دهن المحاجر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد عبد السميع نوح
    عضو الملتقى
    • 14-11-2008
    • 108

    دهن المحاجر

    دُهْنُ المحاجر
    وكان يبصُّ تجاه السَّما
    ورهط ُالعفاريت
    يعلونه بالصراخ
    ويعلنُ سيدنا أوَّلَ الكَرِّ
    يجتثُّ ناشزَهم بالعصا
    فياأيها الخالُ :
    هذا يتيمٌ يؤمُّ السماءَ له قِبلة ً
    فطفِّفْ له اللوْحَ
    إنَّا نكفكفُ من ليلهِ
    ليلة ً
    ليلة ً
    لعلَّ الثعابين عن عينه ترْعَوي
    سَترْنا عروقَ السقوفِ
    لِكيْلا تلعَّبَ في عينه
    لمسْنا بدُهن المحاجر ِ
    ما كان يهتزُّ من خرْبشاتِ الحوائط
    نطمسُ ما ساءَهُ
    فما طيَّبَ الجُهْدُ أمْساءَهُ
    نجرِّدُ جدرانَ دار العمومةِ ، دُوَّارها
    من مسامير شَجْبِ الهدوم
    لكيلا تلعَّبَ في الليل
    إذْ تُطْفأُ الشمسُ
    ثم
    تشيحُ السماءُ بوجهِ النهار إلى نفسها
    وكان يبص تجاه السماء
    فأين يبصُّ ؟

    وكمْ ليلةٍ حَمَلتْه على كِتفها
    سَبَاسِيَّة ٌ
    أمطرتْ حزنَها على تربةِ الخوف
    فاهْتزَّ عِفريته ورَبَا

    نحوَ زِقِّ التعاويذِ
    تحملهُ حارة ٌ
    على رأسها شارعٌ
    وفي كل منعطفٍ ـ كالمروريَّ ـ حارسُ جِنٍّ
    فيسألها كِلمة السِّرِّ
    وهي تتمتمُ : لا
    "لايئودهُ حفظهما .. "
    فإمَّا يبشُّ فيكمل :
    "وهو العليُّ العظيم"
    وإمَّا يشيبُ من الرَّوْع خوفٌ يتيم

    وهل كان نقشٌ على صفحةِ الطين
    إلا طواحينُ ليل ِالمصاطبِ
    إذْ يبذرونَ" الحواديتِ " حَبَّاً من اللغو
    تنفجرُ الآن تلك الشظايا
    كما انفجرَ النخلُ من شعرةٍ في نواة ؟

    ومن عبقر الخوف ينهلُّ وحْيٌ
    فيمتثلُ الليلُ في مسرح ٍ
    عَرْضُهُ كالسماء
    يؤدي ويتقنُ دوْرَ البطولة
    هذي "تراجيديا" عمرنا الغضِّ تمضي
    عن الغولة الأم في عزِّها
    وعفريتة عند شطِّ البحيرة
    ندَّاهةٍ في شطوط المساقي
    بأجمل من شطط الأخيلة ْ.
    عَروس ٍ ذوَى الحسنُ من بَعْدها
    لكَمْ أغرقتْ ساذجا هامَ في جيدِها
    وتمشي
    على وَجْنةِ الماءِ
    تبحثُ عن غيرهِ
    وكمْ أيقظتْ مٍن بناتٍ حسان ٍ
    حملنَ الجرارَ إلى حيثُ يبتسمُ النهرُ
    غَنينَ للصبح طوْرا فطوْرا
    إذا مهرجانُ العفاريت يعلو
    ويعلو
    ويعلنُ عن طيشهِ
    فما زالَ ليلُ الحقول على عرشِهِ
    يَمَسُّ الجنونُ كبيرتهن
    وتهوي الصغيرة بالكفِّ توقظ ُنومَ الحواديت في خدِّها
    يَعُدْنَ
    إلى قريةٍ يركبُ النومُ ليلتَها السَّاجدة ْ
    يعدن جميعا
    عدا واحدة ..

    تهونُ العفاريت ُ
    كلُّ العفاريتِ
    إلا ثعابينُ عين اليتيم
    وكمْ منْ فقيهٍ أدارَ البخورَ على رأسِهِ
    وكمْ ليلةٍ حملته سباسية على كتفها
    سَرَتْ
    وسَرَتْ
    نحو دار الفقيه
    يذيبُ احمرارَ الصُّحون ِ
    بماءٍ من الوَرْد ، ماءٍ من الو ِرْدِ
    يطلي به حائط َ الخوف
    دُهْناً من الذكر والفكر
    لازال يسأل :
    ماذا أصاب اليتيم ؟
    تقول التي
    على كتفها
    حملته كثيرا :
    لمسنا بدهن المحاجركل الحوائط
    جردنا دار العمومة ، دوارها
    من مسامير شجب الهدوم
    يقول الفقيه :
    وهذا شراب اليتيم
    دعيه على صدر "ياسين" يغفو قليلا
    قليلا
    قليلا

    وفي غفوةٍ قام من بعدها
    واحدا مفردا
    وللأرض حقٌّ عليه
    على تبَّةِ الرَّمْي ِ
    يضبطُ "تنشينهُ "
    وفي ذروة الكِتف "نيشانَهُ "
    ومِنْ مَحْجَر ٍ
    وإلى مَحْجَر ٍ
    ناوشتهُ الثعابينُ
    تفريهِ في دُهنها
    وشيئا فــ شيئا
    تألَّفها
    صارَ رَبَّا لها ..
  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    تحياتى البيضاء

    هذا النص يدل على موهبة خصبة ، وقدرة لغوية فذة إذا تجاوزنا عن توظيف ( يبص – يلعّب ) ، وثقافة واعية تكتنز خبرات تراثية وتحاول توظيفها لخدمة السياق الدلالى والجمالى للنص

    ربما لى ملاحظة على السياق الدلالى حيث قامت الفكرة الشعرية على لحظة شديدة التوتر والتكثيف
    وكان يبصُّ تجاه السَّما
    ورهط ُالعفاريت
    يعلونه بالصراخ

    نحن أمام إذن حالة من فنية استدعاء الطقس التراثى وخاصة فى جانبه الأسطورى والذى يذخر بحكيا الجن وممن يتعاملون معهم
    بالطبع هنا نحن أمام إسقاط دلالى يمكن تلقيه عن هذا الولد اليتيم الذى ربما يمثل المثقف أو إنسان العصر الذى يعى غيبة العقل العربى وراء الكثير من الخرافات بما تحمله تلك الدلالة من إيحاء اليتم أى الشعور بالاغتراب
    ثم نجد النص يستمر فى تكثيف تلك الحالة عبر استدعاء طقوس أخرى مستوحاة من التراث وهى الطقوس التى ترتبط بالتعامل مع مثل هذه الحالات النفسية بل إنها تنشر ظل تلك الحالة على البيئة نفسها وعلى مواقيتها
    تشيحُ السماءُ بوجهِ النهار إلى نفسها

    وكذلك عبر هذه الصورة
    وكمْ ليلةٍ حَمَلتْه على كِتفها
    سبَاسِيَّة ٌ
    أمطرتْ حزنَها على تربةِ الخوف
    فاهْتزَّ عِفريته ورَبَا
    مسْنا بدُهن المحاجر ِ
    ما كان يهتزُّ من خرْبشاتِ الحوائط
    نطمسُ ما ساءَهُ

    إذن نحن أمام تجربة شعرية مغايرة تتجلى فيها القدرة على التحليق المغايرة والاستفادة من طاقات السطر الشعرى وتقنية كتابته لخدمة طبيعة التجربة الشعرية وفنية التعبير عنها

    ربما كان السياق الجمالى فى رأيى كان محتاجا أن يكون شفافا أكثر ومتشبثا اكثر بهذا الخط الدلالى أو الفكرة الشعرية التى قام عليها
    لكن يظل هذا النص تجربة حقيقية فى تقديم خبرة شعرية متميزة ومنفتحة على توظيف التراث باقتدار وروعة

    تعليق

    • عارف عاصي
      مدير قسم
      شاعر
      • 17-05-2007
      • 2757

      #3
      محمد عبدالسميع نوح
      الشاعر الكريم

      جميل أن نقرأ صورا وظلالا
      بعيدة الغور هي كالدر في المحار
      تحتاج مهرة الغواصين لثبر أغوارها

      أرى التكثيف الشديد جدا
      جعل الرؤية هنا أقرب للتكهنات
      فلا يستطيع أحد القطع بما يراد
      وهنا يصدق القول المعنى ببطن الشاعر

      هذا رأي

      سعدت بمروري بصفحتك

      بورك القلب والقلم
      تحاياي
      عارف عاصي

      تعليق

      • محمد عبد السميع نوح
        عضو الملتقى
        • 14-11-2008
        • 108

        #4
        الأخ الفاضل الشاعر الكبير والناقد الكبير / محمد الصاوي السيد حسين
        ماهذا الصدق والعمق والاستشراف البليغ ؟؟ والله لقد أضاءت كلماتك في نفسي أجواء جديدة من الإبداع . وعمَّقتْ قراءتك أبعاد القصيدة فعلوتَ بها .. أشكرك على جهدك المخلص لما تقرأ .. ولأنك شاعريعرف دروب الشعر وخفاياه لمست كلماتك روح النص وروحي .. دمت كبيرا

        تعليق

        • محمد عبد السميع نوح
          عضو الملتقى
          • 14-11-2008
          • 108

          #5
          الأخ العزيز الشاعر الناقد / عارف عاصي
          وأنت غواص ماهر ولا شك .. وليكن بعض المعنى في بطن الشاعر، وبعضه للمتلقي .. وكلٌّ حسب قراءته .. فالنص يضع أكثر من احتمال كلها مقصود ..
          النص مفتوح على التجربة الإنسانية باحث عن الأثر أكثر من بحثه عن تحديد المؤثر... شكرا لقراءتك المتميزة ويشرفني حضورك دائما .. تقبل تحياتي ..

          تعليق

          يعمل...
          X