اليد الخفية / قصة / أحمد القاطي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد القاطي
    أديب وكاتب
    • 24-06-2009
    • 753

    اليد الخفية / قصة / أحمد القاطي

    الــيــد الــخــفــيــة
    إيمان امرأة لم يُـكـتـب لها الزواج إلا وهي في عـقـدها الـرابـع حيث تذوقت مرارة الانتظار ، واكتوت بناره ، وبنظرات الناس اللاذعة والتي كانت تـشي بالشيء الكـثير . الحـظّ كان يعاكسها طول مشوار حياتها المليئة بالآهات ، والإخفاقات التي كأنها لم توجـدْ إلا لتكون مـن نصيبها وحظها التعس . كانت مُـتـدينة مؤمنة حريصة كل الحرص على أداء الفرائض في وقـتها ، تعمل لآخـرتها أكثر ما تعمل لدنياها . مع زوجها كانت تعـيش حياة وادعة كـلها تفاهـم ، لا تنافـر فـيه ، ولا تصادم . لكن هـذا الصفاء بدأ يتعكّـر بسبب الانتظار الذي طال ، وحوّل حياتها إلى كابوس مخيف قهّـار ، سلب منها ما عاشته مـن رخاء ، وأبى إلا أن يمنعه مـن الاستمـرار ، ويلازمها كظلها ليلَ نهار . إيمان مضتْ خمسُ سنوات على زواجها ولم تُـنجب ذرية تُـسعِـدُ صاحب الدار ، الذي تـتغـيّـر عاداته باستمرار . لـقـد جـرّبت كل الطرق المؤدية إلى الإنجاب ، لكن مشيئة الله لم تقـلْ لما هـو مُنتظـرٌ كُـن فـيكـون . لقـد كانت صابرة محتسبة أمرها عند الله ، رغـم الأذى الذي لحـقها مـن بعْـلها الذي تـنكّـر لكل شيء جميل عاشاه سويا ، وكـثيـرا ما كان يُـشهـر سيف الطلاق في وجهها عندما يحتدِم النقاش بينهما حـوْل عُـقـمها هي وسلامته هـو . لقد كان عـنيدا لم يثـق فـيها ــ رغم إحضارها لشهادة الطبيب التي تُـثبت سلامتها هي الأخرى ــ ، لكـونها لم تصطحبه معها يوم زيارتها له ، مما جعله يُـقسم أنها عـقيم ولا يمكـنها أن تـلِـد أبدا ، والمسألة ما هي إلا مسألة وقت فـقـط كي يطلقها .
    احتسبتْ إيمان أمْـرها عند الله ، وقضت ليلتها متوترة لم تُـغمض لها عـيْـنٌ ، ولم يتوقـف لها دمعٌ ، ولم يفـتـرْ فمُها عـن الدعاء والتوسّل إلى الله كي يُفـرّج كـرْبها ، ويُبدّد غـيْمها ، ويُـظهـر صدقها ، ويُـفـنّـد ادّعاء زوجها السّليط اللسان . ولم يمض سوى أسبوع واحد حتى ظهـر البرهان ، واستجاب الرحمن لعبده المؤمن المُهان . إن إيمان حامل في شهرها الأول .
    مرة أخرى عاد الزوج إلى معاملة زوجته بالحُـسنى ، وعاد أيضا الدفء إلى بيتهما بعـد أن هجـره لسنوات طوال . مـرّت فترة الحمل بشهورها التسعة كأن شيئا لم يقع مـن قـبل ، إلى أن جاء يوم المخاض ذات صباح شتائيّ باكـر ، حيث قاومتْ إيمان وجعها ، وكـتمتْ أنفاسها ، كي لا يسمع زوجها النائم بقـربها أنـيـنها فتحـرمه لـذة النوم الذي كان يغـط فيه غـطيطا . إنّ ألمها كان يُنسيها فيه فـرحُها القادم ، من سنين الحرمان الآثم الذي خيّم عـليها كالليل القاتم الجاثم على صدرها كجبل قاعد قائم . صبــرُ إيمان وصمتُها ، قطعهما ألـمٌ حادٌّ مفاجئ ، دفعاها إلى إطلاق صرخة مدوّية في أرجاء البيت كالرعـد الناقـم في يوم غـائـم .
    الصرخة كانت كافية كي توقظ الزوج مذعـورا مهموما مكلـوما . نظـر إلى زوجته التي كانت ما تزال تئنّ وتتألم وهي واضعة ٌ يدها على بطنها ، وبسرعة نهـض من فـراشه وهــو يـنُـودُ، وساعـدها على الوقـوف وارتـداء ملابسها ، وحمل لوازم المولود القادم ، وما هي إلا دقائق حتى كانا معا في المستشفى القريب مـن محل سكناهما .
    في المستشفى ظل الزوج رفقة زوجته طوال اليوم دون أن تـلِـد ، مما اضطره إلى العودة إلى المنزل للاستراحة قليلا ، والتزود بقليل من الطعام . في غيابه وضعـتْ إيمان حملها بعـد صراع مـريـر مع المـوت والحياة ، لكـنها أصيـبتْ بنزيف حادّ وخـطيـر ، دخلتْ على إثره في غـيبوبة ليوم كامل ، ولمّا استعادتْ وعْـيهـا
    وفتحتْ عـينيها ، لم تجـد زوجها بقربها ، فسألت عنه ، فـقيل لها بأنه حضـر وانصرف بسرعة لمّا رأى المولود . استغـربتْ إيمانُ تصرّف زوجها ، وفي خِـضمّ استغرابها لاحظت عائلته وهي متحلقة حـول القادم الجديد ، ولا أحد منها هـنّـأها أو بارك لها فيه . بل هناك من كان ينظـر إليها نظرة احتـقار وازدراء لم تألفها مـن قبل . وما هي إلا هُـنـيهة حتى انصرف الجميع ، ووجدت نفـسها وحيدة مع مولودها الافـتـراضي الذي
    وقع له ما وقع أثناء غـيـبـوبتها . تحاملتْ على نفـسها ، وقامتْ مـن مكانها ، وألـقـت عـليه نظرة فاحصة رؤومة فلم تُـصدق ما رأت . إنه لا يشبه والديه ، لقد كان لونُ بشرته أسود ، مما جعـلها تصاب بالصدمة وعـدم القدرة على الصبر . بعـد مُضي أسبوع شوهـدت إيمان وهي تمشي في الشارع العام حافية القدمين ، وشعـرها الطويل مُنـسـدلٌ على كـتـفـيها ، وهي تُـردّد كلاما .... بصوت مرتـفع تـتـقـطّع له الأكـباد ، وتـقـشعِـرّ له الأبــدان .
    تـــازة في : 9 / 4 / 8
    أحمد القاطي المغرب
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    قصة مأساوية بنهاية مدهشة وغريبة

    تحية وتقدير
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • م. زياد صيدم
      كاتب وقاص
      • 16-05-2007
      • 3505

      #3
      ** الراقى احمد........

      جربت كل الطرق والوسائل ..!!!

      هنا محور النص وفك اللغز بالكشف عن الايادى الخفية.. طبعا من خلال السرد كانت مؤمنة واثقة وعلى خلق اذا هناك امر يتعلق وقد يكون وهو الارجح ذهابها الى احد المشعوذين وما بين بخور وتخدير .....!!!
      النص يفتح بابا للنقاش الجاد.

      تحايا عطرة.............
      أقدارنا لنا مكتوبة ! ومنها ما نصنعه بأيدينا ؟
      http://zsaidam.maktoobblog.com

      تعليق

      • أحمد القاطي
        أديب وكاتب
        • 24-06-2009
        • 753

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
        قصة مأساوية بنهاية مدهشة وغريبة

        تحية وتقدير
        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

        أستاذتي المبدعة مها راجح .

        أسعد الله أوقاتك بكل خير .

        إنها فعلا قصة مأساوية ، والإنسان بتصرفه الطائش من ورائها .

        ألف شكر .

        ألف تقدير لأختي الفاضلة مها .

        أحمد القاطي يحييك .

        تعليق

        • أحمد القاطي
          أديب وكاتب
          • 24-06-2009
          • 753

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة م. زياد صيدم مشاهدة المشاركة
          ** الراقى احمد........

          جربت كل الطرق والوسائل ..!!!

          هنا محور النص وفك اللغز بالكشف عن الايادى الخفية.. طبعا من خلال السرد كانت مؤمنة واثقة وعلى خلق اذا هناك امر يتعلق وقد يكون وهو الارجح ذهابها الى احد المشعوذين وما بين بخور وتخدير .....!!!
          النص يفتح بابا للنقاش الجاد.

          تحايا عطرة.............
          ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
          الصديق العزيز ، المبدع زياد صيدم .
          السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
          نعم لقد جربت كل الطرق والوسائل ، من أجل الإنجاب ، وهذا ما تفعله كل امرأة تتأخر عن الإنجاب . كل شيء يصبح متاحا للتجريب ووو
          القصة تحاول تسليط الضوء على مأساة من المآسي المعيشة هنا وهناك .
          كل التقدير
          كل الشكر للصديق الغالي زياد صيدم .
          أحمد القاطي يحييك .

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            الزميل القدير
            أحمد القاطي
            أليست هذه قصة منذ زمان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم!!؟
            وبكل الأحوال زميلي لله في خلقه شؤون
            فربما لأحد الوالدين جد أسود؟
            وماالذي يمنع
            نص يوضح قدرة الله علينا ونحن الضعفاء
            تحياتي سيدي الكريم
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • أحمد القاطي
              أديب وكاتب
              • 24-06-2009
              • 753

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
              الزميل القدير
              أحمد القاطي
              أليست هذه قصة منذ زمان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم!!؟
              وبكل الأحوال زميلي لله في خلقه شؤون
              فربما لأحد الوالدين جد أسود؟
              وماالذي يمنع
              نص يوضح قدرة الله علينا ونحن الضعفاء
              تحياتي سيدي الكريم
              ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

              الفاضلة المبدعة عائده محمد نادر .

              أسعد الله أوقاتك بكل خير .
              صحيح ما قلته هنا ، فهناك جينات وراثية قد تكون السبب فيما جرى . ولكن القصة تعالج شيئا آخر . أتمنى أن يكتشفه القارئ الكريم .
              أسعد دائما بتواصلك ، وبملاحظاتك القيمة .
              أحمد القاطي يحييك

              تعليق

              يعمل...
              X