[align=center]القرار[/align]
[align=center]"قصة قصيرة"[/align]
"أفق"
انتزعتني هذه الكلمة من شرودي الطويل , و التفت كي أراه واقفا خلفي يبتسم في صفاء ...نظرت إليه نظرة خاوية لا تعني شيئا منتظرا ما عنده
- " فيم كنت تفكر؟ "
نطقها بابتسامته الهادئة التي تشعر و كأنها جزء من ملامحه ...هي هناك دوما قابعة علي شفتيه , كأنما ولد بها .
لكم أحب هذا الشخص بشدة , و لكن هذا لم يمنعني أن أرد عليه بشئ من الوقاحة ...ربما لأنني أعلم ما يريد أن يحدثني بشأنه , و هكذا وجدتني أقول له:
- ليس فيك بالتأكيد
- ألم تحسم أمرك بعد؟
- لن أفعلها ...حتي لو قبلوا الأرض تحت قدميّ ....حتي لو أتوا بالعالم كله ليرجوني ...حتي لو كنت أنت يا محمد .
- لم آتي لأرجوك يا ياسر ...بل أتيت لأدعوك ...نعم...أدعوك أن تستشر ضميرك في الأمر .
لم أرد , و إن شفت ملامحي علي إن هذا الأمر محسوم و لا رجعة فيه .
تابع هو كمن يدافع عن قضية خاسرة :
- إنها طفلة ! ..لا تملك من معاني الشر ذرة ...لم تذنب في حق أحد ...لم تفعل ما يستوجب أن تعاقبها عليه ...إنها تحتاجك و بشدة
- أنا لا أعاقبها علي شئ .. أنا لم أوذيها ... ثم فلتذهب إلي غيري ...لماذا أنا ؟!.... لماذا تتحدث و كأنه ليس في الدنيا طبيب غيري ؟!
- هناك الكثيرون بالفعل ... و لكن قليلون هم من يستطيعون إجراء مثل تلك الجراحة الدقبقة , و نظرا لضيق الوقت فمن الضروري - كي تعيش هذه الطفلة - أن تجري لها الجراحة و بسرعة.
فتحت فمي لأتكلم لكنه واصل قائلا :
- ستندم لو لم تفعل ... لن يرحمك ضميرك أبدا ....لن تنعم بالراحة ما بقي لك من عمر . راجع نفسك قبل فوات الأوان ... عد إلي عقلك ..بل إلي قلبك ...بل إلي ضميرك ...بل عد إلي ربك ...تري هل أنعم عليك بكل ما أنعم كي تمنع نعمته عليك عمن يحتاجها ؟!... تري هل يرضيه هذا ؟!
قلت له و قد بدأت نفسي تشتعل بالتردد بعد الحسم :
- لقد خلقني الله بشرا ثم أنت تريدني أن أكون ملاكا !
صمت قليلا , و أخذا نفسا عميقا , ثم استدار و بدا كأنه سيغادر ... و لكن لا ...كان لابد أن يشعل بين جنبيّ عاصفة من المشاعر قبل أن يمضي :
- اسمع يا ياسر ... لست أريد أن تكون ملاكا , و لكني أريدك ان تجد إجابة لهذا السؤال عندما تُسأله غدا ....
ماعذرك؟
قالها و مضي .
ما عذري؟! ما عذري؟!
قلتها و تهاويت علي مقعد قريب , و عيناي تحدقان في العدم ....و بكا المرارة في ااعماقي و جدتني أردد....ما عذري ؟!
عذري أنني بشر ...لماذا أنا الذي اعفو ؟! ... لماذا أنا الذي أحسن بينما الكل مسئ ؟!
دوت هذه الخواطر في أعماقي و هرب سيل الذكريات من مكمنه ليزيد اشتعال ناري ألف ألف مرة
أبي ! بالله عليك لا تمت ...أفق أرجوك ....أنا أحتاجك بشدة
(إنها تحتاجك بشدة )
أبي ليس لي غيرك
(فلتذهب إلي غيري)
- أرجوكم ..أبي يحتضر ..افعلوا شيئا ... لا تقفوا هكذا ساكنين .....لابد أن يذهب إلي المستشفي حالا
- لن يذهب لأي مكان قبل أن يخبرنا بمكان النقود التي سرقها
يخبركم بمكان النقود ؟! يخبركم ب... إنه يحتضر.... إنه ...لماذا لم يسألوه قبل أن يطلقوا عليه النار ....يحنقهم كثيرا أن يهرب ...و لا يقلقهم أبدا ان يموت !
لماذا خبأ أبي النقود قبل أن يهرعوا وراءه ؟! .... لماذا حاول أن يهرب؟ ....لماذا يزداد لهاثي , و تضطرب أنفاسي؟ ...أحتاجها كي ارجوهم و ...
- أرجوكم ... أقبل الأرض تحت قدميكم ...(حتي لو قبلوا الأرض تحت قدميّ).. لا تتركوا أبي هكذا ... أقسم أنني سوف أبحث عن هذه النقود و أعيدها , ولكن.....
لماذا أطرقت هذه الوجوه بغتة ؟!....لماذا احتبست الكلمات في حلقي؟! .... لماذا هذه البرودة في كف أبي؟!.....لماذا هذا اللون الأزرق علي شفتيه؟!....لماذا تستعر حرقتي بأعماقي و لا تنطفئ ابدا ؟!
و لماذا كنت أردد هذه الكلمات الحمقاء علي قبر أبي , و أنا أعلم أنه لن يعود أبدا ؟!:
أبي عد إلي ... أنا لا أريد نقودا ... لا أريد أن أتعلم ....حذائي ليس مقطوعا ...انظر!.. إنه بحالة جيدة ...لن أطالبك بقميص جديد , حتي لو ظللت مرتديا قميصي هذا طوال الدهر...لن أطلبك بطعام , حتي لو صمت للأبد...أبي عد .
لكن الموتي لا يعودون ....لا يعودون أبدا مهما توسلنا ... و لكم توسلت ! ...وحان الوقت لتبادل الأدوار ....الآن هم يتوسلون ...و أنا وحدي أمتلك القرار ...و لسوف لن أنقذ ابنتهم من الموت.... أبدا.
كفي !....لم أعد أمتلك السيطرة علي نفسي و مشاعري و أفكاري
"هم أساؤا... و من لا يَرحم لا يُرحم"
"لن يرحمك ضميرك أبدا "
" لا لن أفعلها "
"ما عذرك؟"
"أبي عد إليّ "
"عد إلي ربك"
"فلتذهب إلي غيري "
"قليلون هم من يستطيعون اجراء هذه الجراحة الدقيقة "
"دكتور ياسر..المدير ينتظرك في مكتبه"
اقتلعتني هذه العبارة الأخيرة من مشاعري و أفكاري , ووجدتني أغمغم بلا وعي :
- حقا ! قليلون هم من يستطيعون
- ماذا؟ - لا شئ لاشئ
في اليوم التلي كنت جالسا علي مقعد وثير في مكتب المدير , و كان زميلي الكتور محمد يتحدث إلي المدير حديثا كنت أعرفه....و شردت أفكاري بعيدا و أنا أسمعه يقول:
رأيته قادما من بعيد , بمعطفه الأبيض , و وجهه المرهق . كان يسرع الخطو نحوي و بجواري أهل الطفلة مازالوا واقفين , و عقولهم لم تستوعب الأمر بعد .
كان مضطربا متلهفا و هو يقول :
- هيا لا داعي لإضاعة الوقت ..سأجري العملية حالا و ...
- لقد تأخرت كثيرا !
نظرة ارتياع رأيتها تمل عينيه:
- هل....هل ماتت الطفلة؟!
- بل فعلها طبيب آ خر.
قلتها و رأيته ينظر خلفي حيث أقبل الدكتور ياسر بابتسامة راضية , وذلك الواقف أمامي يخاطبه قائلا:
- أنت؟! ..... أنت فعلتها ؟.... لقد أخبروني أنك رفضت إجراء العملية و .....
- لقد فعلتها من أجله ..... من أجله فقط.
- تقصد الدكتور محم...
- بل الله
انتهي
[align=center]"قصة قصيرة"[/align]
"أفق"
انتزعتني هذه الكلمة من شرودي الطويل , و التفت كي أراه واقفا خلفي يبتسم في صفاء ...نظرت إليه نظرة خاوية لا تعني شيئا منتظرا ما عنده
- " فيم كنت تفكر؟ "
نطقها بابتسامته الهادئة التي تشعر و كأنها جزء من ملامحه ...هي هناك دوما قابعة علي شفتيه , كأنما ولد بها .
لكم أحب هذا الشخص بشدة , و لكن هذا لم يمنعني أن أرد عليه بشئ من الوقاحة ...ربما لأنني أعلم ما يريد أن يحدثني بشأنه , و هكذا وجدتني أقول له:
- ليس فيك بالتأكيد
- ألم تحسم أمرك بعد؟
- لن أفعلها ...حتي لو قبلوا الأرض تحت قدميّ ....حتي لو أتوا بالعالم كله ليرجوني ...حتي لو كنت أنت يا محمد .
- لم آتي لأرجوك يا ياسر ...بل أتيت لأدعوك ...نعم...أدعوك أن تستشر ضميرك في الأمر .
لم أرد , و إن شفت ملامحي علي إن هذا الأمر محسوم و لا رجعة فيه .
تابع هو كمن يدافع عن قضية خاسرة :
- إنها طفلة ! ..لا تملك من معاني الشر ذرة ...لم تذنب في حق أحد ...لم تفعل ما يستوجب أن تعاقبها عليه ...إنها تحتاجك و بشدة
- أنا لا أعاقبها علي شئ .. أنا لم أوذيها ... ثم فلتذهب إلي غيري ...لماذا أنا ؟!.... لماذا تتحدث و كأنه ليس في الدنيا طبيب غيري ؟!
- هناك الكثيرون بالفعل ... و لكن قليلون هم من يستطيعون إجراء مثل تلك الجراحة الدقبقة , و نظرا لضيق الوقت فمن الضروري - كي تعيش هذه الطفلة - أن تجري لها الجراحة و بسرعة.
فتحت فمي لأتكلم لكنه واصل قائلا :
- ستندم لو لم تفعل ... لن يرحمك ضميرك أبدا ....لن تنعم بالراحة ما بقي لك من عمر . راجع نفسك قبل فوات الأوان ... عد إلي عقلك ..بل إلي قلبك ...بل إلي ضميرك ...بل عد إلي ربك ...تري هل أنعم عليك بكل ما أنعم كي تمنع نعمته عليك عمن يحتاجها ؟!... تري هل يرضيه هذا ؟!
قلت له و قد بدأت نفسي تشتعل بالتردد بعد الحسم :
- لقد خلقني الله بشرا ثم أنت تريدني أن أكون ملاكا !
صمت قليلا , و أخذا نفسا عميقا , ثم استدار و بدا كأنه سيغادر ... و لكن لا ...كان لابد أن يشعل بين جنبيّ عاصفة من المشاعر قبل أن يمضي :
- اسمع يا ياسر ... لست أريد أن تكون ملاكا , و لكني أريدك ان تجد إجابة لهذا السؤال عندما تُسأله غدا ....
ماعذرك؟
قالها و مضي .
ما عذري؟! ما عذري؟!
قلتها و تهاويت علي مقعد قريب , و عيناي تحدقان في العدم ....و بكا المرارة في ااعماقي و جدتني أردد....ما عذري ؟!
عذري أنني بشر ...لماذا أنا الذي اعفو ؟! ... لماذا أنا الذي أحسن بينما الكل مسئ ؟!
دوت هذه الخواطر في أعماقي و هرب سيل الذكريات من مكمنه ليزيد اشتعال ناري ألف ألف مرة
أبي ! بالله عليك لا تمت ...أفق أرجوك ....أنا أحتاجك بشدة
(إنها تحتاجك بشدة )
أبي ليس لي غيرك
(فلتذهب إلي غيري)
- أرجوكم ..أبي يحتضر ..افعلوا شيئا ... لا تقفوا هكذا ساكنين .....لابد أن يذهب إلي المستشفي حالا
- لن يذهب لأي مكان قبل أن يخبرنا بمكان النقود التي سرقها
يخبركم بمكان النقود ؟! يخبركم ب... إنه يحتضر.... إنه ...لماذا لم يسألوه قبل أن يطلقوا عليه النار ....يحنقهم كثيرا أن يهرب ...و لا يقلقهم أبدا ان يموت !
لماذا خبأ أبي النقود قبل أن يهرعوا وراءه ؟! .... لماذا حاول أن يهرب؟ ....لماذا يزداد لهاثي , و تضطرب أنفاسي؟ ...أحتاجها كي ارجوهم و ...
- أرجوكم ... أقبل الأرض تحت قدميكم ...(حتي لو قبلوا الأرض تحت قدميّ).. لا تتركوا أبي هكذا ... أقسم أنني سوف أبحث عن هذه النقود و أعيدها , ولكن.....
لماذا أطرقت هذه الوجوه بغتة ؟!....لماذا احتبست الكلمات في حلقي؟! .... لماذا هذه البرودة في كف أبي؟!.....لماذا هذا اللون الأزرق علي شفتيه؟!....لماذا تستعر حرقتي بأعماقي و لا تنطفئ ابدا ؟!
و لماذا كنت أردد هذه الكلمات الحمقاء علي قبر أبي , و أنا أعلم أنه لن يعود أبدا ؟!:
أبي عد إلي ... أنا لا أريد نقودا ... لا أريد أن أتعلم ....حذائي ليس مقطوعا ...انظر!.. إنه بحالة جيدة ...لن أطالبك بقميص جديد , حتي لو ظللت مرتديا قميصي هذا طوال الدهر...لن أطلبك بطعام , حتي لو صمت للأبد...أبي عد .
لكن الموتي لا يعودون ....لا يعودون أبدا مهما توسلنا ... و لكم توسلت ! ...وحان الوقت لتبادل الأدوار ....الآن هم يتوسلون ...و أنا وحدي أمتلك القرار ...و لسوف لن أنقذ ابنتهم من الموت.... أبدا.
كفي !....لم أعد أمتلك السيطرة علي نفسي و مشاعري و أفكاري
"هم أساؤا... و من لا يَرحم لا يُرحم"
"لن يرحمك ضميرك أبدا "
" لا لن أفعلها "
"ما عذرك؟"
"أبي عد إليّ "
"عد إلي ربك"
"فلتذهب إلي غيري "
"قليلون هم من يستطيعون اجراء هذه الجراحة الدقيقة "
"دكتور ياسر..المدير ينتظرك في مكتبه"
اقتلعتني هذه العبارة الأخيرة من مشاعري و أفكاري , ووجدتني أغمغم بلا وعي :
- حقا ! قليلون هم من يستطيعون
- ماذا؟ - لا شئ لاشئ
في اليوم التلي كنت جالسا علي مقعد وثير في مكتب المدير , و كان زميلي الكتور محمد يتحدث إلي المدير حديثا كنت أعرفه....و شردت أفكاري بعيدا و أنا أسمعه يقول:
رأيته قادما من بعيد , بمعطفه الأبيض , و وجهه المرهق . كان يسرع الخطو نحوي و بجواري أهل الطفلة مازالوا واقفين , و عقولهم لم تستوعب الأمر بعد .
كان مضطربا متلهفا و هو يقول :
- هيا لا داعي لإضاعة الوقت ..سأجري العملية حالا و ...
- لقد تأخرت كثيرا !
نظرة ارتياع رأيتها تمل عينيه:
- هل....هل ماتت الطفلة؟!
- بل فعلها طبيب آ خر.
قلتها و رأيته ينظر خلفي حيث أقبل الدكتور ياسر بابتسامة راضية , وذلك الواقف أمامي يخاطبه قائلا:
- أنت؟! ..... أنت فعلتها ؟.... لقد أخبروني أنك رفضت إجراء العملية و .....
- لقد فعلتها من أجله ..... من أجله فقط.
- تقصد الدكتور محم...
- بل الله
انتهي
تعليق