الغرفة رقم 7
[align=right]الحياة...الحياة...تارة تكون مثل عجوز شمطاء،و تارة مثل شابة فاتنة ...فهي تضحك لنا يوما، لتبكينا شهرا ...و تسعدنا لحظة لتسحب البساط من تحت أرجلنا أياما...
كانت تلك المرأة تحاول النضال من أجل حياة شريفة و جميلة ، لكنهم و ضعوها داخل زجاجة و جلسوا يتفرجون عليها ...على صراخها ، على غضبها ...على انهزاماتها ...على تمزقها و سقوطها و سط الطريق...
كانت القرية صامتة ،هادئة،...حقولها الخضراء الواسعة ، ووديانها ذات الخرير الساحر تحلم بالغد الجميل...
لا...لا... صرخة مزقت صمت القرية..أتت الصرخة من مسجد القرية ..التف سكان القرية حول المسجد..كان المنظر رهيبا ..طفل لم يتجاوز الثانية عشر يتخبط في دمه...
قتله و لطخ حيطان المسجد بدمائه ..رسم بدم الضحية كل الأشكال التي راودته و هو ضحية لشطحاته الهستيرية..قتله..وبعد العبث بدمائه راح يركض في القرية صارخا :قتلته قتلته كانا صديقين يدرسان بنفس المسجد...
اختلفا على شيء تافه فأقسم أحمد أنه سيقتل مراد...و قتله...كان أحمد طفلا خجولا ، مطواعا ، لكن ما الذي أمات قلبه فقتل صديقه...
لم تنم القرية تلك الليلة ..ظلت المصابيح مشتعلة ،شاهدة على سمر أهل القرية ،ذاك السمر الذي كان فريدا تلك الليلة ..كان جميع سكان القرية يجهلون ما الذي دفع أحمد لقتل مراد...
لم يسبق له أن ذبح و لو ديكا صغيرا لكنه تمالك أعصابه و خدر قلبه و قتل أعز صديق له..
بعد ما أحيل أحمد على المحكمة ، حكم عليه رغم صغر سنه بثلاثين سنة..دخل وراء الأسوار و هو لم يتجاوز بعد الثالثة عشر..كان السجن بالنسبة له مدرسة..تابع دراسته ، حصل على الاجازة في القانون ...نظرا لحسن سيرته و لتفوقه في الدراسة فقد استفاد لمرات عديدة من العفو...بعد مرور عدة سنوات وجد نفسه خارج الأسوار شابا متعلما ..لكطنه كان يجهل ما معنى الحياة بعيدا عن الأصفاد و عن القضبان و عن تلك المدن التي كان يتجول عبرها ...السجن مدينة بكل ما تحمله الكلمة من معاني...ففيه المدرسة و الترفيه عن النفس و الصداقة ...السجن مدينو لا ينقصها إلا المقبرة ..مدينة بمرافقها الرياضية و الثقافية و لغتها التي تعبر عن ذاك الفضاء بكل ألوانه ، و مرجعياته و هواجسه..
أمضى أجمل فترة عمرية بالسجن ..ها هو الآن حر طليق و السؤال المحرج بحجم الموت الذي يراوده عن نفسه : ماذا بعد السجن ؟ هل سيكون له الحق في بناء أسرة و خلق استقرار مادي و معنوي و نفسي أيضا ، وهو المهم ربما..
لم يرجع إلى القرية ، بل ذهب عند أخيه الذي يقطن بالعاصمة الاقتصادية ..بهده المدينة الواسعة سوف تتلاشى معاناته و سوف يخلق أ حلاما جديدة و أفقا جديدا أيضا..هذه المدينة المترامية الأطراف التي ضيعت بكارتها ، لعشقها لتعددية الألوان ..هذه الألوان الذابلة أحيانا و الطرية أحيانا أخرى ..هذه المدينة ذات مليون وجه ، ذات ألف و ألف حزن،تختزل المعاناة و الابتهاج..تختزل النجاح و الاجباط ..إ نها مدينة الثنائيات ..بجانب الفيلاث الفارهة ، أحزمة الشقاء تفرخ كل يوم آلاف الشباب الذي يعبر بعمق عن الحياة و عن الأحلام و عن اليأس ..كان يستيقظ كل يوم و يهيم ، و يرحل عبر دروب المدينة و أزقتها، يحاول الانصهار مع بناياتها ..يحاول الانسلاخ عن حمولة من الذكريات ..كانت حياته و راء الأسوار ذات طقوس وفضاءات لصيقة بالزمان و المكان ..أيامه هناك ، لن يقدر نسيانها أو محوها أو تجاهلها ..فمن شب على شيء شاب عليه..حتى و إن أحب تغيير طباعه فالطبع يغلب التطبع...
يحاول جاهدا الخروج من قوقعته ..لم يقدر نسيان شكل الغرفة رقم 7 و لا العدد 232 80 ...
قد ينسى رقم بطاقته الوطنية ،و ينسى رقمه الوطني لاجتياز الباكالوريا... و كل الأرقام التي حصل له شرف الالتصاق بها ..لكن 232 80 لن ينساه ...و هو وراء القضبان كان يحلم بأنه حينما يطلق هذا الفضاء فلن يحتفظ بأي ذكرى منه...
لكن أيمكننا الانسلاخ عن ذواتنا ...فالذات تسكننا و نسكنها ...تعيش بنا و نعيش بها ..تهيم بنا و نهيم بها إلى حد الانصهار و التوحد....
فشل في محاولاته المتكررة في إعادة بناء ذاته ، حينما علم أنه سيفرج عنه بعد مضي سنوات قليلة قرر أن تكون نهاية اعتقاله موت لتك الذات التي عرفت علاقة حميمية مع ذاك الفضاء و أن يكون خروجه ولادة جديدة ...أن يكون بداية جديدة لحياة مشرفة لكنه فشل....
بعد هزيمته في التنكر لماضيه ، حاول متابعة المسير بنفس الذات و نفس الذكريات و نفس الهواجس...و هو ينبش في ساعات الحياة الجديدة ذات الطقوس الغريبة عنه...التقى يوما بشابة لها نفس المؤهلات الثقافية ..لها أحلام و أماني وردية..تحلم بالحياة المتوازنة بالحب بالاستقرار ..التقى الشابة بنفس المكتب الذي كان يتدرب به ..صارحها بحمولته الحياتية و بمساره ..عاشا لحظات لم تكن ضمن لائحة أحلامه .
رغم مؤهلاته الثقافية ، رغم و سامته و إتقانه اللغات ، رغم الأفكار النورانية حول إعادة الادماج..لم يحلم يوما أن يلتقي في درب حياته بإنسانة تفهم هواجسه و مخاوفه و تطلعاته لغد مشرق..
اقتسما كل شيء الإحترام و الحب و التضحية ..عاش في سلام و سط عمارات المدينة المترامية الأطراف..وسط مناسبات أعياد ميلاد ابنيه تلاشت ملامح الأسوار و الأصفاد و المفاتيح النحاسية التي كان صوتها يخلق لديه إحساس مرير بالعزلة و الوحدة و القهر...تناثرت من مخيلته كل تلك الأرقام أو تكاد ...أصبحت حياته الماضية مجرد ذكرى و ضعها بصندوق قديم و أغلقه بزبد البحر العنيد..[/align]
ملحوظة: القصة لي لكنني مع الأسف وجدتها بمدونة هذا الشخص و بهذا المنتدى باسمه
[align=right]الحياة...الحياة...تارة تكون مثل عجوز شمطاء،و تارة مثل شابة فاتنة ...فهي تضحك لنا يوما، لتبكينا شهرا ...و تسعدنا لحظة لتسحب البساط من تحت أرجلنا أياما...
كانت تلك المرأة تحاول النضال من أجل حياة شريفة و جميلة ، لكنهم و ضعوها داخل زجاجة و جلسوا يتفرجون عليها ...على صراخها ، على غضبها ...على انهزاماتها ...على تمزقها و سقوطها و سط الطريق...
كانت القرية صامتة ،هادئة،...حقولها الخضراء الواسعة ، ووديانها ذات الخرير الساحر تحلم بالغد الجميل...
لا...لا... صرخة مزقت صمت القرية..أتت الصرخة من مسجد القرية ..التف سكان القرية حول المسجد..كان المنظر رهيبا ..طفل لم يتجاوز الثانية عشر يتخبط في دمه...
قتله و لطخ حيطان المسجد بدمائه ..رسم بدم الضحية كل الأشكال التي راودته و هو ضحية لشطحاته الهستيرية..قتله..وبعد العبث بدمائه راح يركض في القرية صارخا :قتلته قتلته كانا صديقين يدرسان بنفس المسجد...
اختلفا على شيء تافه فأقسم أحمد أنه سيقتل مراد...و قتله...كان أحمد طفلا خجولا ، مطواعا ، لكن ما الذي أمات قلبه فقتل صديقه...
لم تنم القرية تلك الليلة ..ظلت المصابيح مشتعلة ،شاهدة على سمر أهل القرية ،ذاك السمر الذي كان فريدا تلك الليلة ..كان جميع سكان القرية يجهلون ما الذي دفع أحمد لقتل مراد...
لم يسبق له أن ذبح و لو ديكا صغيرا لكنه تمالك أعصابه و خدر قلبه و قتل أعز صديق له..
بعد ما أحيل أحمد على المحكمة ، حكم عليه رغم صغر سنه بثلاثين سنة..دخل وراء الأسوار و هو لم يتجاوز بعد الثالثة عشر..كان السجن بالنسبة له مدرسة..تابع دراسته ، حصل على الاجازة في القانون ...نظرا لحسن سيرته و لتفوقه في الدراسة فقد استفاد لمرات عديدة من العفو...بعد مرور عدة سنوات وجد نفسه خارج الأسوار شابا متعلما ..لكطنه كان يجهل ما معنى الحياة بعيدا عن الأصفاد و عن القضبان و عن تلك المدن التي كان يتجول عبرها ...السجن مدينة بكل ما تحمله الكلمة من معاني...ففيه المدرسة و الترفيه عن النفس و الصداقة ...السجن مدينو لا ينقصها إلا المقبرة ..مدينة بمرافقها الرياضية و الثقافية و لغتها التي تعبر عن ذاك الفضاء بكل ألوانه ، و مرجعياته و هواجسه..
أمضى أجمل فترة عمرية بالسجن ..ها هو الآن حر طليق و السؤال المحرج بحجم الموت الذي يراوده عن نفسه : ماذا بعد السجن ؟ هل سيكون له الحق في بناء أسرة و خلق استقرار مادي و معنوي و نفسي أيضا ، وهو المهم ربما..
لم يرجع إلى القرية ، بل ذهب عند أخيه الذي يقطن بالعاصمة الاقتصادية ..بهده المدينة الواسعة سوف تتلاشى معاناته و سوف يخلق أ حلاما جديدة و أفقا جديدا أيضا..هذه المدينة المترامية الأطراف التي ضيعت بكارتها ، لعشقها لتعددية الألوان ..هذه الألوان الذابلة أحيانا و الطرية أحيانا أخرى ..هذه المدينة ذات مليون وجه ، ذات ألف و ألف حزن،تختزل المعاناة و الابتهاج..تختزل النجاح و الاجباط ..إ نها مدينة الثنائيات ..بجانب الفيلاث الفارهة ، أحزمة الشقاء تفرخ كل يوم آلاف الشباب الذي يعبر بعمق عن الحياة و عن الأحلام و عن اليأس ..كان يستيقظ كل يوم و يهيم ، و يرحل عبر دروب المدينة و أزقتها، يحاول الانصهار مع بناياتها ..يحاول الانسلاخ عن حمولة من الذكريات ..كانت حياته و راء الأسوار ذات طقوس وفضاءات لصيقة بالزمان و المكان ..أيامه هناك ، لن يقدر نسيانها أو محوها أو تجاهلها ..فمن شب على شيء شاب عليه..حتى و إن أحب تغيير طباعه فالطبع يغلب التطبع...
يحاول جاهدا الخروج من قوقعته ..لم يقدر نسيان شكل الغرفة رقم 7 و لا العدد 232 80 ...
قد ينسى رقم بطاقته الوطنية ،و ينسى رقمه الوطني لاجتياز الباكالوريا... و كل الأرقام التي حصل له شرف الالتصاق بها ..لكن 232 80 لن ينساه ...و هو وراء القضبان كان يحلم بأنه حينما يطلق هذا الفضاء فلن يحتفظ بأي ذكرى منه...
لكن أيمكننا الانسلاخ عن ذواتنا ...فالذات تسكننا و نسكنها ...تعيش بنا و نعيش بها ..تهيم بنا و نهيم بها إلى حد الانصهار و التوحد....
فشل في محاولاته المتكررة في إعادة بناء ذاته ، حينما علم أنه سيفرج عنه بعد مضي سنوات قليلة قرر أن تكون نهاية اعتقاله موت لتك الذات التي عرفت علاقة حميمية مع ذاك الفضاء و أن يكون خروجه ولادة جديدة ...أن يكون بداية جديدة لحياة مشرفة لكنه فشل....
بعد هزيمته في التنكر لماضيه ، حاول متابعة المسير بنفس الذات و نفس الذكريات و نفس الهواجس...و هو ينبش في ساعات الحياة الجديدة ذات الطقوس الغريبة عنه...التقى يوما بشابة لها نفس المؤهلات الثقافية ..لها أحلام و أماني وردية..تحلم بالحياة المتوازنة بالحب بالاستقرار ..التقى الشابة بنفس المكتب الذي كان يتدرب به ..صارحها بحمولته الحياتية و بمساره ..عاشا لحظات لم تكن ضمن لائحة أحلامه .
رغم مؤهلاته الثقافية ، رغم و سامته و إتقانه اللغات ، رغم الأفكار النورانية حول إعادة الادماج..لم يحلم يوما أن يلتقي في درب حياته بإنسانة تفهم هواجسه و مخاوفه و تطلعاته لغد مشرق..
اقتسما كل شيء الإحترام و الحب و التضحية ..عاش في سلام و سط عمارات المدينة المترامية الأطراف..وسط مناسبات أعياد ميلاد ابنيه تلاشت ملامح الأسوار و الأصفاد و المفاتيح النحاسية التي كان صوتها يخلق لديه إحساس مرير بالعزلة و الوحدة و القهر...تناثرت من مخيلته كل تلك الأرقام أو تكاد ...أصبحت حياته الماضية مجرد ذكرى و ضعها بصندوق قديم و أغلقه بزبد البحر العنيد..[/align]
ملحوظة: القصة لي لكنني مع الأسف وجدتها بمدونة هذا الشخص و بهذا المنتدى باسمه
تعليق