الطاّبعة العجيبة
سرعت ليلى إلى غرفتها حيث الجرار التي أودعتها والدتها " أم الخير " بالغرفة، ثمّ فتحت جرّتها المسحورة وضمّتها إلى صدرها متأمّلة شكلها وزينتها وزخرفها البهيّ إذ بها تبصر شعاع نور خافت في قاع الجرّة .نظرت بعمق فكشفت عن آلة مغناطيسيّــــــة صغيرة. تناولتها بيدها وشرعت في تقليبها بلهفة وشوق فإذا الآلة الصّغيرة تتكلـــــــــّم وتصدر أصواتا لافتة. بعد هنيهة جاء صوت رجل قائلا: " أنا باولو" .. مرحبا .. مرحبا ليلى ، افتحي برنامج الجهاز الكشفي . فتحت ليلى الجهاز ، فقال باولو: اضغطي على لوحة الوقت .ضغطت ليلى فأشتغل الجهاز بصورة مدهشة ، وكشف عن خيارات زمنيّة لا تحــــــدّ . بإمكان ليلى أن تتنقّل وتسافر عبر الأزمنة والأمكنة والحضارات.
لم تكن ليلى تعبأ بالماضي البعيد ّ، وهي ابنة الحاضر ، فأرادت أن تتجّه إلى الآتي البعيد فإذا هي في العام 2109 ميلادي . كان هذا العام مليئا بالأحداث والانجازات العلميّة والتّقنيّة الباهرة . لفت انتباهها انجاز علميّ استثنائيّ فقرأت على الشّاشة الصّغيرة : تكنولوجيــــا جديدة لنسخ أعضاء جسم الإنسان.
توغلت في تصفّح البرمجيّة فإذا بها في مختبر الدّكتور الاسبانيّ "بولو ألبرتي" في غرفة تكتظّ بالآلات وأجهزة الكمبيوتر والكاميرات ، وهو بمكتبه يتحدّث إلى مرضاه.
هذا المريض " سافو" يعاني من تدمير تامّ لقصبته الهوائية ، وهذه المريضة" ناتو" المصابة بسرطان الكبد. وهذا مريض آخر يعاني من قصور في وظيفة القلب ، والكلّ على أمل وانتظار .
يدخل المريض إلى غرفة العمليّات بعد أن يشخّص الفريق الطبّيّ مرضه بدقّة ، فينقر الجرّاح على زرّ طابعة ضخمة شبيهة بطابعة المستندات وينتظر بضع دقائق ليخرج نسخا أصليّة من كبد المريض أو من قلبه أو رئته أو كليته. وثمّة مرضى آخرون يحقنهم الجرّاح بسائل سحريّ يرمّم به خلاياهم المصابة .
وتنتقل ليلى عبر الزّمن الآتي فإذا هي مع الدّكتور " دفيد وايت " البريطانيّ الجنسيّة رفقة الدّكتور والجرّاح التّونسيّ " ماجد المالك" وهما أمام آلة كبيرة تسمّى " طابعة الخلايا الحيّة" وقد كتب على قفاها عبارة " صنعت بالولايات المتّحدة العربيّة ".
قال الدّكتور ماجد لليلى : نعكف هنا على صنع أعضاء بشريّة حيّة من المرضى أنفسهم ، والمهندس الطبيب " فراس غالب" هو مبتكر هذه الطابعة التي تعمل بخلايا الجسم الحيّة بدلا من الأحبار.، وإذا به يعدّل رأس الطّابعة لتتحرّك رأسيّا وتنسخ طبقة من نسيج الكبد للمريض "أنطونيو"
وقفت ليلى مذهولة أمام هذا العالم الغريب والعجيب كأنّها في حلم عميق ، وتوجّهت إلى الدّكتور " ماجد" : كيف يمكنني أن أفهم هذه التّقنيّات العجيبة ؟ وهل بإمكاني أن أصنع مثل هذه الآلات ؟
أجاب الدّكتور ماجد بأريحيّة وهدوء : عليك يا ليلى أن تختاري شعبة الهندسة الطبيّة عندما تكبرين ، وبإمكانك العمل مع هذا الفريق . فلدينا عدد كبير من الطلبة المختصّين في علوم الجراحة والوراثة والهندسة الطبيّة والاستنساخ البشريّ والحيوانيّ. فزعت ليلى ، وصاحت ، والاستنساخ أيضا ؟،
يعني أنّكم تستنسخون بشرا . ضحك الدّكتور ماجد وقال : استنساخ الإنسان ليس هدفنا وغايتنا يا ليلى إلا أنّه بالإمكان الاستفادة من هذا العلم باستنساخ كلّ الأعضاء البشريّة وعلاج المرضى الذين فقدوا أعضاءهم . صمتت ليلى لحين ثمّ مسكت بجهازها العجيب وضغطت على زرّ العودة فإذا هي في القرن الحادي والعشرين وتحديدا في العام 2034م ، وهي طالبة بكليّة الهندسيّة الطبيّة والتّكنولوجيا في سنة تخرّجها ، وفي ذهنها أحلام ومشاريع جمّة لأجل الإنسانية التي ستكرّس لها الغالي والنّفيس .
تعليق