مَدينَةُ القَمَرْ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حكيم عباس
    أديب وكاتب
    • 23-07-2009
    • 1040

    مَدينَةُ القَمَرْ


    مدينة القمر



    خراباتٌ بظلّ الخرابْ
    تحتَ شمسِ العجزِ
    في نهاراتِ العذابْ
    تمتدُّ حتى نهرِنا ... أو نَحْرِنا

    جمراً في التُّرابْ
    كيفَ يأتي الملحُ؟
    كيف تشرأبُّ أعناقُ الهضابْ؟
    كابياتٌ..
    قاحلاتٌ..
    زاحفاتٌ نحوَ الخَريرْ
    مُفعماتٌ..
    تشتهي قُبُلاً بلَّلَتْها حُبيْباتُ المطرْ
    تشقَّقت الشّفاهُ
    تلوّنت بالأحمرِ البُنِيِّ أو صارت حجَرْ
    إن جاءَ يحيى يحملُ الغيماتِ
    هابطاً فوقَ التَّيَبُّسِ
    قبلَ التَّلَفُّظِ
    في آخرِ الشَّهقاتِ
    نهاياتِ النّفّسْ
    هبَّتْ..
    و اشرأبّت أعناقُها
    جامحاتٌ هذه الهضابْ
    صابراتٌ..
    يقتحمنَ الدّهرَ إن مرَّ السّحابْ
    أو هطلَ المطرْ
    تبقّعتْ..
    و ترصّعت أجسادُهنَّ
    فمُرها أيا يحيى
    تُخلي سبيلكَ
    فتستلُّ من تلظّيها رهوَ ضوْءٍ هاربٍ..
    أو قمرْ
    حالماتٌ هذِه الهضابْ
    جامحاتٌ..
    صارخاتٌ..
    شَبَقٌ يُولوِلُ في حُبيبات التّرابْ
    تنتَصِبْ..
    ترتدُّ تنزفُ أخضرَ
    لوعةً في سهولِ الوردِ
    سَرْوَةً تعلو فوقَ بَحْرَتِنا
    تكادُ تهوي
    تَنشُلُها الملامِحُ و السُّيوفُ
    فتعلو..
    و تعلو..
    حتى تُلامسَ لَحْظَكَ
    نَقْشٌ على قَمَرٍ فوقَ القِمَمْ
    نَقْشٌ تَسَلّلَ في التِماعاتِ النُّجومْ
    إذْ تقمَّصَهُ الحمامُ الهادِلُ
    العِطْرُ..
    اللّقالِقُ..
    لونُ نَخْلٍ شامخٍ صَعبِ المَنالْ
    إنْدِلاقُ الأُرْجُوانِ مُعطّراً
    تَرصَّعتْ فيه الجِبالْ
    لكنَّ النَّوارسُ فرَّ منها لونُها
    فتغبَّرَتْ..
    و تمرَّدَتْ..
    فحطَّتْ تنقُرُ الأَرْواحَ
    و الصَّخْرَ المُميتْ
    تمرَّغَتْ في القلبِ
    إذْ أجسادُنا ريشٌ لها
    مَساراتُ المِياهْ
    أرْصِفَةٌ تُنَرجِلُ فينا
    فقاعاتٌ في المآقي إذْ ليّلتْ
    لا يأتي عشقُكِ
    لا يأتي إلاّ الملحُ
    إنْ نوارسَنا بالملحِ تَسَرْبََِلَتْ
    ريحو ... أين القمرْ؟؟




    *** *** ***
    لأجْسادِنا النّهرُ محرابُ
    و انتِ فينا الحِرابُ
    حتى و إن بانَ في معابِدِنا الخَرابُ
    لحمي و لحمُكِ..

    تحتَ السّماءِ هِضابُ
    و جراحُنا قِبابُ
    عمّدْناكِ..
    عمّدْناهُ..
    بالنّخلِ يُطْعِمُنا النّدى
    يحيى....؟!
    تمرّغَ كالكنائِسِ في اتّساعاتِ الفضا
    أجراساً تُعانقُ فقرَنا
    ترتدُّ عن ذاكَ المدى
    جُرحاً يُدَغْدِغُ حقلَنا
    مخْلِباً في العُنقِ حفّزَهُ الصَّدى
    هذِه الأخاديدُُ في لحمِ التّلالِ
    تجاعيدٌ مُملَّحةٌ
    كم شكتْ منها النّوارِسُ
    كم شكى منها الشّفّقْ
    كلّما خَبَتْ شمسٌ
    جرجَرَتْهُ المساءاتُ
    كيْ يمتطي قمَمَ الجِبالِ
    أو يمتطي حَِضْنَ الأفقْ
    فلا قممُ الجبالِ قريبَةٌ
    لا التّمكّنُ
    لا أراجيحُ الشَّفَقْ
    بينَ القُميْراتِ العالياتِ و في الأعالي
    حِلَلٌ طرَّزَتْها المساءاتُ
    و اللّونُ فيها انتسَقْ
    يُستَفَزُّ فيَزْحَفُ صاعِداً
    يستشيطُ يُساورُهُ القَلَقْ
    كلّما تطاولَ في الحقولِ الفارِهاتِ المساءُ
    أو توتّرَ..
    اشتدَّ..
    اندَلَقْ
    لكنَّ الشَّفَقْ
    مُتَشَبِّثٌ ..
    في آخِرِ الألوانِ انزَلَقْ
    و في الأخاديدِ احتَرَقْ
    فاستشاطَ القيْظُ
    تلهَّبَتْ..
    و هوَتْ جهنّمُ في الشّوارِعِ
    و اللّيْلُ من رَجْعِ الطُّيورِ انبَثَقْ
    من كهوفِ الكونِ..
    أمْ من قاماتِ هذا السَّروِ انطَلَقْ ؟
    يَرُشُّ لحمَنا بالماءِ يحيى
    يُعَمِّدُنا..
    أرواحُنا أكاليلُ الزَّنابِقِ
    و الزَّنْبَقُ المِلحاحُ قد تلوّنَ بالطُّقوسِ
    انْحنى..
    ثمَّ اختَنَقْ
    يحيى..
    ريحو ..
    أينَ القمرْ؟
    هذِهِ الخُصَيْلاتُ كالسّعَفِ المُدبَّبِ
    كالطّيْرِ المُخَضَّبِ
    كالشَّعْرِ المُطيَّبِ
    فوقَ الكتفِ إذْ ترتَمي
    أو صدْحِ البّلابِلِ إذْ تحتمي
    في اللّيْلِ ما بيْنَ الخُصَلْ
    فيها تعمَّدَتِ القُبَلْ
    و نَفرَحُ إذْ حُبُّنا فيها اكْتَمَلْ
    ريحو أينَ القمَرْ؟



    *** *** ***
    أنتِ خيْطُ الماءِ في عطَشي
    أمْ أنتِ خيْطُ الماءِ في تَضاريسِ المَكانْ ؟
    من أينَ يأتي الماءُ في القَيْظِ
    في المِلحِ

    يَنْسَلُّ..
    أو يَسْتَلُّ سيفاً..
    سَعَفاً..
    نعنعأً في حضنِ الجَبَلْ
    لا سنونوَةً..
    لا قُبَّرَهْ
    لا وَرْدَةً..
    لا نَخْلَةً..
    لا سَرْوَةً..
    لا شيءَ إلاّ المَقْبَرَهْ
    جِبالٌ تَرْتَصُّ فوقَ الجبالْ
    جبالٌ ترتَصُّ فوقنا جِبالْ
    من كهوفِ الصَّمْتِ
    تسامى كالطّفْلِ يركُضُ عارياً
    ... هذا الجمالْ
    شاملٌ..
    عارِمٌ..
    صارِمٌ..
    كأصالَةِ الخيْلِ الجموحةِ
    كلّما سَجَدَ المُحالْ
    حتى إذا ما اقشَعَرَّ اللّحْمُ لَحمي
    طفلُكِ كانَ يعدو عارياً فوقَ القِمَمْ
    يُلَمْلِمُ اللّونَ فَيْروزاً
    أشلاءَ الهِلالْ
    تناثَرْتُ في عِريِهِ
    فيكِ..
    في تَسَلُّطُكِ العَتيقِ
    كما النّبيذُ تحتَ الجلْدِ يَسْري
    يُقْحِمُ في الرَّشْفَةَ الكوْنَ
    أو يُقْحِمُ في القلبِ الجِراحْ
    تَتَرَنَّحُ الأرواحُ فينا
    يُثمِلُها الكَمالْ
    آهٍ... كم تستَبِدُّ النَّفْسَ الجِبالْ
    تَحَشَّدَتْ..
    و تجَمْهَرَتْ..
    و الصَّخْرُ يركُضُ نحوَ قَعرِ الهاوِيَة
    تُفاجِئُها النّوارسُ في القاعِ تَعمَّدَتْ
    تنحني..
    تتدلّى..
    لا ترتَدُّ ..
    لا تستَوي..
    لا تهوي ..
    لا ترْتَفِعْ..
    مَشْدوهَةٌ تحلّقَتْ حولَ النّعانِعِ
    تلتوي..
    كَخَصْرٍ راقِصٍ في طُقوسٍ لا تنتهي
    يُفاجئُها انسيابُ الماءِ
    فيولدُ من تفاجُئها القمَرْ..
    يا يحيى..
    هذا التّفاجؤُ عارِمٌ..
    صارِمٌ..
    أما زِلتَ تحمِلُ في دَمِكَ القمَرْ ؟
    جراحاتٌ بظلِّ الجِراحْ
    في شُعاعاتِ النُّجومِ تمجَّدَتْ
    أيُّ المَجرّاتِ تهوي في الصَّباحْ
    كم نّيْزكاً في البحرِ يَرْتمي
    أو يَحْتَمي..
    أهوَ احتضارُ السّماءِ
    أمِ انتّحارْ
    أمْ هوَ البحرُ قد تمَنْطَقَ خَصْرَكِ
    و التَفَّ وَشْماً أو وِشاحْ
    أغيرَةٌ بينَ النّجومِ تأجَّجَتْ
    فاستَفاضَ اللّيْلُ يَسْكُبُ ليْلَهُ
    كحلَةً للعَيْنِ..
    و العيْنُ في ليلنا نجمُ الصّباحْ
    يستَفيضُ ..
    أفيضُ جراحاً
    افرُّ من جسَدي
    تُحاصِرُني الرّياحْ
    إيّاكِ من جَسَدي و من لحمي
    حينَ ينمو نَعْنعاً
    أو حينَ يَقْتُلُهُ النُّباحْ
    أو حينَ ترتدُّ النّوارِسُ عنّا
    مكسورَةُ الجَناحْ
    إمْلَئي عظمي رمادَ النّجومْ
    ابعَثي يحيى يُعَمّدُنا
    فالزّيْتُ ينضُبُ من خوابينا كما القَمْحُ
    و نَنْضُبُ نحنُ من دَمِنا
    و نرجِسُنا تلوَّعَ في موتِ زَنْبَقِنا
    النّهرُ يفلِتُ عن سُفوحِ جِبالنا
    و جميعُنا في القَيْظِ نرتدُّ في المِلحِ
    فيَرْتدُّ عنّا بحرُنا
    ثمّ..
    نضجَرُ..!
    حيثُ يحيى لم يأتِ بعدُ
    ثمّ نغفو..!
    و في الملحِ نغورْ
    يحيى.."يُشاورُ" خِلسَةً نحوَ القمَرْ
    خلفَ رابِيَةٍ
    في البُعدِ تختَلِسُ النّظَرْ
    أجاشتْ عواطِفَها الجِبالُ
    و الدّمعُ فيها اسْتَتَرْ
    أسحابَةٌ تلكَ التي خبّأتْ في لحمِها القَمَرْ
    فانكسَرْ..
    يا يحيى ..
    ريحو.. لم تدرِ بعدُ انّها مدينةُ القَمَرْ.


    _________________________________



    ملاحظة:
    لمن لم يزر مدينة أريحا ، تسمىّ باللغة العبريّة و الكنعانيّة القديمة "ريحو" ، أوطأ بقعة عن سطح البحر في العالم ، أقدم مدينة في العالم ، أوّل موطئ قدم للقبائل العبرانية التي دخلت فلسطين تنهب و تحرق و تقتل . بقربها يجري نهر الأردن ليصبّ في البحر الميت ، قبل أن يفعل ، هناك منطقة حيث عمّد النبي يحيى السيّد المسيح ، يزورها الحجّاج المسيحيون خاصة أقباط الكنانة ، قبل أن تسقط كلّ فلسطين في يد بني اسرائيل.
    محاطة بالجبال العالية ، لذلك تغيب الشمس فيها قبل غيرها و الشفق يصبغ كلّ سمائها ، و يهبط الليل عليها سريعا.
    حولها إحدى العجائب التي لم أرها في أي مكان ، هضاب صغيرة متراصة و كثيفة ، جرداء عارية بسبب نسبة الملوحة العالية في التراب ، مفصولة عن بعضها بأخاديد عميقة و ضيّقة ، تتابع هذه الهضاب كما القبب حتى قبل مجرى النّهر فتختفي لتعود و تظهر على الجانب الآخر من النّهر.
    بجانبها منطقة العوجا ، و نبعها الغني المنحدر من بين الجبال ، إذا وقفت بقرب الماء ، ترى الجبال حولك و كأنها ستسقط عليك ، اليوم سحبت مياهه للمستعمرات المجاورة ، بالكاد ترى المياه فيه في فصل الشتاء و اوّل الرّبيع . شاهدتُ فيها أمطارا من النّيازك و الشّهب ما لم أشاهده في مكان . القمر فيها أكبر قمر رأيته في حياتي ، لا أدري لماذا؟!!

  • الدكتور حسام الدين خلاصي
    أديب وكاتب
    • 07-09-2008
    • 4423

    #2
    أنتِ خيْطُ الماءِ في عطَشي
    أمْ أنتِ خيْطُ الماءِ في تَضاريسِ المَكانْ ؟
    من أينَ يأتي الماءُ في القَيْظِ
    في المِلحِ


    ما أجمل هذا الوصف لمدينة تقاوم بجدرانها وحبات ترابها
    نصك جميل جميل
    شكرا
    [gdwl]الشعر ولدي أحنو عليه ثم أطلقه[/gdwl]

    تعليق

    • نجلاء الرسول
      أديب وكاتب
      • 27-02-2009
      • 7272

      #3
      الشاعر حكيم عباس

      لي عودة فهي مصافحة أولى

      فقط استوقفني بداية لغة المنمنمات فنصك ذكرني بالشاعر المبدع ( هوشنك أوسي ) الكردي حين يغزل من جمع المؤنث السالم شال القصيدة
      نجلاء ... ومن بعدها الطوفان


      مستوحشاً مثل رقيم تقرأه الخرائب
      أوزع البحر على السفن .. أوزع انشطاري

      على الجهات التي عضها الملح
      لم أكن في ذاك الرنين الذي يبزغ منه دم الهالكين
      وكنت سجين المكان الذي لست فيه ..

      شكري بوترعة

      [youtube]6CdboqRIhdc[/youtube]
      بصوت المبدعة سليمى السرايري

      تعليق

      • الدكتور حسام الدين خلاصي
        أديب وكاتب
        • 07-09-2008
        • 4423

        #4
        ريحو ... أين القمرْ؟؟
        ريحو.. لم تدرِ بعدُ انّها مدينةُ القَمَرْ

        صمد الرمز الجميل في القصيدة من أولها إلى أخرها باقتدار
        وتختم لتتوج ريحو مينة للقمربعد استفسار
        [gdwl]الشعر ولدي أحنو عليه ثم أطلقه[/gdwl]

        تعليق

        • حكيم عباس
          أديب وكاتب
          • 23-07-2009
          • 1040

          #5
          الأخت و الشاعرة نجلاء رسول ... تحياتي لك
          ملاحظتك دقيقة و جميلة و انتظر عودتك لنفخ صدري بالمزيد...
          حكيم

          تعليق

          • حكيم عباس
            أديب وكاتب
            • 23-07-2009
            • 1040

            #6
            الدكتور و الشاعر المرهف حسام خلاصي الذي استلّ "خيط الماء" من بين أناملي..و أزاح "السحابة" عن قمري، و وشوش "جدراني " و "حبّات ترابي" التي ما زالت تقاتل..سأكون بإنتظارك دوما ..

            حكيم

            تعليق

            • نجلاء الرسول
              أديب وكاتب
              • 27-02-2009
              • 7272

              #7
              تغلغلت في عمق الهضاب المالحة
              وافرزت سطورك الكثير من ضياع
              القمر

              كنت هنا للمرة الخامسة

              فجميل أن يحيى التاريخ

              في تراب الحروف

              شكرا سيد حكيم
              نجلاء ... ومن بعدها الطوفان


              مستوحشاً مثل رقيم تقرأه الخرائب
              أوزع البحر على السفن .. أوزع انشطاري

              على الجهات التي عضها الملح
              لم أكن في ذاك الرنين الذي يبزغ منه دم الهالكين
              وكنت سجين المكان الذي لست فيه ..

              شكري بوترعة

              [youtube]6CdboqRIhdc[/youtube]
              بصوت المبدعة سليمى السرايري

              تعليق

              يعمل...
              X