معالي الوزير
كانت الساعة تُشير الى السابعة والنصف صباحا عندما قُرِع الَجرس بمنزل السيد علاّم .
كان قريباً من الباب , يتهيأ للنزول الى عمله . فتحهُ مع اول رنّة , ففوجيء قارع الجرس بالسرعة التي
لبّى بها اصحاب البيت النداء .
بوغِتَ السيد علام بالأستاذ الواقف امامه . وجد فيه رجلا ذوهيبة , ويخطر بملابس انيقة. بدله بنية من
الصوف الأنجليزي وحذاء إيطالي . اما القميص ورباط الرقبة فمن مختارات ارقى المحلات . زد على
ذلك النظارات التي اصبغت على حاملها وقارا ما بعده وقار , وكذلك العطر الذي افعم المكان برائحته
الزكية . حتى ظنّ بهِ أنه رئيس تشريفات الديوان الملكي او مندوبا عن رئاسة الوزراء .
سَرحَ علام افندي بأفكاره , يخلط التمنيات بأوهام ارسى قواعدها وقع المفاجئة اللتي حَطَّتْ عليه على
الريق . فها هو يزيل الحواجز المُقامة بينه وبين ذاته ويهمس لها قائلاً :
ــ ربما يحتاجونني لأمرٍ هام او ربما اكون قد نُسِّبتُ من قبل أحدهم لتولي منصب كبير,أو ربما اكون قد
رُشِّحت لتولي منصب وزير لأحدى الوزارات . ولِمَا لا ؟ فأنا السيد علاّم ومعروف عني كفائتي
وتفانييّ بالعمل . وربما كلمة معالي هي أنسب لفظ يسبق أسمي "معالي الوزير علام " . سبحان اللة ,
كنت على وشك خوض الأنتخابات النيابية علَّني افوز واصبح بيوم من الأيام وزيرا . لكن الحمدللة ,
ها هي قد جائت لوحدها بدون انتخابات وبدون هَمْ .
استيقظ علاّم من حلمه هذا على صوت زوجته تأمرهُ ان يضع كيس النِفايات في حاوية الحارة ريثما يأتي
زبال الحي الجديد ويتصرَّف بها .
يبدو ان صوت الضيف قد نقر طبلتي اذن علام وكأنه إظفر يحك موقع جَرَبْ وهو يقول له :
ـ صباح الخير يا استاذ علاّم .
عاد علام يهمس لذاته مجددا وهو يكاد يرقص من الفرح :
ــ أرأيتُمْ ؟ " صباح الخير يا استاذ علاّم " يعرفون اسمي وعنواني , لا بد انهم قد تحرّوا عني وتيقنوا
من اخلاصي للدولة وللوطن , وها هم الآن يستدعونني من بيتي في هذه الساعة المُبكرة كي التحق
بالوظيفة الجديدة .
مدَّ علام يده يصافح الضيف والأبتسامة تكاد تنطق وهي بكفه قائلاً :
ـ صباح النور يا استاذ .....
مدَّ الآخر يده مندهشاً :
ـ اسمي مُحيي
ـ اسم على مُسمّى يا استاذ مُحيي , ربنا يزيد من امثالك , تفضَّلْ .
ادرك محيي الألتباس الذي وقع به صاحب البيت فقال له وهو ينتع جسده خارج حدود الباب :
ـ الحقيقة انه غير مسموح لنا بدخول المنازل ولا حتى العبور من بوابة السور الخارجي لأي منزل
وهذه هي متطلبات المهمة اللتي نقوم بها .
ربما اصبح الهمس غير مجدي بعد كل هذا الوضوح , فكادت الكلمات ان تنفلت عن لسان الأستاذ علاّم
وهو يتمتم :
ــ فعلا ً, إن توقعاتي كانت سليمة وها قد بدأ الجليد بالذوبان. انه في مهمة عاجلة وسريَّة وعليه ان
ينجزها بالكتمان بلا عواطف وبلا مقدمات .
طرحَ علام التمتمة جانباً , وقال فيما يشبه الرجاء :
ـ اني مُصغي يا استاذ مُحيي , طلباتك اوامر .
عاد يهمس لذاته مجددا وهو يفرك ذقنه بكف يده :
ــ طبعاً يجب ان اظهر امامهم بالشخص المُطيع الوديع والمتواضع الى ان اجلس على الكرسي وبعدها
يخلق اللة ما لا تعلمون .
اجابه محيي والأندهاش على مُحيّاه يزداد رسوخاً :
ـ استغفر اللة يا علاّم بيك ......
اخذ قلب علام يتنطط فرحاً داخل قفصه الصدري كسجين بات الأفراج عنه وشيكاً فهمس لنفسه حتى كاد
هذا الهمس يتجسد كياناً :
ــ اللة! أعِدْ . لقد بدأ يرشح وخاطبني بالبيك . صبراً , سينطق بها " معالي علام باشا "
لم يتمهل محيي حتى لفظ ما في جوفه من كلام وقال في خجل فاضح :
ـ استغفر اللة , إنما جئتُ أستسمحك كي أوقف سيارتي المرسيدس امام منزلكم ريثما أنهي عملي .
لم يشأ علام الإستيقاظ من حلمه واسترسل مخاطبا الواقف امامه وشفتاه ترتعشان قائلا :
ــ ومالُه الشارع كله على حسابك . تفضل صُف المرسيدس وين ما بِدَّكْ وتعال انهي مهمتك على مهلك .
أخذ محي نفسا عميقا ثم قال بحزم :
ــ يا باشا , معاليك .........
ها هو علام يَلْهَثُ وراء يَقينْ ما سيكون بعد طَرَبِه لسماع نغمات " باشا ومعاليك " . فأخذ قلبه يتنطط
كقلب كطفل امامه هدايا العيد وما عليه سوى نزع ورق لَفْ الهدايا عنها . فصرخ صرخة بدت كفقاعة
هواء هائمة ما بين المريء وأمعائه الغليظة قائلا :
ــ ضرب المدفع , وثبت العيد . باشا ومعاليك . اكتر من هيك ما بدي غير معاليق بالبصل والتوم .
ــ يا باشا معاليك غلطان . انا محيي زبال الحي الجديد
اختنق علاّمنا كمن غاص في بركة من الوحل . فانتفضَ صارخاً وكأنه بالون هواء إنفجر من وخزة
دبوس حاد :
ـ ماذا ؟
ـ انا محيي , زبال الحي الجديد ....
بدأ معاليهِ يصحو رويداً رويداً من هول المفاجئة المُصْدِمة اللتي لم تخطر على باله .
إنتصَبَ واقفاً بعد ان نفض الوحل عن جسده , وقال له ببرود وسخرية :
ـ ولماذا يا حضرة السيِّد محيي لم تترك سيارتك المرسيدس امام الفيلا اللتي تقطُنْ بها وتأتي بسيارة
البلدية . ألَيْسَ جنابكَ موظفا عندهم ؟
ـ سوف تتسخ ملابسي يا استاذ ....
ـ مقبولة مِنَّكْ استاذ يا محيي بيك , ولكن , بدلتك ستتسخ على اي حال وانت تنقل الزبالة من مكانٍ لآخر .
ـ لا تقلق , لقد إحتطتُ للأمر , وسترى .
وَقَفَ علاّم بالنافذة يرنو محيي الزبال بينما كان يلتقط أكياس القمامة . فَشَاهَدَهُ يعملُ عارِيَاً كَمَا وَلَدَتْهُ أمُّه .
صَفَنَ صاحبنا , فَبَدَا كتلميذ يستذكرُ الإجابة بعدما تصَفَّحَ ورقة الاسئلة .
ابتسم ابتسامة تُوحي بالتَّحَدي . ثُمَّ قام بالتعرّي . وخرج يَحْمِلُ كيس الزبالة فوق كتفه مهرولا نحو
الحاوية وهو عار تَمَامَاً ....
كانت الساعة تُشير الى السابعة والنصف صباحا عندما قُرِع الَجرس بمنزل السيد علاّم .
كان قريباً من الباب , يتهيأ للنزول الى عمله . فتحهُ مع اول رنّة , ففوجيء قارع الجرس بالسرعة التي
لبّى بها اصحاب البيت النداء .
بوغِتَ السيد علام بالأستاذ الواقف امامه . وجد فيه رجلا ذوهيبة , ويخطر بملابس انيقة. بدله بنية من
الصوف الأنجليزي وحذاء إيطالي . اما القميص ورباط الرقبة فمن مختارات ارقى المحلات . زد على
ذلك النظارات التي اصبغت على حاملها وقارا ما بعده وقار , وكذلك العطر الذي افعم المكان برائحته
الزكية . حتى ظنّ بهِ أنه رئيس تشريفات الديوان الملكي او مندوبا عن رئاسة الوزراء .
سَرحَ علام افندي بأفكاره , يخلط التمنيات بأوهام ارسى قواعدها وقع المفاجئة اللتي حَطَّتْ عليه على
الريق . فها هو يزيل الحواجز المُقامة بينه وبين ذاته ويهمس لها قائلاً :
ــ ربما يحتاجونني لأمرٍ هام او ربما اكون قد نُسِّبتُ من قبل أحدهم لتولي منصب كبير,أو ربما اكون قد
رُشِّحت لتولي منصب وزير لأحدى الوزارات . ولِمَا لا ؟ فأنا السيد علاّم ومعروف عني كفائتي
وتفانييّ بالعمل . وربما كلمة معالي هي أنسب لفظ يسبق أسمي "معالي الوزير علام " . سبحان اللة ,
كنت على وشك خوض الأنتخابات النيابية علَّني افوز واصبح بيوم من الأيام وزيرا . لكن الحمدللة ,
ها هي قد جائت لوحدها بدون انتخابات وبدون هَمْ .
استيقظ علاّم من حلمه هذا على صوت زوجته تأمرهُ ان يضع كيس النِفايات في حاوية الحارة ريثما يأتي
زبال الحي الجديد ويتصرَّف بها .
يبدو ان صوت الضيف قد نقر طبلتي اذن علام وكأنه إظفر يحك موقع جَرَبْ وهو يقول له :
ـ صباح الخير يا استاذ علاّم .
عاد علام يهمس لذاته مجددا وهو يكاد يرقص من الفرح :
ــ أرأيتُمْ ؟ " صباح الخير يا استاذ علاّم " يعرفون اسمي وعنواني , لا بد انهم قد تحرّوا عني وتيقنوا
من اخلاصي للدولة وللوطن , وها هم الآن يستدعونني من بيتي في هذه الساعة المُبكرة كي التحق
بالوظيفة الجديدة .
مدَّ علام يده يصافح الضيف والأبتسامة تكاد تنطق وهي بكفه قائلاً :
ـ صباح النور يا استاذ .....
مدَّ الآخر يده مندهشاً :
ـ اسمي مُحيي
ـ اسم على مُسمّى يا استاذ مُحيي , ربنا يزيد من امثالك , تفضَّلْ .
ادرك محيي الألتباس الذي وقع به صاحب البيت فقال له وهو ينتع جسده خارج حدود الباب :
ـ الحقيقة انه غير مسموح لنا بدخول المنازل ولا حتى العبور من بوابة السور الخارجي لأي منزل
وهذه هي متطلبات المهمة اللتي نقوم بها .
ربما اصبح الهمس غير مجدي بعد كل هذا الوضوح , فكادت الكلمات ان تنفلت عن لسان الأستاذ علاّم
وهو يتمتم :
ــ فعلا ً, إن توقعاتي كانت سليمة وها قد بدأ الجليد بالذوبان. انه في مهمة عاجلة وسريَّة وعليه ان
ينجزها بالكتمان بلا عواطف وبلا مقدمات .
طرحَ علام التمتمة جانباً , وقال فيما يشبه الرجاء :
ـ اني مُصغي يا استاذ مُحيي , طلباتك اوامر .
عاد يهمس لذاته مجددا وهو يفرك ذقنه بكف يده :
ــ طبعاً يجب ان اظهر امامهم بالشخص المُطيع الوديع والمتواضع الى ان اجلس على الكرسي وبعدها
يخلق اللة ما لا تعلمون .
اجابه محيي والأندهاش على مُحيّاه يزداد رسوخاً :
ـ استغفر اللة يا علاّم بيك ......
اخذ قلب علام يتنطط فرحاً داخل قفصه الصدري كسجين بات الأفراج عنه وشيكاً فهمس لنفسه حتى كاد
هذا الهمس يتجسد كياناً :
ــ اللة! أعِدْ . لقد بدأ يرشح وخاطبني بالبيك . صبراً , سينطق بها " معالي علام باشا "
لم يتمهل محيي حتى لفظ ما في جوفه من كلام وقال في خجل فاضح :
ـ استغفر اللة , إنما جئتُ أستسمحك كي أوقف سيارتي المرسيدس امام منزلكم ريثما أنهي عملي .
لم يشأ علام الإستيقاظ من حلمه واسترسل مخاطبا الواقف امامه وشفتاه ترتعشان قائلا :
ــ ومالُه الشارع كله على حسابك . تفضل صُف المرسيدس وين ما بِدَّكْ وتعال انهي مهمتك على مهلك .
أخذ محي نفسا عميقا ثم قال بحزم :
ــ يا باشا , معاليك .........
ها هو علام يَلْهَثُ وراء يَقينْ ما سيكون بعد طَرَبِه لسماع نغمات " باشا ومعاليك " . فأخذ قلبه يتنطط
كقلب كطفل امامه هدايا العيد وما عليه سوى نزع ورق لَفْ الهدايا عنها . فصرخ صرخة بدت كفقاعة
هواء هائمة ما بين المريء وأمعائه الغليظة قائلا :
ــ ضرب المدفع , وثبت العيد . باشا ومعاليك . اكتر من هيك ما بدي غير معاليق بالبصل والتوم .
ــ يا باشا معاليك غلطان . انا محيي زبال الحي الجديد
اختنق علاّمنا كمن غاص في بركة من الوحل . فانتفضَ صارخاً وكأنه بالون هواء إنفجر من وخزة
دبوس حاد :
ـ ماذا ؟
ـ انا محيي , زبال الحي الجديد ....
بدأ معاليهِ يصحو رويداً رويداً من هول المفاجئة المُصْدِمة اللتي لم تخطر على باله .
إنتصَبَ واقفاً بعد ان نفض الوحل عن جسده , وقال له ببرود وسخرية :
ـ ولماذا يا حضرة السيِّد محيي لم تترك سيارتك المرسيدس امام الفيلا اللتي تقطُنْ بها وتأتي بسيارة
البلدية . ألَيْسَ جنابكَ موظفا عندهم ؟
ـ سوف تتسخ ملابسي يا استاذ ....
ـ مقبولة مِنَّكْ استاذ يا محيي بيك , ولكن , بدلتك ستتسخ على اي حال وانت تنقل الزبالة من مكانٍ لآخر .
ـ لا تقلق , لقد إحتطتُ للأمر , وسترى .
وَقَفَ علاّم بالنافذة يرنو محيي الزبال بينما كان يلتقط أكياس القمامة . فَشَاهَدَهُ يعملُ عارِيَاً كَمَا وَلَدَتْهُ أمُّه .
صَفَنَ صاحبنا , فَبَدَا كتلميذ يستذكرُ الإجابة بعدما تصَفَّحَ ورقة الاسئلة .
ابتسم ابتسامة تُوحي بالتَّحَدي . ثُمَّ قام بالتعرّي . وخرج يَحْمِلُ كيس الزبالة فوق كتفه مهرولا نحو
الحاوية وهو عار تَمَامَاً ....
تعليق