الخائن النبيل - قصة من الواقع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد زين العابدين
    أديب وكاتب
    • 12-05-2009
    • 313

    الخائن النبيل - قصة من الواقع

    قصتي بدأت منذ 40 عاماً في المرحلة الإبتدائية في مدرسة المأمون في أحد أحياء دمشق القديمة ........... كان لدينا أستاذ اسمه ( شبيب ) ......... طبعاً هذه كنيته وللأسف لا أذكر اسمه الأول .......... المهم أستاذنا هذا كان بالنسبة لي هو المعلم والمربي والأب والأخ الكبير والصديق والمثل الأعلى والمدير والرئيس والنبي ..........

    كنا كالنحلات ............ وكانت حصته كالأزهار ........ نمص منها الرحيق وننتج السعادة والفرح ونبثها في بيئتنا ........ حيث تفوقنا جميعاً ....... نهلنا العلم منه بكل سهولة وسلاسة ...... كان يقرأ لنا من مكتبته أحلى القصص والأشعار والعبر والحكايات ........ وكنا كلما التزمنا وتفوقنا ......... كان يكافئنا أكثر ......... من متحف إلى مركز ثقافي إلى حديقة .......... كل ذلك كان يدفعنا إلى مزيد من العطاء .......
    أنتهت مرحلة التعليم الإبتدائي ........ وانتقلنا إلى مرحلة التعليم الإعدادي ....... حيث وجدنا أنفسنا في حروب طاحنة مع العلم والتعليم والمعلمين ....... حروب كانت تفرض علينا بسبب طبيعة المنهاهج .... وطبيعة الأساليب المتبعة ........ وطبيعة المعلمين الذين كان همهم الأول والأخير قمعنا ....... وفرض شخصيتهم علينا ....... وويل لمن يتنفس ........ أو يتحرك .......... صحيح أننا نجحنا ........ ولكنا لم نتفوق ......... نجحنا خوفاً من العقاب والتعذيب ......... لم ننجح محبة بالعلم وبالمعلمين ....

    المهم مضت سنوات طويلة وذاكرتي تحتفظ بصورة هذا الإنسان المعلم والمربي الفاضل ..... وكلما هربت من الواقع إلى عالمي الخاص أجدني إما أقلده بطريقة ما ...... أو أناقشه في موضوع ما ......... أو أبثه همومي وآلامي ........ سنوات طويلة وصوت هذا الإنسان الرسالة في مخيلتي ......... وكان حلماً بالنسبة لي أن أجتمع به ومعرفة أخباره .......

    شاءت الظروف أن أنتقل من سكني في ضواحي دمشق ........ والعودة إلى دمشق ...... وقريب جداً من المدرسة التي تلقيت فيها تعليمي الإبتدائي .........

    وشاءت الظروف أن أجتمع بمعلمي وملهمي وأستاذي عدة مرات في الطريق .......... ولكن في كل مرة أحاول أن أقترب منه ....... كانت الحواجز النفسية تحول بيني وبينه ...... فحالته الصحية تبدو بأسوأ ما يكون ......... وملابسه تبدو رثة ومهترئة .......... وحذائه أشبه ما يكون بحذاء الطنبوري ....... والأسوأ من كل ذلك أنه يمشي وهو شارد ...... يتحدث مع نفسه أحياناً ........ ضاحكاً أحياناً ........ عابساً أحياناً ............ ولكن المسحة الملائكية لا زالت تطبع محياه رغم كل التجاعيد ........ ونظرة الطيبة هي نفسها التي كان يرمقنا بها قبل حوالي أربعين عاماً ..........

    كلما أقتربت منه وحاولت أن أقدم نفسي له ......... أتذكر حالتي المادية السيئة ...... والديون المتراكمة علي بسبب إنتقالي من الريف إلى المدينة ........ وبمتطلبات الحياة وما أكثرها .......... وعندما أشعر بعجزي عن تقديم أي مساعدة لهذا الإنسان الرائع صاحب الفضل العظيم علي ........أجدني أسرع بالإبتعاد عنه ....... ولا أهدأ إلا حينما يغيب عن ناظري ..... يا ريتني كنت ميسور الحال .......... يا ليتني كنت صاحب مركز إجتماعي أو سياسي ....... لكنت قدمت له كل ما يحتاجه من دواء وكساء ومال وتكريم ........ ولكن في ظل ظروفي الحالية فجل ما أستطيعه هو أن أحتفظ بذكراه المعطرة في ضميري ومخيلتي ..... وبأن يبقى مثلي الأعلى في تعاملي مع مهنتي ومع الناس ........

    آسف للإطالة
يعمل...
X