قراءة فى رواية " برنس الجهات الأربع " .. للروائى مصطفى مروان
بقلم / محمود الأزهري
**************************
" برنس الجهات الأربع " هي الرواية الأولى للأديب مصطفى مروان ، وقد صدرت هذا العام من مكتبة الأسرة في سلسلة إبداعات أدباء الأقاليم ، وهي الرواية الأولى التي تسجل جزءً من تاريخ نجع حمادي والحالة الاجتماعية به منذ ألاف السنين وحتى سيطرة البرنس يوسف كمال عليها ، والتغيرات التي حدثت بعد ذلك ، بالطبع كثيرة هي الأعمال الإبداعية التي صورت القرية والباشا ولكن يبقى لكل مكان حضوره الفذ، وخصوصيته النادرة التي تحتاج إلى عين فنان لالتقاطها ، ويد مبدع لإبرازها ، ولقد نجح الأديب مصطفى مروان في إبراز خصوصية المكان من خلال تصويره لعلاقات الشخصيات المتباينة والتي تحمل من الترميز بقدر ما تعبر عن الشخصانية داخل العمل . ولغة الرواية في مناطق كثيرة ، عالية بها سمو وشفافية ، تقترب كثيراً من لغة الشعر ، تصور الحياة تصويراً دقيقاً شجياً ومعذباً ، ولنقرأ كلمات الراوي الذي هو عجل أبيس حارس الكنوز : " مسئوليتي حراسة الكنوز منطقتي من بخانس إلى بخنوس ، قادوس يلامس قادوس ، كثيراً ما أشعر بالملل يأتي بعض السحرة وأحياناً يوقدون بخورهم ، يقدمون عذارى السر والطلسم ، لكنهم يفشلون في اللحظة الأخيرة ، هذا دوري أضع في أعينهم صك الحفظ !
واللغة في بعض المناطق من الرواية تقترب من لغة الحياة اليومية إنها عامية خاصة في الحوار الذي يمكن قراءته بطريقتين مختلفتين الأولى باعتباره كلاماً فصيحاً نظراً إلى رسم الكلمة وانضباطها نحوياً والثانية باعتباره كلاماً عامياً نظراً إلى شيوع استخدام هذه المفردات في اللغة العامية ولأن الشخصيات أقرب لأن تتكلم بالعامية بحسب تكوينها الثقافي داخل العمل الإبداعي ، وأحياناً تكون اللغة عامية بلا شك ولنقرأ هذا المقطع- ولنلاحظ موسيقاه - والكلام وارد على لسان دودة الطين : " بلعني كلب السمك ، أكلني الشيخ الخضارى مع السمك ورماني في الطين تانى وسط الغيطان ، يا حارس كنوز فرعون يا ملك وادي قنا أنت مركزك عالي ، اسحرني من تاني ،
اخلق لي عيون ورجلين ، رجعني سحلية ، أعيش حرة واشوف الشمس من تاني يا عجل أبيس اسمعني وارحمني ! " وكثيراً ما استلهم الكاتب الموروث الشفاهى في الغناء بالعامية مثل: يا هتلر يا ضلالي /لا أنت مسلم ولا نصراني ، ومثل ليل الغلابة يا ليل .. الخ
وظاهرة أن الرواية لا تعتمد على التجريب في اللغة ومغامرات الحداثة اللغوية ، وإنما هي تهتم أساساً بالحدث وتهتم ثانياً بفترة تاريخية في مكان محدد ، وتهتم الرواية - ثالثاً - برصد حالة المجتمع وعلاقاته المتشابكة في المكان خلال تلك الحقبة ؛ ولقد نجح الكاتب في جعل السرد يأتي على لسان عجل أبيس حارس الكنز مما يعطي مبرراً فنياً ومصداقيه له حين يروى ما يجرى مع شخصيات الرواية وما يحدث في التاريخ الممتد والأماكن المختلفة والمتباينة إضافة إلى القدرات الخارقة لهذا الحارس مما يعتبر مبرراً للتجول عبر التاريخ وعبر الأمكنة ولكن العقبة الوحيدة أمام هذه الحيلة الذكية أن الراوي مرصود لحراسة الكنز وبالتالي فالواجب ألا يغادره مطلقاً كما تقضي بذلك قواعد الموروث والفلكلور الشعبي وألا انفتح الكنز وقت غيابه وانتهت مهمته واحترق ! والكاتب مشغول في الرواية - بتسجيل القهر والظلم الواقع على الإنسان المصري يستوي في ذلك كون الظالم فرعوناً أو برنساً ! ومشغول - أيضاً - بفكرة استمرار الشخصية المصرية واستمرار معاناتها فحليمة هي الأميرة " تي " في التاريخ الفرعوني ، وحليمة أيضاً هي رمز لمصر كلها " فكلهم يحبون حليمة ولكن فرعون لا يحب حليمة " فكل الذي يهمه هو السيطرة والنفوذ ونهب ثرواتها هكذا يعلمنا التاريخ ، والمعلم صادوق النصراني وأحمد الأزهري جدهما واحد هو أمير نقادة " حيب حوتب " والكاتب مشغول في روايته أيضاً بفكرة استمرار اللغة المصرية القديمة وحياتها حتى الآن .. فيحاول إرجاع كثير من الكلمات وأسماء الأماكن إلى أصولها الفرعونية فكلمة "سخماط " أصلها يرجع إلى الإلهة " سخمت " وقرية القصير بخانس " أصلها قصر الأميرة خونسو واسم مصر جاء من جد المصريين أحد أحفاد نوح : مصرايم وهكذا ... والرواية بها الكثير من العلاقات بين الشخوص التي تحتاج إلى كتابة موسعة كالعلاقة بين أحمد الأزهري والمعلم صادوق فلم يمنع الأول كونه مسلماً ولا كونه أزهرياً أن يكون تلميذاً و صبياً للمعلم صادوق النصراني ويعمل معه في ورشة النجارة حتى يتعلم هذه الحرفة ، وكعلاقة التكروري كرمز ديني بباقي شخوص الرواية ، وكالعلاقة العاطفية التي ربطت بين العجل " وحليمة : " كانت حليمة تجسّد لي ابنة فرعون إنها أميرتي تي ، هذه حليمة تناسخت عنها ، يرويها النيل ، يترقرق حابي في الوجنات ، ويتلألأ شيء في الشفاه " أفقت من غيبوبتي في التاريخ فوجدتني أعود إلى الغيبوبة متعمداً ، حليمة هي تي أنا حبيبها المسحور ، هل حلت روح حبيبتي في حليمة ؟ لأبد أنها استقرت في جسد حليمة لتعذبني بذكراها .."
وأخيراً تحية تقدير وإعجاب لرواية " برنس الجهات الأربع " لمناصرتها لقضايا الإنسان ضد القهر الواقع فيه وتحية للأديب مصطفى مروان لإخلاصه في تسجيل فترة هامة ومؤثرة من تاريخنا المعاصر بشكل فني جذاب.
محمود الأزهرى
مصر
بقلم / محمود الأزهري
**************************
" برنس الجهات الأربع " هي الرواية الأولى للأديب مصطفى مروان ، وقد صدرت هذا العام من مكتبة الأسرة في سلسلة إبداعات أدباء الأقاليم ، وهي الرواية الأولى التي تسجل جزءً من تاريخ نجع حمادي والحالة الاجتماعية به منذ ألاف السنين وحتى سيطرة البرنس يوسف كمال عليها ، والتغيرات التي حدثت بعد ذلك ، بالطبع كثيرة هي الأعمال الإبداعية التي صورت القرية والباشا ولكن يبقى لكل مكان حضوره الفذ، وخصوصيته النادرة التي تحتاج إلى عين فنان لالتقاطها ، ويد مبدع لإبرازها ، ولقد نجح الأديب مصطفى مروان في إبراز خصوصية المكان من خلال تصويره لعلاقات الشخصيات المتباينة والتي تحمل من الترميز بقدر ما تعبر عن الشخصانية داخل العمل . ولغة الرواية في مناطق كثيرة ، عالية بها سمو وشفافية ، تقترب كثيراً من لغة الشعر ، تصور الحياة تصويراً دقيقاً شجياً ومعذباً ، ولنقرأ كلمات الراوي الذي هو عجل أبيس حارس الكنوز : " مسئوليتي حراسة الكنوز منطقتي من بخانس إلى بخنوس ، قادوس يلامس قادوس ، كثيراً ما أشعر بالملل يأتي بعض السحرة وأحياناً يوقدون بخورهم ، يقدمون عذارى السر والطلسم ، لكنهم يفشلون في اللحظة الأخيرة ، هذا دوري أضع في أعينهم صك الحفظ !
واللغة في بعض المناطق من الرواية تقترب من لغة الحياة اليومية إنها عامية خاصة في الحوار الذي يمكن قراءته بطريقتين مختلفتين الأولى باعتباره كلاماً فصيحاً نظراً إلى رسم الكلمة وانضباطها نحوياً والثانية باعتباره كلاماً عامياً نظراً إلى شيوع استخدام هذه المفردات في اللغة العامية ولأن الشخصيات أقرب لأن تتكلم بالعامية بحسب تكوينها الثقافي داخل العمل الإبداعي ، وأحياناً تكون اللغة عامية بلا شك ولنقرأ هذا المقطع- ولنلاحظ موسيقاه - والكلام وارد على لسان دودة الطين : " بلعني كلب السمك ، أكلني الشيخ الخضارى مع السمك ورماني في الطين تانى وسط الغيطان ، يا حارس كنوز فرعون يا ملك وادي قنا أنت مركزك عالي ، اسحرني من تاني ،
اخلق لي عيون ورجلين ، رجعني سحلية ، أعيش حرة واشوف الشمس من تاني يا عجل أبيس اسمعني وارحمني ! " وكثيراً ما استلهم الكاتب الموروث الشفاهى في الغناء بالعامية مثل: يا هتلر يا ضلالي /لا أنت مسلم ولا نصراني ، ومثل ليل الغلابة يا ليل .. الخ
وظاهرة أن الرواية لا تعتمد على التجريب في اللغة ومغامرات الحداثة اللغوية ، وإنما هي تهتم أساساً بالحدث وتهتم ثانياً بفترة تاريخية في مكان محدد ، وتهتم الرواية - ثالثاً - برصد حالة المجتمع وعلاقاته المتشابكة في المكان خلال تلك الحقبة ؛ ولقد نجح الكاتب في جعل السرد يأتي على لسان عجل أبيس حارس الكنز مما يعطي مبرراً فنياً ومصداقيه له حين يروى ما يجرى مع شخصيات الرواية وما يحدث في التاريخ الممتد والأماكن المختلفة والمتباينة إضافة إلى القدرات الخارقة لهذا الحارس مما يعتبر مبرراً للتجول عبر التاريخ وعبر الأمكنة ولكن العقبة الوحيدة أمام هذه الحيلة الذكية أن الراوي مرصود لحراسة الكنز وبالتالي فالواجب ألا يغادره مطلقاً كما تقضي بذلك قواعد الموروث والفلكلور الشعبي وألا انفتح الكنز وقت غيابه وانتهت مهمته واحترق ! والكاتب مشغول في الرواية - بتسجيل القهر والظلم الواقع على الإنسان المصري يستوي في ذلك كون الظالم فرعوناً أو برنساً ! ومشغول - أيضاً - بفكرة استمرار الشخصية المصرية واستمرار معاناتها فحليمة هي الأميرة " تي " في التاريخ الفرعوني ، وحليمة أيضاً هي رمز لمصر كلها " فكلهم يحبون حليمة ولكن فرعون لا يحب حليمة " فكل الذي يهمه هو السيطرة والنفوذ ونهب ثرواتها هكذا يعلمنا التاريخ ، والمعلم صادوق النصراني وأحمد الأزهري جدهما واحد هو أمير نقادة " حيب حوتب " والكاتب مشغول في روايته أيضاً بفكرة استمرار اللغة المصرية القديمة وحياتها حتى الآن .. فيحاول إرجاع كثير من الكلمات وأسماء الأماكن إلى أصولها الفرعونية فكلمة "سخماط " أصلها يرجع إلى الإلهة " سخمت " وقرية القصير بخانس " أصلها قصر الأميرة خونسو واسم مصر جاء من جد المصريين أحد أحفاد نوح : مصرايم وهكذا ... والرواية بها الكثير من العلاقات بين الشخوص التي تحتاج إلى كتابة موسعة كالعلاقة بين أحمد الأزهري والمعلم صادوق فلم يمنع الأول كونه مسلماً ولا كونه أزهرياً أن يكون تلميذاً و صبياً للمعلم صادوق النصراني ويعمل معه في ورشة النجارة حتى يتعلم هذه الحرفة ، وكعلاقة التكروري كرمز ديني بباقي شخوص الرواية ، وكالعلاقة العاطفية التي ربطت بين العجل " وحليمة : " كانت حليمة تجسّد لي ابنة فرعون إنها أميرتي تي ، هذه حليمة تناسخت عنها ، يرويها النيل ، يترقرق حابي في الوجنات ، ويتلألأ شيء في الشفاه " أفقت من غيبوبتي في التاريخ فوجدتني أعود إلى الغيبوبة متعمداً ، حليمة هي تي أنا حبيبها المسحور ، هل حلت روح حبيبتي في حليمة ؟ لأبد أنها استقرت في جسد حليمة لتعذبني بذكراها .."
وأخيراً تحية تقدير وإعجاب لرواية " برنس الجهات الأربع " لمناصرتها لقضايا الإنسان ضد القهر الواقع فيه وتحية للأديب مصطفى مروان لإخلاصه في تسجيل فترة هامة ومؤثرة من تاريخنا المعاصر بشكل فني جذاب.
محمود الأزهرى
مصر