يبدو ان موسم الصيف يحث الناس على التنقل و الحل و الترحال من مكان إلى مكان بعدما قضوا عاما في الشغل و العمل و الكد و الجد، قد تعبوا من الجهد و سئموا الرتابة ففضلوا التغيير و لجأوا إلى "النفير" ؟!!! و لئن كان هذا صحيحا في حيوات الناس العملية و الاجتماعية و من حقهم فإنه صحيح كذلك في حيواتهم "النيتة" و من حقهم أيضا.
لاحظت تنقل الناس من موقع إلى موقع ليس للاطلاع و التثقف بل للتسجيل في المنتديات و لاسيما الأدبية منها و قد يسجل الواحد في كثير من المنتديات و يرقى إلى مستوايات فيها من الاشراف إلى التسيير إلى التأسيس ... ثم لا يستطيع الوفاء بما ألزم نفسه به بقبول المناصب لما يتطلبه هذا منه من جهد و وقت قد لا تسمح بهما ظروفه أو قد يضيع أشغاله و مصالحه بسبب "المسؤوليات النتية" الافتراضية !
إنني لما رأيت، منذ أيام، كثيرا من الزملاء و الزميلات هنا في "الملتقى" يرحلون زرفات و وحدانا إلى المنتدى الجديد "مدائن الأدب" و يدعون بعضهم سرا و جهرا للالتحاق بالفضاء الناشيء و يرحبون فيه ببعضهم بحفاوة و سرور و ابتهاج و تنكيت ظننت أن الموسم موسم الهجرة إلى "المدائن" و أنني تأخرت عن الركب و فاتني المركب !!!
ثم رحت أفكر مليا في الدوافع التي تجعل أحدنا ينتقل من منتدى إلى منتدى تنقل الفراشة من زهرة إلى زهرة فوجدت دوافع كثيرة و شدني دافع نفسي عميق لا يصرح به عادة أو يستنكر إن ذكر و هو حب التقدير و شهوة تلقي الإطراء من المعارف و غيرهم لأن حاجة الإنسان إلى التقدير لا تقل عن حاجته إلى الطعام و الشراب و التنفس و غيرها من الحاجات "البيولوجية" الضرورية و قد عالج "أبرهام ماسلو" (*) هذا الموضوع في "هرم حاجات الانسان الضرورية". و قد توجد دوافع "موضوعية" أخرى كالفرار من "المضايقات" الإدارية أو الخصومات الشخصية أو لضمان النشر الواسع للكتابات.
إذن : التنقل ليس عيبا يستر و لا هو خطأ يصحح و من حق أي إنسان أن يتنقل حيث يشاء، في"النت" على الأقل، و كل ما أريده لفتُ انتباه المسؤولين عن "الملتقى" ألا يبخلوا في توزيع التقدير و الاطراء، و لو بالمبالغة، على المنتسبين ليثبتوهم أو يقيدوهم أو ... يرشونهم بـ ... (لست أدري و الله بماذا ؟).
و عودا على بدء : لقد وضعت العنوان أعلاه فور اطلاعي على ركن الترحيب بالمنتسبين الجدد في "المدائن" و قبل كتابة خربشتي هذه، فكثيرا ما أبدأ مقالاتي من العنوان، و تذكرت رواية الأديب السوداني الراحل الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" و قلت في نفسي لعل "المدائن" تقع في شمال "الملتقى"، أوالشمال الشرقي له، و هكذا توارد الخواطر و هكذا يقع التناص...
كنت أحبذ كتابة مقالة خفيفة الروح لعلها تدخل السرور على قارئها غير أنها جاءت ثقيلة ثقل دمي هذه الأيام، فالنفس المتعَبة لا تاتي إلا بالكتابة المتعِبة و الكتابة تعبير عما يجيش في الضمير !!!
.