النقد بين الخطأ والخطيئة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هشام مصطفى
    شاعر وناقد
    • 13-02-2008
    • 326

    النقد بين الخطأ والخطيئة

    النقد بين الخطأ والخطيئة
    ما النقد ؟ سؤال قد يبدو لأول وهلة ساذجا ، إذ استقر في ذهنية المتلقي ، أنه يدور في فلك الحكم بالجودة أو الرداءة على عملٍ ما ، حيث أن وظيفته ( أي النقد ) أصبحت الفصل في شأن العمل ، وأصبح بالتالي الناقد كالقاضي الذي يصدر أحكاما ، يذيله بحيثياته ، والتي اعتمدت في جلّ أشكالها على افتراض المثل الأعلى للعمل الفني ، ومن خلال قياسه عليه ( المثل الأعلى ) تظهر عيوب أو محاسن العمل المُقاس .
    إلا أن السؤال الملح والأهم ، حتى لو افترضنا وجود المثل الأعلى الذي يُقاس عليه ، وإن كان وجود مثل هذا يقضي تماما على التجريب الذي يميز التجربة الحداثية ، إذ أنه أهم سمة من سمات هذه التجربة ، فيصبح السؤال ، هل يمكن الحكم على التجربة الإنسانية المتجددة ( مع افتراض التشابه في المشاعر والشعور إلا أن اختلاف المنبع يؤدي لاختلافات في الناتج ) وخاصة أنها تجربة تنفرد بكونها نابعة من الحسّ الإنساني ، الذي هو غامض في ماهيته ، متعدد في أشكاله ، متباين في تعبيراته ، وهنا تكمن الإشكالية الكبرى والأولى للنقد والناقد .
    فّإذا كان الحكم هو عنوان الحقيقة ، فبناء على ذلك يصبح الحكم في المجال الفني نسبيا لا قطعيا ، تبعا لغموض الحقيقة ، والتي هي في واقع الأمر ( أي الحقيقة ) التجربة الإنسانية ذاتها بتعقيداتها ، متمثلة في التجربة الذاتية للمبدع والعاكسة لتماسه مع مجتمعه أو الإحساس الجمعي تجاه شيء ما ، ويبدو ذلك واضحا من خلال الرؤية الجديدة للأعمال القديمة ، فإن كنا قد نعتنا المعلقات من الشعر الجاهلي بتعدد الموضوعات وبنائها على أساس وحدة البيت ، فهل يمكن أن نغض الطرف عن العلاقات الوثيقة بين هذه الموضوعات في مثل الوقوف على الأطلال مثلا ، وبين رؤية الشاعر الجاهلي للوجود في مثل امرئ القيس أو طرفة بن العبد ، أو الإصرار على وصف الرحلة كمفهوم جدلي يقوم على التأثير والتأثر المتبادل بين الذات المبدعة والإحساس بالمكان والزمان ، وكذلك على النقيض إذ بذات الرؤية يمكن لنا الفهم الجيد للبناء المعماري لأنشودة المطر للسياب إذ اتهمت بالتفكك وعدم الترابط بين أجزائها .
    وقد تبدو الإشكالية أكبر وأكثر تعقيدا ، إذا حاولنا تصنيف النقد ذاته بين خانة العلوم ، فالنقد بأدواته ( وإن اختلف فيها وتباينت حسب المنهج النقدي عدا النقد الانطباعي ) فإن طبيعته العلمية تبدو من خلال هذه الأدوات ، حيث صرامتها وجفافها ، بل وعمائها ، وهو( أي النقد ) في ذات الوقت حين يمارس عمله فإنه لا يمارسه من خلال مختبر ، إنما من خلال ذات الناقد وروحه ، والتي تتناول العمل المادي من خلال الحس الفني وشفافيتها وقوة التعمق والتعايش له وفيه ، حتى يلتقي حس الناقد بحس الفنان ، فتبدو العملية النقدية إبداعية في المقام الأول ، لذا فهو كما يصرح منظرو النقد ممارسة اللغة داخل اللغة ، ونحن بدورنا نزيد على ذلك بأنه ممارسة الإبداع داخل الإبداع .
    إذن فالنقد ذو وجهين ، أولهما علمي صارم جاف حتى يقترب من الموضوعية المنشودة لأي ناقد ، وكذلك هو ذاتي غارق في الذاتية ، وفي هذا الجانب تبدو الإشكالية الثانية للعملية النقدية الحقيقية .
    وكذلك ، إن كان النقد هو ممارسة اللغة داخل اللغة ، فإن المصطلح النقدي يأخذ حيزا هاما وكبيرا من الاهتمام النقدي ، إذ بواسطته يتم اختزال الكثير من الحقائق والمفاهيم التي يقررها أو يمارسها الناقد ، وعليه فإن الإشكالية الثالثة تبدو واضحة جلية ، حيث الاضطراب الشديد في المصطلح النقدي ، ما يعني الاضطراب في الممارسة ذاتها وما ينتج عنها ، حتى أننا نحاول إعادة فهم مصطلح النقد ذاته من حيث الإشكالية والمفهوم ، وحيث التغير الجذري في الرؤية والأسس .
    وبناء على ما تقدم ، فإن النقد بقي على ما هو عليه موازاة بالتطور الهائل للعملية الإبداعية والتي هي مجال عمله ، من حيث المفهوم والأسس الفلسفية وبالتالي الرؤية والعلاقات بين الذات المبدعة وما حولها ، وبرغم اتخاذه من أدوات المناهج النقدية الجديدة / القديمة حلا للإشكاليات التي يواجهها إلا أنه بقيت هذه الاستعانة في حيز القراءات النقدية دون التنظير الجيد لها وبما يتلاءم مع طبيعة الذات الإبداعية العربية والرؤية المغايرة لأسس العقلية الغربية ، وحتى هذه القراءات توقفت عند حدود الإيضاح والتفسير ، ولم تقترب من جانب التقييم .
    إن جملة الأسئلة المطروحة ، والإشكاليات المتوالية تدعونا إلى العودة لمحاولة الإجابة عن ماهية النقد ذاته ، فهل هو علم ؟ ، هل هذا العلم يعني بالتقويم وبالتالي بالتقييم ؟ ، وهل بناء على الأسئلة السابقة يتعدى كونه دراسة لفنيات العمل إلى كونه عملية سلطوية ؟ ، تمارس دورها الرقابي عليه كي ترفع أو تقلل من شأن العمل ؟ .
    إن الحكم على علمية النقد حكما قطعيا يمكن أن نتجاوزها ، مع ظهور المناهج النقدية الجديدة / القديمة ، إلا أننا في سبيل ذلك لابد لنا من رؤية عامة ، نظرة شمولية للفن عموما وللأدب خاصة ، وهذا بالضبط ما ينقص الأدب العربي ، الرؤية المتكاملة أو النظرية الكاملة ، ويرجع ذلك إلى افتقاد الأدب والفن عموما إلى الرؤية الفلسفية ، والتي على إثرها يمكن أن نجد نظرية عامة للأدب ، وما ذلك نابع إلا من الاعتماد على العقلية المستهلكة للنظريات ، وترك العقلية الناقدة التي نحن في أمس الحاجة إليها ، تلك العقلية التي تأخذ ثم تستوعب ما أخذته ، ومن ثم تعيد إنتاجه بناء على ما استقته من روافد العلوم الخارجية ، بجانب ما يلائمها من الروافد التراثية ، وهذا بالضبط ما استطاعه الأولون ولم يستطعه المحدثون أو نحن .
    إن خطأ النقد في عدم إعادة إنتاج ذاته ، بداية من مفهومه ، ومرورا بأدواته ، وانتهاءً بغاياته ، أدى إلى وقوع الأدب والمتلقي في خطين متوازيين لا يلتقيان ، وبالتالي كان من أثر هذا الخطأ خطيئة ابتعاد المتلقي ـ والذي هو غاية الأدب ـ عن أدبه والوعي بعصره ، فأصبح الأدب المنتج بوعي بعيدا كل البعد عن وعي متلقيه الذي في عمومه متعلقا بوعي القرن الرابع ، فتحول الأدب في برجه العاجي للخاصة تاركا خلفه المتلقي الحقيقي ، وبذلك فقد الأدب أهم غاياته وهو إعادة تشكيل وعي المتلقي ليلائم عصره الذي يعيش .
    إن الممارسة المدرسية للنقد ، حيث الاهتمام المتنامي بالمعنى ـ وكأنه هدف في حد ذاته ـ حيث الانطباعية ـ والتي فتحت الباب على مصراعيه لمن يعرف أن يمسك القلم ـ والابتعاد عن روح العملية النقدية والعمل الأدبي نفسه ، وعلاقاته والبناء الفلسفي له وعلاقاته بالوجود وتماسه مع الزمكان ، كان له أكبر الأثر على تغريب الأدب ذاته عن متلقيه ، بل والاكتفاء بالمدح أو الذم حتى دون إبداء مسببات أو بمسببات لا تعتمد إلا على إدراك الكاتب لا الناقد للعمل ما أدى إلى تسطيح العمل و اندفاع المبدع إلى ما يسهل فهمه دون الاهتمام بفنيات الأدب حتى يصل إلى متلقيه .
    فإذا كان الحكم على التجربة الإنسانية صعب المنال ، فإن النقد عليه أن يتحول من سلطويته في تعامله مع الإبداع وإصدار الأحكام ، والانتقال إلى ممارسة الدور التساؤلي ، والذي بدوره يحاول الإجابة عليها ، ومن خلال ذلك يتبين مدى قدرة المبدع والإبداع على التأثير ، وهو في ذات الوقت لا يغلق الباب تماما بل يشرعه أمام الرؤى الأخرى والمستقبلية للعمل لان العمل الفني إن فسر فقد انتهى ولم يعد له تأثير ، وهذا ما تعتمده الحداثة الآن وما تتصف به الأعمال العظيمة أو الخالدة من التراث .
    ولن يتأتى للنقد هذا الدور إلا من خلال ازدهار النقد ذاته بشقيه التنظيري والتطبيقي وكوحدة واحدة ، ولن يصبح لهذا الازدهار وجود إلا بالعقلية الناقدة الواعية المنتجة لا المستهلكة ، والتي تستطيع أن تقدم الأدوات والمناهج المختلفة للإجابة على التساؤلات لماذا ؟ وكيف ؟ وهل ؟ .
    ثمة إشكالية أخيرة تتعلق بلغة النقد وخاصة التطبيقي ، والذي يتم فيه تداول المصطلحات النقدية بأسلوب يميل إلى الغموض ، وكأن بذلك يريد الناقد أن يبرهن على الثقافة الواسعة والقدرة على تصريف الأساليب والتباهي في ذلك ، الأمر الذي يصل إلى مجانية استخدام المصطلحات والأساليب الملتوية ، وهو ( أي الناقد ) قد نسي أنه يمارس عملية علمية وأدواته فيها اللغة ( ممارسة اللغة داخل اللغة ) فإن كان الناقد يمارس اللغة فعليه أن يعلم أن لغته هي لغة العلم لا الأدب ولذا فإن المقولة يجب أن تعدل إلى ممارسة لغة العلم داخل لغة الأدب لا ممارسة لغة الأدب داخل الأدب .
    وبذلك يكون المقصود من العملية الإبداعية الثانية ( النقد ) ليس في اللغة ذاتها المستخدمة بل في اكتشاف العلاقات والبناء المعماري والمعرفي والفلسفي للعمل الأدبي ، والذي قد يصل إلى حد إدهاش المبدع ذاته صاحب العمل والذي لم يفكر حين الإبداع ما لمعمارية جملته من دلالات تتعدى ما قصد ( الجملة المُلْهَمة ) .
    وعليه ، هل يبقى النقد في حيز التعريف القائل بأنه علم يعني بتقويم العمل الأدبي ؟ أم أنه يتعدى ذلك إلى اكتشاف الأدب وتواصله مع المتلقي وقد يأتي معه التقييم والتقويم من خلال الممارسة التساؤلية لا السلطوية ، سؤال قد يحتاج إلى الكثير من إعادة النظر للنقد والمفاهيم للكثير فيه
    .
    بقلم / هشام مصطفى
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    الأستاذ و الناقد الشاعر

    هشام مصطفى

    نشكرك لما أبدعت في تنقيح تلك السطور

    و مزجها بتقنين جميل

    بالتأكيد يحتاجه كل مبدع ,, سواء كان أديب أو ناقد

    أستاذنا الكلايم لا تحرمنا متعمة القراءة لك دوماً

    محبتي و امتناني العميقين ..
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • هشام مصطفى
      شاعر وناقد
      • 13-02-2008
      • 326

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
      الأستاذ و الناقد الشاعر

      هشام مصطفى

      نشكرك لما أبدعت في تنقيح تلك السطور

      و مزجها بتقنين جميل

      بالتأكيد يحتاجه كل مبدع ,, سواء كان أديب أو ناقد

      أستاذنا الكلايم لا تحرمنا متعمة القراءة لك دوماً

      محبتي و امتناني العميقين ..
      أستاذي الجميل ـ الجليل / محمد
      نحن نحتاج بالفعل إلى إعادة النظر في مفاهيم النقد وأوله تعرقف النقد ذاته
      لذا أحببت أن أطرح رؤية تكون بداية لفتح باب المناقشة فيما طرجته وخاصة أن الملتقى يزخر بالفكر المتنوع
      مودتي وخالص شكري وتقديري

      تعليق

      • خالد جمعة
        أديب وكاتب
        • 02-11-2008
        • 62

        #4
        النقد الأدبي عموماً لم يأخذ جدواه عربياً ومازال يعتمد على المحاباة وعلى المدح
        وهذا ليس بالنقد
        وإن كان هناك مايسمى بالنقد فهو قليل
        والبعض منه يقوم على التجريح وليس على نقد النص الأدبي بحد ذاته
        وغفراز الغث من السمين

        تعليق

        • فتحى حسان محمد
          أديب وكاتب
          • 25-01-2009
          • 527

          #5
          تريدون نقدا ؟؟ّ!!!! ولكن على هواكم
          اختاروا هل تريدون النقد الذى يشمل النص وكاتب النص نفسه ام لا 0
          كاتب النص ينقد إذا كان فكره مضللا فاسدا غير حكيم ولا رشيد ، فإذا ما كتب ما يخالف الدين مثلا ، هل لا ينقد فكره وفكرته ويرد عليه بقسوة ؟؟!!!
          لا تكتبون على هواكم ، وإن كتبتم فلتتحملوا نتيجة ما تكتبون 0
          أسس القصة
          البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

          تعليق

          • هشام مصطفى
            شاعر وناقد
            • 13-02-2008
            • 326

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة خالد جمعة مشاهدة المشاركة
            النقد الأدبي عموماً لم يأخذ جدواه عربياً ومازال يعتمد على المحاباة وعلى المدح
            وهذا ليس بالنقد
            وإن كان هناك مايسمى بالنقد فهو قليل
            والبعض منه يقوم على التجريح وليس على نقد النص الأدبي بحد ذاته
            وغفراز الغث من السمين
            أخي الحبيب / خالد
            أشكرك لتفاعلك مع المقال وأتفق معك تماما أن النقد في العصر الحالي يعاني عددا من الإشكاليات ولعلي حاولت أن أوجه الأنظار إليها
            أما ما تفضلت به أخي من أن النقد يقوم على التجريح أو التهليل والمحاباة فلعلك أخي تتفق معي في أن العملية النقدية التي أشرت إليها تعدت مفهوم النقد التأويلي والذي جل همه البحث عن المعنى دون الإشارة إلى البنى التحتية للنص والمشكلة له وخاصة النص الحداثي والذي إلى الآن لم يدرك كنهه
            لذا حاولت مناهج النقد الحديثة / القديمة الإجابة على هذه التساؤلات وعليه فإن النقد ذاته تحول ( كما أشرت ) من التفسير إلى الإبداع ومحاولة خلق النص من جديد وأصبح محوره طرح التساؤل لا الحكم البات
            أخي إن محاولة الفهم وطرح رؤى جديدة هي في الأساس البنية الجديدة للنقد الجديد كي يعود العقل الناقد ( ليس الناقد من النقد الأدبي وإنما العقل المبدع ) إلى حيز الوجود واختفاء العقلية المستهلكة والتي اعتدنا عليها .
            مودتي

            تعليق

            • هشام مصطفى
              شاعر وناقد
              • 13-02-2008
              • 326

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
              تريدون نقدا ؟؟ّ!!!! ولكن على هواكم
              اختاروا هل تريدون النقد الذى يشمل النص وكاتب النص نفسه ام لا 0
              كاتب النص ينقد إذا كان فكره مضللا فاسدا غير حكيم ولا رشيد ، فإذا ما كتب ما يخالف الدين مثلا ، هل لا ينقد فكره وفكرته ويرد عليه بقسوة ؟؟!!!
              لا تكتبون على هواكم ، وإن كتبتم فلتتحملوا نتيجة ما تكتبون 0
              أخي الحبيب / فتحي
              أعتقد أننا جميعا نسعى لأن نعيد للنقد مكانته المفقودة وعليه فعلينا أولا أن نعيد أسس هذا النقد والمواكب للتطور الهائل للنصوص الأدبية في كافة النواحي ولذا فإن طرح الأسئلة مشروع بل واجب علينا ومحاولة الإجابة وتصارع الأفكار فقط هو ما يولد الفكر الجديد أو يجدد القديم لذا فأنت قد طرحت حكما ولم تتناول بالمناقشة والحجة الأفكار
              أحترم رأيك ووجهة نظرك وأقدرها وإن خالفتها أو حتى رفضتها
              مودتي

              تعليق

              يعمل...
              X