قصة سيدنا موسى بترتيب حسب أصول القص القرآنى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فتحى حسان محمد
    أديب وكاتب
    • 25-01-2009
    • 527

    قصة سيدنا موسى بترتيب حسب أصول القص القرآنى

    [align=justify][align=justify]القصـــة الملحميــة
    أصل الملحمة
    قصة سيدنا موسى ، بترتيب حسب أصول القص القرآنى


    ما معنى الملحمة ؟ ومن أين جئنا بها ؟ وماذا يفرق بينها وبين أنواع القصة الأخرى ؟
    أولا ذلك يوم الملحمة أى يوم القتال0إذن معنى الملحمة هى تعنى - من بين ما تعنى - المقاتلة فى الواقعة العظيمة ، ومن اشتباك الناس واختلاطهم وظلمهم فئة قوية باغية كثيرة على فئة ضعيفة مستكينة قليلة ، والمقاتلة لا تكون إلا بين فريقين ، فريق قليل ضعيف يمثل الحق والخير والعدل والصلاح وفريق قوى كبير يمثل الباطل والطغيان والظلم والجبروت والشرور، الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنا نبي الملحمة أى نبي القتال من أجل الإصلاح وتأليف الناس على الخير والعدل والرحمة 0 ونفهم منه ونستدل على أن الملحمة تكون من أجل مقاتلة فساد فى القيم ، وانحراف فى السلوك ، وانحلال فى الأخلاق ، وضلال فى القلوب ، وطمس للأبصار التى لا ترى الحق ، وغيام فى فهم العقول 0ولذلك فإن:
    1- فكرتها وقضيتها الرئيسة إما تكون ظاهرة اجتماعية قومية ، و إما تكون قضية عالمية 0
    2- البطل ( الشخصية الأولى ) يكون معها ، شخصية رئيسية تتبعها ، وشخصية ثانوية تساعدها0
    3- لا يشترط أن يصل البطل ويحقق هدفه على أن يصل إلى حاجته ، و يحقق هذا الهدف تابعه أو مساعده اللذان تعلما منه وصارا مثله وهذا يعكس سمو الهدف ونبله وكماله وإخراجه من طور ما هو شخصي إلى ما هو عام ، ولا يقلل من بطولة البطل فى شىء إن أكمل مساعده وأتم ما هو منتقص منها ، فإن ذلك من دواعي سمو الملحمة وعظمها وتعاظم هدفها عن عظم القائم بها والمحقق لها، والتمجيد والتبجيل يكون للمقاصد الكلية والهدف الأسمى ، لا إلى شخص البطل الذي إن أوجدها وأتمها كاملة فليس ببعيد أن ينصب عليه العظم ونترك ما هو أعظم ، المتمثل فيما أحدث من هدف كلى لجمع من البشرية ، أو للبشرية جمعاء تفيد العالم أجمع ، فإن من دواعي حاجة العالم أجمع مثلا تحقيق السلم والسلام ، نظافة البيئة التى هى جزء من نظافة البيئة الكونية العالمية ، وفكرة قانون يحقق العدل العالمي مثلا ، الاتفاق على معنى محدد واضح للحرية لكل العالم فى ضوء الشرائع السماوية0
    4- الحاجة والهدف لا يخصان البطل لشخصه وإن كان فيه بعض الخاص ، بل كلاهما عام - يخصان جماعة من الناس يربطهم العرق أو اللغة أو العقيدة أو القومية أو الدولة الجغرافية أو التاريخ المشترك 0
    5- تكثر فيها الوقائع والأحداث العظام المتفرقة والتي تصنع قصصا مستقلة بمفردها تكون لبنة من لبنات بناء الملحمة ، على أن يربطها داخل النسيج لحم من خلال إحداهما تكون سببا والأخرى تكون نتيجة ، ولا يهم التتابع أو التوازي بينهما ، إذ من الممكن أن تفصل بينهما أحداث أخرى محتملة الوقوع أو حتمية الحدوث ، على شرط أن يكون البطل طرفا فيها0
    6- الملحمة من بين ما تعنى التلاحم بين ما هو مفكك لتربطه ببعضه ليكون قويا متآلفا ويصبح مفيدا من أجل هدف عظيم ونبيل 0 والتلاحم بمثابة الحبكة الجيدة ، بل هو نفسه الحبكة ، وهذا التلاحم أو الحبكة مفاده الترابط ولحم هذه الأحداث وتلك القصص الفرعية ، البطل طرف فيها وهو الرابط بينها والمتسبب فيها ، أو على الأقل بسببه ؛ لتصنع جسد الملحمة ،عظيم الطول ، به صعوبة ليدركه العقل ويعيه من أول وهلة ، إذ لابد من إعمال فهم العقل على أشده وإلا انفلت منه ، ولا يكون عيب المؤلف بل عيب المؤَلَّف له0
    7- لا يشترط أن تبدأ حياة البطل الخارجية من قبل مولده مثل ( موسى ) أو من مولده ، ولكن تبدأ حياته منذ اللحظة التى تبدأ فيها الأحداث ويفصح ( البطل ) عن حاجته وهدفه مثل قصة سيدنا إبراهيم ( مأسملهاة الشخصية )
    8- الإحكام والإصلاح والترابط لشخصية عظيمة تقوم بعدد من الأعمال المتفرقة ، ولكن الرابط بينهم هو حاجة الشخصية التى يريد الحصول عليها وهى الإصلاح لما هو فاسد ، والهدف النبيل الذي يريد أن يحققه وهو جمع شمل الأمة على ما هو مفيد لها وجامع خير0 وهى بذلك أكثر طولا وأشمل عظما من القصة الروائية نظرا لتعدد أحداثها ووقائعها فى حدود التمام الكامل لما تحتاجه وتهدف إليه شخصية البطل0
    9- الملحمة تعتمد على دقة وحسن الوصف ، والإجادة و رحابة وسعة التخيل ، ودقة التصوير من خلال المؤلف نفسه ، وينفذه بنفسه أو من يمثله وهو الراوي ، أكثر من أى شىء آخر؛ لا أن تعتمد على حوار الشخوص الذي يكون فى أضيق الحدود عند وقوع الحدث نفسه0
    10- الفرق بين القصة الروائية ، والقصة الملحمية؟
    أ- إنها – الملحمية - تتشابه معها – الروائية - فى المكونات0 وتزيد عليها فى الأحداث والحاجات والأهداف ، إذ نجد فى الرواية حاجة واحدة وهدفا واحدا ، وإنما فى الملحمة تتعدد الحاجة ويتعدد الهدف للشخصية الأولى 0ولكن أهداف كليهما الكلية واحدة لأن أهداف ونتائج القصة بكل أنواعها واحدة ، وهى التطهير والعلاج والراحة والذكر والإمتاع والعظة والتعلم0
    ب- وتتشابه معها فى : من الشخصية الرئيسية ؟ ما فكرة القصة ؟ وما الحالة التى نريد تناولها ؟
    ج- تختلف عنها فى الشخصية الرئيسية ( البطل ) أو الشخصية الأولى ، والفكر والفكرة هما أهم من أى شىء آخر بالنسبة للملحمة0وتظل للرواية الحدث والشخصية والفكر0
    د- تختلف عنها فى أن القصة الروائية تكون جزءا واحدا بداية وابتلاء وزلة وعقدة وانفراجة وتعرفا ونهاية ، ولها حاجة وهدف واحد 0 بينما الملحمية من أجزاء وكل جزء يتكون من بداية وابتلاء وزلة وعقدة وانفراجة وتعرف ونهاية ولها أكثر من حاجة وأكثر من هدف ولكل شخصية فرعية فيها حاجة وهدف ولكن بشرط أن يكون البطل طرفا فيهما0

    -------------------------

    [align=center](ملحمة سيدنا موسى)[/align][align=center]الجزء الأول من ملحمة سيدنا موسى[/align]

    ما فكرة القصة ؟
    [ للقصة الملحمية قصة سيدنا موسى ، وللقصة القومية قصة بنى إسرائيل ]
    ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ{4} وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ{6 [القصص 6] حيث تكون الفكرة سببا وحدثا قويا عظيما من فساد الناس واستكبارهم ، وغرورهم ، وضلالهم ، وظلمهم ، وتفريقهم بين العباد ، حاكم يفرق بين رعيته ، ولا يعدل بينهم ، فرعون مصر الطاغية ، وبنى إسرائيل0 ويريد الله أن يحررهم من استعباد فرعون ، ويخرجهم من دولته ، إلى الأرض التى كتبها لهم ، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } [ المائدة 21 ] وهى الأرض المطهرة بفلسطين ، ولا ينهزموا من خوف العدو ، فيخسرون فى سعيهم ومرادهم المطلوب لهم 0


    [align=center]البداية[/align]

    {وَاوحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }القصص7 ) حدث مثير مشوق مخيف مرعب غامض، حيث يولد غلام ويأتي الوحي لأمه إن خافت عليه ترضع وتلقيه فى النهر ، وهى محتم عليها الخوف عليه لا محالة ؛ لأنها وولدها موسى من بنى إسرائيل المطلوب ولدانهم للذبح ؛ لأن فرعون مصر يحلم ويتواتر إلى أسماعه أن هناك مولودا سيخرج من بنى إسرائيل الذين يعملون عبيدا عنده وفى ملكه - سيخرج هذا المولود ليزيل ملكه ويكون سببا فى هلاكه 0 فيأمر بقتل كل المواليد الذكور من بنى إسرائيل {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الأرض وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }القصص4 ) فإن ولدها حتما إن عرفوا به لا بد أن يذبحوه ، فهى متأكدة من ذلك وتعمل المستحيل من أجل إخفائه اتقاء ذبحه ، ويأتيها الهاتف عند خوفها عليه وقد خافت ، فما عليها إلا {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ }طه39) أن تضعه في التابوت، ثم تطرحه في النيل، تنجيه من موت محتمل إلى موت حتمي محقق ، فسوف يلقيه النيل على الساحل ، فيأخذه فرعون عدوي وعدوه ، وإن نجا من موت محقق من الغرق فى النيل ، فإنه سيذهب إلى موت محقق آخر ، حيث سيذهب إلى من يريد أن يذبحه ، ولكن الله يطمئنها ألا تخاف ولا تحزن حيث إنه سيرده إليها ؛ لأنه تعالى ألقى عليه محبته فصار محبوبا من الناس حتى من أعدائه وبذلك سيمنع عنه الذبح 0
    الابتلاء

    فما أصعب وأشق ذلك على قلب أى أم مع أن التطمينات جاءتها من القادر على كل شىء ، ولكنها أم ، ولم تشك فى تطمين الله لها ، ولكن من التقطه وأخذه إنهم جنود ملك الذباحين نفسه فرعون الذي التقفه رجاله { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ{8} وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا او نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ{9} وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{10} القصص ) ولكنها تريد أن تعرف كيفية نجاته من مصدر يراه رؤى العين ، ولذلك قالت لابنتها {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ }القصص11) ويلتقطه أعداؤه فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا من البحر ، وقد رأت أخته {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } الذين يذبحون أى مولود من خارج الفرعونين ويصير موسى بين أيديهم ، لولا عناية الله وحفظه{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي }طه39) وأحبته امرأة فرعون {وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا او نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ }القصص9 ) و أرادت زوجة فرعون التى ألقى الله فى قلبها حبه ، فأحبته ، وكذلك كان سببا فى علاج ابنتها من البرص ، ولذا أرادة أن تتخذه ولدا ، ولكن فرعون يريد أن يذبحه فهو لا يأمن على نفسه من النبوءة من الحلم الذي رآه من أن نارا تخرج من بيت المقدس تحرق دور الفرعونيين وتترك دور الإسرائيليين ، ولكن حب زوجته له يمنعه ، وعلاج ابنته التى أحبته أيضا يؤجل ذبحه ، لأنه قيل له إن علاج ابنته من شىء يخرج من النيل يكون لعابه دواء لابنته ، وقد عولجت فعلا ، ولكنه يريد أن يطمئن ويحذر وهو لا يعرف أن الحذر لا يمنع قدرا ، وقد قدر الله عليه الهلاك على يد هذا الغلام ، ولذا أراد أن يختبره إن كان هذا الغلام هو من يخافه ويحذره وهو المعنى بتلك النبوءة وذلك الحلم ، ولذلك لجأ فرعون إلى امتحانه ، فقدم له تمرة وجمرة ، وهو يؤمن بأن الغلام لو محفوفا بعناية إلهية وهو غير باقي الغلمان من المؤكد سيختار التمرة ، وإن اختار الجمرة فهو ليس محفوظا بحماية ربانية ، يا سبحان الله إنه الفرعون الذي يقول لقومه إنه إلاههم ، هاهو لديه يقين واعتراف من داخله أن هناك ما هو أقوى منه وأشد ، أله عظيم أكبر وإرادته نافذة تستطيع أن تصل إلى أى مكان ، لا تحدها حدود ولا تمنعها سدود ، إنها الفطرة السليمة التى يولد بها الإنسان 0 عندما قبل الغلام - موسى - وأخذ التمرة استنتج فرعون انه ليس محفوفا بعناية ربانية ، وكان استنتاجه بالطبع خطأ {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } ويقبل فرعون بغباء مستحكم و يقوم باحتضانه فى قصره وهو الذي جاء أصلا ليهلكه وهو لا يعرف ذلك من فرط سخرية الله منه 0 لكن أم موسى لا تستطيع صبرا على فراقه وبعده عنها ، وتتحرك بداخلها الغريزة الطبيعية {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }القصص10 ) من فرط شوقها وفراقها لفلذة كبدها حتى كادت تظهر أمره وتعترف على حقيقته من يكون ، وأنه من بنى إسرائيل وهم المطلوب أبناءهم للذبح ، ولكن الله سلم و ربط على قلبها لتكون من المؤمنين ، ووعدها بوحي من عنده { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }القصص7) فلا يجد الرضيع موسى اللبن المناسب الذي يشربه ، فقد حرم الله بأمر من عنده عليه جميع المراضع من أجل أن يعود إلى حضن أمه كما وعدها {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ }القصص12) إنهم يحتارون فى أمره وهم يخافون عليه من الجوع الذي حتما يوصله إلى الهلاك ، و تكون المشكلة والعقدة المستحكمة كيف يحلونها ويوجدون له المرضعة المناسبة ، حتى يمن الله على امرأة فرعون بانفراجة من عنده وهم يبحثون له عن مرضعة فى كل أرجاء المدينة والأسواق ، وأخته تراقبه وتتبع من يحمله على مسافة تمكنها من حسن متابعته حتى سمعتهم يسألون ويحفزن النسوة بحسن الأجر وعظيم الثواب والهدايا والهبات التى قررتها زوجة فرعون ملك البلاد وحاكمها فتتقدم منهم تارة أنها تعرفه حتى لا تؤكد أنه من الإسرائيليين ، ولا تفصح عن حقيقته من أنه أخوها { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }القصص12 ) فيجدون من يخرجهم من هذه العقدة المستحكمة ، بأن تدلهم على من يرضعه {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }القصص13) فيرجع إلى حضن وحنان أمه التى لا تماثلها أخرى ، وينعم هو بها وتنعم هى وأهلها جميعا من خيره ؛ لأن امرأة فرعون استأجرتهم وأوفرت لهم من العطايا والهبات وحسن الأجر من كل شىء بسبب رعايتهم ولدهم أصلا الذين لا يؤجرون ولا يثابون نظير رعايته وتربيته ، ويبقى معهم حتى يكمل سنين الرضاعة ، ثم يعود إلى قصر فرعون تعتني به امرأته حتى صار شابا {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً}القصص14) ،وبلغ أشد قوته وتكامل عقله ، آتاه الله حكمًا وعلمًا يعرف بهما الأحكام الشرعية الحلال من الحرام 0 وذات يوم فى الظهيرة وقت القيلولة - يخرج يمشى فى جنبات المدينة فى الحر الشديد حيث الناس نيام ، فيرى رجلان يقتتلان أحدهما قبطي من آل فرعون والثاني إسرائيلى {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }القصص15) فاستغاثه الاسرائيلى على الفرعوني ، وغضب موسى الذى يجد الإسرائيلى يضرب ويهان وهو يعرف أنه من بنى قومه المظلومين والمستعَبدين وهو يريد أن ينتصر لهم ويرفع الظلم عنهم ؛ ولأنهم أيضا يتشرفون به لأن واحدة منهم هى التى أرضعته فهم بذلك أخواله من الرضاعة ، وهم أخواله الحقيقيون فعلا ولكنهم لا يعرفون ، ولذلك أغاثه 000
    [align=center]الزلة[/align]
    000بأن وكز القبطي بكف يده فقتله { فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ }القصص15) ، وهاله ما فعل ؛ لأنه أصبح قاتلا وهو الذي لم يكن يقصد القتل ، ومن المؤكد أن الخبر سيصل فرعون 0 ويصل الخبر إلى فرعون أن الإسرائيليين قتلوا رجلا من آل فرعون فخذ لنا بحقنا ولا تضعف لهم ولا تسامحهم ، وأمر فرعون بالبحث لكى يوقع عليه العقاب الذى يستحق ولكنه لم يصدر قرارا بعد حتى يتأكد من القاتل ، فلا ينبغي أن يصدر أمرا بالقتل دون أن يتحقق من القاتل وان يكون هنالك شهود عليه وبينة وإثبات 0 فاخذوا يبحثون عن القاتل الذى لا يعرفونه بعد ، وموسى يمشى فى المدينة {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ }القصص18) يخاف أن يكشف أمره ويصبح فى موقف لا يحسد عليه0 فيقابل الاسرائيلى الذى استنصره بالأمس وقتل بسببه يريد أن يستنصره مرة أخرى ، هنا عاتبه موسى ونهره فخاف الإسرائيلى من موسى وأراد أن يبعد خطره عنه عندما شعر بغضبه ولومه وقال له {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }القصص19 ) أتريد أن تقتلني كما قتلت واحد بالأمس ، أمام الفرعوني الذى سمع واستغل الجدل بينهما وفر يجرى إلى رجال فرعون يخبرهم عن القاتل 0 وأصبح موسى مطلوبا للمحاكمة أمام فرعون ، ووجود شاهد ، وأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى واتبعوا ومشوا فى طرق معروفة يمشون الهوينى فإن البلد بلدهم والقوة والغلبة لهم ، فهم واثقون من إيجاده وإلقاء القبض علية وقتله {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }القصص20) وموسى لا يستطيع أن يعود إلى قصر فرعون ، ولا يعلم انه صار معروفا لفرعون أنه القاتل ، ولكن يشاء الله أن يقيض له من عرف بما يدبر لموسى وهو من شيعته وقومه ولذلك أراد أن يخبر موسى ، ولذلك سار فى طرق فرعية مختصرة ووصل إلى موسى قبلهم وأخبره بما يدبر له ، فيخرج هاربا من مصر خوفا من فرعون وجنوده متوجها إلى {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ }القصص22 ) مدين وهو لا يعرف الطريق إليها جيدا ولكنه يحسن الظن بالله ، وبعد عناء وتعب وإرهاق من طول الرحلة الشاقة ، إذ من المؤكد أنه يعانى من الجوع والعطش ، حتى وصل إلى ماء مدين {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتيْنِ تَذُودَانِ }القصص23 ) رأى مجموعة من الناس يسقون ماشيتهم ، ووجد فتاتين تحرسان ماشيتهما بعيدا عن الناس ، حتى لا تختلط ماشيتهما بماشية الآخرين فسألهما { قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ }القصص23 ) ليس لنا قوة حتى نزاحم الناس ونسقى ، ولذلك ننتظر حتى يفرغوا من السقاية ثم بعد ذلك نسقى بأنفسنا لأن أبانا رجل كبير {فَسَقَى لَهُمَا } فأخذ يغترف بالدلو ماء كثيرا حتى سقى لهما قبل الآخرين وكان أولهم ، وانصرفتا بماشيتهما إلى أبيهما 0 وانصرف موسى إلى ظل شجرة يستظل بظلها ويستريح {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }القصص24) وقال: رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إليَّ مِن أي خير كان، كالطعام، وكان قد اشتد به الجوع0 والفتاتان بعد أن سقتا عادتا إلى أبيهما ويتعجب أبوهما من سرعة عودتهما وهما اللتان كانتا تستغرقان وقتا طويلا فى السقاية ، فعرف منهما من ساعدهما وأرسل فى طلبه {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }القصص25) ووجدته يستظل بشجرة فدعته للقاء أبيها فوافق وذهب معها ، وتقابل مع أبيها وقص عليه ما هو فيه وما يعانيه ، فطمأنه وأزاح الخوف من قلبه ؛ لأن فرعون الذي يخافه ليس له سلطان ولا ولاية ولا حكم على أهل مدين ؛ لأنها ليست من مملكته ولا تتبع مصر، واستضافه وأكرم إقامته وأحسن إليه ، وقالت إحدى ابنتيه {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26 ) تمدح فى موسى حتى إثارة فضول أبيها الذى أراد أن يعرف أكثر فقال لها : وكيف عرفت أنه قوى وأنه أمين ؟ فقالت : أنه قوى لأنه رفع حجر البئر الذى لا يقوى على رفعه إلا عشرة من الرجال ِِ، وأما الأمانة فإنه نظر إلىّ حين أقبلت عليه وكنت أقصده ، فلما تأكد من أنى فتاة حّول ناظريه إلى الأرض ولم يرفعهما حتى بلغته رسالتك ، وجاء معي و مشيت أمامه حتى يتبعني ويعرف الطريق إلى بيتنا ولكنه طلب منى أن أمشى خلفه حتى لا يرىِ منى أى شىء لو هز الهواء ثوبي ، وإذا ضل الطريق أن اقذف له بحصاه حتى يعرفه ، ويدل ذلك على أمانته و حسن خلقه وأدبه 0ففرح به أبوها وسر من أخلاق موسى وقوته وأمانته وشهامته ولذلك عرض عليه أن يزوجه {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ }القصص27 ) من إحدى ابنتيه ، ولكن بشرط أن يعمل عنده ثمانى سنين ، فزادها موسى إلى عشر وقبل العرض وتزوج من الصغرى منهما ، ووافق على الشرط أن يعمل عنده ثمانى سنين في رعي ماشيته مقابل ذلك ، فإن أكمل عشر سنين فإحسان من عنده ، وهو لا يريد أن يشق عليه بجعلها عشرا ولكن إن أراد فله ما يريد ، ووعده أنه سيجده إن شاء الله من الصالحين في حسن الصحبة والوفاء بما قال ووعد وأشهد الله على ذلك {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }القصص28 ) وأكمل السنين العشر مؤجرا نفسه بعفة فرجه ، وطعامه بطنه {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ }القصص29 ) بعد أن أوفى بالشرط وما فرضه على نفسه أراد أن يزور أهله فى مصر وهم والداه وأخته الكبرى التى كانت تتبعه وهو صغير عندما كانوا يبحثون له عن مرضعة وكذلك أخوه هارون ، وقد هرب وحده من مصر مما يؤكد أن والديه وأخوته ظلوا فى مصر ، وقد اشتاق لرؤيتهم والاطمئنان عليهم ، ولكنه مطلوب لفرعون ورجاله الذين يريدون قتله لأنه قتل واحدا منهم ولذلك يذهب متخفيا ، فلما سار بزوجته وولديه ، وواصلوا سيرهم حتى دنا الليل المظلم القارص البرد واحتاجوا للتدفئة التى تقيهم البرد فرأى { آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ او جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ }القصص29) نارا فطلب منهم أن ينتظروا حتى يذهب ليأتيهم بشعلة من النار يستدفئون بها ، هذا غير أنهم تاهوا فى الطريق فلم يعرفوا الطريق الصحيح الموصل لمصر ويحتاجون إلى من يدلهم على صواب الطريق { لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ او أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى }طه10) وقد وصل إلى سيناء فى جانب جبل الطور ، وأمر أهله أن ينتظروه مكانهم حتى يذهب إلى النار فمن المؤكد أن النار أوقدها ناس منهم يستعلم عن الطريق ، فلما وصل إلى النار وجدها تشتعل من شجرة خضراء وتتأجج والشجرة يزداد اخضرارها فخاف {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }القصص30) وتعجب فخاطبه الله أن تقدم ولا تخف {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى }طه12) واخلع نعليك تكريما وتوقيرا لتلك البقعة المباركة ولا سيما فى تلك الليلة المباركة ، وقال له { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى{13} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي{14} إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى{15} فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى{16} وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى{17} قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى{18}طه) ، وكان موسى يحمل عصاه ذات الفرعين التى يستند عليها وهو يمشى و يحرس بها غنمه ويوجهها حيث يريد وأمره الله أن يلقيها وقَالَ {أَلْقِهَا يَا مُوسَى{19} فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى{20} طه] ويلقيها فيراها تتحول إلى حية عظيمة تتحرك {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ }النمل10)، وتهتز مع أنها ضخمة الجسد وأنها أيضا سريعة الحركة فلما رآها خاف وهرب يجرى فناداه الله {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ }النمل10) ولكنه لم ينظر وراءه حتى سمع صوت النداء مرة أخرى يقدم له وعدا من أنه لن يطوله أذى { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ }القصص31) يا موسى عد وأقبل علىَّ ولا تخف أبدا ؛ إنك فى أمان بحولي وقوتي وإنى أعدك بذلك ، فلما شعر بالأمان رجع إليه ، فأراد الله أن يطمئنه ويريه قدرته ، وأمره أن يمسك بالحية التى أخافته ، فأطاعه {قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْاولَى }طه21) فوضع يده واستمكن منها فإذا بها تعود إلى حالتها الطبيعية كما كانت عصاة من فرعين ، ثم أمره الله بأن يدخل يده فى جيبه {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ }القصص32) ثم يخرجها مرة أخرى فإذا هى تتلألأ كالقمر بياضا من غير أى عيوب ، وإذا خفت فضع يدك على فؤادك يذهب خوفك ويطمئن قلبك ، وهاتان الآيتان البرهانان الدليلان وهما العصا واليد -مكمن التسمية بموسى ، وموسى تأتى من موس والموس ذو الشفرتين الحادتين رمز للعصا واليد - {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }القصص32) دليلان لتذهب إلى فرعون وقومه لتبلغه برسالاتى التى سأبلغك إياها :
    الرسالة الأولى {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى }طه47 )لفرعون ليسهل ويسمح له بخروج الإسرائيليين معه 0
    الرسالة الثانية لقوم فرعون {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }النمل12)
    ليسهلوا له خروج الإسرائيليين معه، وسيريهم التسع آيات بعد هلاك فرعون وهامان وجنودهما ، حيث فرعون له آيتان برهانان أى معجزتان يرياهما له موسى وهما العصا واليد ، و التسع معجزات واضحة شاهدة على صِدْق نبوته وهي: السنون ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، لقوم فرعون0
    {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }غافر24الرسالة الثالثة {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }غافر24] لهارون كى يسهل له خروج الإسرائيليين معه0
    هذا اختيار من الله لموسى أن يكون كليمه وكلفه بتلك الرسالات ، فوجد موسى نفسه مأمورا بأن يذهب إلى فرعون الذى يخافه ويحذره00
    [align=center]العقدة[/align]
    وصار فى موقف صعب حيث أمر أن يذهب إلى عدوه وملئه ، فشكا إلى الله ما يتخوف منه ؛ لأنه قتل واحدا منهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }القصص33 ) وأيضا لديه عقدة فى لسانه {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ }الشعراء13) ويخاف أن يملأ صدره الغمُّ لتكذيبهم إياه ، ولا ينطلق ويسعفه لسانه بالدعوة وقال لربه : أرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ لأني بسبب العقدة التى بلساني ، بسببها لا أستطيع أن أوضح وأشرح ما أريد لفرعون وملئه ، ولذا طلب من الله أن يعينه بأخيه هارون {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ }القصص34) حتى يكون له عونا ويستطيع أن يشرح لهم مالا يستطيع شرحه هو ، فأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلتقي بأخيه موسى {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ }القصص35 )، وزاده الله بأن جعل له أخاه {وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً }الفرقان35 ) وزيرا و نبيا {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }مريم53) سار موسى حتى قابل أخاه هارون ، وأخبره بما كلفه الله به ، واختاره وخصه وإياه برسائل إلى فرعون نفسه إله الفرعونيين الذين يستعبدون قومهم ، وهما يعرفان قوة فرعون وهامان وجنودهما ، وكان ذلك مبعث خوفهما ، وخاطبا الله وهو أعلم بهما {قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا او أَن يَطْغَى }طه45) فقال لهما الله ينزع الخوف من قلبيهما ويطمئنهما {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }طه46) إنه تعالى بحوله وقوته وجلاله وقدرته معهما يسمع ويرى ، وهو المحيط العليم بكل شىء ، ولكنه تعالى يود أن يوصلهما إلى قمة الاطمئنان ، وانطلقوا إلى أهلهم أولا ليطمئن عليهم موسى الذي لم يرهم منذ عشر سنين ، وبعدها ذهب وأخوه لملاقاة فرعون يطلبون مقابلته وقد اوصاهما الله وعلمهما أسلوب و كيفية الدعوة اليه بالحكمة والتي هى أحسن {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ او يَخْشَى } طه44) وانتظروا حتى يؤذن لهما ، وانتظروا أياما طويلة حتى إذن لهم بالدخول ولقائه ، {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا }القصص36) ولما قابلاه بالين والحسنى والأدب {فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى }طه47) وقولا له: إننا رسولان إليك من ربك أن أطلق سراح بني إسرائيل ، ولا تكلِّفهم ما لا يطيقون من الأعمال ، قد أتيناك بدلالة معجزة من ربك تدل على صدقنا في دعوتنا، والسلامة من عذاب الله تعالى لمن اتبع هداه ، وإننا نريد أن تسمح لنا بأن نأخذ بنى إسرائيل ، فتكبر فرعون فى نفسه وعتى وطغى ونظر إلى موسى بعين الازدراء والغضب واللوم و{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }الشعراء19) ألست أنت الذي أتيتنا وليدا فآويناك فى بيتنا وجئنا لك بمن يرضعك بعد عناء ، وربيناك وحميناك وأحسنا إليك ، واعتبرتك زوجتي كأنك ولدها وحفتك برعايتها وحبها وحنانها ، وأسبغت عليك نعمى وأمنى وأماني وعزتي وجاهي وسلطاني ، حتى كبرت وصرت رجلا قويا فتيا ، وقتلت الرجل الفرعوني ، وفررت منا وجحدت بنعمتنا وما فعلناه معك ، ولم تخلص لنا ولا تعترف بجميل صنعنا معك 0 ويرد موسى {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ }الشعراء20) أعترف بكل ما قلت وفعلت معي من إيواء وتربية وإحسان ومحبة وكل هذه نعم مننت بها علىّ وخصصتني بها دون الآخرين ، وقد قتلت من قبل أن يوحى إلىّ من الله ويخصني برسالاته ، ويبعثني رسولا ولذلك {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ }الشعراء21 ) وها أنا أعود إليك لأخلص بنى إسرائيل من عبوديتك واستعبادك أنت وقومك ، إلى الحرية وعبادة من يستحق العبادة التى لا تصلح إلا له { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى }طه47) ، الذين قتلت ولدانهم واستبحت شرف نسائهم ، واستخدمت هذا الشعب العظيم الذين هم ذرية أنبياء الله يعقوب وإسحاق وإبراهيم واستعبدتهم فى أعمالك وخدمتك وأشغالك بسخرية ومهانة لا تليق ببشر فما بالك وهم عظماء أولاد وأحفاد عظماء وما مننت علىّ به {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }الشعراء22 ) فقد أخذت مقابله الكثير ، فقال لهما فرعون وماذا تريدان ؟ قالا له {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} نريدك أن تؤمن بالله 0 وسخر فرعون من طلبهما وقال {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى }طه49) فقال موسى{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50) ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَه اللائق به على حسن صنعه ، ثم هدى كل مخلوق إلى الانتفاع بما خلقه الله له 0 فقال لهما فرعون {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ }الشعراء23 ) فأجاب موسى{قَالَ رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ }الشعراء24 ) هو مالك ومدبر السماوات والأرض وما بينهما من مخلوقات متعددة تشاهدونها وترونها رؤى العين مثل السحاب والريح والمطر والنبات والبحار والأنهار والحيوانات ، التى يعلمها ويعرفها كل موقن بأنها لم تخلق نفسها ، ولكن خلقها الإله الواحد القهار القادر المقتدر على كل شىء، فآمِنوا ؛ لأنه رب العلمين {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ }الشعراء25 ) قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه: ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي؟ فأجاب موسى يرد {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْاولِينَ }الشعراء26 )0 فقال فرعون لقومه ورجاله من خاصته {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }الشعراء27 ) إن رسولكم موسى لمجنون يتكلم كلامًا لا يُعْقَل! ثم { قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْاولَى{51}طه) فما شأن الأمم السابقة؟ وما خبر القرون الماضية، فقد سبقونا إلى الإنكار والكفر؟ إن كنت جئت بأدلة تدل على الله الواحد فأرني {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }الأعراف106 ) وألقى موسى بآياته وبرهانيه {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ }الأعراف107) حية عظيمة فاغرة فاها مسرعة إلى فرعون الذى خاف منها اشد الخوف واحتمى بسريره وهو يستغيث بموسى أن يبعدها عنه ويحميه منها وكفها موسى عنه 0 ثم أراه الآية الثانية {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ }الأعراف108) بأن أخرج يده من جيبه فرآها فرعون بيضاء من غير سوء ثم ردها إلى جيبه مرة أخرى وأخرجها فى طبيعتها الأولى0 فاستشار فرعون الملأ من حوله من رجاله وأعوانه وخاصته وأمرائه ووزرائه وحاشيته فيما رأوه بأعينهم من الذى جاء به موسى فقالوا له : {فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْاولِينَ }القصص36 ) ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته كذبًا وباطلا وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في أسلافنا الذين مضوا قبلنا ، و فرعون كذبهما رغم ما رآه بعينيه {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى }طه56) واتهمهما {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى }طه57) ما جئت به يا موسى سحر {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ }طه58)، وما دام الأمر سحرا فأنا سأجمع لك بمن يحاجك ويبارزك وينتصر عليك فى سحرك ، فحدد لنا يا موسى موعدا {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى }طه58) يتقابل فيه الجميع وأمام جمع كبير من الناس حتى يتفرجوا ويحكموا على ما سيحدث ويوافق موسى ويضرب لهم موعدا {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }طه59) يوم العيد حين يتزيَّن الناس ويجتمعوا من كل فج وناحية وقت الضحى 0 ويوافق فرعون لغبائه وأمر أعوانه أن ينادوا فى المدن والقرى وفى كل أركان دولته وملكه على أكبر وأفضل السحرة ليلتقوه لأمر مهم وأنه سيجزل لهم العطاء وسيعتبرهم من خاصته ومن أعوانه ومن المقربين إليه وان جميع مطالبهم مقضية ونافذة 0فجائه آلاف مؤلفة 0 فكيف لموسى وهارون بكل هؤلاء؟؟!! فرعون وأمراؤه وكبار أركان دولته وأهل بلده عن بكرة أبيهم ، ذلك لأن الفرعون ملك مصر هو الداعي لهم فمن يستطيع التأخير او التخلف خاصة أن اليوم الذى حددوه كان يوم أجازة ويوافق يوم عيد لهم فمن لديه سبب حتى يتأخر ولا يحضر فى حضرة الفرعون نفسه الذى يعتبرونه إلاههم ، كل هذا الجمع لكى يحضروا المحاجة والمواجهة مع موسى وهارون فى أمر السحر {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى }طه60) ويحل الموعد ويتقدم موسى وهارون إلى هذا الجمع الذي أفزعهما بالتأكيد ، فوعظهم موسى وزجرهم على امتهانهم السحر الباطل الذى فيه معارضة لآيات الله وحججه {قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }طه61) احذروا ، لا تختلقوا على الله الكذب فيستأصلكم بعذاب مِن عنده ويُبيدكم ، وقد خسر من اختلق على الله كذبًا، فشق صفوف السحرة {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى }طه62 ) واختلفوا ومنهم من صدق موسى وأيقن أنه كلام نبي 0 ولكن تأتيهم الحمية من فرعون وملئه {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }طه63) فأجمعوا على التفاني وإخراج جميع الحيل وجميع الخبرة التى خبروها فى فن السحر حتى يفوزوا بعطايا فرعون واقسموا نفاقا وقالوا { بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ }الشعراء44) ليحصلوا على هباته وأمواله لأن فرعون وعدهم بذلك واصطف السحرة وقالوا لموسى {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ اولَ مَنْ أَلْقَى }طه65 ) فقال لهم موسى {قَالَ بَلْ أَلْقُوا }طه66) انتم أولا 0 فألقوا حبالهم وعصيهم وخيل للناس أنها { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }طه66) تمشى ؛ لأنهم { سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }الأعراف116) ورأى موسى سحرهم فخاف {فَاوجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى }طه67 ) وتوجس ألا ينتصر عليهم ، ويفتتن بسحرهم الناس 000[/align][/align]

    سنكمل فى حلقات قادمة بإذن الله
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد الأقطش; الساعة 06-08-2009, 16:53. سبب آخر: فصل المشاركات في موضوع مستقل
    أسس القصة
    البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية
  • أحلام الحلواني
    أديب وكاتب
    • 21-06-2009
    • 208

    #2
    الأستاذ الأديب

    فتحي حسان محمد

    بداية , دعني أشكرك على هذا الجُهد , وأقدر لك اجتهادك .
    سيدي , أنت بنيت القصة على أساس أنها من القرآن الكريم خالصة , ولكنك أودعت في الحشو ما ليس من القرآن مُطلقا . كل ما ورد أعلاه موجود بمعناه في كافة الكُتب التي اطلعتُ عليها بما يخص قصة موسى - عليه السلام - وما من دحض لتُرّاهات أهل الكتاب في السرد القصصي الذي يقترب أحيانا من الأسطورة , بل هو أسطورة فعلا , وضرب من الخيال .
    أنا وضعت مُلاحظاتي في بحثي الذي لا يُريد أن يكتمل بسبب التحري الدائم والدقيق للحقيقة القرآنية التي لا تقبل الشك أبدا . وسأعرضه قريبا , ولا أعرف بعد , هذا القريب متى يكون .

    سأضرب لك مثلا بسيطا من الأخطاء غير المنطقية في الحشو الخيالي للقصة . أنت تقول : بأن موسى - عليه السلام - اشتاق إلى أمه وأخته وأخيه , فاصطحب زوجته وابنيه , وسار من مدين إلى مصر مُتخفيا ... الخ

    هل أخبر القرآن بذلك ؟
    القرآن ذكر أن معه أهله , وأهله من سياق الآيات كانوا زوجة وأولادا ( أمكثوا إني آنست نارا ) ومعه أيضا أغناما ( وأهش بها على غنمي ) جميل جدا , الآن : كيف كان مُتخفيا ؟
    أنا سأفترض جدلا أنه كان مُتجها إلى مصر , ومصر بعيدة عن مدين , فمن أين يجب عليه أن يبدأ بالتخفي , من مدين أم من حدود مصر ؟ الآن , ما حاجة التخفي , وقد وجهه الله من منتصف الطريق إلى فرعون مُباشرة ؟ وهل كان هُناك صور تُوزع على نقاط التفتيش لموسى - عليه السلام - بعد مرور عشرة سنين أو أكثر كما يقول بعض العُلماء ؟ لا شك أن شكله تغير , إذا علمنا أنه خرج شابا حسب سياق القرآن .

    بطبيعة الحال , هناك أسئلة كثيرة جدا على سير القصة بالطريقة التي طرحتها , فأنت تتحدث عن الأحداث التفصيلية وكأنها واقعا , مثل التحذير الذي جاء لفرعون عن طفل يولد من بني إسرائيل , وعليه أمر فرعون بتقتيل الأولاد واستحياء النساء , مع أن القرآن لم يذكر هذا , وكذلك العهد القديم . وحكاية أخت موسى وهي تمشي وراء من يحملون الطفل ويُنادون على المرضعات , وقصة العشرة رُعاة الذين يحملون الصخرة في بئر مدين .... الخ كل هذه تفاصيل خيالية ليس لها أي أصل في القرآن .

    أتمنى أن أنتهي من بحثي بأسرع وقت ممكن , حتى تقرأ القصة الحقيقية , دون اجتهاد أو حشو . لأن الله فصل القصة تفصيلا دقيقا , ولا يحتاج الأمر منا إلا أن نبحث في القرآن جيدا . ولا نترك للخيال ليؤلف التفاصيل التي ما أنزل الله بها من سُلطان .

    مودتي

    أحلام الحلواني

    تعليق

    • فتحى حسان محمد
      أديب وكاتب
      • 25-01-2009
      • 527

      #3
      [align=justify][align=center]الأستاذة الفاضلة / أحلام الحلوانى [/align]
      أولا : يا أستاذة أنا لا احتكر الحقيقة بمفردى ، قد بحثت شهورا وفعلت كل المستحيل ، وما فى استطاعتى ، مستندا على نموذج القص سورة يوسف 0
      ثانيا :اعرف قدر جهدك ومجهودك الكبير ، وكم الوقت الذى ستنفقينه فى جمعها وترتيبها ، حيث لا مشكلة فى جمعها ، ولكن المشكلة فى ترتيبها 0
      ثالثا : لا اختلف معك أنى استرشدت ببعض تفسير المفسرين ، ولا عيب على الإطلاق أن نأخذ المنتقص والمبهم غير المبسوط تمام البسط فى القرآن من التوراة 0
      رابعا : قصة فرعون وقتله الولدان إليك هذا الحديث :
      [ عن ابن عباس قال :" إن فرعون رأى فى منامه ، كأن نارا قد أقبلت من نحو بيت المقدس ، فأحرقت دور مصر وجميع القبط ولم تضر بنى إسرائيل 0 فلما استيقظ هاله ذلك ، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة ، وسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا غلام يولد من هؤلاء ، ويكون سبب هلاك أهل مصر على يديه ، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسوان" [ أورده ابن كثير فى "قصص الأنبياء" ، وأورده الطبري فى " تاريخه " 1 /388 ، وأورده الحافظ فى " الفتح " 6/ 487]
      اما سنة بها قتل وسنة من غير قتل ، هذا يفهم من سياق القرآن ؛ لأن ام موسى لم تخف على هارون ( هرون ) الشقيق الأكبر لموسى ، ولم يذبح ، مما يدل على انه ولد فى عام عدم القتل ، بينما موسى العكس منه0[/align]
      أسس القصة
      البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

      تعليق

      • أحمد الأقطش
        أديب وكاتب
        • 30-05-2008
        • 376

        #4
        الأستاذ الكريم / فتحي حسان محمد ،،
        جُهد ملموس في اكتناه هذا القصص القرآني البديع. واسمح لي ببعض التعقيبات السريعة:

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        لأن فرعون مصر يحلم ويتواتر إلى أسماعه أن هناك مولودا سيخرج من بنى إسرائيل الذين يعملون عبيدا عنده وفى ملكه - سيخرج هذا المولود ليزيل ملكه ويكون سببا فى هلاكه 0 فيأمر بقتل كل المواليد الذكور من بنى إسرائيل
        لا دليل مِن الكتاب أو السُنة على هذا الأمر، بل ليس مذكوراً أيضاً في التوراة التي بأيدي اليهود! فالتقتيل لم يكن نتيجة حُلم مزعوم، بل ينقضه أن نفس التصرّف لجأ إليه فرعون أيضاً بعد أن جاءه موسى بالبيّنات. يقول تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ! قَالَ: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) [الأعراف 127].

        فمِن الجليّ أن هذا التقتيل كان تنكيلاً ببني إسرائيل من باب الاستضعاف، ولا علاقة له بحُلم أو غيره. فمثل هذه التفاصيل ما هي إلاّ حبكات درامية اشتهر بها القُصّاص في عصر التابعين، وبعضهم كان مِن مسلمي أهل الكتاب. والغريب أنها لم ترِد لا في القرآن الكريم ولا على لسان النبي الأعظم بل ولا حتى في العهد القديم! فهي ساقطة حينئذٍ من الاعتبار، حتى لو ذكرها أكابر المفسرين.

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        و أرادت زوجة فرعون التى ألقى الله فى قلبها حبه ، فأحبته ، وكذلك كان سببا فى علاج ابنتها من البرص ، ولذا أرادة أن تتخذه ولدا ، ولكن فرعون يريد أن يذبحه فهو لا يأمن على نفسه من النبوءة من الحلم الذي رآه من أن نارا تخرج من بيت المقدس تحرق دور الفرعونيين وتترك دور الإسرائيليين ، ولكن حب زوجته له يمنعه ، وعلاج ابنته التى أحبته أيضا يؤجل ذبحه ، لأنه قيل له إن علاج ابنته من شىء يخرج من النيل يكون لعابه دواء لابنته ، وقد عولجت فعلا
        لا يليق تناول القصص القرآني في ضوء هذه الخرافات، فما هو المصدر الإلهي الذي فيه مثل هذه التفاصيل المختلقة: حُلم فرعون، إصابة ابنة فرعون بالبرص، وشفاؤها بلعاب موسى! وينسحب هذا أيضاً على قصة التمرة والجمرة، فهي من الحكايات.

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        ولكن بشرط أن يعمل عنده ثمانى سنين ، فزادها موسى إلى عشر وقبل العرض وتزوج من الصغرى منهما
        ما الدليل على أن موسى تزوج الصغرى وليس الكبرى؟


        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        وكان موسى يحمل عصاه ذات الفرعين
        مِن أين عرفتَ أنها ذات فرعين؟

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        وهاتان الآيتان البرهانان الدليلان وهما العصا واليد -مكمن التسمية بموسى ، وموسى تأتى من موس والموس ذو الشفرتين الحادتين رمز للعصا واليد
        وهل يُسَمَّى الأطفالُ لأسباب ستحدث لهم بعد أربعين سنة!! هذا النبي الكريم سُمّي موسى وهو وليد، فما دخل العصا واليد؟ وإذا كان موسى مِن بني إسرائيل، فكيف يكون اسمه عربياً!

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        وسيريهم التسع آيات بعد هلاك فرعون وهامان وجنودهما
        عفا الله عنك .. مَن قال هذا! لقد رأى فرعونُ جميعَ الآيات هو وقومه وليس فقط العصا واليد. يقول تعالى: (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى) [طه 56].

        المشاركة الأصلية بواسطة فتحى حسان محمد مشاهدة المشاركة
        وانتظروا حتى يؤذن لهما ، وانتظروا أياما طويلة حتى إذن لهم بالدخول ولقائه
        وما الحِكمة مِن طول انتظارهما حتى يدخلا على فرعون؟ وما الدليل على ذلك؟

        ... أشكر لك سعة صدرك، وفي انتظار باقي الحلقات إن شاء الله

        وتقبل خالص التحية
        ،،
        [poem=font="Mudir MT,6,,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="http://www.almolltaqa.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/97.gif" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
        تاقَت نفسي إلى نزولِ الماءِ=فأطهّر جُثتي مِن الأقذاءِ
        لكنّ تَراكُمَ الهوى في بَدَني=يقذفني في دوّامةِ الأشياءِ![/poem]
        ... أحمد

        تعليق

        • فتحى حسان محمد
          أديب وكاتب
          • 25-01-2009
          • 527

          #5
          الأستاذ الفاضل / احمد الأقطش
          تحية من القلب واجبة لكم
          ونشكرك على فصل القصة عن السياق السابق
          سأعواد الرد والتفنيد واستكمال القصة ولكن بعد أن تنهى الأستاذة احلام الحلوانى سردها لهذه القصة حتى لا نكون كمن يجرى فى سباق ، ونحن لسنا كذلك 0
          وقد ثبت النويهى قصتها فهو يميل إلى حسن روايتها ، فلا بأس من ذلك 0
          ننتظر إلى النهاية
          شكرا أستاذ أحمد
          ربما قريبا التقيك فى قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
          وستكون الأشد والأروع ، ابنيها - ايضا - على نموذج قصة يوسف ؛ لأن خط حياة الأنبياء واحد 0
          أسس القصة
          البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية

          تعليق

          يعمل...
          X