سيخجل منها الغرب و سيفتخر بها الشرق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حكيم عباس
    أديب وكاتب
    • 23-07-2009
    • 1040

    سيخجل منها الغرب و سيفتخر بها الشرق



    سيخجل منها الغرب و سيفتخر بها الشرق
    فنّانة سعودية بحجم الألم
    الفنّانة تهاني طلال
    لوحتان للفنانة السعودية تهاني طلال أدرجتهما أدناه ، رغم ما لدي من قول حولهما كعملين فنيين ، إلاّ أنّ الثيم و الموضوع و العناصر و التصميم الفني النّادر ، الإنساني ، الشفّاف ، العظيم ببساطته جذبتني و أجبرتني على تجاوز كلّ ما لدي ، و لو مؤقتا ، و جعلتني أكتب هذا النّص من وحيهما، رغم اعتقادي الرّاسخ أن خلف هذين العملين فنّانة سيخجل منها الغرب و سيفتخر بها الشرق و لو بعد حين...

    1. أطفال غزة / الفنانة السعودية تهاني طلال
    اكرليك على القماش . 75×60 سم




    2. أطفال العراق / الفنّانة السعودية تهاني طلال
    اكرليك على القماش . 75×60 سم





    ....... /النّص في الصفحة التالية
  • حكيم عباس
    أديب وكاتب
    • 23-07-2009
    • 1040

    #2
    لأنّهما افرازات الغرب على الشرق ، و لأنّهما نظرتان غربية و شرقية ، و لأنهما سكين و جرح ، و لإنّهما لغتان ..سأكتب نصّين ، بلغتين ، شرقي و غربي ، للقارئ الشرقي نصّ و للقارئ الغربي آخر ، و لكلّ منهما الحريّة في الإطّلاع على نصّ الآخر..


    النّص الأول .. الشرقي (للقارئ الشرقي!)

    هناك أخطاء يقع بها أصحاب الخلق الإبداعي ، خاصة أؤلئك الذين يُمعنون توغّلا في أعماقنا ليكشفوا زوايا فينا أسدلنا عليها الستار لننعم بالهدوء، طالما أنعمت علينا العتمة أخت النسيان بحجب تلك الزّوايا عن ساحة الضوء و الانفعال. أنتِ منهم ... أؤلئك الذين لا يكلّون من شدّ اللّحاف عنّا . أخطأت مثلهم... إذ اعتقدت أنّنا نعلم حقيقة سرّ شهرزاد ، و اعتقدت بأن من كان من سلالة الف ليلة و ليلة و بساط الريح ، سيفهم حتما إطلالة الملائكة من بين الغيوم ، أو إذا أسرَجت عشتار سحابة تحطّ فوق أهدابنا ، أو إذا خرجت الجنية الطيّبة من زبد الموج... أنت مازلت تعيشين في زمن التألق البغدادي، بعضنا لا يعرفه ، بعضنا صار ذكرى لديه غارت في ازدحام الحاضر و منّا البعض ما زال يبكيه.

    نعرف أن الفرات و دجلة يزحفان من الأناضول إلى "شطّ العرب" . في البراري الجدباء ، مدفوعان بالرّهبة و التّوحش البري ، يسعيان لبعضهما ، فتولد بغداد من شغف اللقاء و التّوق للعناق.

    نعرف أنهما يبسطان صدريهما تحت سماء من نخيل "لا يَنْأَى عنهما القمرُ" ليكوّنا شاطئا يتشبّثُ به العرب (يتشبّث؟؟؟ ههههه).

    نعرف أن بين الرصافة و الكرخ ، يأخذ دجلة الصغير قيلولته.
    نعرف أن هنا كتب الإنسان ما يجول بخاطره لأول مرّة ، و هنا شرّع ، و هنا استعرض الخيال فجاور السماء بحدائقه ، هنا نام جيلجامش على خشب سفينته. نعرف ان هنا قامت سومر ، ثمّ بابل و اشور و كلدا و كل من أتوا بعدهم . ونعرف أنّنا هنا نحن قمنا فأقمنا الدنيا معنا ..

    ما لا نعرفه ما حصل من عجائب و غرائب و ما تواجهه من قناعة لدى الناس إذا زرت اليوم بغداد ، يقسمون لك أن النّهرين ما عادا كما كانا ، فهما الآن ينبعان من غزة ، و الغريب أنهما يدوران ملهوفين ، كامرأة ثكلى على أطراف الصحراء العربيّة ، يلوّحا لقانا ، ثمّ يعودا ليناما في غزة ، و يقسمون لك أنهما لا يلامسا المتوسط ، بل يناما في المدينة. في غزة تذهلك قناعة النّاس بأنّ النّهرين ينبعان من بغداد ، ويدوران على أطراف الصحراء كأمّ فقدت كلّ أطفالها في قانا ، ثمّ يدخلان غزة . و يقسمون أنهما لا يلامسا المتوسط و لا يقفا عند حاجز إيرز!!

    و هكذا يكتمل حبل المشنقة حول أعناقنا...هذه المشنقة ليست في لوحتيك بل بينهما ....

    حكيم


    ....... / النّص الثاني في الصفحة التالية

    تعليق

    • حكيم عباس
      أديب وكاتب
      • 23-07-2009
      • 1040

      #3
      النّص الثاني .... الغربي (للقارئ الغربي!)


      أمام الملهاة

      صباح الخير .. جملة تختصر البدايات و طعم الجمال في زحف الضوء يحرّرُ الأمل من عتمة تتراخى ، معنى يتجدّدُ كل صباح ، يُوسّع الصدر فتغدو دقات القلب أكثر رخامة و انسجاما .. تماما كما شعرت للوهلة الأولى حين فاجأتني طلّت ابتسامات جوقة أطفال ، كأنّهم ملائكة مجنّحة تهبط من السماء على بتلات الزنابق ... صباح الخير يا فيليب أوتو رونجي أهذا هو "الصّباح العظيم" ؟

      و لما لم تلتقط عيناي لا الناي و لا القيثار و لا المزامير في أيدي الأطفال ، لم أعد أسمع رخامة دقّات قلبي ، وظلّ صدري متهيّئا لاستقبال دفقات الأمل الكبير ، لم يأتِ ، أبَيْتُ التّراجع ، لا تستسلم بسهولة نفسي ، فرجوت أن يكون بيير باول برودون من يسترق النّظر في "فينوس تستحم" و هذه جوقتها المجنّحة فوق الغيوم . لكنّ النفس لا تقنع بعد الصدمة بسهولة أيضا ، فأسرعت الخطى نحو بيير نارسيس جورين في استضافته لـ "أورورا و سيفالي" لعلّي أجد ما يعيد لي بعضا من ما كنت عليه ... لا .. لا.. ليس هذا !!
      تشبّثتُ بـ نيقولاس بوسين في موكب " انتصار نيبتون " حيث تأخرت عن الموكب ، فربما أرى طرفه الآن بعد أن غاب خلف الموج... لا ..لا .. ليس هذا !!
      إذن هي " عودة نيبتون " إلى جون كوبلي . لا .. لا !!
      شعرت بالبرودة تدبّ في أوصالي و صدري يضيق ... كتشبّث الغريق يقاتل من أجل قبضة هواء ، جمّعت بقايا ما تبقى فيّ من قوّة و هتفت بـ وليم بليك : أهذا أنت في "زوبعة العشاق" ؟؟ فإذا الزوبعة تقتلعني من جموح الخيال لأرتطم بالواقع .. هاويا نحوه و قد أُغلقت ضلوعي على قلبي الذي أوشك على السكوت .
      قبل الرطمة ، تتعلّق روحي بـ "حلم أوسيان " وأناشيده التي رآها جان إنقريس . ّيفلت منّي فأتمسّك بـ " أوسيان و هو "يوقظ الأرواح بصوت قيثاره على ضفاف الـ لورا" أمام فرنسوا باسكال جيرارد...لا ..ليس هذا !! فأرتطم ..

      هل أنتم أرواح أيها الأحباء الصغار على ضفاف الـ لورا ، عفوا ، على ضفاف الفرات و دجلة ؟؟ أنا بينكم؟؟ أتعرفون كيف جئت هنا ؟؟ أتعرفون كيف جئنا كلنا هنا ؟؟ من أيقظنا؟؟

      يضحكون من منظري كعصفور سقط للتّو من حلم تعلّق كعشّ مهجور على قمّة نخلة . يضحكون و يؤشرون بأعينهم ، نظرت حيث ينظرون ، فإذا بإيقاع صفعة تمتحُ ماتبقى في خلاياي من قدرات الفعل .. مسيرة ريمبرانتية لأطفال أشدّ صرامة من مقاتلي أشور ، ألقوا السلاح و ساروا خلف الشموع ... شعرتهم يمشون نحوي بأعين نافذة ثابتة باتجاه هربت عيناي إليه تستجليه ، فاصطدمت ثانية بضحك جوقة الأرواح / الأطفال... فسقطُ في زاوية كطير تزلّعت ريشاته .. لا حراك لا أجنحة لا حلم لا دقات قلب لا نفس فيه . هل أنا من الأرواح فعلا؟؟ من أيقظنا و لماذا عند حبي الشمس فوق قمم النخيل.. لماذا يا تهاني طلال؟؟ اسم سيضاف إلى القائمة.

      صباح الخير يا فيليب أوتو رونجي ، أين الموسيقى.؟؟؟ الموسيقى المقدسة و المزامير أين؟؟

      فقط لو كانت المزامير و الناي و القيثار بأيديهم ، بأيدي هؤلاء الأطفال ، لما حصل لي ما حصل.. لماذا يا تهاني طلال ... لماذا أخذت منهم أدوات اللحن ؟؟ لماذا إقتحمت كل هذه الميثولوجيا و الاساطير و الجمال الذي ينام على كتف البشريّة منذ آلاف السنين ؟ لماذا تُقلقين المقابر ؟ لماذا أخذت الناي و القيثار و المزمار و حملتيهم الأوانيالفارغة ، يضربون بها على رؤوسنا ... أي موسيقى تتوقعين من ضرب الأواني الفارغة على الرّؤوس؟؟
      هل تدركين أي استهتار و أي عبث قمت به؟؟ أي جرأة هذه ؟ أتضربين أقداس التاريخ و الجغرافيا و التّعالي العنصري و الريادة الثقافية و الفكرية وينبوع الحضارات و صروحها الشاهقات ، بأواني ألمنيوم رخيصة و فارغة ؟؟ ها هو نيبتون و ديانا و فينوس و أورورا و اوسيان يلوبون في الشوارع لا يستطيعون العودة. حتى جوقاتهم الملائكية سقطت أجنحتها ولن تتمكن من الطيران بعد اليوم. كان آخر من استغثت به قبل اصطيادي بين لوحتيك هو وليام بليك فاقتلعتني "زوبعته" ، لكن اسمه بقي يتردّد في رأسي المنتفخ . ما دمتُ تجاوزتالصدمة و بليك مازال هنا ، لأساله إذا كان يعتقد أن هؤلاء هم "الهاربين من سدومي" ؟؟
      أنتَ – يا بليك - واكبت دانتي في الجحيم ، و شهدت لقاءه مع فيرجيل ، و كنت الثالث غير المرئي و رأيت كلّ ما رأياه ، أو هكذا قلت لنا ... و لم تصطحبوا أبو العلاء المعرّي فتفهمناكم ، لكن ، ألم تجدوا مجرما غير نبوخذ نصّر ، فحولته لحيوان بدائي مخيف بمخالب يحبو على أربعة حبيس في كهوف صخرية معتمة؟؟
      حتى صديقنا جوسيبي فيردي ، غنى لضحايا نبوخذ نصّر و رماه باللعنة ، فظل كل يوم يُلعن في دور الأوبرا حتى يومنا هذا.. ألم تر من صبغ فراتنا و دجلانا بالحبر ؟؟

      ألم تر من لم يعجبه الحبر فجاء ليصبغه بالدّم ؟؟

      ألم تر أصدقاء شمشون من أبناء آوى ، كيف يحرقون بذيولهم الملتهبة حقول القمح في غزة ؟ سحب رغيف الخبز من افواه الأطفال ، ماذا كان عقابهم الإلهي؟؟ لماذا فقط نبوخذ نصّر؟؟


      يا دانتي لم لا تَقُل شيئا بهؤلاء؟؟

      يا فرجيل لم لا تُنشدْ لضحايانا ؟؟


      حتى أخيلي لم يعمه انتصاره على فيكتور فبكاه.
      لا تغضبوا إذن من تهاني طلال إذا خرجت لشوارع مدنكم تغني أوبرا ليس من أشعاركم و لا على ألحان فيردي ، بل أوبرا على قرع أواني الطعام الفارغة ... بابتسامة طفل و شمعة تضيء خراباتكم ، صُنعت من دهن آدمي جَمَعَه أطفال غزة من مخلّفات شوي آبائهم بأفرانكم الحديثة.

      تعالوا نتحاكم أو نتحاور هنا بين هذين المشهدين . تعالوا هنا بين لوحاتي تهاني طلال ، و لتكن الرصافة على اليمين والكرخ على اليسار و في الأنف رائحة دم أطفال قانا طازجا ، و غزة معلّقة في الهواء تنزّ فوقنا دهنا آدميا ساخنا... و لتصمّ الآذان من قرع الأواني الفارغة لأطفال ماتوا ثمّ قاموا يبتسمون ... لا ينتقمون ... يبتسمون...أويضيئون خراباتكم بشموع من دهنهم... من يجرؤ على ترك حبل المشنقة يلتفّ حولعنقه ، فليأتي معي هنا بين مشهدي ملهاة ، بين لوحتي تهاني طلال...



      حكيم





      انتهى

      تعليق

      يعمل...
      X