شاهدة قبر من دموع الكلمات " الى روح أمي طيب الله ثراها "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يحيى السماوي
    أديب وكاتب
    • 07-06-2007
    • 340

    شاهدة قبر من دموع الكلمات " الى روح أمي طيب الله ثراها "

    [

    (1)


    ليَ الآنَ

    سـَبَبٌ آخر يمنعني من خيانة ِ وطني :

    لحافُ ترابِه ِ السـميك

    الذي تـَـدَثـَّرَتْ به أمي

    في قبرها أمس !



    (2)


    وحدُهُ فأسُ الموتِ

    يقتلعُ الأشجارَ من جذورها

    بضربة ٍ واحدة


    (3)

    قبل فراقها

    كنتُ حيّا ًً محكوما ً بالموت ِ ..

    بعد فراقها

    صرتُ مَـيْتا ً محكوما ً بالحياة


    (4)

    لماذا رحلت ِ

    قبل أنْ تلديني يا أمي ؟

    أما من سلالمَ أخرى غير الموت ِ

    للصعود نحو الملكوت ؟


    (5)

    في أسواق " أديلايد "

    وَجَـدَ أصدقائي الطيبون

    كل مستلزمات مجلس العزاء :

    قماش أسود .. آيات قرآنية للجدران ..

    قهوة عربية .. دِلالٌ وفناجين ..

    بخورٌ ومِـسْـك ٌ ..

    باستثناء شيء ٍ واحد ٍ :

    كوبٌ من الدمع ـ حتى ولو بالإيجار

    أعيد به الرطوبة َ

    إلى طين عينيَّ الموشكتين على َ الجَـفاف !


    (6)

    لم تحملْ نعـشـَها عربة ُ مدفع

    ولم يُعزف لها مارش ٌ جنائزي ..

    أمي القروية لا تـُحِبُّ سماعَ دويِّ المدافع ِ

    ليس لأنه يُفزِع ُ العصافير َ فحسب ..

    إنما

    ولأنه ُ يـُذكـِّرُها بـ " خطابات القادة " ..

    الذين أضاعوا الوطن .. وشـَرَّدوني ..

    نعشـُها حَـمَلـَتـْهُ سيارة ُ أجرة ٍ

    وشـَّيعَتـْها عيونُ الفقراء ِ

    والعصافيرُ

    والكثيرُ من اليتامى

    يتقدمهم شقيقي بطرفهِ الإصطناعية

    وشقيقتان أرملتان


    (7)


    كيفَ أغفو ؟

    سَــوادُ الليل ِ يُـذكـِّرُني بعباءتها ..

    وبياض النهار ِ يـُذكـِّرني بالكفن ..

    يا للحياة من تابوت ٍ مفتوح !

    أحيانا ً

    أعتقدُ أنَّ الحَـيَّ ميتٌ يتنفـَّسُ..

    والمـَيْتَ حيٌّ لا يتنفـَّس..


    (8)


    الأحياءُ ينامون فوق الأرض..

    الموتى تحتها ..

    الفرقُ بينهم : مكانُ الســرير ِ

    ونوع الوسائد والأغطية !


    (9)


    آخرُ أمانيها :

    أنْ أكونَ مَـنْ يـُغمضُ أجفان قبرِها ..

    آخرُ أمنياتي

    أن تُغمِضَ أجفاني بيديها ..

    كلانا فشلَ في تحقيق أمنية ٍ متواضعة


    (10)


    أيها العابرُ : لحظة ً من فضلك ..

    هلا التـَقـَطـْتَ لي صورة تذكارية ً مع الهواء ؟

    وثانية ً مع نفسي ؟

    وثالثة ً جماعية ً

    مع الحزن والوحشة ِ

    وأمي النائمة في قلبي ؟


    (11)

    سـُبحانك يا رب !!

    أحـقـّا ً إنَّ عذابَ جهـنمَ

    أشـَــدُّ قسـْوة ًمـن عَذابي

    حين تـَعَـذرَ عليّ توديع ُ أمي ؟

    آه ٍ ... لو أنَّ ساعي بريد ِ الآخرة ِ

    قد وضعَ الرسالة َ في صندوق عمري

    لا على وسادة أمي ..


    (12)


    أشـقـّائي غـطـّوها بلحاف ٍ سـَمـيك ٍ من التراب ..

    ربما

    كي لا تـَسـْمعَ نحيبي

    وأنا أصرخ في البريّة ِمثلَ طفل ٍ ملدوغ ٍ : أريد أمي

    فتبكي ..


    (13)


    لسـْت ُ ثـَمِـلا ً ..

    فلماذا تنـظرون َ إليَّ بازدراء ٍ

    حين سـقـَطـْتُ على الرصيف ؟

    مـَنْ منكم لا ينزلقُ مـُتـَدَحْـرِجا ً

    حين تتعثـَّرُ قدماه بورقة ٍ أو قطـرة ِ ماء ٍ

    إذا كان يحملُ الوطنَ على ظـهْـره ِ

    وعلى رأسـِْه ِ تابوتُ أُمِّــه ؟


    (14)


    يا كلَّ الذين أغضـْبْتـُهم يوما

    من أصدقاء طيبين .. ومجانين .. وباعة خضروات ..

    وطلبة ٍ .. وزملاء ِ طباشيرَ وأرصفةِ منفى :

    إبعثوا إليَّ بأرقام هواتفكم ..

    فأنا أريدُ أن أعتذر َ منكم

    قبل ذهابي للنوم ِ

    في حضن ِ أمي

    (15)


    وأنتم أيها الهمجيون

    من متحزِّمين بالديناميت .. وسائقي سيارات مفخخة ٍ ..

    وحَـمَلـَة ِ سواطيرَ وخناجرَ :

    كفى دويَّ انفجارات ٍ وصخبا ً ..

    إنَّ أمي لا تحبُّ الضجيج ..

    الطيبة أمي ما عادت تخاف من الموت ..

    لكنها

    تخاف على العصافير من الشظايا ..

    وعلى بخور المحراب من دخان الحرائق


    (16)


    حين أزور أمي

    سأنثر على قبرها قمحا كثيرا ..

    أمي تحب العصافير ..

    كل فجر ٍ :

    تستيقظ على سـقسـقاتها ..

    ومن ماء وضوئها : كانت أمي

    تملأ الإناء الفخاري َّ تحت نخلة البيت

    وتنثر قمحا وذرة صفراء


    (17)


    في صِـغـَري

    تأخذني معها إلى السـوق ..وبيوت جراننا ..

    وإلى الأئمة

    حين تزور الأضرحة َمحملة ً بالنذور الشحيحة ..

    حتى وأنا في مقتبل الحزن

    لا تسـافرُ إلآ وأنها معها ..

    لماذا إذن سافرت وحدها نحو الملكوت ؟

    ربما

    تستحي من ذنوبي ..

    آه ٍ

    من أين لي بأم ٍ مثلها

    تسـاعدني في غسـل ِ ذنوبي

    بكوثر دعائها حين تفترش سجادة الصلاة ؟


    (18)


    يا أحبّـائي الطيبين

    لا تسـألوا الله أن يملأ صحني بخبز العافية ..

    وكوزي بنمير الإنتشاء ..

    فأنا الان بحاجة إلى :

    صـَبْر رمال الصحراء على العطش ..

    وتجَـلـُّد ِ بغل ٍ جبليٍّ ..

    وبلادة خروف ..

    ***

    ِ
    16 ـ 8 ـ 2007
    استراليا
    ]
  • عبلة محمد زقزوق
    أديب وكاتب
    • 16-05-2007
    • 1819

    #2
    لا أملك أمام هذا النثر إلا أن أنحي لأم أنجبت فأحسنت تربية النشأ فهذا أبنها يرثيها بدماء العين بعد أن جف منها نبع الدمع.
    فرحمة الله واسعة... لها جنات النعيم في الآخرة... بدوام ذكراك لها أخينا الفاضل ـ يحيى السماوى
    رائع... عظيم الحرف كبير القدر بحق هذا النثر
    فشكرا لك
    وشكر الله لك عظيم الرثاء بمثل هذا الحرف

    مع أحر تعازينا
    إنا لله وإنا إليه راجعون

    تعليق

    • عبدالرحمن السليمان
      مستشار أدبي
      • 23-05-2007
      • 5434

      #3
      [align=justify]أخي الحبيب السماوي،

      وسيشيع أمك أيضا كل من أحسنت إليه وقد عز المحسن، وسيبكيها كل من أجارته وقد عز المجير، وسيذكرها كل مؤمن بحق الأم الطبيعي في رؤية ابنها وبحق الابن الطبيعي في رؤية أمه، وسيدعو لها في ظهر الغيب كل أم مفجوعة بابن لها، وكل ابن مفجوع بأم له، فاصبر واحتسب أيها المستضعف في الأرض.

      لقد دحرجت قصيدتك الموجعة دمعا لي عزيزا، وأبكتني بكاء مرا، لأنها ذكرتني بعجوز لي مثل عجوزك، أقعدها المرض والحزن وثمانون حولا، وحالت بيني وبين رؤيتها البحار والجبال والوديان والكلاب السلوقية. فاصبر واحتسب، فإن الله يمهل أهل الظلم، ولا يهملهم.

      رحم الله أمك، وجعل الجنة مثواها، وألهمك وآلك الصبر والسلوان.[/align]
      عبدالرحمن السليمان
      الجمعية الدولية لمترجمي العربية
      www.atinternational.org

      تعليق

      • راضية العرفاوي
        عضو أساسي
        • 11-08-2007
        • 783

        #4
        سبحان الحي الذي لا يموت

        إنّا لله وإنّا إليه راجعون
        اللهم ارحمها واسكنها فسيح جنّاتك
        والهم اهلها وذويها الصبر والسلوان




        ******
        فقط صمت ودمعة..لأصغي لـ أمّ يحيى
        وكلّ أمّ
        [font=Simplified Arabic][color=#0033CC]
        [size=4]الياسمينة بقيت بيضاء لأن الياسمينة لم تنحنِ
        فالذي لاينحني لايتلوّث
        والذي لايتلوّن تنحني أمامه كل الأشياء
        [size=3]عمر الفرا[/size][/size]
        [/color][/font]

        تعليق

        • ثروت الخرباوي
          أديب وقانوني
          • 16-05-2007
          • 865

          #5
          يا الله

          كيف يستحيل الألم إبداعا

          كيف تتحول الدموع إلى حكمة

          كيف تجعلك الآهات تجلس على القمة

          أنت أقوى منهم ... أقوى ممن أبعدوك

          لأن كلماتك حركت الجبال

          وخطبهم تحولت إلى تماثيل في متحف الشمع

          أمك تنظر إليك من برزخها

          تضحك منتشية وقد عادت شابة جميلة وضيئة

          تذكرك بتلك الأيام الخوالي التي كنت تذهب فيها معها إلى الأضرحة

          تقول لك (إن خطواتك معي على تراب الوطن

          عند الله أفضل من ضريح

          خطواتك كانت عبادة

          كانت برا وحبا

          ستخطو مقابلها معي على أرض الجنة مالا يعد ولا يحد )

          ذات يوم ياصديقي عندما يشاء الله

          ستجتمع مع أمك تحت عرش الرحمن

          على سرر متقابلين

          تنظرون إلى هؤلاء الذين أبعدوك

          ومنعوك أن تغمض أجفان قبرها

          وهم ينالون سخط الله

          هل تعرف ياصديقي

          أمك الآن من عصافير الجنة بإذن الله

          تلتقط حبات القمح والذرة التي كانت تنثرها

          تحت نخلة البيت بعد أن تطهرها بماء الوضوء

          لم تكن أمك تنثر القمح على أرض الوطن كما كنت تظن

          بل كانت تنثرها في الجنة

          تحت نخلة من نخيل الجنة

          الآن ياصديقي لا حاجة لك بأن ترطب طين عينيك

          بكوب من الدمع

          فغدا ترطب حلقك وأنت تشرب مع أمك الطاهرة

          بأكواب وأباريق وكأس من معين

          وستشربون من نهر الكوثر بإذن الله

          اللهم ارحمها بحب إبنها وارحم إبنها بحبها

          وأدخلهما الجنة برحمتك

          تعليق

          • أحمد حسن محمد
            أديب وكاتب
            • 16-05-2007
            • 716

            #6
            وهل من مثلك يغضب أحدٌ..

            وهل لمثل قلبك ذنوب؟

            وهل لنا ألا نبكي الآن، وقد حق البكاء على أصحابك وأبنائك وطلبتك الذين يحزنعم اعتقادك أنهم غاضبون منك..

            تعليق

            • د. جمال مرسي
              شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
              • 16-05-2007
              • 4938

              #7
              إنا لله و إنا إليه راجعون
              رحم الله والدتك أخي الحبيب يحيى و أسكنها فسيح الجنان
              قصيدة مبكية مبكية
              أجريت بها مدامعنا و ذكرتني بما لم أنسه و لن أنساه أبدا أمي و أبي رحمهما الله .
              أعرف أن الألم يولد حزنا و الحزن يولد الدموع و الدموع تصيرا مدادا لإبداعات غير عادية
              لا أستطيع أن أكمل أخي فسامحني
              رحم الله موتانا جميعا و جمعنا بهم في جنات النعيم
              جمال مرسي
              sigpic

              تعليق

              • فهد حسين العبود
                عضو الملتقى
                • 02-07-2007
                • 34

                #8
                بمفردات غاية في البساطة
                تؤثث قصرا فخما للشعر
                شكرا لك لهذا الحزن الممتع
                دمت رائعا أيها الكبير

                تعليق

                • جوتيار تمر
                  شاعر وناقد
                  • 24-06-2007
                  • 1374

                  #9
                  [align=center]السماوي المجروح في ذاته....

                  في موكب جنائزي حزين...مشت الجموع..تحت شمس الحلة..الحارقة..بحرقة الشمس..وحرقة دوي المدافع.....تحمل جثمان ام السماوي..لتعلن في الغربة عن موت اخر..ربما هو موت من الفناء..من الغربة من الوباء..من مجاميع الحزن..وويلات الغربة وهجير الوطن..مشت الجموع تنعي وجودها في مسيرة لانهاية لها..لانها اصلا لم تكن لها بداية..مشت الجموع ودموع الثكالى تراق لتخمد حرقة الرمال..من تحت اقدام المعزين..عزاء هنا في ارض الوطن..وعواء هناك في ارض الغربة...للموت فينا ايها السماوي عجائب..انه يتغدذى من وجودنا بصورة بربرية.. انه ينتشلنا من وجودنا بصورة غرائزية..انه هادم كل شيء فينا..للموت فينا اسطورة غريبة..وكاني به يريد ان يجمعنا بشيء اخر يعيه ونجهله نحن..للموت ايها السماوي ترنيمة خاصة..نسمعها كل ليلة..عندما تهدأ الانفس وتخلج للنوم في جوف الليالي..نسمعها..تهدهد على نغماتها المهود..الامهات المسكينات لايعرفن ماهيتها فيغرقن في ترديدها.. وتنتعش اواصرهن بها..لانهن يرون اطفالهن على تلك النغمات قد خلدن للنوم..للموت ايها المغترب في نفسك..في ذاتك..في قلبك..في وطنك..حلة تتجدد كل يوم..كل ساعة..كل لحظة..فهو مرة ياتينا بلباس اسود..واخر ابيض..ومرة يأتينا جراء رصاصة طيش..ومرة جراء رصاصة راصدة..واخرى من شطية منفلتة..واخرى من ذبحة قلبية...ووو...انه ايها العزيز المجروح في ذاته..يتعبنا..يتعبنا..يباغتنا..وكأي بالسماء لاتجد غيره وسيلة لارتقاء الانفس اليها..الممر الوحيد..عبر سلالم الموت اليها...ايها السماوي..لم تزل مواكب الموت سائرة..حتى بعدما آوت الثرى جسدها المقدس.. هذه المواكب لاتتوقف عندنا..تستمر باستمرار الحياة اللعينة فينا...امس شيعوا اكثر من الف موكب..واليوم اضافوا المئات...ايها المكلوم..ربما نحدسها تلك الارواح التي وجدت لها رفاق يصعدن تلك السلالم معا..بعضها تواسي الاخرى ..وكاني بها تردد وتهمس لنا..ارتحنا منكم ايها البشر..نحن الان بمأمن من القذائف واصوات المدافع والطائرات واحذية المارينز..وحتى صيحات وتكبيرات اهل الدماء..مصاصي الدماء باسم السماء..والسماء تعلم بانها برءية منهم..ايها العبق..هي المئاتم مستمرة....وتلك اللافتات السودء تعم البلاد..واصوات الشبخ تملئ المقاهي..ودقات الكنائس مستمرة..واجواء وطقوس العباد لاتتوقف..ايها الغريب..دعني اختم مأساتي هذه بكلمة اعزي اواسي بها نفسي قبلك..لتتغمد السماء روحها المقدسة في جنانها..ولتغمرنا بصبرها..او لالا...لا...لتلحقنا بها في اقرب وقت.
                  اغفر لي
                  هذا عزائي

                  محبتي لك
                  جوتيار[/align]

                  تعليق

                  • عادل العاني
                    مستشار
                    • 17-05-2007
                    • 1465

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة يحيى السماوي مشاهدة المشاركة
                    [

                    (1)


                    ليَ الآنَ

                    سـَبَبٌ آخر يمنعني من خيانة ِ وطني :

                    لحافُ ترابِه ِ السـميك

                    الذي تـَـدَثـَّرَتْ به أمي

                    في قبرها أمس !



                    (2)


                    وحدُهُ فأسُ الموتِ

                    يقتلعُ الأشجارَ من جذورها

                    بضربة ٍ واحدة


                    (3)

                    قبل فراقها

                    كنتُ حيّا ًً محكوما ً بالموت ِ ..

                    بعد فراقها

                    صرتُ مَـيْتا ً محكوما ً بالحياة


                    (4)

                    لماذا رحلت ِ

                    قبل أنْ تلديني يا أمي ؟

                    أما من سلالمَ أخرى غير الموت ِ

                    للصعود نحو الملكوت ؟


                    (5)

                    في أسواق " أديلايد "

                    وَجَـدَ أصدقائي الطيبون

                    كل مستلزمات مجلس العزاء :

                    قماش أسود .. آيات قرآنية للجدران ..

                    قهوة عربية .. دِلالٌ وفناجين ..

                    بخورٌ ومِـسْـك ٌ ..

                    باستثناء شيء ٍ واحد ٍ :

                    كوبٌ من الدمع ـ حتى ولو بالإيجار

                    أعيد به الرطوبة َ

                    إلى طين عينيَّ الموشكتين على َ الجَـفاف !


                    (6)

                    لم تحملْ نعـشـَها عربة ُ مدفع

                    ولم يُعزف لها مارش ٌ جنائزي ..

                    أمي القروية لا تـُحِبُّ سماعَ دويِّ المدافع ِ

                    ليس لأنه يُفزِع ُ العصافير َ فحسب ..

                    إنما

                    ولأنه ُ يـُذكـِّرُها بـ " خطابات القادة " ..

                    الذين أضاعوا الوطن .. وشـَرَّدوني ..

                    نعشـُها حَـمَلـَتـْهُ سيارة ُ أجرة ٍ

                    وشـَّيعَتـْها عيونُ الفقراء ِ

                    والعصافيرُ

                    والكثيرُ من اليتامى

                    يتقدمهم شقيقي بطرفهِ الإصطناعية

                    وشقيقتان أرملتان


                    (7)


                    كيفَ أغفو ؟

                    سَــوادُ الليل ِ يُـذكـِّرُني بعباءتها ..

                    وبياض النهار ِ يـُذكـِّرني بالكفن ..

                    يا للحياة من تابوت ٍ مفتوح !

                    أحيانا ً

                    أعتقدُ أنَّ الحَـيَّ ميتٌ يتنفـَّسُ..

                    والمـَيْتَ حيٌّ لا يتنفـَّس..


                    (8)


                    الأحياءُ ينامون فوق الأرض..

                    الموتى تحتها ..

                    الفرقُ بينهم : مكانُ الســرير ِ

                    ونوع الوسائد والأغطية !


                    (9)


                    آخرُ أمانيها :

                    أنْ أكونَ مَـنْ يـُغمضُ أجفان قبرِها ..

                    آخرُ أمنياتي

                    أن تُغمِضَ أجفاني بيديها ..

                    كلانا فشلَ في تحقيق أمنية ٍ متواضعة


                    (10)


                    أيها العابرُ : لحظة ً من فضلك ..

                    هلا التـَقـَطـْتَ لي صورة تذكارية ً مع الهواء ؟

                    وثانية ً مع نفسي ؟

                    وثالثة ً جماعية ً

                    مع الحزن والوحشة ِ

                    وأمي النائمة في قلبي ؟


                    (11)

                    سـُبحانك يا رب !!

                    أحـقـّا ً إنَّ عذابَ جهـنمَ

                    أشـَــدُّ قسـْوة ًمـن عَذابي

                    حين تـَعَـذرَ عليّ توديع ُ أمي ؟

                    آه ٍ ... لو أنَّ ساعي بريد ِ الآخرة ِ

                    قد وضعَ الرسالة َ في صندوق عمري

                    لا على وسادة أمي ..


                    (12)


                    أشـقـّائي غـطـّوها بلحاف ٍ سـَمـيك ٍ من التراب ..

                    ربما

                    كي لا تـَسـْمعَ نحيبي

                    وأنا أصرخ في البريّة ِمثلَ طفل ٍ ملدوغ ٍ : أريد أمي

                    فتبكي ..


                    (13)


                    لسـْت ُ ثـَمِـلا ً ..

                    فلماذا تنـظرون َ إليَّ بازدراء ٍ

                    حين سـقـَطـْتُ على الرصيف ؟

                    مـَنْ منكم لا ينزلقُ مـُتـَدَحْـرِجا ً

                    حين تتعثـَّرُ قدماه بورقة ٍ أو قطـرة ِ ماء ٍ

                    إذا كان يحملُ الوطنَ على ظـهْـره ِ

                    وعلى رأسـِْه ِ تابوتُ أُمِّــه ؟


                    (14)


                    يا كلَّ الذين أغضـْبْتـُهم يوما

                    من أصدقاء طيبين .. ومجانين .. وباعة خضروات ..

                    وطلبة ٍ .. وزملاء ِ طباشيرَ وأرصفةِ منفى :

                    إبعثوا إليَّ بأرقام هواتفكم ..

                    فأنا أريدُ أن أعتذر َ منكم

                    قبل ذهابي للنوم ِ

                    في حضن ِ أمي

                    (15)


                    وأنتم أيها الهمجيون

                    من متحزِّمين بالديناميت .. وسائقي سيارات مفخخة ٍ ..

                    وحَـمَلـَة ِ سواطيرَ وخناجرَ :

                    كفى دويَّ انفجارات ٍ وصخبا ً ..

                    إنَّ أمي لا تحبُّ الضجيج ..

                    الطيبة أمي ما عادت تخاف من الموت ..

                    لكنها

                    تخاف على العصافير من الشظايا ..

                    وعلى بخور المحراب من دخان الحرائق


                    (16)


                    حين أزور أمي

                    سأنثر على قبرها قمحا كثيرا ..

                    أمي تحب العصافير ..

                    كل فجر ٍ :

                    تستيقظ على سـقسـقاتها ..

                    ومن ماء وضوئها : كانت أمي

                    تملأ الإناء الفخاري َّ تحت نخلة البيت

                    وتنثر قمحا وذرة صفراء


                    (17)


                    في صِـغـَري

                    تأخذني معها إلى السـوق ..وبيوت جراننا ..

                    وإلى الأئمة

                    حين تزور الأضرحة َمحملة ً بالنذور الشحيحة ..

                    حتى وأنا في مقتبل الحزن

                    لا تسـافرُ إلآ وأنها معها ..

                    لماذا إذن سافرت وحدها نحو الملكوت ؟

                    ربما

                    تستحي من ذنوبي ..

                    آه ٍ

                    من أين لي بأم ٍ مثلها

                    تسـاعدني في غسـل ِ ذنوبي

                    بكوثر دعائها حين تفترش سجادة الصلاة ؟


                    (18)


                    يا أحبّـائي الطيبين

                    لا تسـألوا الله أن يملأ صحني بخبز العافية ..

                    وكوزي بنمير الإنتشاء ..

                    فأنا الان بحاجة إلى :

                    صـَبْر رمال الصحراء على العطش ..

                    وتجَـلـُّد ِ بغل ٍ جبليٍّ ..

                    وبلادة خروف ..

                    ***

                    ِ
                    16 ـ 8 ـ 2007
                    استراليا
                    ]

                    ماذا أقول يا صاحبي

                    وأنا أحس بهمك وألمك الذي عشته أنا قبلك بأسبوعين ,

                    لكنني لم أجد الكلمات لأعزي نفسي , وهمي وألمي أكبر مني ,

                    ماذا أقول , ونحن نصارع غربة , ويصارعنا حنين ...

                    ماذا أقول , ونحن أبعد ما يكون عن الراحلين والمودعين لهذه الدنيا ,

                    ماذا أقول , وما بقيت في الذاكرة كلمات عزاء ,

                    ماذا أقول وما بقيت في المقل دموع تذرف ...

                    ماذا أقول والآه اختنقت مع الأنفاس ,

                    ماذا أقول وأنا أرى وطنا بأكمله أرضا وشعبا يقبران وهما أحياء ...


                    .........................

                    نسأل الله أن يتغمد الراحلة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته , ويلهمكم الصبر والسلوان ,

                    ونسأل الله أن يعجل فرجه على عراقنا وطنا وشعبا.


                    تحياتي وتقديري

                    تعليق

                    • يحيى السماوي
                      أديب وكاتب
                      • 07-06-2007
                      • 340

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عبلة محمد زقزوق مشاهدة المشاركة
                      لا أملك أمام هذا النثر إلا أن أنحي لأم أنجبت فأحسنت تربية النشأ فهذا أبنها يرثيها بدماء العين بعد أن جف منها نبع الدمع.
                      فرحمة الله واسعة... لها جنات النعيم في الآخرة... بدوام ذكراك لها أخينا الفاضل ـ يحيى السماوى
                      رائع... عظيم الحرف كبير القدر بحق هذا النثر
                      فشكرا لك
                      وشكر الله لك عظيم الرثاء بمثل هذا الحرف

                      مع أحر تعازينا
                      إنا لله وإنا إليه راجعون
                      *****


                      سيدتي الفاضلة : شكرا لمبخرة قلبك وهي تضوع ببخور مواساتها في محرابي ..

                      لا أراك الله إلآ ما يملأ روحك فرحا ورفاهية .

                      تعليق

                      • يحيى السماوي
                        أديب وكاتب
                        • 07-06-2007
                        • 340

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عادل العاني مشاهدة المشاركة
                        ماذا أقول يا صاحبي

                        وأنا أحس بهمك وألمك الذي عشته أنا قبلك بأسبوعين ,

                        لكنني لم أجد الكلمات لأعزي نفسي , وهمي وألمي أكبر مني ,

                        ماذا أقول , ونحن نصارع غربة , ويصارعنا حنين ...

                        ماذا أقول , ونحن أبعد ما يكون عن الراحلين والمودعين لهذه الدنيا ,

                        ماذا أقول , وما بقيت في الذاكرة كلمات عزاء ,

                        ماذا أقول وما بقيت في المقل دموع تذرف ...

                        ماذا أقول والآه اختنقت مع الأنفاس ,

                        ماذا أقول وأنا أرى وطنا بأكمله أرضا وشعبا يقبران وهما أحياء ...


                        .........................

                        نسأل الله أن يتغمد الراحلة بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته , ويلهمكم الصبر والسلوان ,

                        ونسأل الله أن يعجل فرجه على عراقنا وطنا وشعبا.


                        تحياتي وتقديري
                        ****

                        أخي الحبيب المبدع والنبيل الشاعر عادل العاني : ها هو كوثر مواساتك يعيد إلى أعشابي اليبيسة خضرة قتلتها الفاجعة ..

                        أسأل رب العزة والجلال ، أن يجعل الفرح والرفاهية ، ضفتين لنهر حياتك .

                        تعليق

                        • يحيى السماوي
                          أديب وكاتب
                          • 07-06-2007
                          • 340

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحمن السليمان مشاهدة المشاركة
                          [align=justify]أخي الحبيب السماوي،

                          وسيشيع أمك أيضا كل من أحسنت إليه وقد عز المحسن، وسيبكيها كل من أجارته وقد عز المجير، وسيذكرها كل مؤمن بحق الأم الطبيعي في رؤية ابنها وبحق الابن الطبيعي في رؤية أمه، وسيدعو لها في ظهر الغيب كل أم مفجوعة بابن لها، وكل ابن مفجوع بأم له، فاصبر واحتسب أيها المستضعف في الأرض.

                          لقد دحرجت قصيدتك الموجعة دمعا لي عزيزا، وأبكتني بكاء مرا، لأنها ذكرتني بعجوز لي مثل عجوزك، أقعدها المرض والحزن وثمانون حولا، وحالت بيني وبين رؤيتها البحار والجبال والوديان والكلاب السلوقية. فاصبر واحتسب، فإن الله يمهل أهل الظلم، ولا يهملهم.

                          رحم الله أمك، وجعل الجنة مثواها، وألهمك وآلك الصبر والسلوان.[/align]


                          ****

                          أخي الاديب الفاضل د . عبد الرحمن السليمان : من حسن حظي أن لي أخوة طيبين مثلك أسهموا في جعل الحياة جديرة بتحمل فواجعها ..

                          شكرا لرحيق مواساتك ـ فقد أزال الكثير من دخان فجيعتي .

                          حفظكم الله من كل مكروه .

                          تعليق

                          • يحيى السماوي
                            أديب وكاتب
                            • 07-06-2007
                            • 340

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة راضية العرفاوي مشاهدة المشاركة
                            سبحان الحي الذي لا يموت

                            إنّا لله وإنّا إليه راجعون
                            اللهم ارحمها واسكنها فسيح جنّاتك
                            والهم اهلها وذويها الصبر والسلوان




                            ******
                            فقط صمت ودمعة..لأصغي لـ أمّ يحيى
                            وكلّ أمّ
                            ****


                            الاديبة الفاضلة راضية العرفاوي : قرأت بالبصيرة قبل البصر ، مواساتك الكريمة ، فلك مني شكر الممتن ومحبة الشاكر .

                            لا غادرت سفن السرور مرافئك .

                            تعليق

                            • يحيى السماوي
                              أديب وكاتب
                              • 07-06-2007
                              • 340

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة ثروت الخرباوي مشاهدة المشاركة
                              يا الله

                              كيف يستحيل الألم إبداعا

                              كيف تتحول الدموع إلى حكمة

                              كيف تجعلك الآهات تجلس على القمة

                              أنت أقوى منهم ... أقوى ممن أبعدوك

                              لأن كلماتك حركت الجبال

                              وخطبهم تحولت إلى تماثيل في متحف الشمع

                              أمك تنظر إليك من برزخها

                              تضحك منتشية وقد عادت شابة جميلة وضيئة

                              تذكرك بتلك الأيام الخوالي التي كنت تذهب فيها معها إلى الأضرحة

                              تقول لك (إن خطواتك معي على تراب الوطن

                              عند الله أفضل من ضريح

                              خطواتك كانت عبادة

                              كانت برا وحبا

                              ستخطو مقابلها معي على أرض الجنة مالا يعد ولا يحد )

                              ذات يوم ياصديقي عندما يشاء الله

                              ستجتمع مع أمك تحت عرش الرحمن

                              على سرر متقابلين

                              تنظرون إلى هؤلاء الذين أبعدوك

                              ومنعوك أن تغمض أجفان قبرها

                              وهم ينالون سخط الله

                              هل تعرف ياصديقي

                              أمك الآن من عصافير الجنة بإذن الله

                              تلتقط حبات القمح والذرة التي كانت تنثرها

                              تحت نخلة البيت بعد أن تطهرها بماء الوضوء

                              لم تكن أمك تنثر القمح على أرض الوطن كما كنت تظن

                              بل كانت تنثرها في الجنة

                              تحت نخلة من نخيل الجنة

                              الآن ياصديقي لا حاجة لك بأن ترطب طين عينيك

                              بكوب من الدمع

                              فغدا ترطب حلقك وأنت تشرب مع أمك الطاهرة

                              بأكواب وأباريق وكأس من معين

                              وستشربون من نهر الكوثر بإذن الله

                              اللهم ارحمها بحب إبنها وارحم إبنها بحبها

                              وأدخلهما الجنة برحمتك

                              *****

                              أخي وصديقي الشاعر المبدع ثروت الخرباوي : أقسم يا صديقي ، أنني بتُّ أشعر أن عينيَّ أصبحتا فائضتين عن الحاجة ـ كالزائدة الدودية ـ ما دامتا لن تكتحلا بوجه أمي !

                              الحمد لله ـ فأنا على يقين أنه أرأف بأمي مني ـ ليس لأنها مفرطة النسك فحسب ، إنما ولأنها تحب الله أكثر من أبنائها .

                              لك مني ما يعرفه قلبك من المحبة ..شكرا لمواساتك يا صدوق المحبة .

                              تعليق

                              يعمل...
                              X