
هارون ألا من مخرجٍ يا شيخُ من هذه السقطة ؟
الكائن الأفعالُ للخلقِ .. والتقديرُ والقضاءُ لله ..قد يُؤخرُ.. وقد يُبدلُ !
هارون فقل لى .. دُلَّنى .. لا تتركنى
الكائن إني أموتُ يا ولدى !
هارون أرجوك .. لا تبخلْ بها !
الكائن معي قارورةٌ وتعويذةٌ .. هاهي .. خذْها .. واقتسمْهَا معه !!
هارون اقتسمُهَا معه ؟
الكائن نعم .. وحاذرْ أن تستأثرَ بهَا وحدَك !
هارون لا أفهم ؟
الكائن أما القارورة ( يكح .. يلتقط أنفاسه )
هارون قلْ يا شيخ ؟
الكائن مالك لا تصبرُ ( يلتقط أنفاسه ) القارورةُ بها دِهَانٌ يُعيدُ الشبابَ
هارون يُعيدُ الشبابَ .. فلم لم تستعن به ، وتخرجْ من البئر؟
الكائن كان طلسما مرصودا باسمِكَ ، لن يُجدي نفعا لغيرك .. دعنى أكملْ
قبلَ الذهابِ ؛ إن كنتَ صادقا فى تغييرِ قدرِك وقضائك !!
هارون قل .. لن أقاطعَك !
الكائن التعويذةُ تُغنِى حاملَها مدى حياتِهِ .. بحبِّ النساء .. بالمالِ .. بحبِّ
الناس .. اخترْ ما ترَى أيَّ الاثنتين ترغبُ .. وأعطِ صاحبَك الأخرى
.. واحذرْ من الجمعِ بينها ..احذر ( يرتخي جسده ويموت في الحال )
هارون مات ( يقلب فيه ويجس نبضه ) ماتَ الشيخُ .. جعفر .. لم لا تجبْ
.. مات الشيخ .. جعفر .. هل متَّ أنتَ الآخرُ .. جعفر !!
جعفر مولاي .. أتناديني ؟
هارون جعفر .. لم أنت ساكنٌ هكذا .. بم تحسُّ ؟
جعفر بالموت .. لا أستطيعُ فكاكا .. يُحاصِرُني .. كأني حبيسٌ في دائرتِهِ ..
شُدَّني يا مولاي .. شدنى !
هارون جعفر ( يسحبه ) قم .. هيا يا جعفر
جعفر هل نام الشيخ ؟
هارون مات !!
جعفر إنا لله و إنا إليه راجعون .. خرج من الموت إلى الموت !!
هارون وأنت .. ألا نمضى ؟
جعفر الموتُ يحاصرُني !
هارون جعفر قم .. قلت لك قم .. هيا
جعفر الجثثُ تملأُ البئرَ يا مولاي !!
هارون سوف نردمُها فورا
جعفر ستظلُ تنضحُ يا أميرَ المؤمنين !!
هارون ستزرعها معي وردا وفلا وعنبا وحنطة !!
جعفر هل تقدرُ ؟
هارون ألستَ بجانبي ؟
جعفر وما جدوى وجودي بجانبك ؟
هارون جعفر ( بحدة ) هل سمعتً الشيخ ؟
جعفر ألم تقلْ مات ؟
هارون هيا بنا .. هيا يا جعفر !
جعفر لا أستطيعُ
هارون أتتخلى عنى ؟
جعفر ( بوهن وضعف )عَمِلْتُ لك حمَّارا .. ونخاسا .. وصيادا .. وتاجرا
.. وحطابا .. وقائدا .. وسفيرا .. ومسخا .. ومضحكا .. أنيسا ..
ونديما .. ومهرجا .. وما الجدوى .. لا شيء !!
هارون جعفر .. لا تثقلْ علىَّ.. أمامَنَا طريقٌ طويلٌ .. طويلٌ .. هذه البئرُ
العفنةُ كيف تكونُ بستانا وبيوتا لعبادِ الله .. وحدي لا أستطيعُ .. لا
أستطيعُ يا جعفر !!
جعفر وما أنا سوى تابعٍ فى طابورٍ طويلٍ من التابعين !!
هارون بل كلُّ التابعين أنتَ .. قم .. لا تتمادَ .. هل سمعتَ الشيخ ؟
جعفر ألم تقلْ .. مات ؟
هارون ماتَ .. نعم مات !
جعفر هل قالَ شيئا ؟
هارون ليتنا مارفـ.......
جعفر كان يحتاجُ لنسمةِ هواءٍ طيبةٍ وشربةِ ماءٍ .. فهل كُنَّا نحرمُهُ منها ؟
هارون سيأخذُك منى !
جعفر ليتَهُ فعل !
هارون جعفر .. أنا لن أتحملَ .. سأربطُكَ فى فَرَسِي وأَجُرُكَ جرا ..أسمعتَ !
( يخرج قارورة ) معي نبيذٌ .. جرعةٌ واحدةٌ .. وتركضُ مثلَ فرسٍ
اشرب ( يجرعه .. تهيج أنفاسه .. يسكن تماما كأنه مات ) جعفر ..
جعفر (يصرخ) !!
اللوحة الثانية
شجون زبيد ة
مخدع في قصر الرشيد – جعفر على الفرا ش _ الطبيب جبريل بن
بختيشوع بن جورجيس يعوده بحضور عليه بنت المهدى أخت الرشيد
جعفر أين أميرُ المؤمنين .. أين هو ؟
عليه أميرُ المؤمنين .. حرامٌ عليك .. نشَّفْتَ دمَهُ يا جعفر .. إنه لا يهدأُ
..أتى بك وهو يصرخُ .. قتلتُ جعفرا .. قتلتُ جعفرا .. و لم يقوَ على
الانتظارِ هنا حتى ينتهي الطبيب !!
جعفر نادِه يا عُليَّةُ .. أرجوك !
عليه استرحْ أنتَ .. استرحْ .. واهدأ قليلا !
جعفر ما فعلتُ ذلكَ إلا لأرى جبريلَ الطبيب .. ويمرضَنِي كما يُمرضُ أميرَ
المؤمنين !
علية ( بفرح ) سأنادى أميرَ المؤمنين ( تتجه صوب الباب ) مولاي هارون
.. يا أبا جعفر ؟
جعفر ( يضحك ) لا شيء .. ظننته الموت .. فأسلمت له عناني !
هارون ( يدخل متهللا ) هيه أيُّها الطبيبُ .. كيف حالُ مريضِنا .. أقصدُ
ميتِنا ؟
جبريل سلْهُ يا مولاي ؟
جعفر ( يتحرك نازلا ) ها أنا ذا .. عمرُ الشقي ممدودٌ .. وراءك ..وراءك
.. أتظنُ أنَّك انتهيتَ منى .. واللِه أبدا !
هارون جعفر .. مكانَك
جعفر ليس هناك شيءٌ يا مولاي .. الطبيبُ جبريلُ عمِلَ اللازمَ !
هارون هل يستطيعُ تناولَ بعضِ النبيذِ ياجبريلُ ؟
جبريل يستطيعُ ماهو أكثرُ .. عفوا مولاى .. الصبحُ أوشَكَ على الطلوع !
هارون ( يرفع كيسا من حزامه ) خُذْ يا أجلَ الأطباء .
جبريل من فيضِكَ نعيشُ .. دام عزُّك وسلطانُك .
جعفر وأنا أيضا ( وهو ينزل نهائيا عن السرير ) .
جبريل عافاك اللهُ وشفاك ياوزيرَنا الحبيب ( يأخذ ما يقدمه ) أستودعُكم
الله !
هارون بخبثِكِ هذا كدتَ تقتُلني يا بنَ يحي !!
جعفر أنا .. قلْ إن قلبَك ضعيفٌ .. لم يعدْ يتحملُ يا مولاي !
هارون ألا تشربَ قليلا من النبيذ ؟
جعفر أخشى أن تذهبَ بي
هارون أنا ضامنُكَ ( يضحكان .. ينادى ) يا عُليَّةُ .. ادخلي
علية ( تدخل فرحة ترفل ) لبيكَ أميرَ المؤمنين !!
هارون أسمعيني شيئا .. لو أبدعتِ الليلةَ .. لن أكملَ .. سأجعلُهَا مفاجأة
علية ( تجلس إلى جانبه ، وتستعد للغناء )
ليتَ الخيالَ على الأحبابِ ما طَرَفَـا
وليتَ هذا الـهوى للناسِ ما خُلِقَـا
لولا حـرارةُ قلبي من تَـذكُّرِكُم
ماسالَ دمعي على خدي ولا اندفقَـا
أُصَـبِّرُ القلبَ فى يومـي وليلتِهِ
وصار جسمي بنارِ الحبِّ مُـحْتَرِقـا
( الرشيد يشرب حتى يغلبه النوم .. يقف جعفر لينصرف )
عليه ألا تنتظر قليلا !
جعفر نام أميرُ المؤمنين .. أرهقتُهُ كثيرا .. لم يهدأْ منذ خروجِنَا !
علية أين كنتما ؟
جعفر نتفقدُ الأحوالَ ، ونعسُّ بين الخلقِ كالعادة !
علية جعفر .. تعسُ وتتفقد ؟
جعفر هل أقسمُ لكِ ؟
علية لا .. ولكن اجلسْ قليلا
جعفر لا .. لا بدَ من الانصراف !
علية جعفر .. أنسيتَ أنك زوجي على سنةِ اللهِ ورسولِه ؟
جعفر أنسيتِ أنتِ عهدَ أميرِ المؤمنين .. لا تكوني واهمةً ؟
علية بدأتُ أضيقُ بهذا الوضعِ .. ألم .........
جعفر لستِ وحدَك يا عُليَّة
علية حين دخلَ علينا يحملُكَ .. كدتُ أموتُ يا جعفر( وهى تعطيه يدها )
جعفر ( يأخذ يديها بحب ثم يتركها ) ليتكِ ماكنتِ عُليَّة .. ليتك !!
علية أحبُّكَ يا جعفر .. وأنتَ تعرفُ كم أتعذبُ !
جعفر لعنةُ الخلافةِ تحاصرُنا يا علية .. ألا تبًّا لها من لعنة !
علية خذني يا جعفر .. اختطِفَنِي .. وأرضُ اللهِ واسعةٌ !
جعفر لن أختطفَكِ وحدَكِ .. لابدَ حينَ أقررُ ذلكَ .. أن أختطفَ هارونا أيضا
علية هارون .. هارون .. ضُمَّني يا جعفر .. ضمني !!
جعفر ليتني أتستطيعُ .. ليتني ( يتقدم منها ، يتراجع ، يعطيها ظهره )
عليه جعفر .. أنتَ خائفٌ .. خائفٌ ترتعدُ !!
جعفر و لا كلمةً .. نحن قبِلْنَا .. وعلينا الطاعةُ حتى يأذنَ الله !!
علية إن بي شوقا إليك !!
جعفر علية .. إني ...........
علية طب طب .. أم جعفر .. زبيدة .. في انتظارك !!
جعفر إني خارجٌ إليها فورا ( يتحرك متجها إلى الخارج )
زبيدة مرحبا بك يا جعفر ( تدخل فجأة )
جعفر أكرمَكِ اللهُ يا مولاتى
زبيدة أنتَ بخيرٍ على ما أرى ؟
جعفر الفضلُ يرجعُ لأميرِ المؤمنين .
زبيدة كنتُ أريدُكَ فى أمرٍ هام !
جعفر مولاتى تأمرُ
زبيدة ( تتقدم بعيدا فيتبعها .. تسر إليه ) يصلني ما تُحَاولُهُ لإقصاءِ ولدى
عن ولايةِ العهد !
جعفر مولاتى .. لا تنسى .. أنا آل برمك أولُ من طالبَ الرشيدَ بالعقدِ
لمحمد .. أم.........
زبيدة ( تقاطعه )جعفر .. أنتَ لستَ وزيرَنا فقط .. أنت أخو الرشيدِ
وصاحبه وسميره.. والرشيدُ يميل لولدي محمد ..وقريشٌ .. العشيرةُ
كلُّها .. فكُنْ فى الكفةِ الراجحةِ أو أصمتْ ..واطلبْ العافيةَ !
جعفر مولاتى .. إنها الأمةُ .. وإمارةُ المسلمين ؟
زبيدة جعفر .. لا تقطعْ مابيننا من ودٍّ ورحمةٍ .. كُنْ سندا لي .. أكُنْ لك
أختًا وأمًّا .. وأكنْ إلى جانبِك إذا ادلهمتْ الخطوبُ ... وكشرتْ
عن أنيابـِها ذئابُ الليل !
جعفر مولاتى .. أستميحك عذرا ؛ فأنا متعبٌ .. في وقتٍ آخر .. سوف
نُقلقُ مولاي الخليفة !
زبيدة لم انهِ حديثي بعد .. ثم ما أمرُ الجاريةِ التي جلبتَها .. وتأويها فى
قصرِكَ ؟
جعفر من منهن يامولاتى ؟
زبيدة دنانير .. أو دراهم .. لا أدرى .. كلهُن سواء !
جعفر مالها ؟
زبيدة مالَ حالُها .. كلَّ ليلةٍ يُنصبُ السامرُ .. ويُقبلُ الخليفةُ مُترنحا وهو لا
يكادُ يرى شيئا أمامه ؟
جعفر مولاتى .. أرجوك
زبيدة أيعجبُكَ ما يحدثُ .. القصرُ يزدحمُ بالجواري والعبيدِ .. أكثرِ
من ثلاثمائة جاريةٍ .. يطأهن .. يجبُ عليك نصحه .. والمحافظةَ
على وقارِهِ وهيبتِهِ .. أليسَ هذا أولَ مهامِك يا جعفر ؟
جعفر هذا أمرٌ لا أخوضُ فيه .. إنه يخصُّ أميرَ المؤمنين .. فلا تُحملِيني
مالا طاقةَ لي به .. أرجوك يا سيدتي !!
هارون ( فجأة كأنه كابوس ) لا .. لا يا شيخ .. هذا جعفر .. نعم
جعفر .. كذب .. من أنت .. كذب ما أدعيت .. نعم كذب ..
ابتعدْ أيُّها الشيخُ .. ابتعد
جعفر ( يسرعون نحوه ) مولاي .. مولاي أميرَ المؤمنين .. هارون
هارون ( يقعد .. العرق يملأ وجهه ) من .. جعفر .. يبدو أنى غفوتُ
قليلا .. لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .. لا حولَ و لا قوةَ إلا بالله !
جعفر أنا سببُ هذه الكوابيس .. معذرةً يا أحبَّ خلقِ اللهِ إلى نفسى !
هارون اجلس يا جعفر .. اجلس .. زبيدة .. مالك يا أم جعفر .. مجردُ
كابوسٍ .. هيا اتركنني وجعفر .. هيا ( تخرجان )
جعفر أرهقتُكَ كثيرا .. لابد أن تستريح .
هارون جعفر .. إني أختنق .. أختنق .. خذني معك إلى بغداد !
جعفر بل تنام .. تنام .. ولا تفكرُ في شيءٍ مهما كان !
هارون عقلي لا يهدأُ يا جعفر.. لا يهدأُ .. من بلادِ الرومِ .. إلى السندِ
.. وبلادِ الصين .. إلى حاضرةِ الدنيا .. آه .. كم من الأحلامِ
يتبخرُ .. يهوى كأوراقِ الخريفِ .. كم يا جعفر .. خطوةُ النهارِ
نقطعُها في شهور ..نسيرُ عكسَ تياراتٍ عنيدةٍ ..كلُّ زادِنا الإيمانُ ..
وفقط !!
جعفر لا تقلْ هذا .. يا جبارَ بنى العباس .. خطوةُ النهارِ تكفيها لحظةٌ
لو أردتَ .. لست مكتوفَ الأيدي .. أعداؤك يأتونَك هنا بين
قدميك مقبلين ثيابَك ..راجين رحمتَك وعفوك ..لا تقلْ ما قلتَ
مرةً ثانيةً .. أعرفُ أحلامُك أكبر .. أعرفُ .. البئرُ واسعةٌ ..
تختنقُ بالرممِ .. أعرفُ أننا نمضى بلا خُطةٍ .. فقط ما يقدرُنا اللهُ
على فعله .. نعم .. فهونْ على نفسِكَ !!
هارون لا يغرَّنَك ما حدثَ مع يحي بن عبد الله .. وعبد الملك بن صالح
العباسي.. فهذا استثناء !
جعفر ليكن الاستثناءُ قاعدةً ..العفو سمةَ الدولةِ..والكرمُ عنوانَ حكمِها
.. والسيفُ على من عاداها !
هارون أرهقني أولادُ العمومةِ .. آلُ طالبٍ .. وآلُ عباسٍ !!
جعفر مولاي .. دعْ عنك هذه العذاباتِ .. يعيشون عصرا ذهبيا .. أين
أنت مما فعلَ الهادي والمهديُّ والمنصورُ عليهم رحمةُ الله .. أين أنت
.. أنت تاجُ العباسيين .. ومنارتُهم التي أضاءتْ سماءَهم القاتمةَ !
هارون أكادُ لا أصدقُك يا جعفر .. الفضلُ بنُ الربيعِ يقولُ عكسَ ذلك
.. وابنُ مالكٍ الخُزَاعىُّ صاحبُ الشرطةِ .. زبيدةُ ..تريدُ محمدا ..
وأنا أريدُها لعبدِ الله .. كلُّهم ضدي .. ضد إرادتي .. إلا أنتم يا
آلَ برمك !!
جعفر وما نحنُ إلا بعضٌ من كلٍّ .. نُخطىءُ كما يُخطىءُ كلُّ البشرِ .. لكن
اللهَ خلقَ العينَ ؛ لترى .. والقلبَ ؛ ليحسَّ .. وخلقَ العقلَ ، يميزُ
.. والبصيرةَ لإنارةِ القادم .. لم يروا هارونا كما يجبُ .. لم يعرفوه
كما عرفناه .. لم يحسوا به كما أحسسنا .. مولاي .. هيا بنا نغيِّرُ
المكانَ .. هيا !!
هارون يقولون.. جعفرُ بنى قصرا بالذهبِ والفضةِ و........
جعفر أقوضُهُ لو كان صحيحا !!
هارون و الفضلُ بنُ يحي كون جيشا من الديلم قوامُه خمسمائة ألفَ مقاتلٍ !!
جعفر مولاي .. ما كان الفضلُ بنُ يحي ليفعلَ ، إلا ما فيه صالحُ أميرِ
المؤمنين .. وولى نعمته !!
هارون وأن الـ..........
جعفر دعنى أمضى !!
هارون لم أنه كلامي بعد
جعفر مولاي أرجوك .. دعنى أمضى الساعة !
هارون لن تمضى
جعفر لستُ رُكاما يا سيدي .. يدفنُ فى بئرٍ من مضى من ضحايا.. أنا
وأنتَ فى سلةٍ واحدة .. جعفرُ والرشيدُ .. يا للأسف .. تركتَ لهم
أذنيك حتى امتلأ القلبُ .. واختلطتْ الأنفاسُ !
هارون جعفر .. لا تأتى بما يُؤخذُ عليك !
جعفر وأنا على أتمِ استعدادٍ .. هل أحبسُ نفسي .. هاتِ أمرَك ؟
هارون والحلمُ يا جعفر ؟
جعفر بين أصابعِكَ يا مولاي .. يختنقُ .. احذرْ أن يموت !!
إظـلام
اللوحة الثالثة
لعبة شيطانية
زبيدة فى حالة دل وجلسة غرام مع الرشيد تحيط بهما الطنافس
والرياش .. أمامهما لوازم الشراب.. تتهادى أصوات موسيقى من
خلف ستارة .. أجواء أسطورية !
زبيدة هارون .. طيِّبْ خاطِرِي .. وقلْها
هارون أقولُ ماذا يازبيدتى ؟
زبيدة يا رجلٌ .. ألا تحبُّ محمدا ؟
هارون وما دخلُ هذا بالحبِّ والكرهِ .. يازبيدة .. ليست عُقْدًا أو رداء ..
إنها الخلافةُ ؟!
زبيدة قالها ولدُك عبدُ الله .. محمدٌ أولى بها منى .
هارون أما رأيتِ تصرُّفَ الاثنين .. دخل عبدُ الله فقبلَ يدَكِ .. ولم يتحركْ
حتى أذنَّا له .. وحين سُئلَ قدمَ أخاه على نفسه .. أما محمدٌ .. لا.. لا
.. يا أمَ جعفر .. لا يصلحُ .. لا يصلحُ !!
زبيدة ( تستشاط غضبا ) بل قُلْ أنك تميلُ لابنِ الجارية ؟
هارون زبيدة .. لم أنتِ غاضبةٌ ؟
زبيدة غاضبةٌ ..أو ضاحكةٌ ..سيانَ .. لم يعدْ أمرُ زبيدةِ يُهمُّكَ يا هارون !
هارون لا تقولى هذا .. تعرفينَ قدرَك عِنْدى .. ألا تعرفين ؟
زبيدة انتهى كلُّ شيءٍ ..أصبحَ قلبُكَ مُوزَّعًا بين جواريك وإمائك الكُثْر !
هارون يا لوزةَ قلبى .. وصبوةَ روحي .. ما أحلاك حين تُبعِدِينَ رأسَكِ الجميلَ
هذا عن مشاكلِ الحكمِ والسياسةِ !
زبيدة أبعد .. وابني .. حيلتي ومعاشي .. محمد .. أأتركُهُ نهبًا لرياحاتِ الآراءِ
.. و الأمزجةِ المتقلِّبة ؟
هارون كيف .. لابدَ من تنغيصِ عيشي .. وإقلاقِ راحتي .. أتدرين بماذا أفكرُ
.. أفكرُ فى تركِهَا ..للشورى ..ليرجعَ الأمرُ إلى أصلِهِ كما تركهُ رسولُ
اللهِ عليه صلواتُ اللهِ .. لكن الفتنةَ قائمةٌ ..والصورةَ لم تتكشفْ جوانبُهَا
بعد .. وأنا مازلتُ أخشى المقامرة !!
زبيدة وولدى .. وأنا .. إنك مريضٌ .. مريضٌ .. تفكرُ فى المستحيلِ .. ألم
يكْفِكَ أنك ظلمتُ ولدى .. وما أنصفْتُهُ ؟!
هارون ظلمتُه !!
زبيدة نعم .. وليْتَهُ العراقَ ..وأَعْرَيْتَهُ عن العُمَدِ والقُوَاد .. وصيَّرْتَ ذلك
إلى عبدِ الله دونِه .. الرجالَ والعتادَ .. وخُرَاسَان .. و ..........
هارون ومن أنتِ وتميْزُ الأعمالِ واختيارُ الرجالِ .. إنى وليتُ ابنَكَ السلمَ
و عبدَ اللهِ الحربَ .. وصاحبُ الحربِ أحوجُ إلى الرجالِ من المسالم
.. ومع ذلك نتخوَّفُ ابنَك على عبدِ الله .. و لا نتخوَّفُ عبدَ اللهِ
على ابنِكِ .. إن بُويع !
زبيدة ويلٌ للبرامكةِ منى ..إنهم حُواةٌ لا يهدأون ..هذه آرَاؤهم ..مقاصدُهم !
هارون وما دخلُ البرامكةِ فى هذا الأمر ؟
زبيدة أليسَ عبدُ اللهِ بين يدي جعفر .. هو ربيبُهُم .. وصنيعتُهُم ؟
هارون ليتنى أعطيتُهُم محمدا أيضًا .. ما نَدِمتُ على شيءٍ أشدَ الندمِ إلا على
ذلك .. ومن لها غيري!! .. قالها فى عظمةٍ وكبرياءٍ وصلف .. متناسيا
أخاه الأكبر .. الأكبرَ يازبيدة !!
زبيدة هارون حبيبي .. انهِ الأمرَ الآن .. واللهِ إن لم تنهِ الآن .. هِيه ( تتدلل
بسرف وتهتك )
هارون سأقتلُهُما يازبيدة .. ولن تسامحيني على ذلك !
زبيدة ليكن ما يكون .. هيه
هارون ستحْمِلِينَ دمَهُ ؟!
زبيدة لن يكونَ شيءٌ مما تقولُ .. إن هي إلا أوهامٌ !!
هارون ليستْ أوهامًا يا أمَ محمد .. طالما الأمرُ انتهَى بنا إلى هنا .. لابدَ أن
أصارحَكِ .. لكنى .....
زبيدة بم تُصارحُنِي .. أو تُخْفِى عنى شَيئًا.. هِيه ؟
هارون أشياءَ وأشياء !
زبيدة وهُنْتُ عليك يا هارون ؟
هارون لم تُطَاوعْني نفسي بإزعاجِك
زبيدة هات ما عندك.. ولا تمزق قلبي !
هارون تعرفين ماشاءَ اللهُ .. المنجمَ اليهوديَّ ..لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله .
زبيدة أَعْرِفُهُ !
هارون وتعرفين أن سعْيَهُ لا يخيبُ .. ورؤيتَهُ صادقةٌ لا لبسَ فيها ؟!
زبيدة أعرف .
هارون تحدثَ بكلامٍ أَفْزَعَنِي .. كابوسٌ مريع .. فى اليقظةِ وفى المنامِ .. ونصحَ
بعدمِ عقدِ البيعةِ للصغير .. نصحَ بذلك وهو يرتجفُ مما رأى !
زبيدة وماذا رأى ؟
هارون بالطبعِ أشياءَ في غايةِ الفظاعة..لن أقولَ منها شيئا ؛ لخشيتي عليك !
زبيدة ولو .. يكفيني شرفًا عقدُ النيةِ عليها !!
هارون زبيدة .. تعرفين كم أحبُّ ولدى.. ولدَك .. انتهينا ( ينهى الأمر ) .
زبيدة ( تجرعه الكأس تلو الآخر ) قتلتَ شياطيني .. هارونُ لزبيدة .. وزبيدةُ
ملكُ هارون ..مليكُ قلبِهَا وروحِها و مهجتِهَا .. بَقِىَ شيءٌ ( وهى
تتلوى كالأفعى بين يديه )
هارون زبيدة .. ماذا أصابَك الليلةَ ؟( تجرعه كأسا )
زبيدة التضييقُ الذي يمارسُهُ يحيى بنُ خالدٍ ، وغلقُهُ الأبوابَ !!
هارون ينفذُ أوامري .. وهو ليس متهما في حريمي !
زبيدة أوامرُكَ علينا .. وعلى ولدِهِ .. لا ؟
هارون ماذا تقولين ؟
زبيدة أقول .. وهل أقولُ إلا ما يرددُهُ الجميعُ .. الخدمُ والوصيفاتُ !!
هارون وأيُّ شيءٍ يرددُهُ الخدمُ والوصيفاتُ ؟
زبيدة اتصلَ بعُليَّة .. واختلى بها !
هارون زوجُها .. أليس زوجَها ؟
زبيدة زوجَها .. منذ متى .. وأين ما عَقَدَ عليه .. ألم تشترطْ عليه عدمَ
مواقعتِها ؟
هارون هل حدثَ شيءٌ من هذا ؟
زبيدة نعم .. حدثَ وحدثَ .. وأثمرَ ياخليفةَ المسلمين !!
هارون أتُخرِّفِين يا امرأة ؟
زبيدة ماكنتُ أريدُ البوحَ بما أعلمُ ؛ لمعرفتي أن الأمرَ يُحزنُك ،ويُثيرُ غضبَك !
هارون دعي مكرَ النساءِ .. وأَكملي حديثَكِ !!
زبيدة أنجبتْ ولدًا !
هارون أنتِ الليلةَ تُخرِّفين .. نَأى عنى شياطينَك يا بنتَ جعفر !!
زبيدة أنجبتْ ولدًا !
هارون من أنجبتْ ؟
زبيدة عُليَّه !
هارون ممن ؟
زبيدة من جعفرِ بنِ يحي !!
هارون جعفر ( يقف .. يقهقه ) غيرُ صحيح .. جعفر .. مستحيل !!
زبيدة بيني وبينَك بيِّنةُ الأمر !
هارون ومابينةُ الأمرِ يا أمَّ محمد ؟
زبيدة الوليد !
هارون الوليد ؟
زبيدة وشِهَادَةُ الخدمِ والوصيفات !!
هارون أرينيه ؟
زبيدة خوفا منك دفعتْ به إلى جاريةٍ وغلام .. وارتحلا به إلى مكة !
هارون اكتفيتُ منك يا امرأة .. أصبح مجلسُكِ غمًّا .. والبعدُ عنكِ غمًّا ..
أين أذهبُ ياربى ..عُلية .. ولد .. ومن جعفر .. أصبح خيالُكِ خِصْبًا
يا بنتَ جعفر !!
زبيدة نسمعُ الوصيفات .. وصيفاتُ علية .. هُوووه .. إنهم يلعبون لعبةً
كبرى وفى غايةِ الإحكام .. جيشٌ .. وقصورٌ .. وأتباعٌ .. وأموالٌ
مكدسةٌ .. ووليدٌ .. ذكر.. من صُلبِ أسرةِ الخلافة !!
هارون يا لشياطينِ زبيدة ..والفضلِ ..وابنِ مجد .. الجميعُ يريدُ رأسَك يا جعفر
.. حتى زبيدة تريدُها حالا .. تُنجبُ وتخونُ العهد .. لا أظنُك تفعلُها ..
.. حتى لو قالتْ.. هيتُ لك ..قد تكونُ صادقةً ياهارون ..يالكيدِ النساء
..لم لم تُخبرْني إن كانتْ صادقةً ؟ اشربْ يا هارونُ .. ليلُكَ سيطول ..
سيطول .. سيطول ( فجأة يظهر كائن البئر )
الكائن ستقتُلُه شرَ قِتْلَةٍ .. وتمثلُ به !
هارون لا .. لا يا شيخ !
الكائن والقارورةُ والتعويذة .. استأثرتَ بها !!
هارون القارورة .. التعويذة .. أين هما ..أين ( يقف مهتاجا ثائرا كمن ضاع
منه شيء ثمين ) التعويذة و القارورة ( يخرج )
زبيدة جُنَّ هارون .. أيةُ تعويذةٍ وأيةُ قارورة .. كلما تحدثتُ معه فى هذا الأمرِ
افتعلَ ما يُنهى به حديثَنا .. ولو .. لن أتركَهُ .. لن أتركَهُ .. ولن أدعَهُ
يرقدُ بجانبى إلا إذا أنهىَ الأمرَ و استمعَ منى .. نعم .. وليعرفَ الجميعُ
من زبيدةُ بنتُ جعفر !!
إظـلام
اللوحة الرابعة
خيوط اللعبة
بهو فى قصر الحريم .. الفضل بن الربيع ينتحي جانبا بزبيدة زوج
الرشيد ؛ مخافة رصد عيون الخدم وكبير الوزراء !
الفضل وصدّقَكِ ؟
زبيدة طلبَ الوصيفاتِ
الفضل طلبَ الوصيفات ؟
زبيدة عصرَهُن عصرًا
الفضل في حضورِ مولاتى ؟
زبيدة في حضوري .. خَشيتُ أن ينفردَ بِهن .. ويكتشفَ اللعبةَ
الفضل أعرفُ أننا نلعبُ لعبةً خطيرةً .. ولكنْ للضرورةِ أحكاما
زبيدة وقعَ بين خيوطِنا .. لكن ربما .....
الفضل أطلقَ العيونَ والرجالَ وراءَ من ارتحلوا إلى مكة ؟
زبيدة نعم .. هذا ما أخشاه !
الفضل أصلُ إليهم .. ونجرى أمامَهُ حتى اليمنَ وحضرموت !!
زبيدة وإذا ما واجَهَ عُليَّه .. تعرفُ كم يُحبُّها.. ويحتفِي بها ؟
الفضل قد يلطمُهَا لطمتين أو ثلاثَ .. وفى النهايةِ .. الأمرُ بيده !!
زبيدة هارونُ عنيدٌ .. وربما أثرَ فيه جعفرُ أو عُلية .. ودفعَهُ إلى استدعاءِ
طبيب !
الفضل هذا أمرٌ لم أفكرْ فيه بعد .. ولكني سأجدُ له حَلًا أمثل !!
زبيدة ألا تستطيعُ مع جبريل أو جابرِ بنِ حيان ؟
الفضل إنه يثقُ بما يأتي به جبريل .. صعبٌ رشوةُ هذا الرجل .
زبيدة أقولُ لك .. دع الأمرَ لي .. إن حاولَ سأجدُ حلا !!
الفضل مازلتُ غيرَ مطمئن .. هل قلن له رأينا الوليد ؟
زبيدة وأكثرَ من ذلك .. نحن حملنا الوليد .. هدهدناه .. ونحن من
أعطيناه للجارية قبلَ رحيلِها
الفضل هل أجزلتِ لـهُن العطاء ؟
زبيدة بالطبع !
الفضل هذه اللعبةُ لو تمتْ على خيرٍ .. كانت القاصمةَ لآلِ برمكٍ جميعا !
زبيدة ولكنْ قلْ لى يا فضل .. ما أمرُ القارورةِ والتعويذة ؟
الفضل لا أعلمُ ياسيدتى .. إنه يشكُّ فى الجميع .. الخدمِ والجوارى ..
ويتهددُهم بقطعِ الرقبةِ إن لم يعثروا عليها !
زبيدة لم أرَ معه تعويذةً ولا قارورة ؛ اللهمَ عدَا قواريرَ العطر و الدهان الخاص
به !
الفضل إنه دائمُ البحثِ عنها .. لابدَ أنها تحملُ سرًّا
زبيدة أىُّ سرٍّ .. ربما كانتْ دهانا جديدا .. أو عملا لعرافٍ أو منجم !
زبيدة دعنا من أمرِها ..ما تمَّ كان تدبيرا تُحسدُ عليه يابنَ الربيع ( تنظر
بشكل ملفت ) هيا ..أرىَ يحي قادما
الفضل كُوني فى طبيعتِك .. كأن شيئا لم يكن !
يحى عفوا سيدةَ القصر !!
زبيدة أهلا يا أبا الفضل .. أترُكُكما سويةً ( تنصرف )
يحي مالك يا فضلُ لا تهدأ ؟
الفضل ومن أين يأتي الهدوءُ .. وأنتم عليها ؟
يحي احترسْ يا فضلُ .. وتكلمْ على قدرِ حجمِك !
الفضل وأنت تعرفُ حجمي .
يحي نعم .. أعرفُهُ تماما .. وأدركُ ما يحملُ .. فلا تجازفْ .. أخمدنا النارَ
.. وطوينا البئرَ على ما تحمل .. فلا تفتحْها !
الفضل أيةُ بئرٍ يا كبيرَ الوزراء ؟
يحي البئرُ التي فتحَها قديما الربيع !
الفضل الربيع .. الجميعُ يعرفُ قدرَ أبى .. ويشهدُ له !
يحي نعم .. يشهدُ له .. كان عليها حين ذهبَ أبو أيوب الموريانى ..
وأيضا أبو معاوية بنُ يسار .. ويعقوبُ بنُ داود .. هل تذكرُ يا
فضل .. أم تُرَاك نَسِيت !!
الفضل كلامٌ فارغٌ .. وحديثٌ ممجوجٌ .. لا أساسَ له !
يحى كانوا من خاصةِ الخاصة .. لهم المنزلةُ الأسمى عند المنصورِ والمهديِّ
.. أحدهم كان قريبا إلى حدٍّ بعيد ..حتى أن المهديَّ خرجَ يوما على
القومِ وهو يهتفُ .. هذا أخي .. هذا أخي ..ثم كان الربيعُ بحصافتِهِ
وفصاحتِهِ ؛ فانقلبَ المنصورُ ؛ و انقلبَ المهدىُّ من بعد.. وسارا فى
بركةٍ دم ؛ شوهتْ تاريخَهما معا !!
الفضل قل إن بنى العباس لا يروقون لك .. أنهم متعطشون .. مصاصون
للدماء ؟
يحي ها بدأت فصاحتُك .. ويلى منك .. ومن ذكائِك الوضيع .. تُنِيرُهُ
التآويلُ الرخيصة .. ومن نحن حتى لا تُعجبُنا تصرفاتُ سادتِنا يا
فضل ؟
الفضل قلها لنفسك .. و لا تخضْ فى أمورِ الخلفاء !
يحي صحيح .. دعنا من الربيع .. ألم تكنْ أنتَ وسواسُ موسى الهادي حين
كان يدبرُ لقتلِ الرشيد ؟!!
الفضل أنا .. أنا يا يحي .. سامحك الله .. سامحك ( يتظاهر بالبكاء )
يحي تُنكرُها أيضا .. يا سبحانَ الله .. أنتم أهلُ الفتنِ ومشعلو الحرائقِ
يا فضل .. فلا تجادل !!
الفضل وأنتم بيضٌ .. ميامين ؟
يحي تعرفنا .. وتعرفُ أجدادَنا..نعرفُ قدرَ السادةِ ..كما نعرفُ الحُقَرَاء !!
الفضل إلى هذا الحدِّ يا يحي ؟
يحي قلْ كبيرَ الوزراءِ يا حاجب .. ولا تتعدَ حدودَك .. أراكَ فأُكذبُ
نفسي .. وأسمعُ بأذني فأقولُ وشايةً من عبدٍ أو وصيف .. ولكنك
لا تتوبُ .. و لا ترتدعُ .. حتى استطالتْ يدَاك .. ووصلتَ إلى
حريمِ الخليفة .. إلى أمِّ جعفر !!
الفضل امنعنى لو تقدر !
يحي من السهلِ منعَك .. لكنى لا أتصرفُ بدونية .. فما أيسرَ أن
أستصدرَ أمرا باعتقالِك حالا !
الفضل أنت واهمٌ يا يحي .. واهم !!
يحي ما حدودُ المؤامرةِ التي تدبرُها.. هيه ؟
الفضل فوق ما قد تتصور .. ويتصورُ الوزيرُ جعفر !
يحي جعفر .. هيه !!
الفضل إياك تتصورُ أنى تاركَكُم تنعمون بكلِّ هذه الأموالِ والأملاكِ
والقصورِ والضياع .. ماذا تريدون منها .. تريدونها مجوسية ..
ونارا تعبدُ في أرضِ الإسلام ؟!!
يحي هي العصبيةُ إذن ما تتكىءُ عليه ؟
الفضل هي وغيرُها يا يحي !
يحي نفسُ اللعبةِ القديمةِ والأبيدة .. لكنك لن تَفلح .. لن تفلح !
الفضل هل تستطيعُ أن تبررَ لي موقفَكم من يحي بنِ عبدِ الله .. ولماذا
أفلتموه من قبضةِ الرشيد .. تصرفاتُكم مكشوفةٌ أمامَ الجميع ؟!
يحي كنتَ تريدُهُ قتيلا ؟!
الفضل هذا ما يحددُه مولانا الرشيد !
يحي ويومَ عُدْنَا به من الديلم معترفا بذنبه .. راجعا عنه ، دون إراقةِ دماءٍ
.. ألم يحمدْها لنا الرشيد ؟
الفضل نعم .. ولكن الـ.................
يحي ماذا يا رجل .. هؤلاء أبناءُ عمومتِه آلُ طالب .. وآلُ عباس أخوة
.. ويومَ نُصلحُ بينهم .. نكونُ قد أخمدْنَا الفتنةَ التي لعنَ الرسولُ
الكريمُ من يُوقِدُها !!
الفضل دونَ الرجوعِ للخليفةِ وولى الأمر ؟
يحي لا يمكن .. أيعقلُ أن نفعلَ شيئا مهما صغُرَ دونَ علمِ الخليفة ؟
الفضل فعلتم .. وتفعلون .. وآخرُ أفعالِكم كانتْ مع عبدِ الملك بنِ صالح
.. يا أبا الفضل !
يحي عبدُ الملك العباسي يا فضل .. كان عندَك مكبلا بالحديد .. وجيء
به أمامَ الخليفة .. وجيء بالواشيين .. ابنه عبد الرحمن .. و قمامةِ
كاتبهِ ِ.. قالا.. وقال .. فى حضرةِ الرشيد .. وكنتَ أنتَ شاهدَ عَيانٍ
الفضل ما خفي عن الرشيدِ تورطُكم فى أمره !!
يحي أيُّ أمرٍ يا رجل .. اتقِ اللهَ فينا .. اتقِ اللهَ ياظالم .. بحسدِك ووشايتِك
ظنها الرشيد .. وبادرَ بإبعادِ الفضلِ ولدى .. وحبسَهُ .. و أنت لا
تحركُ ساكنا .. هددني بابني .. و أنا في حولِ اللهِ ألتاذُ به ..حتى تأكدتْ
له طهارةُ أيدينا و نبلُ مقصدِنا .. وبرأنا ساحةَ الرجل !!
الفضل كان لابدَ من موتِهِ .. كان يريدُ الخلافةَ .. وسيظلُ يريدُها يا يحي
يحي من صورَ لك ذلك ؟
الفضل ولدُه عبدُ الرحمن قالَ ذلك ..وكاتبُه قمامة !
يحى عدو أبيه .. يقولُ اللهُ تعالى :" «إن من أزواجكم وأولادكم عدوًا
لكم فاحذروهم» .. صدق الله العظيم
الفضل والبيعةُ التي باركتموها لمحمدٍ الأمين ، بولايةِ العهدِ؛ ثم انقلبتُم عليها ؟
يحي وما نحن إلا رعايا الخليفة .. ولكن من واجبِنا التنبيهَ واستحسانَ الرأي
.. وعدمَ كتمانِ الحق .. إذا سُئلنا عنه !!
الفضل لك دُربةٌ في ردِ السؤالِ كما تُحبُّ يا يحي .. لكن قلوبَكم مع عبدِ
اللهِ المأمون .. نعم .. أعلنها جعفرُ للخليفة !!
يحي وما يحزنُك في ذلك يا فضل ؟ تُحصِى علينا الأنفاس .. تتعقبُنَا كأنها
الحرب .. ما كنتُ أصدقُ مع ما كنتُ أُكنُهُ لك من مودةٍ وحبٍّ
واحترام .. أن تتحولَ عنا بمثلِ هذه الدرجة .. ما تدبرُهُ خطيرا غيرَ
مأمونِ العاقبة .. وقديما قالوا .. وعلى الباغي تدورُ الدوائر !!
الفضل على الفاشلِ الخاملِ الضعيف .. يا يحي !
يحي ليكن .. ولتعلمَ أنا مع ما يقررُه الخليفة .. إذا قال : الأمينُ فهو
الأمين .. ونحن رجالُه .. وإن قال : المأمونُ فهو المأمون .. ونحن
رجالُه .. هذا أمرٌ يخصُ الخليفةَ وحدَه !!
الفضل وأنت كبيرُ وزرائِه .. وتعرفُ أن قريشا قلوبُها مع محمدٍ الأمين ..
وليس سواه !
يحي ليكن .. هذا ولدُنا والآخرُ ولدُنا أيضا .. وكلاهما زينةُ رجالِ بنى
العباس !!
الفضل فلم لا تقلْها وترحْ الخليفة ؟
يحي قلتُها دائما يا فضل .. فاهدأ و لا تغالِ .. وتذكرْ دائما أنها لم تدمْ
لأحد .. لم تدمْ لأحد .. وإنا للهِ و إنا إليه راجعون !!
إظـلام[/frame]
تعليق