الضفدع والقلادة / قصة / أحمد القاطي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد القاطي
    أديب وكاتب
    • 24-06-2009
    • 753

    الضفدع والقلادة / قصة / أحمد القاطي

    الضفــدع والقــــلادة
    اليوم يوم أحد . لقد تعمـّد عثمان الاستيقاظ متأخرا ، لأنه ملّ من النهوض كل يوم باكرا من أجل الذهاب إلى المدرسة . جلس في فراشه ثم تثاءب ، ومط يديه إلى الأعلى . حملق حوله ثم ضغط على الزر الموضوع على طرابيزة على يمينه ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى قرعـت الخادمة الباب قرعا خفيفا مستأذنة عـليه .
    ــ ادخلي يا نعيمة .
    فتحت نعيمة الباب بلطف ، ولما ولجت إلى الداخل ، وقـفت أمام سرير عثمان . وضعت يديها خلف ظهرها وبابتسامتها الحلوة سألته :
    ــ ماذا يريد سيدي ؟
    ــ الفطور من فضلك يا نعيمة ، قـبـل أن يرتد إليك طرفك .
    ــ أمهلني بعض الوقت يا سيدي ، ريثما أقوم بتسخينه ثم سأحمله إليك في الحال .
    على عجـل انصرفـت نعيمة إلى المطبخ ، وبخفتها المعهودة قامت باللازم ، ووضعت كأسيـن وإبريقي القهوة والحليب فوق الصينية ومعهما قطع من الجبن والخبز ، ومربى المشمش وحملت الجميع إلى سرير عثمان . عادته كالنصارى فهو يتناول فطوره فوق سـرير نومه . لما انتهى منه . غادر سريره وهـو ما زال يـرتدي منامته . فتح نافذة غرفة نومه التي كانت مغلقة ، ووقف يتأمل ما يقـع في الخارج . في الشارع المقابل لغرفته كانت هناك نافذة غرفة أخرى مفتوحة وكانت تطل منها فتاة آية في الحسن والجمال . رنا إليها وهـو يراقب كل حركة تصدر عنها . في المقابـل كانت الفتاة واقفة وراء النافذة ترنو إليه هي الأخرى وتراقـب حركاته. لما التقـت نظرات الاثـنيـن تبادلا ابتسامة تشي بالشيء الكـثير من المعاني . أغلقـت الفتاة النافذة ، وعـيناها سهمان مصوبان نحوه والابتسامة لا تفارق محياها .
    في صباح الغد ، في طريقه إلى المدرسة أبصر عثمان أمامه فتاة البارحة حاملة فوق ظهرها محفـظتها وهي متجهة نحو المدرسة . أسرع مشيه حتى أصبح محاذيا لها فقال لها :
    ــ صباح الخير يا وردة الحي .
    لم تجبه ، ولم تلتـفت إليه . تابعت سيـرها وهي تسرع الخطو . لكنه لم يستسلم ولم ييأس . أسرع بدوره إلى أن التحق بها من جديد فقال لها :
    ــ أنا جارك هـل نسيت ، البارحة كنت واقفة وراء النافذة
    و .....
    لم تتركه الفتاة يتم كلامه ، التفـتت إليه والابتسامة مرسومة على محياها فقالت له :
    ــ المعذرة ظننتك ذاك الذي يضايقني في طريقي ، وعندما لا أكلمه يشبعني شتما وينصرف .
    ــ أعتـقـد أنكِ متوجهة نحـو نفس الثانوية التي أدرس فيها .
    ــ أنا أدرس في ثانوية الخوارزمي .
    ــ وأنا أيضا . لكـني لم يسبـق لي أن رأيتك من قـبـل .
    ــ أنا حديثة العهد بالمدينة والمؤسسة . لقد اضطررنا للمجيء إلى هذه المدينة بسبب عمل أبي الذي عيـن مؤخرا هنا .
    ــ نسيت أن أقدم لك نفسي . أنا اسمي عثمان .
    ــ وأنا ريحانة .
    ــ اسم جميل ، أنت فعلا اسم على مسمى .
    ــ شكرا ، هـل هذا مدح وإطراء فقط من أجـل الإغـواء ؟
    ــ لا أبدا ، بـل هـو كلام صادق خارج من الأعماق ، معبر عما أحس به نحوك مـن غيـر مبالغة أو نفاق .
    تابعا طريقهما نحـو المؤسسة وهما يتجاذبان أطراف الحديث بينهما . لما وصلا كان التلاميذ قد التحقوا بأقسامهم . ودع كل واحد الآخر على أمل الالتقاء غـدا في نفس المكان ، وهو ما تم بالفعل . توالت اللقاءات بين الطرفيـن وتوطدت علاقة المحبة بينهما وتواعدا بالزواج . عثمان كان يدرس في قسم الباكالوريا علمي ، وريحانة نفس الشيء لكنهما لا يدرسان في قسم واحد . في نهاية السنة نجح عثمان في الامتحان ، بينما ريحانة كان نصيبها الفـشل والحرمان . نجاح عثمان فـرض عـليه الانتقال إلى مدينة أخرى من أجـل متابعة دراسة الطب . أما ريحانة فرسوبها للمرة الثانية حتم عليها مغادرة الدراسة ولزوم البيت .
    أمضى عثمان كـل سنوات الدراسة بتـفـوق ، وظلت ريحانة على عهدها تنتظره كما وعدته ، لم تتزوج ولم تـقـبل طلبات الخطبة التي عرضت عـليها . لما عاد إلى مدينته بصفة نهائية ، أقامت عائلته الأرستقراطية حفـليـن . حفل إتمام دراسته بنجاح ، وحفل اقترانه بمن أحب وأخلص لحبها . زواج عثمان دفعه إلى الاستقلال للعيش مع زوجته في إقامة خاصة أهداها إليه والده الميسور الحال . عاش عثمان مع ريحانة حياة سعيدة ، لأنها كانت مبنية على أساس الحب المتبادل بيـن الطرفـين ، رزقا خلالها ابنة أطلقا عليها اسم هبة . كبـرت هبة وأصبحت مراهقة ، وكانت تشبه إلى حد بعيد والدتها . في عامها الخامس عشر اشتد المرض على ريحانة أمها ولم يمهلها طويلا ، لقد توفـيت بسبب مضاعفات صحية ظلت تعاني منها منذ أن أنجبتها . الأم قـبل أن يأخذها الردى كانت قـد أهدت هبة القلادة التي أهداها إليها عثمان كمَهر بمناسبة زواجه بها وأوصتها أن تعـتني بها وتحافظ عـليها كـتـذكار منها .
    موت ريحانة أثر كثيرا في هبة التي أصبحت انطوائية . لقد شاهدت لحظات احتضار أمها ، تلك اللحظات التي انطبعـت في ذاكرتها ، وأصبحت كظلها لا تفارقها أبدا . أغلب أوقاتها الفارغة كانت تقـضيها داخل غرفتها في اللعب مع قطتها التي كانت تؤنسها في وحشتها . لماما ما كانت تخرج إلى حديقة المنزل للعب . فيها كانت هناك أشياء عديدة ـ الأرجوحة ، المسبح ..... ـ لها ذكريات مشتركة مع أمها . ورؤيتها كانت تحدث في نفسها كـُلوما عميقة الغور . لهذا كانت تتجنب الخروج إليها .
    مـرت سنتان على رحـيل ريحانة ، خلالهما لم تغير هبة من عاداتها شيئا . لكنها في أول يوم من أيام عطلة الربيع تشجعت وخرجت إلى الحديقة وفي يديها قطتها . هذه الأخيرة كانت تموء دون انقطاع ، وتحاول الإفلات من يديها ، مما اضطرها إلى وضعها فوق الأرض لمعرفة ما ذا تريد . بمجرد ما لمست أرجل القطة الأرض ، انطلقـت مسرعة كالسهم نحو الأشجار ، واختـفت عـن الأنظار . تبعتها هبة ولما لم تعـثـر عـليها ، تابعت تجولها في الحديقة إلى أن وصلت إلى الجبّ الكائن فيها . وقـفـت بمحاذاته وبدأت تحملق بعيـنيها في كـل الاتجاهات علها ترى قـطتها . لما أيست من العثور عـليها ، جلست فـوق البناء المحيط بجوف البئر كي تستريح قـليلا ، وأطلت عـليه كي ترى ما بداخله فسقـطت فيه القلادة التي أهدتها أمها . البئر عميـقة ومملوءة بالماء ولا سبيـل لاستعادتها وانتشالها منه . أسلمت هبة أمرها لله أمام عجزها ، وبدأت تبكي نادبة حظها التعس الذي أوقعها في هذه الورطة ، وعندما كانت شاردة الذهـن تفكر في أمر القلادة سمعت صوتا يكلمها ، ويطلب منها الاقتراب من البئر . نظرت حولها فلم تر شيئا . أطلت عليه من جديد فرأت ضفدعا لا غير ، وسمعت صوتا يقـول لها :
    ــ كـفكـفي دمعك وأبشري .
    ــ أبشر بماذا أيها الصوت ، من يكلمني ؟
    ــ أبشري بزوال الغمة ، ورجوع الهمة .
    ــ لم أفهم .
    ــ سوف أعيد إليك قلادتك ، لكن قـبل أن أفعـل لدي شرط .
    ــ وما هــو هذا الشرط ، قله وخلصني من فضلك من هذا القنوط ؟
    ــ شرطي نبيـل وبسيط ، لا أروم من ورائه إلا كسب مودتك وصداقتك .
    ــ لكن أصادق من ، كـل ما أسمعه هذا الصوت الذي لم أتبين صاحبه ؟
    ــ لا تتعجلي الأمور، كـل شيء بميقاته ، وفي غـرفتك سوف تفهمين ما لم تفهميه الآن .
    ــ أنا موافقة شريطة استعادة القلادة التي ضاعـت مني في قاع الجب .
    ما أن أكملت هبة كلامها حتى رأت القلادة موضوعة أمامها ، أخذتها بسرعة ، ورجعت هاربة إلى غرفتها وفي نيتها ألا تفي بوعدها. داخل الغرفة وجدت قـطتها ممددة فوق سريرها . حملتها وبدأت تلاعبها وتمرر يدها اليمنى فوق ظهـرها ، لكن سرعان ما بدأت القطة تموء بشكـل متوال رافضة البقاء بين يدي هبة . أمام إلحاحها ، ما كان من هبة إلا أن تركتها حرة طليقة لترى ماذا تريد . فرت القطة من الغرفة على غيـر عادتها ، تاركة إياها في حيرة من أمرها ، ومحاولة فهم ما يقع . أثناء حيرتها وسورة غضبها رأت ضفدعا بجانبها فركلته بكل ما أوتيت من قوة ظانة أنه مجرد لعبة من لعبها البلاستيك . اصطدم الضفدع بالحائط وسقـط صريعا على أرض الغرفة . لنسيان ما وقع هرعـت هبة إلى سريـرها واسترخت فوقه . لما حضر وقت العشاء انتظر عثمان مجيء ابنته للأكـل لكنها لم تفعل . قام وذهـب من أجـل دعوتها شخصيا . لما فـتح الباب انتبه إلى الحائط الذي كان ملطخا بالدماء . نادى على هبة مرات ومرات لكنها لم تجبه . لما اقترب منها ووضع يده فوق جسدها كي يوقظها بلطف ، لاحـظ جحوظ عينيها ، وعنقها المشنوق بقلادة ريحانة . حـركها عثمان بعـنف وناداها بصوت عال لكن دون طائل .
    تـــازة في : 31 / 05 / 2007م
    أحمد القاطي المغرب
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    أحمد القاطي
    نص فانتازي
    لو أنك اختصرت وقللت من المباشرة لكان رائعا
    أسهبت فتهدل النص أحيانا كثيرة
    حاول أن تبتعد عن المباشرة زميلي وأن تترك السرد يسري بيسر
    وعلى كل حال أنا شخصيا رأيتها فانتازيا جميلة واستمتعت فيها
    تحايا بعطر الورد
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • محمد سلطان
      أديب وكاتب
      • 18-01-2009
      • 4442

      #3
      نص جميل به رؤية طيبة

      و أتفق مع أستاذتنا المبدعة عائدة بشأن الملاحظة

      أعجبنتي لمسات كانت تستحق عناء و جهد منك

      محبتي
      صفحتي على فيس بوك
      https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

      تعليق

      • أحمد القاطي
        أديب وكاتب
        • 24-06-2009
        • 753

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
        الزميل القدير
        أحمد القاطي
        نص فانتازي
        لو أنك اختصرت وقللت من المباشرة لكان رائعا
        أسهبت فتهدل النص أحيانا كثيرة
        حاول أن تبتعد عن المباشرة زميلي وأن تترك السرد يسري بيسر
        وعلى كل حال أنا شخصيا رأيتها فانتازيا جميلة واستمتعت فيها
        تحايا بعطر الورد
        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
        أستاذتي الفاضلة عائده محمد نادر

        النص عبارة عن حكايات عجيبة ألفته في الأصل لتلاميذ المدارس الإعدادية

        لهذا جاء على الشكل الذي ترين . كل نصوصي الطويلة على هذا المنوال .

        ملاحظاتك قيمة ، سعيد بتواصلك .

        أحمد القاطي يحييك

        تعليق

        • أحمد القاطي
          أديب وكاتب
          • 24-06-2009
          • 753

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
          نص جميل به رؤية طيبة

          و أتفق مع أستاذتنا المبدعة عائدة بشأن الملاحظة

          أعجبنتي لمسات كانت تستحق عناء و جهد منك

          محبتي
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
          أستاذي الفاضل محمد إبراهيم سلطان

          سعدت بمرورك وملاحظتك ، وثنائك أيضا

          لك مودتي

          أحمد القاطي يحييك

          تعليق

          يعمل...
          X