[align=center][frame="5 98"]اللهم اجعله خير...
قصة : ساخرة بقلم : يحيى الحباشنة
صحوت هذا الصباح مبكرا جدا على غير عادتي..
أحسست بأني أكثر حيوية ونشاط ..لدرجة أنني على استعداد أن اذهب إلى وزارة الثقافة لمتابعة طلبي مشيا على الأقدام .. أو على قبضتي يدي ..
لأتابع طلبي وعدم اهتمام الوزارة في دعم مسرحيتي " مبروكين يا عريس " لتقديمها ضمن نشاطات الكرك مدينة الثقافة الأردنية .
قراري هو الإصرار على مقابلة الوزير شخصيا وشرح الأمر له،، حتى لو نمت بباب مكتبه لن أعود خالي الوفاض .
أنا الآن متسلح في الإيمان الذي يملأ كياني وعقلي .." صاحب حق "..
ولا يموت حق " وراه مطالب "
حملت أوراقي وانطلقت إلى الوزارة وما أن وصلت.. وجدت جغرافية المكان قد تغيرت .. حدائق وبساتين غنُاء.. مقاعد لانتظار المراجعين تحت الأشجار الوارفة الظلال.. وصبايا حسناوات يقمن على خدمة المراجعين .. وموسيقى " باخ " و "موزات " و " وبتهوفن " تصدح ولا تدري من أين مصدرها ..
وقفت مبهورا .. فركت عيني مرارا .. وأنا اسأل نفسي ما الذي يحدث !!!
أهذا هو مبنى الوزارة !!!
تغير شكله .. أصبح اصغر حجما.. لكنه أكثر جمالا ... ويوحي أنه وزارة ثقافة في واحدة من الدول العظمى .. شاهدت رجالا ونساءً اقصر قامة يدخلون إلى المبنى.
ربما أنني أخطأت العنوان ،،
رفعت رأسي إلى الأعلى حيث تجثم "قارمة كبيرة " حديثة مكتوبة بالعربية بخطوط واضحة كبيرة " وزارة الثقافة الأردنية " إنها وزارة الثقافة إذن.
شعرت بنشوة كبيرة .
رأي الوزارة بمسرحيتي الهزلية ،، لم يعد يعنيني على الإطلاق
ما يهمني أن وزارتنا أصبحت " تبيض الوجه " والحمد لله .
عبرت المدخل الرئيسي .. استقبلتني فتاة كورية .. من أصل كوري ..كانت ابتسامتها عذبة وشهية
لم اهتم بذلك رغم انحنائها الشديد جدا احتراما وتقديرا لي .
دخلت إلى الداخل .. كانت الممرات هادئة وتخلو من المراجعين . والهدوء يعم المكان .. كانت حجرات الوزارة اصغر قليلا من السابق .. كانت نفس الموسيقى الهادئة تتسرب إلى أعماقي ..تشعرني رغما .. عن رأسي بأنني في وزارة ثقافة بكل ما تعني الكلمة من معنى .
تقدمت من مدير مكتب الوزير .. استقبلني رجل قصير القامة كوري المنشأ .. انحنى انحناءة كادت جبهته تلامس الأرض من شدتها .. ثم انتصب باسما واشار الى اريكة فاخرة ،،وطلب مني أن استلقي واسترخي عليها حتى يصل دوري لمقابلة معاليه .
كان ثمة رجل " يَجْعَصُ " على الأريكة المجاورة يسترخي بجسده النحيل ،، قدمت له
" ارقيلة " فاخرة .. وكانت رائحتها الزكية تنتشر في المكان .. دققت النظر في الرجل جيدا إذ بدا لي مألوفا .. فوجدته " نضال البتيري " كدت أن أقفز إليه أو حتى أناديه صارخا .. وأداعبه بكلمات وشتائم أعتاد أن يسمعها مني .. لكن سحر المكان .. دفعني للاسترخاء رغما عني وعن
الذين " خلفوني " ..
شعرت بخدر لذيذ في أطرافي .. وثمة رغبة في ألا يأتي دوري .. رغبت أن يتأخر دوري أكثر
وتساءلت: ما الذي يجري ..؟!! ما هذا الانقلاب العجيب والغريب الذي تم في الوزارة .!!
وجدت فجأة أن نضال قد أقبل نحوي بهدوء .. وصافحني . وحين هممت بأن ارفع صوتي أرحب به على طريقتي .. أسرع ووضع يده على فمي قائلا بصوت هامس :
هسس .. تكلم بصوت هامس .. الم تغلم بأن الحكومة .. استجابت لطلب الجماهير .. وأقالت الوزير السابق ..؟ !!
أجبته بهمس : ومن هو الوزير الحالي ؟ ! كم أتمنى أن اقبل يديه ورأسه
أجاب نضال بهمس : انه كوري .. ولا يتكلم اللغة العربية..
لكنه عملي ..رغم قصر قامته .. انه هادئ ويعمل بصمت لخدمة الشعب الأردني .
تعجبت كل العجب .. وتخيلت نفسي أعيش في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة .. لكني فرحت كثيرا
بل كدت أطير فرحا .. لكني أخفيت هذه الفرحة خوفا من الرجل الكوري الذي لا يفتأ ينحني ويبتسم كلما نظرت إليه ،، لا أريد أن يعتقد أننا " هجناء" أو " فجعانين " .. أو محرومين من هذه النعم ..
أحببت أن اظهر له أننا متعودين على مثل هذه الخدمات منذ زمن " قلوب باشا "
بل منذ "جمال باشا السفاح " وأن هذه الرفاهية واحترام الكتاب والمثقفين .. هو دستورنا ومنهجنا .. لذلك كتمت فرحتي .. وأظهرت من بعيد له مودتي .
ومن بعيد لاح لي موكبا صغيرا لفتاة تشبه سندريلا التي في الحكايات .. وكانت
" الفنانة سهير فهد " تحيط بها مضيفات كوريات يحملن بأيديهن "مهفات " من ريش " النعام "
ويحركن بها صعودا ونزولا ودخلن في جناح كتب عليه جناح النجوم .
لم اصدق عيني ..من فرط الدهشة .. وهاهي "نادرة عمران " يصاحبها موكب مماثل .. وما هي إلا لحظات حتى " دخلت عبير عيسى " يصحبها مثل هذا الموكب الجميل المؤثر .
نظر إلي نضال قائلا : لا تستغرب كل هذا .. انتم الكتاب لكم " بريستيج " خاص ..ما أن تخرج من عند معاليه حتى تسمع بإذنك وترى بأم عينك .
الحقيقة كادت تقتلني الدهشة .. أسبلت جفني للحظات ،، لأضم بين جفني ذلك المشهد البديع قبل أن يتبخر .
فتحت بصري اثر لكزه ماكرة من نضال لأشاهد صلاح الحوراني يرتدي لباس كوري تقليدي .. ويبتسم ابتسامة بحجم المبنى .. يرفقه موكب من الكوريات أيضا.. وبأيدهن المضلات .. لم يعرني أي اهتمام إلا من غمزه ذات دلالة ومعنى .. يوحي بها أن " البريستيج " يتطلب كل هذا الدلال
تمنيت أن يطلبني معاليه في الحال لأنال ما ناله الزملاء من العز .. كدت أن أنفجر صائحا في الرجل الكوري الباسم باستمرار .. واطلب منه أن يتعجل قليلا في دخولي إلى معاليه وأنني لست أقل من زملائي .
غير أنه تقدم مني وانحنى بشدة .. وطلب مني بكل أدب أن ادخل إلى معاليه ..
كان مكتب معالي الوزير اصغر كثيرا من مكتب معالي الوزير السابق .. وكان ودودا وقصيرا
ويده من شدة قصرها لا تعادل إصبع واحد فقط من أصابع الربيحات .. وكان إلى جانبه مترجم
وفي يده اضبارة تحمل اسمي .. وأدركت أن المترجم كان قد شرح للوزير كل شيء عني .. فاستقبلني بحفاوة .. والابتسامة لم تفارق وجهه الكوري الآسيوي .. وطلب مني أن اجلس .
تململت في جلستي وأنا أحاول تذكر ما جئت لأجله .. لكنه سبقني و"رطن " بلغته مع المترجم لخمس دقائق متواصلة .. بعدها التفت إلي المترجم وشرح لي أن الوزير الآن مطلع على كل مشكلتي
وان لي حقوق وامتيازات بصفتي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين .. وعضو في الاتحاد العام للكتاب العرب .. ويعلم أيضا أن لي نشاطات في خدمة المجتمع المحلي ،، ومؤلفات ومقالات وأعمال درامية تلفزيونية وأعمال مسرحية
ويعرف أنني اسكن في الإيجار .. وأن دخلي السنوي لا يكاد يطعمني ويطعم أسرتي .. ويعلم أيضا أنني لا أملك تأمينا صحيا .. وأنني لا أملك وسيلة نقل إلا قدمي .. وأنني أعيش في ظروف لا تساعد على الإبداع الحقيقي .
وقال أن جميع مشاكلي .." جميعها " قد حلت منذ الساعة .. وأن ثمة سيارة وبيت وموكب مماثل لصلاح الحوراني .. ينتظرني في الخارج .. وبأيدهم مهفات أيضا .. أسوة بكل الزملاء .. وأعلمني أن وقت الوزير محدود .. وهو في خدمتنا جميعا .
خرجت بعد أن انعقد لساني عن الشكر .. ولا أجد في قاموس لغتي كلمة واحدة .. ترتقي إلى مستوى الشكر بما يليق بوزير مثله .. وخرجت وأنا خجل من نفسي .. ومن فقر ثقافتي التي لم تسعفني في رد الجميل ... وفي الممر همس بأذني المترجم قائلا :
ربما سيتم تعميم التجربة ..وتطبيقها على رئاسة الحكومة .. والتعاقد مع كوريا بإدارتها بعد نجاح وزارة الثقافة .. لأنهم أي " الكوارنه " أناس لا يعرفون إلا العمل .. ولا يعرفون المحسوبية ولا يعرفون الفساد المالي والإداري ..
قلت بدوري .. ربما سيصل الأمر لحل القضية الفلسطينية بهذه الطريقة .. سيحصل الشعب الفلسطيني .. على حكومة كورية تدير شؤون البلاد والعباد .. ويتوقف نزاع فتح وحماس .
ودعني المترجم في آخر الممر .. وخرجت لأجد موكبا من كوريات في غاية الجمال والروعة
وما أن وصلن انحن.. انحن جميعا لي .. وقال المترجم ..إن رغبت في تبديل الجنس من إناث إلى ذكور .. ما عليك إلا إبداء رغبتك هذه .. لمدير شؤون المثقفين والكتاب .. قلت لا أبدا الفتيات أقل هدوء لكاتب ومفكر مثلي .
كدت أسير على أطراف أصابعي وأشعر نفسي أحلق في الجنة .. أي سعادة التي غمرتني هذا اليوم .. وأي بهجة .. تمنيت أن يشاطرني محمد سليم هذه الفرحة .. ودعوت من كل قلبي أن يحل في مصر مثل ما حل عندنا من تغيرات رائعة .
وفجأة اتسع المكان .. وبدت الغرف أكثر اتساعا .. والممرات كذلك .. والمراجعون في ذهاب وإياب .. واختفت الموسيقى الهادئة .. وحل محلها زعيق المراسلين . والفراشين والمراجعين
وقبل أن أصحو من غفلتي .. شاهدت في أول الممر .. وزير بأذرع طويلة .. وقامة مديدة .. محاط في رجال الدرك .. وبأيديهم " الكلبشة" والقنوات .
دارت الدنيا في عيني .. ولم أصحو على اهتزاز سيارة السجن .. أمام " سجن الجويدة " وشاهدت من ثقوب النافذة الصغيرة .. صورة زوجتي تلطم حظها وحظي العاثر .. وتلعن " أبو " اليوم الذي حلت علي به لعنة الكتابة..
شاهدت أيضا رئيس رابطة الكتاب " سعود قبيلات " يخوض معركة هو وأعضاء الرابطة ويتعرضون للضرب وهم يطالبون بإطلاق سراحي .. وتناهى إلى مسامعي في العنبر القريب نشيد السجناء:
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلام .
انتهت[/frame][/align]
قصة : ساخرة بقلم : يحيى الحباشنة
صحوت هذا الصباح مبكرا جدا على غير عادتي..
أحسست بأني أكثر حيوية ونشاط ..لدرجة أنني على استعداد أن اذهب إلى وزارة الثقافة لمتابعة طلبي مشيا على الأقدام .. أو على قبضتي يدي ..
لأتابع طلبي وعدم اهتمام الوزارة في دعم مسرحيتي " مبروكين يا عريس " لتقديمها ضمن نشاطات الكرك مدينة الثقافة الأردنية .
قراري هو الإصرار على مقابلة الوزير شخصيا وشرح الأمر له،، حتى لو نمت بباب مكتبه لن أعود خالي الوفاض .
أنا الآن متسلح في الإيمان الذي يملأ كياني وعقلي .." صاحب حق "..
ولا يموت حق " وراه مطالب "
حملت أوراقي وانطلقت إلى الوزارة وما أن وصلت.. وجدت جغرافية المكان قد تغيرت .. حدائق وبساتين غنُاء.. مقاعد لانتظار المراجعين تحت الأشجار الوارفة الظلال.. وصبايا حسناوات يقمن على خدمة المراجعين .. وموسيقى " باخ " و "موزات " و " وبتهوفن " تصدح ولا تدري من أين مصدرها ..
وقفت مبهورا .. فركت عيني مرارا .. وأنا اسأل نفسي ما الذي يحدث !!!
أهذا هو مبنى الوزارة !!!
تغير شكله .. أصبح اصغر حجما.. لكنه أكثر جمالا ... ويوحي أنه وزارة ثقافة في واحدة من الدول العظمى .. شاهدت رجالا ونساءً اقصر قامة يدخلون إلى المبنى.
ربما أنني أخطأت العنوان ،،
رفعت رأسي إلى الأعلى حيث تجثم "قارمة كبيرة " حديثة مكتوبة بالعربية بخطوط واضحة كبيرة " وزارة الثقافة الأردنية " إنها وزارة الثقافة إذن.
شعرت بنشوة كبيرة .
رأي الوزارة بمسرحيتي الهزلية ،، لم يعد يعنيني على الإطلاق
ما يهمني أن وزارتنا أصبحت " تبيض الوجه " والحمد لله .
عبرت المدخل الرئيسي .. استقبلتني فتاة كورية .. من أصل كوري ..كانت ابتسامتها عذبة وشهية
لم اهتم بذلك رغم انحنائها الشديد جدا احتراما وتقديرا لي .
دخلت إلى الداخل .. كانت الممرات هادئة وتخلو من المراجعين . والهدوء يعم المكان .. كانت حجرات الوزارة اصغر قليلا من السابق .. كانت نفس الموسيقى الهادئة تتسرب إلى أعماقي ..تشعرني رغما .. عن رأسي بأنني في وزارة ثقافة بكل ما تعني الكلمة من معنى .
تقدمت من مدير مكتب الوزير .. استقبلني رجل قصير القامة كوري المنشأ .. انحنى انحناءة كادت جبهته تلامس الأرض من شدتها .. ثم انتصب باسما واشار الى اريكة فاخرة ،،وطلب مني أن استلقي واسترخي عليها حتى يصل دوري لمقابلة معاليه .
كان ثمة رجل " يَجْعَصُ " على الأريكة المجاورة يسترخي بجسده النحيل ،، قدمت له
" ارقيلة " فاخرة .. وكانت رائحتها الزكية تنتشر في المكان .. دققت النظر في الرجل جيدا إذ بدا لي مألوفا .. فوجدته " نضال البتيري " كدت أن أقفز إليه أو حتى أناديه صارخا .. وأداعبه بكلمات وشتائم أعتاد أن يسمعها مني .. لكن سحر المكان .. دفعني للاسترخاء رغما عني وعن
الذين " خلفوني " ..
شعرت بخدر لذيذ في أطرافي .. وثمة رغبة في ألا يأتي دوري .. رغبت أن يتأخر دوري أكثر
وتساءلت: ما الذي يجري ..؟!! ما هذا الانقلاب العجيب والغريب الذي تم في الوزارة .!!
وجدت فجأة أن نضال قد أقبل نحوي بهدوء .. وصافحني . وحين هممت بأن ارفع صوتي أرحب به على طريقتي .. أسرع ووضع يده على فمي قائلا بصوت هامس :
هسس .. تكلم بصوت هامس .. الم تغلم بأن الحكومة .. استجابت لطلب الجماهير .. وأقالت الوزير السابق ..؟ !!
أجبته بهمس : ومن هو الوزير الحالي ؟ ! كم أتمنى أن اقبل يديه ورأسه
أجاب نضال بهمس : انه كوري .. ولا يتكلم اللغة العربية..
لكنه عملي ..رغم قصر قامته .. انه هادئ ويعمل بصمت لخدمة الشعب الأردني .
تعجبت كل العجب .. وتخيلت نفسي أعيش في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة .. لكني فرحت كثيرا
بل كدت أطير فرحا .. لكني أخفيت هذه الفرحة خوفا من الرجل الكوري الذي لا يفتأ ينحني ويبتسم كلما نظرت إليه ،، لا أريد أن يعتقد أننا " هجناء" أو " فجعانين " .. أو محرومين من هذه النعم ..
أحببت أن اظهر له أننا متعودين على مثل هذه الخدمات منذ زمن " قلوب باشا "
بل منذ "جمال باشا السفاح " وأن هذه الرفاهية واحترام الكتاب والمثقفين .. هو دستورنا ومنهجنا .. لذلك كتمت فرحتي .. وأظهرت من بعيد له مودتي .
ومن بعيد لاح لي موكبا صغيرا لفتاة تشبه سندريلا التي في الحكايات .. وكانت
" الفنانة سهير فهد " تحيط بها مضيفات كوريات يحملن بأيديهن "مهفات " من ريش " النعام "
ويحركن بها صعودا ونزولا ودخلن في جناح كتب عليه جناح النجوم .
لم اصدق عيني ..من فرط الدهشة .. وهاهي "نادرة عمران " يصاحبها موكب مماثل .. وما هي إلا لحظات حتى " دخلت عبير عيسى " يصحبها مثل هذا الموكب الجميل المؤثر .
نظر إلي نضال قائلا : لا تستغرب كل هذا .. انتم الكتاب لكم " بريستيج " خاص ..ما أن تخرج من عند معاليه حتى تسمع بإذنك وترى بأم عينك .
الحقيقة كادت تقتلني الدهشة .. أسبلت جفني للحظات ،، لأضم بين جفني ذلك المشهد البديع قبل أن يتبخر .
فتحت بصري اثر لكزه ماكرة من نضال لأشاهد صلاح الحوراني يرتدي لباس كوري تقليدي .. ويبتسم ابتسامة بحجم المبنى .. يرفقه موكب من الكوريات أيضا.. وبأيدهن المضلات .. لم يعرني أي اهتمام إلا من غمزه ذات دلالة ومعنى .. يوحي بها أن " البريستيج " يتطلب كل هذا الدلال
تمنيت أن يطلبني معاليه في الحال لأنال ما ناله الزملاء من العز .. كدت أن أنفجر صائحا في الرجل الكوري الباسم باستمرار .. واطلب منه أن يتعجل قليلا في دخولي إلى معاليه وأنني لست أقل من زملائي .
غير أنه تقدم مني وانحنى بشدة .. وطلب مني بكل أدب أن ادخل إلى معاليه ..
كان مكتب معالي الوزير اصغر كثيرا من مكتب معالي الوزير السابق .. وكان ودودا وقصيرا
ويده من شدة قصرها لا تعادل إصبع واحد فقط من أصابع الربيحات .. وكان إلى جانبه مترجم
وفي يده اضبارة تحمل اسمي .. وأدركت أن المترجم كان قد شرح للوزير كل شيء عني .. فاستقبلني بحفاوة .. والابتسامة لم تفارق وجهه الكوري الآسيوي .. وطلب مني أن اجلس .
تململت في جلستي وأنا أحاول تذكر ما جئت لأجله .. لكنه سبقني و"رطن " بلغته مع المترجم لخمس دقائق متواصلة .. بعدها التفت إلي المترجم وشرح لي أن الوزير الآن مطلع على كل مشكلتي
وان لي حقوق وامتيازات بصفتي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين .. وعضو في الاتحاد العام للكتاب العرب .. ويعلم أيضا أن لي نشاطات في خدمة المجتمع المحلي ،، ومؤلفات ومقالات وأعمال درامية تلفزيونية وأعمال مسرحية
ويعرف أنني اسكن في الإيجار .. وأن دخلي السنوي لا يكاد يطعمني ويطعم أسرتي .. ويعلم أيضا أنني لا أملك تأمينا صحيا .. وأنني لا أملك وسيلة نقل إلا قدمي .. وأنني أعيش في ظروف لا تساعد على الإبداع الحقيقي .
وقال أن جميع مشاكلي .." جميعها " قد حلت منذ الساعة .. وأن ثمة سيارة وبيت وموكب مماثل لصلاح الحوراني .. ينتظرني في الخارج .. وبأيدهم مهفات أيضا .. أسوة بكل الزملاء .. وأعلمني أن وقت الوزير محدود .. وهو في خدمتنا جميعا .
خرجت بعد أن انعقد لساني عن الشكر .. ولا أجد في قاموس لغتي كلمة واحدة .. ترتقي إلى مستوى الشكر بما يليق بوزير مثله .. وخرجت وأنا خجل من نفسي .. ومن فقر ثقافتي التي لم تسعفني في رد الجميل ... وفي الممر همس بأذني المترجم قائلا :
ربما سيتم تعميم التجربة ..وتطبيقها على رئاسة الحكومة .. والتعاقد مع كوريا بإدارتها بعد نجاح وزارة الثقافة .. لأنهم أي " الكوارنه " أناس لا يعرفون إلا العمل .. ولا يعرفون المحسوبية ولا يعرفون الفساد المالي والإداري ..
قلت بدوري .. ربما سيصل الأمر لحل القضية الفلسطينية بهذه الطريقة .. سيحصل الشعب الفلسطيني .. على حكومة كورية تدير شؤون البلاد والعباد .. ويتوقف نزاع فتح وحماس .
ودعني المترجم في آخر الممر .. وخرجت لأجد موكبا من كوريات في غاية الجمال والروعة
وما أن وصلن انحن.. انحن جميعا لي .. وقال المترجم ..إن رغبت في تبديل الجنس من إناث إلى ذكور .. ما عليك إلا إبداء رغبتك هذه .. لمدير شؤون المثقفين والكتاب .. قلت لا أبدا الفتيات أقل هدوء لكاتب ومفكر مثلي .
كدت أسير على أطراف أصابعي وأشعر نفسي أحلق في الجنة .. أي سعادة التي غمرتني هذا اليوم .. وأي بهجة .. تمنيت أن يشاطرني محمد سليم هذه الفرحة .. ودعوت من كل قلبي أن يحل في مصر مثل ما حل عندنا من تغيرات رائعة .
وفجأة اتسع المكان .. وبدت الغرف أكثر اتساعا .. والممرات كذلك .. والمراجعون في ذهاب وإياب .. واختفت الموسيقى الهادئة .. وحل محلها زعيق المراسلين . والفراشين والمراجعين
وقبل أن أصحو من غفلتي .. شاهدت في أول الممر .. وزير بأذرع طويلة .. وقامة مديدة .. محاط في رجال الدرك .. وبأيديهم " الكلبشة" والقنوات .
دارت الدنيا في عيني .. ولم أصحو على اهتزاز سيارة السجن .. أمام " سجن الجويدة " وشاهدت من ثقوب النافذة الصغيرة .. صورة زوجتي تلطم حظها وحظي العاثر .. وتلعن " أبو " اليوم الذي حلت علي به لعنة الكتابة..
شاهدت أيضا رئيس رابطة الكتاب " سعود قبيلات " يخوض معركة هو وأعضاء الرابطة ويتعرضون للضرب وهم يطالبون بإطلاق سراحي .. وتناهى إلى مسامعي في العنبر القريب نشيد السجناء:
يا ظلام السجن خيم إننا نهوى الظلام .
انتهت[/frame][/align]
تعليق