تغيير جذري
استيقظت يوم الاثنين متأخرة. أخذت حماما فاترا ليوقظ أجزائي التي كانت لا تزال تحن إلى الفراش بعد عطلة نهاية أسبوع حافلة بالكنس والطبخ وأشغال البيت؛ تناولت فطوري بعجالة وارتديت ملابسي ثم خرجت قاصدة عملي.
كان الجو ربيعيا منعشا وكنت أنهج نفس الطريق يوميا حتى حفظت أدق تفاصيلها : هنا حفرة كبيرة.. هناك كومة من التراب والأحجار الصغيرة.. وهنالك صندوق القمامة وقد أفرغه بعض المتسولين على الأرض بحثا عن لقمة أو عن ملعقة أو سكين أو شيء رُمِيَ سهوا مع القمامة.. وهنا وهناك تناثرت قطع من أوراق ممزقة وأكياس بسكويت فارغة وبعض روث الحمير والبغال التي تزاحم الراجلين في ممراتهم، بل وتتعداها لتضايق السيارات متميزة عنها بعدم الخضوع لنظام الضوء الأحمر.. ناهيك عن الأكياس البلاستيكية التي تتطاير مع هبات النسيم كحمائم بيضاء وسوداء.. أو كفراشات كبيرة بألوان قوس قزح..
كان هذا الديكور بمجمله يشكل لوحة طبيعية اعتدت "تمتيع" نظري بها كل صباح. لكني اليوم أحس بشيء مختلف فيها ولا أدري ما هو.. أحس كأن شيئا ما ينقص لوحتي.. لا.. ليس شيئا وإنما أشياء.. أين الحفرة الكبيرة التي اعتدت المرور بقربها ولطالما خشيت وقوع طفل صغير أو شيخ ضرير فيها؟ ! .. أين كومة التراب والأحجار الصغيرة التي يتراشقها الأطفال أثناء مشاحناتهم غير عابئين أين ستسقط ورأس من ستشج؟ ! ..أين القمامة المبعثرة على الرصيف تحتل مساحة واسعة منه والروائح الكريهة تزكم أنوف المارين، تَعْبُر خياشيمهم وتقتحم رئاتهم دونما استئذان؟ ! أين قطع الأوراق وأكياس البسكويت الفارغة تكسو الشوارع حللا فتكاد لا ترى الأرضية؟ ! رباه ! أين الأرواث التي تجعلك تمشي دوما مطأطئ الرأس خافض العينين متفحصا مواطئ قدميك؟ ! ... وأين الحمائم والفراشات الملونة تحوم حولك ناثرة رذاذا من غبار فوق رأسك وداخل عيونك؟ !
لوحتي تبدو غريبة، لم تألفها عيناي.. ولم يستوعبها تفكيري !.. إنها تبدو أجمل حتما؛ لكن.. ما الذي جرى؟ كيف تحولت؟ وأين اختفت كل تلك الهنات التي كانت تشوهها؟ يا لها من عطلة نهاية أسبوع سعيدة هذه التي على إثرها أجد الفضاء غير الفضاء والأجواء غير الأجواء. كم أنا مبتهجة بهذا التغيير الجميل ! أحس برغبة في أن أجلس على الكرسي الحجري الوحيد بمحطة الحافلة وأتأمل لوحتي مليا.. لكن، رباه ! ما أروع ما أرى، لم يعد الوحيد ! هناك كراسي خشبية عديدة صففت على طول الرصيف وأنواع من الورود والأزهار وأيضا الشجيرات قد غرست على حافتي الطريق، وكلَّ ثلاثة أمتار هناك سلات قمامة أُعِدَّت للمارة كي يساهموا في الحفاظ على الطبيعة...
لو لم أكن متجهة إلى العمل لكنت جلست هنيهة أمتع نفسي وخاطري بهذا التحول الإيجابي في مدينتي الحبيبة، لكن الوقت لا يرحم.. وهذا الهاتف يرن ويرن ويرن.. ساحبا إياي من أحلامي الوردية..
إنه موعد الاستيقاظ...
تعليق