الاخوان العزيزان عبدالرّشيد حاجب و عبدالرّحيم محمود
تحياتي الطيّبة...
جئت لهذه الصفحة فضولا ، و رأيت سرّك العشقي المخبّأ في "القارة السابعة" لم أشأ فضح أسرارك ، فقرّرت فضح أسراري بهدوء ، لكن قراءتي لمداخلة الاستاذ الكبير عبدالرّحيم محمودجعلتني أصرخ من أعماقي و بأعلى صوتي ، أرجو أن تحتمل صفحاتك هذا الصراخ التّصدّعي..
ـــــــــــــــــ
هل توّجوك بالشوك ينغرسُ في لحم جبينك ؟
هل سالت قطرتان من دم جبينك حتى مُقلة العين فتشبثتا بالمآقي ؟
هل دفعوك في "طريق الآلام"على وقع السياط تحاول هدّ كتفيك العاليين؟
هل سرت أمامهم في "الجلجلة"؟
هل اعتلوت الخشبتين على صهوة مساميرهم؟
هل رسموا خارطة الوطن على خاصرتك بسنّ رمح؟
فعلوا بي كما فعلوا فيك من قبل ، و لم نتّعظ!!
... كنتُ في كلّ فصل من فصول السنة أدخل القدس كما أدخل حضن أمي ، أسير على الاقدام في الجُلجُلة ، يملأ التّاريخ أعصابي حتى رؤوس أصابعي و ما تحت الأظافر ، جفناي كمهد ينام فوقهما المسيح ، تهدهد له مريم خلايا الحُلم لتفزّ ، بينما أمسِكُ بيدي رَسَن فرسٍ عربيّة أصيلة أسوقها خلفي (مُتقمّصا عمر ) و قد إعتلى العربُ صهوتها .
في كلّ فصل كان لرحلتي طعما نفّاذا مختلفا :
في الشتاء يبلّلني المطر .. و يجري فوق جلدي كما الأنهار ، و أنا أتمرّغ فيها ، فيسطع شمس الحلم لتصبح أنهار المجد العربيّ نقوشاً على ثيابي و فوق جلدي ، كما الحناء و الوشم.
في الرّبيع كان يحمرّ قلبي كزنبقة أو كشقائق النّعمان ، فأشتم رائحة دم "آدون" ينبعث من بين ضفائر "عنات" (عشتار) قبل أن يقتله بنو اسرائيل و يسبوا حبيبته .
في الصيف ، كانت تصفرّ أصابعي كما سنابل القمح في الحقول ، فيأتي "تموز" (قبل أن يصبح شركة غلال إسرائيليّة) ، يجمع الغلال من كفّ يدي و يوزّع الخبز على الفقراء.
في الخريف ، كان الزيت يجري في عروقي و أشتمّ رائحة الزيتون المنبعثة من خلاياي ، كما تنبعث من مشكاة محمد بن عبدالله الهاشمي و هو يقدّم لقريش كلام اللّه "التين و الزيتون " ، من يومها ، لم يعد أحد قادرا على إقانعي بأنه ليس زيتوننا التي تقتلعه الجرافات هو المقصود..
كنتُ...... و كنتُ أحلمُ..
كنتُ ...... و كنتُ أأملُ..
كنتُ ...... و كنتُ أتوهّمُ..
كنتُ...... و كنت أعيش على فتات ما ينجو من خيالي بعد مداهمات الجنود و ما يتبقّّى منها بعد تعريتي أمام الحواجز.
كنت أقْتَلُ من أجل لمسة حجر عتيق عند "باب الشام" في سور القدس ، أو "باب المغاربة" ، و أتشبث بهما كحبل سريّ يربطني بفخذي أمي في الشرق الشامي و في الغرب المغاربي .. فلا اسقط .. يسيل دمي و لا أسقط ..
كنت أقَْتُل كي أشتم رائحة عباءة عبد الملك بن مروان في اصفرار القبّة ، أتشبّث بحوافر البُراق و لا أسقط .. يسيل دمي و لا أسقط..
كنتُ أقْتَلُ من أجل ركعة لله أمام منبر صلاح الدّين ، أتشبّث بلحيته و لا أسقط .. يسيل دمي و لا أسقط..
كنت أقتلُ من أجل إشعال شمعة أمام المغارة في عيد الميلاد ، أتشبث برداء "العذراء" و أهزّ معها النخلة العربيّة ، فتتساقط رطبا جنيا و لا اسقط.. يسيل دمي و لا اسقط..
كنت أقْتَلُ من اجل نغمات تراتيل كنسيّة تتخلّل خلاياي ، فتصدح فيّ القدس، فيعيدون قتلي ، فيرشّ الماء عليّ يحيى ...فأحيى .. يعمّدني كما النّدى يعمّد في القدس الزنابقَ ، اتشبث باصابعه و لا أسقط .. يسيل دمي و لا اسقط..
يلعلع الرّصاص ...فيصدح الآذان ...فيلعلع الرّصاص في صدري .. فيلعلع قرع الأجراس بين ضلوعي .. فيستحوذني الّنشيد .. يسيل دمي .. و أغني.. أغني ..و لا أسقط..
و ذات يوم ركب العرب فرسي الأصيلة التي أمسك رسنها بيدي ، معاكسة ، ظهورهم نحو رأس الفرس و نحوي ، و وجوههم نحو ذيل الفرس ، نحو القبلة الثالثة (في القارة السابعة) ، حين قرّر الثوار تخليص القدس من حوافر أتباع يهوا و تجنيبي القتل إلى الأبد و تخليصي من هذا النّزيف المزمن. ..
لأنّ هذا التّحرير خطوة أولى على طريق تحرير الإنسانية جمعاء ، كان لا بدّ على الّثوار من بدء المشوار من القطب الشمالي ، و بدأت المسيرة فعلا حتى النرويج ، هناك في مدينة تسمّى اسلو ، طفح بهم الشوق و اللهفة للتّحرير العظيم و لقاء القدس، إختطفوا صاروخا و حطوا به في ساحة بيتي ، و لمّا كان البيت عتيقا مشقّقا بفعل السنين ، أعيش فيه مع أولادي على سراج زيت و فتيلة ، انطفأ سراجي بفعل "العاصفة" التي أحدثها ارتطام الصاروخ ، تهدّم البيت على رأسي ، لكنّ أمي خرجت تزغرد و و زوجي و أولادي ، و زغرد دمي معهم فداءا للقدس..
اليوم يا سيّدي ، بعد التّحرير ، حرمت من زيارة القدس بايّ من الفصول ، اشتقت لحجارتها و لعبق الزيتون فيها .. اشتقت لأصفر القباب و تراتيل الكنائس ، اشتقت للشام مصلوبة على بابها العتيق ، و اشتقت للمغاربة في حاراتها.. اشتقت للعذراء تهزّ نخلتها.. في البداية كنت أتسلّل للقرى المجاورة ، كي أرى من بعيد الشمس في الغروب تنغرس في لحم اصفرار قبّة عبدالملك بن مروان. . اليوم ، و لضروريات التّحرير العظيم لم أعد أتمكّن من الوصول لهذه القرى حول القدس ، و صرت امضي يومي باحثا عن أعلى جبل في رام الله ، و استخدم المنظار المكبر ، كي أرى لمعة واحدة من لمعان إصفرار القبة ..إن كان الجو صافيا دون غبار أو غيوم..
ضاع كلّ شيء يا سيّدي .. كلّ شيء بعد مسيرة التّحرير القطبية ، و تحوّلنا إلى موظّفين ، نقبّل يدي المدير صباح مساء ، كي يضع أسمائنا في أول قائمة الرّواتب ، حتى نضمن لقمة العيش ، فقد تمتنع أو تتأخر أوروبا بإرسال معوناتها الاستغاثية ، فتصعب الحالُ ، و تشحّ الأموالُ ، فتقتصر الرواتب على الاسماء الأولى في القوائم .. و هكذا أيها الحبيب ، اصبحت معركتي كيف أكون دائما من بين الأسماء الأولى في القائمة.. أكثرنا عقلانيّة و موضوعية أكثرنا قبولا بما قدّر "الثوّار" لنا ، و هو أكثرنا تقبيلا ليدي المدير .. فكلّما زادت القبل ارتقيت درجة في القائمة ، و كي تحافظ على موقعك "الثوري" المتصدّر عليك أن تكون دائم التّقبيل... اهترأت الشفاه و اختلطت اللّغة ، فكيف يستوى هذا مع التّاريخ يا عبدالرّشيد يا عبدالرّحيم ..كيف؟؟!!
تسألني عن حبيبتي .. القدس .. سافرت إلى القارة السابعة و سأتي معك علّي أراها.. و لو لحظة قبل انتهاء العمر. هل التقيت بعبدالرّحيم محمود هناك ؟ لا أدري لماذا تركني وحيدا ،سبقني و غادر إلى قارّتك ، أرجو إعلامه بأنني قادم و رسن الفرس ما زال بيدي .. فلينتظرني..
من القارة السابعة
حكيم
تحياتي الطيّبة...
جئت لهذه الصفحة فضولا ، و رأيت سرّك العشقي المخبّأ في "القارة السابعة" لم أشأ فضح أسرارك ، فقرّرت فضح أسراري بهدوء ، لكن قراءتي لمداخلة الاستاذ الكبير عبدالرّحيم محمودجعلتني أصرخ من أعماقي و بأعلى صوتي ، أرجو أن تحتمل صفحاتك هذا الصراخ التّصدّعي..
ـــــــــــــــــ
هل توّجوك بالشوك ينغرسُ في لحم جبينك ؟
هل سالت قطرتان من دم جبينك حتى مُقلة العين فتشبثتا بالمآقي ؟
هل دفعوك في "طريق الآلام"على وقع السياط تحاول هدّ كتفيك العاليين؟
هل سرت أمامهم في "الجلجلة"؟
هل اعتلوت الخشبتين على صهوة مساميرهم؟
هل رسموا خارطة الوطن على خاصرتك بسنّ رمح؟
فعلوا بي كما فعلوا فيك من قبل ، و لم نتّعظ!!
... كنتُ في كلّ فصل من فصول السنة أدخل القدس كما أدخل حضن أمي ، أسير على الاقدام في الجُلجُلة ، يملأ التّاريخ أعصابي حتى رؤوس أصابعي و ما تحت الأظافر ، جفناي كمهد ينام فوقهما المسيح ، تهدهد له مريم خلايا الحُلم لتفزّ ، بينما أمسِكُ بيدي رَسَن فرسٍ عربيّة أصيلة أسوقها خلفي (مُتقمّصا عمر ) و قد إعتلى العربُ صهوتها .
في كلّ فصل كان لرحلتي طعما نفّاذا مختلفا :
في الشتاء يبلّلني المطر .. و يجري فوق جلدي كما الأنهار ، و أنا أتمرّغ فيها ، فيسطع شمس الحلم لتصبح أنهار المجد العربيّ نقوشاً على ثيابي و فوق جلدي ، كما الحناء و الوشم.
في الرّبيع كان يحمرّ قلبي كزنبقة أو كشقائق النّعمان ، فأشتم رائحة دم "آدون" ينبعث من بين ضفائر "عنات" (عشتار) قبل أن يقتله بنو اسرائيل و يسبوا حبيبته .
في الصيف ، كانت تصفرّ أصابعي كما سنابل القمح في الحقول ، فيأتي "تموز" (قبل أن يصبح شركة غلال إسرائيليّة) ، يجمع الغلال من كفّ يدي و يوزّع الخبز على الفقراء.
في الخريف ، كان الزيت يجري في عروقي و أشتمّ رائحة الزيتون المنبعثة من خلاياي ، كما تنبعث من مشكاة محمد بن عبدالله الهاشمي و هو يقدّم لقريش كلام اللّه "التين و الزيتون " ، من يومها ، لم يعد أحد قادرا على إقانعي بأنه ليس زيتوننا التي تقتلعه الجرافات هو المقصود..
كنتُ...... و كنتُ أحلمُ..
كنتُ ...... و كنتُ أأملُ..
كنتُ ...... و كنتُ أتوهّمُ..
كنتُ...... و كنت أعيش على فتات ما ينجو من خيالي بعد مداهمات الجنود و ما يتبقّّى منها بعد تعريتي أمام الحواجز.
كنت أقْتَلُ من أجل لمسة حجر عتيق عند "باب الشام" في سور القدس ، أو "باب المغاربة" ، و أتشبث بهما كحبل سريّ يربطني بفخذي أمي في الشرق الشامي و في الغرب المغاربي .. فلا اسقط .. يسيل دمي و لا أسقط ..
كنت أقَْتُل كي أشتم رائحة عباءة عبد الملك بن مروان في اصفرار القبّة ، أتشبّث بحوافر البُراق و لا أسقط .. يسيل دمي و لا أسقط..
كنتُ أقْتَلُ من أجل ركعة لله أمام منبر صلاح الدّين ، أتشبّث بلحيته و لا أسقط .. يسيل دمي و لا أسقط..
كنت أقتلُ من أجل إشعال شمعة أمام المغارة في عيد الميلاد ، أتشبث برداء "العذراء" و أهزّ معها النخلة العربيّة ، فتتساقط رطبا جنيا و لا اسقط.. يسيل دمي و لا اسقط..
كنت أقْتَلُ من اجل نغمات تراتيل كنسيّة تتخلّل خلاياي ، فتصدح فيّ القدس، فيعيدون قتلي ، فيرشّ الماء عليّ يحيى ...فأحيى .. يعمّدني كما النّدى يعمّد في القدس الزنابقَ ، اتشبث باصابعه و لا أسقط .. يسيل دمي و لا اسقط..
يلعلع الرّصاص ...فيصدح الآذان ...فيلعلع الرّصاص في صدري .. فيلعلع قرع الأجراس بين ضلوعي .. فيستحوذني الّنشيد .. يسيل دمي .. و أغني.. أغني ..و لا أسقط..
و ذات يوم ركب العرب فرسي الأصيلة التي أمسك رسنها بيدي ، معاكسة ، ظهورهم نحو رأس الفرس و نحوي ، و وجوههم نحو ذيل الفرس ، نحو القبلة الثالثة (في القارة السابعة) ، حين قرّر الثوار تخليص القدس من حوافر أتباع يهوا و تجنيبي القتل إلى الأبد و تخليصي من هذا النّزيف المزمن. ..
لأنّ هذا التّحرير خطوة أولى على طريق تحرير الإنسانية جمعاء ، كان لا بدّ على الّثوار من بدء المشوار من القطب الشمالي ، و بدأت المسيرة فعلا حتى النرويج ، هناك في مدينة تسمّى اسلو ، طفح بهم الشوق و اللهفة للتّحرير العظيم و لقاء القدس، إختطفوا صاروخا و حطوا به في ساحة بيتي ، و لمّا كان البيت عتيقا مشقّقا بفعل السنين ، أعيش فيه مع أولادي على سراج زيت و فتيلة ، انطفأ سراجي بفعل "العاصفة" التي أحدثها ارتطام الصاروخ ، تهدّم البيت على رأسي ، لكنّ أمي خرجت تزغرد و و زوجي و أولادي ، و زغرد دمي معهم فداءا للقدس..
اليوم يا سيّدي ، بعد التّحرير ، حرمت من زيارة القدس بايّ من الفصول ، اشتقت لحجارتها و لعبق الزيتون فيها .. اشتقت لأصفر القباب و تراتيل الكنائس ، اشتقت للشام مصلوبة على بابها العتيق ، و اشتقت للمغاربة في حاراتها.. اشتقت للعذراء تهزّ نخلتها.. في البداية كنت أتسلّل للقرى المجاورة ، كي أرى من بعيد الشمس في الغروب تنغرس في لحم اصفرار قبّة عبدالملك بن مروان. . اليوم ، و لضروريات التّحرير العظيم لم أعد أتمكّن من الوصول لهذه القرى حول القدس ، و صرت امضي يومي باحثا عن أعلى جبل في رام الله ، و استخدم المنظار المكبر ، كي أرى لمعة واحدة من لمعان إصفرار القبة ..إن كان الجو صافيا دون غبار أو غيوم..
ضاع كلّ شيء يا سيّدي .. كلّ شيء بعد مسيرة التّحرير القطبية ، و تحوّلنا إلى موظّفين ، نقبّل يدي المدير صباح مساء ، كي يضع أسمائنا في أول قائمة الرّواتب ، حتى نضمن لقمة العيش ، فقد تمتنع أو تتأخر أوروبا بإرسال معوناتها الاستغاثية ، فتصعب الحالُ ، و تشحّ الأموالُ ، فتقتصر الرواتب على الاسماء الأولى في القوائم .. و هكذا أيها الحبيب ، اصبحت معركتي كيف أكون دائما من بين الأسماء الأولى في القائمة.. أكثرنا عقلانيّة و موضوعية أكثرنا قبولا بما قدّر "الثوّار" لنا ، و هو أكثرنا تقبيلا ليدي المدير .. فكلّما زادت القبل ارتقيت درجة في القائمة ، و كي تحافظ على موقعك "الثوري" المتصدّر عليك أن تكون دائم التّقبيل... اهترأت الشفاه و اختلطت اللّغة ، فكيف يستوى هذا مع التّاريخ يا عبدالرّشيد يا عبدالرّحيم ..كيف؟؟!!
تسألني عن حبيبتي .. القدس .. سافرت إلى القارة السابعة و سأتي معك علّي أراها.. و لو لحظة قبل انتهاء العمر. هل التقيت بعبدالرّحيم محمود هناك ؟ لا أدري لماذا تركني وحيدا ،سبقني و غادر إلى قارّتك ، أرجو إعلامه بأنني قادم و رسن الفرس ما زال بيدي .. فلينتظرني..
من القارة السابعة
حكيم
تعليق