سأصل ... قصة فجر عبد الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فجر عبد الله
    ناقدة وإعلامية
    • 02-11-2008
    • 661

    سأصل ... قصة فجر عبد الله

    سأصل ...!

    صحوت ذات صباح على صراخها ، يدوي في أرجاء المنزل ؛ إنها تبحث عني ، لم تجد وجبة إفطارها على المائدة كعادتها ، لم تجد البيت مرتبا كما تعودت أن تجده كلما استيقظت من النوم...لكن لا أستطيع النهوض ، الحرارة أنهكت جسمي الضعيف ، ولم ألملم ما تبقى مني لأقوم بما أقوم به كل يوم من طبخ وكنس وأشغال لا تنتهي ... أعرف أنها لن تأخذها الرأفة بي ، ولن تهتم لحالتي على الرغم من الحرارة التي يغلي لها مخ عظامي .. ياربي متى .. ياربي متى ترحمني هذه المرأة ...؟!
    متى تكف عن إيذائي وتحويل مشاعري إلى أشلاء ؟ ، هاهي خطواتها تبعث في أوصالي الخوف : إنها تقترب من غرفتي
    _ ماذا تفعلين ... أما زلت نائمة ...؟
    _خالتي لا أستطيع القيام ، الحرارة أنهكت جسمي.

    _ حرارة ...؟؟؟ !!!! أنت تصابين بالمرض ! هذا الجسم الصلب يصاب بالمرض ؟

    أنت تتمارضين ، قومي لأشغالك ، كفاك تكاسلا ، إخوتك سيذهبون إلى المدرسة ، من يجهز لهم الفطور ..؟
    _ حاضر يا خالة سأقوم حالا

    قمت أجرجر ما تبقى من قوتي ؛ لأعد الفطور ، وأغسل تلك الأطباق ، وأرتب تلك الغرفة ، وأنشر الغسيل . ..


    في المساء عاد أبي من عمله ، استقبلته كعادتي ..قبلت رأسه وأخذت عنه الأكياس التى يحملها ...نظر إلي ، وضع يده على جبهتي :

    _ ما هذا ؟ حرارتك مرتفعة يا ابنتي .

    _فقط بعض التعب يا أبي ، لا تشغل بالك .


    مضغتني بنظراتها ، فعرفت أنها تريدني أن أنصرف ، ولا أكمل الحديث مع أبي ، هي تقوم بذلك في كل مرة تراني أكلم فيها أبي أو يكلمني ، أعرف أنها تخاف أن أشكو إليه ما تفعله بي



    ؛ لكنني لا أفعل ، لن أحمله فوق ما يحمل من هموم ؛ إنه يعود إلى البيت متعبا ، ويحتاج الراحة ، مثلما يحتاج العطشان شربة ماء.
    يكفيه همّ إخوتي الصغار ، صحيح هم ليسوا أشقائي لكن هم إخوتي ، ولا ذنب لهم فيما تفعله زوجة أبي من معاملة قاسية معي.
    هكذا مرت الأيام والسنوات ، وها أنذا أطرق باب الثلاثين من عمري ...


    لطالما حلمت كأي فتاة بفارس يأتي لينقذني مما أنا فيه ، لم أرده فارسا مغوارا كما في المسلسلات ، بل كنت أريده سندا أتكئ عليه في حياتي ونكون أسرة ... لكن كيف لهذا الفارس أن يأتي وزوجة أبي ترد على كل من يطرق الباب بدعوى أنني مازلت صغيرة.....
    مللت هذا ( الروتين ) الذي يخنقني ، يشدني إلى قاع سرداب اليأس ، أريد أن أفعل شيئا في حياتي ، فالإنسان لم يخلق للأكل والشرب ، بل لمهمة على هذا الكوكب. ...


    قررت أن أغير حياتي وأن أمزق حاجز الخوف من التعبير عن رغباتي ، عزمت الأمر لأحدث أبي بأمر طالما فكرت فيه ، لكن قسوة زوجة أبي كانت تذبح العبارات على شفتي قبل أن تولد !
    حين عاد أبي من العمل ذات يوم ، فحدثته عن رغبتي ، ورجوته أن يقبل ولأنه كان يحبني ويشعر بمعاناتي قبل دون تردد ، لكن زوجة أبي اعترضت بشدة صرخت :

    _ أي خياطة هذه التي تريدين تعلمها ، أنسيت أن إخوتك لا زالوا صغارا ، ويحتاجون الرعاية ، من سيقوم بأشغال البيت ؟

    أجبتها قبل أن تسترسل : لن أفرط في أي شيئ يا خالة ، لا تخشي شيئا ، سأقوم بأشغال البيت كالعادة.

    _ وكيف تستطيعين التوفيق بين الأمرين ؟ ...بلهجة متهكمة

    _ سأتدبر أمري ، أنظم وقتي فالنظام سيوفر علي كثيرا من الوقت لأقوم بكل ما تريدين. قبلت رأس أبي راجية موافقته ، ونظراتي حبلى باستعطافه.

    صدح صوت أبي بالقرار : ..
    غدا إن شاء الله ! سيكون أول يوم لك في مشغل الخياطة ! .


    اتسعت ابتسامتي حتى فاضت على وجهي ، ومسحت غبار الخوف عنه ، فأرسلت عيناي دمعات لها مذاق الفرحة !
    استيقظت باكرا كما العادة ، قمت بكل واجباتي ، حتى طعام الغذاء جهزته ، كي أسد أي ثغرة تحاول منها الدخول لتحطم رغبتي لتعلم الخياطة ... ارتديت ملابسي ، حملت حقيبة اليد وراحت قدماي تلتهمان المسافة بنهم إلى مقر المشغل .

    كانت السيدة التي تعلمنا ، امرأة طيبة ، رأيت الاهتمام بي في تصرفاتها معي ، إنها قريبة جارتنا ، ربما عرفت منها بعض ظروفي الظاهرة للعيان ؛ فراحت تعلمني بدايات الخياطة بأسلوب أتمكن به من إتقان العمل بسرعة ، و فاجأتها بحماسي وإصراري على التعلم وابتكار موديلات جديدة ...
    تذكرت هوايتي الطفولية ، رسم الملابس التي كنت أرسمها على الورق وأقطعها وألبسها لدميتي ...ابتكرت تصاميم لفساتين ذات طابع إسلامي ، أجل فقد كنت أعاني من شراء الفساتين حين أذهب للتسوق ؛ أغلب مايباع له مذاق أوروبي مما يقال عن لابساته " كاسيات عاريات " فساتين تكشف أكثر مما تستر ...تصاميمي أصبحت متميزة ، جميع زميلاتي في المشغل أعجبن بها ، ومما زادني حماسا على مواصلة ما أنجزته من تصاميم ، نظرة معلمتي التي شعرت بهواء الزهو والافتخار والثقة يملأ رئتي ، وأنا أرى في نظراتها الإعجاب بما صممته من فساتين ، شجعتني لأستمر ، ومن فضل الله علي أن زارت المشغل صديقة المعلمة وهي أجنبية ؛ فأرتها المعلمة التصاميم وأعجبت بها كثيرا ، وصاحت : ( واااااو ) هذا رائع ! ؛ رغم أن لا عري فيها إلا أنها تصاميم مبتكرة ورائعة أنت !

    كانت هذه العبارة زادا لي لأكمل الطريق في ابتكار تصاميم لها نكهة إسلامية. ....
    وصارت زوجة أبي تضع لي العراقيل ، كي لا أكمل ما أقوم به ، كنت أرى غضبها وحشا يريد أن يفترسني ؛ وهي ترى بريق عيني يتراقص فرحا ، وأنا أمسك الموديلات التي أخيطها وأرتبها لأعرضها على المعلمة .
    فراحت تعرضني بضاعة على صديقة لها أو جارة في سوق العرض والطلب لزواج من شيخ يبحث عن من يخدمه دون راتب ...ومما أسكتها ، و ألجم رغبتها في التخلص مني أن أبي عاد يوما وسمعها تعرضني على جارة لشيخ في عمر جدي وقد زاد شهيتها خبر : أنه ثري ؛ لتضرب عصفورين بحجر واحد ، التخلص مني والإفادة من مال الشيخ .
    صاح أبي في وجهها متوعدا إياها إن استمرت في ذلك !


    وبعد أعوام قضيتها في التعلم ، زاد نهمي لمواصلة طريق تصميم الفساتين ، حلم طالما حلمت به أن أسوق فساتين من تصميمي ... عرضت على أبي أن يمنحني حق التصرف في غرفة من غرف المنزل لأحولها إلى مشغل صغير .
    عارضت زوجة أبي الفكرة ، ووافقها أبي مدعية أن ليس في المنزل غرف زائدة عن الحاجة
    لكنني لم أستسلم ، فبدأ رفضهما يزداد قوة بخاصة أن الأمر يتطلب رأس المال وأبي لا يملك المبلغ.
    قررت أن أنحت صخر رفضهما بمعول إصراري الذي استمد قوته من توكلي على الله تعالى ، ثم من جبال صبري على أن أكمل الطريق وسأصل يوما ما ... ألححت عليه في الطلب ليوافق لأنني لن أكلفه شيئا.

    أجاب باستغراب من إصراري : يا ابنتي ، المشروع يتطلب رأس مال وأنا _ كما تعلمين _ لا أستطيع أن أوفره لك ؛ فراتبي أضعف من ذلك.

    _ لا عليك يا أبي فقط ؛ امنحني الإذن ؛ لأحول غرفة من غرف المنزل إلى مشغل ، هناك غرفة لا نستغلها ، أي نعم هي صغيرة لكن تكفيني في بداية المشوار لتحقيق حلمي.

    _ لكن الغرفة صغيرة يا ابنتي.

    _ لابأس ! سأفعل كل ما أستطيعه ؛ لأبيع ما أخيطه ، وسأوفر المال لأوسع المشغل ، لن أتخلى عن هدفي ، وأريد أن أنجز شيئا في حياتي .

    ابتسم أبي وهز رأسه بالموافقة ، طرت فرحا ، لكن سرعان ما انتحرت ابتسامتي حين فكرت في رأس المال !
    لم أعرف كيف أتصرف ، من أين سأحصل على مبلغ لشراء ماكينات الخياطة ولوازم العمل والقماش.
    فكرت في صديق أبي ، إنه رجل ذو سعة من المال ولا يرد من يطرق بابه يطلب فرجا لكربة ، ذهبت أطرق منزله ومن فضل الله وكرمه أنه وافق أن يقرضني مبلغا من المال.
    بدأت أضع أول لبنة في صرح " مصنع لخياطة الفساتين " طلبت من مجموعة من زميلاتي في مشغل تعليم الخياطة أن يلتحقن لمساعدتي ونقتسم الأرباح حسب عمل كل واحدة منهن واجتهادها في إتقان العمل

    وهاهو المصنع الصغير يتنفس أكسجين الإنجاز ، إنه أول فستان أقوم بخياطته ، وطلبت من زميلاتي أن ننجز مجموعة من التصميم نفسه .
    كانت فرحتنا عارمة ، حين أنجزنا الطلب لمحل لبيع الملابس النسائية ،
    وهاهو حصاد عملنا نتذوقه ، كان بمذاق الشهد ، فرحتي بالإنجاز كانت أكبر من فرحتي بالربح الذي حصلنا عليه !
    جزء منه دفعته قسطا من أقساط الدين وجزء آخر وضعته في يدي والدي واشتريت هدية لزوجة أبي ، والباقي اشتريت به أقمشة ، ولوازم العمل .
    بدأت تصاميمي تعرف نوعا من الشهرة والانتشار ، فسارعت في عرض الفساتين على محلات أخرى ، تعرض سعرا أكثر.
    دفعت كل أقساط الدين ، وزاد الطلب على الفساتين ، وزادت رغبتي في مواصلة إنجاز آخر
    لكن كيف ؟ والمصنع صغير ولا يستوعب إلا عددا قليلا من ماكينات الخياطة وأدواتها .
    بدأ الإحباط يزحف نحو إصراري من جديد ، وينقض على عزيمتي في مواصلة الطريق ، لكن سرعان ما كسرت سهامه قبل أن تنغرس فيه فتحطمه!
    رحت أبحث عن مكان أكثر اتساعا ليسع عددا أكبر من ماكينات الخياطة ، وبفضل من الله يسر لي كراء محل أكثر اتساعا ، وأصبح للمعمل عملاء أكثر ، وطلبات اضطرتني أن أستزيد من العاملات .
    اغرورقت عيناي بالدموع وأنا أرى المصنع يكبر ويزداد شهرة ، تمنيت لو كانت أمي معي
    لترى ما أنجزته !

    عدت للبيت ؛ فاستقبلتني زوجة أبي بابتسامة لم أعهدها منها ، وشكرتني أنني لا أكلف أبي مصاريف البيت أو مصاريف دراسة أخوتي
    دخلت غرفتي فرشت سجادتي ، شاكرة ربي أن أنعم عليّ من فضله ، وأنني صرت صاحبة معمل للملابس النسائية .
    شعرت بطعم آخر لحياتي. طعم فرحة الإنجاز الذي لا يضاهيه طعم آخر حلاوة ..
    أصبح لحياتي معنى ، وفزت حين أنجزت ! .
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    رحلة كفاح تستحق التصفيق !
    قرأت الجزء الأول فقلت سوف تتوقف هنا ، و كأنها تعيد قصا جديد ا لقصة سندريللا .. لا أنكر .. أنى فرحت كثيرا .. و لكنك لم تتوقفى ، و أصررت على الاستمرار ليتحول القص إلى حكى .. حكى عن قصة كفاح ضد التيار ، و ضد معوقات كانت بسبيلها لجرك بعيدا عن هذا !

    ما رأيك لو أطلقنا عليها ( من يومياتى ) أو أى اسم يليق ، بحيث يحتمل فيه هذا ، لقد بدت كأنها قصة من واقع الحياة ، بكل ما تحمل !
    غاب عن هذه الآخر ، و اكتفيت بتواجد الأب .. و كم كان جميلا ، لكن أحببت أيضا لو دخل الرجل هذه الرقعة ، إذ الحياة لا تستقيم إلا بوجود الآخر ، فالرجل و الأنثى ملح الوجود ، و بهجة القص الجميل

    كان من الممكن و القماشة بيدك على هذا الاتساع ، أن تشكلى منها مجموعة قصص جميلة ، تحمل دهشة القص الجميل .. و لكن هكذا أردت !!

    شكرا لك على هذه !!

    تحيتى و تقديرى
    sigpic

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      قصة كفاح جديرة بالإعجاب
      اسلوب جميل جذبني لمتابعة القراءة ومعرفة التفاصيل
      تحية وتقدير
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميلة القدير
        فجر عبد الله
        والله لو أنك اختصرت بعض التفاصيل لكانت رائعة من روائع الأدب
        ياسيدتي
        حين يسهب الكاتب تتهدل النصوص
        أرجوك لاتنزعجي من ملاحطتي فرح فوالله ليس القصد سوى أن أعطيك نصيحة وبعون الله حين تكثفين نصوصك سترين نتيجته الكبيرة
        فرح
        التكثيف لايعني أن تستغني عن الأصل وإنما أن تقللي من السرد الذي يجعل النص متهدلا
        لكن قصتك تبقى جميلة وتحكي كفاح الكثيرين والكثيرات
        تحيايا بعطر الورد
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • فجر عبد الله
          ناقدة وإعلامية
          • 02-11-2008
          • 661

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
          رحلة كفاح تستحق التصفيق !
          قرأت الجزء الأول فقلت سوف تتوقف هنا ، و كأنها تعيد قصا جديد ا لقصة سندريللا .. لا أنكر .. أنى فرحت كثيرا .. و لكنك لم تتوقفى ، و أصررت على الاستمرار ليتحول القص إلى حكى .. حكى عن قصة كفاح ضد التيار ، و ضد معوقات كانت بسبيلها لجرك بعيدا عن هذا !

          ما رأيك لو أطلقنا عليها ( من يومياتى ) أو أى اسم يليق ، بحيث يحتمل فيه هذا ، لقد بدت كأنها قصة من واقع الحياة ، بكل ما تحمل !
          غاب عن هذه الآخر ، و اكتفيت بتواجد الأب .. و كم كان جميلا ، لكن أحببت أيضا لو دخل الرجل هذه الرقعة ، إذ الحياة لا تستقيم إلا بوجود الآخر ، فالرجل و الأنثى ملح الوجود ، و بهجة القص الجميل

          كان من الممكن و القماشة بيدك على هذا الاتساع ، أن تشكلى منها مجموعة قصص جميلة ، تحمل دهشة القص الجميل .. و لكن هكذا أردت !!

          شكرا لك على هذه !!

          تحيتى و تقديرى
          أستاذي الفاضل المبدع ربيع
          مرورك أعتز به وقد عطر صفحتي المتواضعة ورأيك جدير أن آخذ به في مسيرتي الأدبية
          شكري سحابة تهمي
          تقديري
          تحاياي العاطرة

          تعليق

          • فجر عبد الله
            ناقدة وإعلامية
            • 02-11-2008
            • 661

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
            قصة كفاح جديرة بالإعجاب
            اسلوب جميل جذبني لمتابعة القراءة ومعرفة التفاصيل
            تحية وتقدير
            مها لمرورك عطر الزنابق
            شكرا لك سنابل تتناسل في أكياس الامتنان
            حقول ورد وسلال ود

            تعليق

            • عبدالمنعم حسن محمود
              أديب وكاتب
              • 30-06-2010
              • 299

              #7
              الأستادة / فجر
              تحية طيبة
              أحترم هذا النص والمجهود الذي بذل فيه
              ولكن ما يقتل القص مرة هو تدخل الراوي في صميم انفعال الشخصية
              " هكذا مرت الأيام والسنوات ، وها أنذا أطرق باب الثلاثين من عمري
              فالإنسان لم يخلق للأكل والشرب..بل......
              بلهجة متحكمة"
              وما يقتل القص مرتين هو التبرير..فهو العدو الأول للحبكة المترابطة..
              أجل فقد كنت أعاني من شراء الفساتين حين أذهب للتسوق"

              ومزيد من الكتابة نترقبها
              التواصل الإنساني
              جسرٌ من فراغ .. إذا غادره الصدق


              تعليق

              • حسن الحسين
                عضو الملتقى
                • 20-10-2010
                • 299

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة فجر عبد الله مشاهدة المشاركة
                سأصل ...!

                صحوت ذات صباح على صراخها ، يدوي في أرجاء المنزل ؛ إنها تبحث عني ، لم تجد وجبة إفطارها على المائدة كعادتها ، لم تجد البيت مرتبا كما تعودت أن تجده كلما استيقظت من النوم...لكن لا أستطيع النهوض ، الحرارة أنهكت جسمي الضعيف ، ولم ألملم ما تبقى مني لأقوم بما أقوم به كل يوم من طبخ وكنس وأشغال لا تنتهي ... أعرف أنها لن تأخذها الرأفة بي ، ولن تهتم لحالتي على الرغم من الحرارة التي يغلي لها مخ عظامي .. ياربي متى .. ياربي متى ترحمني هذه المرأة ...؟!
                متى تكف عن إيذائي وتحويل مشاعري إلى أشلاء ؟ ، هاهي خطواتها تبعث في أوصالي الخوف : إنها تقترب من غرفتي
                _ ماذا تفعلين ... أما زلت نائمة ...؟
                _خالتي لا أستطيع القيام ، الحرارة أنهكت جسمي.

                _ حرارة ...؟؟؟ !!!! أنت تصابين بالمرض ! هذا الجسم الصلب يصاب بالمرض ؟

                أنت تتمارضين ، قومي لأشغالك ، كفاك تكاسلا ، إخوتك سيذهبون إلى المدرسة ، من يجهز لهم الفطور ..؟
                _ حاضر يا خالة سأقوم حالا

                قمت أجرجر ما تبقى من قوتي ؛ لأعد الفطور ، وأغسل تلك الأطباق ، وأرتب تلك الغرفة ، وأنشر الغسيل . ..


                في المساء عاد أبي من عمله ، استقبلته كعادتي ..قبلت رأسه وأخذت عنه الأكياس التى يحملها ...نظر إلي ، وضع يده على جبهتي :

                _ ما هذا ؟ حرارتك مرتفعة يا ابنتي .

                _فقط بعض التعب يا أبي ، لا تشغل بالك .


                مضغتني بنظراتها ، فعرفت أنها تريدني أن أنصرف ، ولا أكمل الحديث مع أبي ، هي تقوم بذلك في كل مرة تراني أكلم فيها أبي أو يكلمني ، أعرف أنها تخاف أن أشكو إليه ما تفعله بي



                ؛ لكنني لا أفعل ، لن أحمله فوق ما يحمل من هموم ؛ إنه يعود إلى البيت متعبا ، ويحتاج الراحة ، مثلما يحتاج العطشان شربة ماء.
                يكفيه همّ إخوتي الصغار ، صحيح هم ليسوا أشقائي لكن هم إخوتي ، ولا ذنب لهم فيما تفعله زوجة أبي من معاملة قاسية معي.
                هكذا مرت الأيام والسنوات ، وها أنذا أطرق باب الثلاثين من عمري ...


                لطالما حلمت كأي فتاة بفارس يأتي لينقذني مما أنا فيه ، لم أرده فارسا مغوارا كما في المسلسلات ، بل كنت أريده سندا أتكئ عليه في حياتي ونكون أسرة ... لكن كيف لهذا الفارس أن يأتي وزوجة أبي ترد على كل من يطرق الباب بدعوى أنني مازلت صغيرة.....
                مللت هذا ( الروتين ) الذي يخنقني ، يشدني إلى قاع سرداب اليأس ، أريد أن أفعل شيئا في حياتي ، فالإنسان لم يخلق للأكل والشرب ، بل لمهمة على هذا الكوكب. ...


                قررت أن أغير حياتي وأن أمزق حاجز الخوف من التعبير عن رغباتي ، عزمت الأمر لأحدث أبي بأمر طالما فكرت فيه ، لكن قسوة زوجة أبي كانت تذبح العبارات على شفتي قبل أن تولد !
                حين عاد أبي من العمل ذات يوم ، فحدثته عن رغبتي ، ورجوته أن يقبل ولأنه كان يحبني ويشعر بمعاناتي قبل دون تردد ، لكن زوجة أبي اعترضت بشدة صرخت :

                _ أي خياطة هذه التي تريدين تعلمها ، أنسيت أن إخوتك لا زالوا صغارا ، ويحتاجون الرعاية ، من سيقوم بأشغال البيت ؟

                أجبتها قبل أن تسترسل : لن أفرط في أي شيئ يا خالة ، لا تخشي شيئا ، سأقوم بأشغال البيت كالعادة.

                _ وكيف تستطيعين التوفيق بين الأمرين ؟ ...بلهجة متهكمة

                _ سأتدبر أمري ، أنظم وقتي فالنظام سيوفر علي كثيرا من الوقت لأقوم بكل ما تريدين. قبلت رأس أبي راجية موافقته ، ونظراتي حبلى باستعطافه.

                صدح صوت أبي بالقرار : ..
                غدا إن شاء الله ! سيكون أول يوم لك في مشغل الخياطة ! .


                اتسعت ابتسامتي حتى فاضت على وجهي ، ومسحت غبار الخوف عنه ، فأرسلت عيناي دمعات لها مذاق الفرحة !
                استيقظت باكرا كما العادة ، قمت بكل واجباتي ، حتى طعام الغذاء جهزته ، كي أسد أي ثغرة تحاول منها الدخول لتحطم رغبتي لتعلم الخياطة ... ارتديت ملابسي ، حملت حقيبة اليد وراحت قدماي تلتهمان المسافة بنهم إلى مقر المشغل .

                كانت السيدة التي تعلمنا ، امرأة طيبة ، رأيت الاهتمام بي في تصرفاتها معي ، إنها قريبة جارتنا ، ربما عرفت منها بعض ظروفي الظاهرة للعيان ؛ فراحت تعلمني بدايات الخياطة بأسلوب أتمكن به من إتقان العمل بسرعة ، و فاجأتها بحماسي وإصراري على التعلم وابتكار موديلات جديدة ...
                تذكرت هوايتي الطفولية ، رسم الملابس التي كنت أرسمها على الورق وأقطعها وألبسها لدميتي ...ابتكرت تصاميم لفساتين ذات طابع إسلامي ، أجل فقد كنت أعاني من شراء الفساتين حين أذهب للتسوق ؛ أغلب مايباع له مذاق أوروبي مما يقال عن لابساته " كاسيات عاريات " فساتين تكشف أكثر مما تستر ...تصاميمي أصبحت متميزة ، جميع زميلاتي في المشغل أعجبن بها ، ومما زادني حماسا على مواصلة ما أنجزته من تصاميم ، نظرة معلمتي التي شعرت بهواء الزهو والافتخار والثقة يملأ رئتي ، وأنا أرى في نظراتها الإعجاب بما صممته من فساتين ، شجعتني لأستمر ، ومن فضل الله علي أن زارت المشغل صديقة المعلمة وهي أجنبية ؛ فأرتها المعلمة التصاميم وأعجبت بها كثيرا ، وصاحت : ( واااااو ) هذا رائع ! ؛ رغم أن لا عري فيها إلا أنها تصاميم مبتكرة ورائعة أنت !

                كانت هذه العبارة زادا لي لأكمل الطريق في ابتكار تصاميم لها نكهة إسلامية. ....
                وصارت زوجة أبي تضع لي العراقيل ، كي لا أكمل ما أقوم به ، كنت أرى غضبها وحشا يريد أن يفترسني ؛ وهي ترى بريق عيني يتراقص فرحا ، وأنا أمسك الموديلات التي أخيطها وأرتبها لأعرضها على المعلمة .
                فراحت تعرضني بضاعة على صديقة لها أو جارة في سوق العرض والطلب لزواج من شيخ يبحث عن من يخدمه دون راتب ...ومما أسكتها ، و ألجم رغبتها في التخلص مني أن أبي عاد يوما وسمعها تعرضني على جارة لشيخ في عمر جدي وقد زاد شهيتها خبر : أنه ثري ؛ لتضرب عصفورين بحجر واحد ، التخلص مني والإفادة من مال الشيخ .
                صاح أبي في وجهها متوعدا إياها إن استمرت في ذلك !


                وبعد أعوام قضيتها في التعلم ، زاد نهمي لمواصلة طريق تصميم الفساتين ، حلم طالما حلمت به أن أسوق فساتين من تصميمي ... عرضت على أبي أن يمنحني حق التصرف في غرفة من غرف المنزل لأحولها إلى مشغل صغير .
                عارضت زوجة أبي الفكرة ، ووافقها أبي مدعية أن ليس في المنزل غرف زائدة عن الحاجة
                لكنني لم أستسلم ، فبدأ رفضهما يزداد قوة بخاصة أن الأمر يتطلب رأس المال وأبي لا يملك المبلغ.
                قررت أن أنحت صخر رفضهما بمعول إصراري الذي استمد قوته من توكلي على الله تعالى ، ثم من جبال صبري على أن أكمل الطريق وسأصل يوما ما ... ألححت عليه في الطلب ليوافق لأنني لن أكلفه شيئا.

                أجاب باستغراب من إصراري : يا ابنتي ، المشروع يتطلب رأس مال وأنا _ كما تعلمين _ لا أستطيع أن أوفره لك ؛ فراتبي أضعف من ذلك.

                _ لا عليك يا أبي فقط ؛ امنحني الإذن ؛ لأحول غرفة من غرف المنزل إلى مشغل ، هناك غرفة لا نستغلها ، أي نعم هي صغيرة لكن تكفيني في بداية المشوار لتحقيق حلمي.

                _ لكن الغرفة صغيرة يا ابنتي.

                _ لابأس ! سأفعل كل ما أستطيعه ؛ لأبيع ما أخيطه ، وسأوفر المال لأوسع المشغل ، لن أتخلى عن هدفي ، وأريد أن أنجز شيئا في حياتي .

                ابتسم أبي وهز رأسه بالموافقة ، طرت فرحا ، لكن سرعان ما انتحرت ابتسامتي حين فكرت في رأس المال !
                لم أعرف كيف أتصرف ، من أين سأحصل على مبلغ لشراء ماكينات الخياطة ولوازم العمل والقماش.
                فكرت في صديق أبي ، إنه رجل ذو سعة من المال ولا يرد من يطرق بابه يطلب فرجا لكربة ، ذهبت أطرق منزله ومن فضل الله وكرمه أنه وافق أن يقرضني مبلغا من المال.
                بدأت أضع أول لبنة في صرح " مصنع لخياطة الفساتين " طلبت من مجموعة من زميلاتي في مشغل تعليم الخياطة أن يلتحقن لمساعدتي ونقتسم الأرباح حسب عمل كل واحدة منهن واجتهادها في إتقان العمل

                وهاهو المصنع الصغير يتنفس أكسجين الإنجاز ، إنه أول فستان أقوم بخياطته ، وطلبت من زميلاتي أن ننجز مجموعة من التصميم نفسه .
                كانت فرحتنا عارمة ، حين أنجزنا الطلب لمحل لبيع الملابس النسائية ،
                وهاهو حصاد عملنا نتذوقه ، كان بمذاق الشهد ، فرحتي بالإنجاز كانت أكبر من فرحتي بالربح الذي حصلنا عليه !
                جزء منه دفعته قسطا من أقساط الدين وجزء آخر وضعته في يدي والدي واشتريت هدية لزوجة أبي ، والباقي اشتريت به أقمشة ، ولوازم العمل .
                بدأت تصاميمي تعرف نوعا من الشهرة والانتشار ، فسارعت في عرض الفساتين على محلات أخرى ، تعرض سعرا أكثر.
                دفعت كل أقساط الدين ، وزاد الطلب على الفساتين ، وزادت رغبتي في مواصلة إنجاز آخر
                لكن كيف ؟ والمصنع صغير ولا يستوعب إلا عددا قليلا من ماكينات الخياطة وأدواتها .
                بدأ الإحباط يزحف نحو إصراري من جديد ، وينقض على عزيمتي في مواصلة الطريق ، لكن سرعان ما كسرت سهامه قبل أن تنغرس فيه فتحطمه!
                رحت أبحث عن مكان أكثر اتساعا ليسع عددا أكبر من ماكينات الخياطة ، وبفضل من الله يسر لي كراء محل أكثر اتساعا ، وأصبح للمعمل عملاء أكثر ، وطلبات اضطرتني أن أستزيد من العاملات .
                اغرورقت عيناي بالدموع وأنا أرى المصنع يكبر ويزداد شهرة ، تمنيت لو كانت أمي معي
                لترى ما أنجزته !

                عدت للبيت ؛ فاستقبلتني زوجة أبي بابتسامة لم أعهدها منها ، وشكرتني أنني لا أكلف أبي مصاريف البيت أو مصاريف دراسة أخوتي
                دخلت غرفتي فرشت سجادتي ، شاكرة ربي أن أنعم عليّ من فضله ، وأنني صرت صاحبة معمل للملابس النسائية .
                شعرت بطعم آخر لحياتي. طعم فرحة الإنجاز الذي لا يضاهيه طعم آخر حلاوة ..
                أصبح لحياتي معنى ، وفزت حين أنجزت ! .
                فجر الأخت العزيزة..
                سرد جميل لعناد متميزيصوغ تحد لواقع منتشر في بلادنا..
                ولكنني بحثت عن أنوثة تلك الفتاة المكافحة فلم أعثر على شفاه أوعيون أوقوام..
                لماذا أهملت وصف البطلة؟..
                بل حتى مشاعرها الأنثوية كانت غائبة..
                المرأة ياعزيزتي ليست فقط ماكينة خياطة وغرفة مشغل..
                المرأة جسد وأحاسيس فأين هي في النص؟
                علينا احترام الأنوثة وإلا سيطرت على الحياة ملوحة الذكورة وبلادة الجنس الخشن..
                قال دستويفسكي: الجمال سينقذ العالم..
                والمرأة أجمل مخلوقات الأرض..
                لك مودتي وتقديري

                تعليق

                • عائده محمد نادر
                  عضو الملتقى
                  • 18-10-2008
                  • 12843

                  #9
                  الزميلة القديرة
                  فجر عبد الله
                  كنت محقة في ظني
                  أنا لا أنسى النصوص زميلة فجر
                  ربما اختلط عليك الأمر ولم تجدينه فنشرته مرة اخرى
                  كوني بخير سيدتي وأتصور أنك يجب أن تحذفي أحدهما
                  ودي ومحبتي لك
                  الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                  تعليق

                  يعمل...
                  X