زهرة النّرجس
انزوت ليلى كعادتها بالغرفة واختارت جرّة صغيرة كانت قد خبأت فيها حروف الأبجديّة . بعثرت قصاصات الحروف
وشرعت في اختيار أربعة منها على أمل أن تشكّل معنى واضحا بما ستختاره من الحروف. لقد جاء الاختيار صعبا هذه المرّة فها هي تقع على لفظ غامض وأعجميّ لم تألفه من قبل ..
ترى ما هو المعنى الذي تحمله كلمة " نرجس " ؟ ومن أين أشتقّت ؟ .
تناولت ليلى معجم الطلاب وبدأت تقرأ بصوت عال: " النّرجٍسُ والنٍّرجسُ : نبت من الرّياحين ، ورقه شبيه بورق الكرّاث وله زهر مستدير تشبَّهُ به الأعين ، والواحدة : نرجِسةٌ ...
لكنّ ليلى ، بعد كلّ هذا الطّواف والبحث لم تكن قد فهمت معنى هذه الزّهرة ومن أين اشتقّ اسمها .
ومن الغد ، وبعد انتهاء درس مادّة اللغة العربيّة اختلت بمعلّمها " عبد القادر" واستفسرته في الموضوع . تنحنح سيّدي عبد القادر وقال " " النّرجس هو زهرة فاتنة يا ليلى ، لكن كما يقال" فانّ ما وراء الأكمّة ما وراءها .."
قالت ليلى : ما الذي تعنيه سيّدي ؟ فأجاب عبد القادر : : إنّ الألم والحبّ والغرور من صفات هذه الزّهرة الجميلة يا ليلى . وهي زهرة تنسب إلى أسطورة إغريقية بطلها شخص يدعى " نرسيس " . فلقد كان "نرسيس" هذا شابّا وسيما على فتنة وجمال قلّ نظيره ، حظي بعشق أجمل الفتيات لكنّه كان معتدّا بنفسه ومغرورا ، فكان لا يلتفت إليهن ويهيم في الغابات والأودية منزويا هنا و هناك متأملا سحره وجماله الفتّان .
في أحد الأيّام اشتدّ الغرور وحبّ الذّات بنرسيس فشقّ طريقا له وسط الغابة ، وهناك عثر على نهر جار.
انحنى على ضفّة النّهر وبدأ يتأمّل سحره وجمال صورته المنعكسة على الماء . مضى على هذه الحال أيّاما وليال حتّى انهار جوعا وعطشا ، فمات .
انطلق النّاس في البحث عنه أيّاما حتى عثر عليه وقد تعفـّنت جثته وتحللت .
حزنت الفتيات الجميلات على موت" نرسيس "حتّى صار قبره مزارا لهنّ .
وفي يوم من أيام الرّبيع البديع لاحظ النّاس زهرة جميلة قد نبتت على قبر نرسيس . كانت زهرة تسلب العقول بحسنها
فأحتاروا في الأمر وفي اسمها وأصلها وسرّ وجودها .وأختاروا لها اسم " نرجس " نسبة إلى نرسيس ، فيما أسماها البعض الآخر " زهرة الألم " ومنذ ذلك اليوم أصبح النّرجس رمزا للإفراط في حبّ الذات والغرور والألم والعشق المميت .
هذه يا ليلى قصّة النّرجس بإيجاز كبير وهي من الأساطير الخالدة منذ ذلك العهد، فلا يخلو أيّ شيء جميل من الألم والمعاناة يا ابنتي. شكرت ليلى معلـّمها عبد القادر ومضت ، وفي اليوم الموالي شرعت في قراءة كتب الأساطير المليئة بالأسرار والعبر والمعاني.
تعليق