الإنقلاب الشعري الذي ما برح يجد الكثير من المعارضة والمطارحة على مرحلة الرواد يشبه مطلقاً الإنقلاب الأول والذي أسس له وحاك خيوطه وجاهر به من نحن اليوم وفي هذه الأوقات نعتبرهم قمماً في الشعر العربي الحديث وهذا الإشتغال الذي أول من قاده بعض الشعراء الذي لم يتمكنوا بمرحلة ما من تأسيس أيدولوجية ثابتة أشبه بالركيزة والقاعدة بل كانت أشبه برمال متحركة آيلة أحياناً فلا يثبت نص ولا يظهر شاعر وبما أنا دخلنا لعصر جديد تماماً يحتاج لرواده ومثقفيه وشعراءه الذين سينهضون ويقودون هذا الإنقلاب الشعري في محاولة جريئة لتمزيق عباءة أسلافهم والخروج على السكّة التي تعلموا المشي المتعرج الممسوق عليها. فكما أن الإنقلاب الستيني كان ناجحا وأتى أكله بعد أقل من قرن ستستهوي المتلقي اللعبة من جديد وسيصدر لا محالة البيان الجيلي الألفي متمرداً في تذوقه وقراءته وإنصاته وحكمه.
كلنا يتفق على أن القصيدة الحديثة وبما تحمله من شعرية خصبة وتأثير وتشكيل وأسلوب هي حصيلة فكر الشاعر وعصارة ذهنه ونظرته الواقعية واللا واقعية المستمدة من تجربة الآخر وربما بغوص وهبوط في أعماق الرمز والأسطورة والإحالة , مما يدفع النص الى انتهاك وخرق سنن الكلام العادي محولا إياه الى خيال أو ضرب منه.
أيضاً نتفق جميعاً على ان القصيدة الحديثة وتحديداً قصيدة النثرلها خصائص تجيش في كنه التجربة وعمق المضمون والتركيب الذي يبتعد عن التقليد والمباشرة مكدساً حقليهما ليضمن أفق الفكرة وعمق التجربة ووضوح الصور واكتمال الرؤيا والتجوّل الحر بين المفردات برشاقة وإيقاع ليفيض وينزّ العرق من جسد القصيدة ويبتلّ المضمون الشرس برائحة اللوز المر.
ولكي تتوافق دفتي الميزان على العمل النقدي المتجه صوب النصوص الحديثة أن يتسم ببعض المعقولية والخصوصية ويبتعد عن الشخصنة وإقفال العقل وتوجيه أصابع الإتهام جزافاً فالأساس المنهجي المنطقي الأكاديمي شرط ضروري لتوفير أرضية واعية وركيزة تتجوهر نظرياً بفعل تراكم معرفي يضيئ السبيل للحساسية النقدية ويخصبها ويثري آمالها ويعين كدّها البحثي بروح عالية من الدقة والإنضباط والحصافة لكي تختبر قوة الأداء في النهاية وتضاعف من قدراته على التوغل في طبقات النصوص وفتح آفاق جديدة تخول القارئ وتجعله قادراً على النظر بمنظور اكثر وضوح وأدق تفصيل , لذلك على العمل النقدي الموجه لفئة أو لشخص أن يكون نسبياً ضمن دائرة الشك خاصة حين يتكون هذا النقد بدوافع غريزية بعيدة عن التوجيه العقلي والرؤية النقدية البحتة لقيمة العمل ومدى توظيف وتسريع أدواته بالشكل الضامن لنقاء وصفاء الصورة.
جنوب الله للشاعر شكري بوترعة كغيرها من قصائد الجيل الجديد وهي قصيدة كتبت من فترة طويلة ولم تكن لتستوعب هذا النسغ الشعري والدربة الحاصلة نسبياً بتجربة تتوحد بانزياح المعنى الكامن وراء الغيبيات. كما هي اسطورة سيزيف وهو يحمل عبء ما اقترفته يداه على ظهره بجلادة وصبر . يحتاج من يحمل هذا الفكر وهذا الإنزياح والخروج عن السياق الرتيب أن يكون أخاً لسيزيف وان يقف كالطود فكما قال الشاعر يصف حاله أن علينا نحن الشعراء أن ننحت بأظافرنا الصخر أحياناً لنجد لنا مكاناً ونخط لنا إسماً "
كنت قد تركت انطباعي الأول عن هذه القصيدة وسأدرجه مرة أخرى بقليل من التأني والصبر عند المتلقي الذي لا يشك إن كان مثقفاً وعلى درجة من الوعي والإدراك أن الأنموذج الشعري الأمثل والشاعرية الموسومة بالحداثة تتولد عندما يستخدم الشاعر المادة أو المعنى استخداما مميزا لا يصل اليه العامة بيد أن هذه المادة أو المعنى مشروطين بشمولية الصورة أو احتمال توارد الإشارات والدلالات عليها بطريقة غير مباشرة. هنا علينا أن نتوقف مراراً ونحبس الأنفاس ونعيد النظر في كثير من النصوص التي قرأناها ومررنا عليها مرور الكرام وهي تحتاج لوقفات نقدية حقيقة تجمع بين الحساسية النقدية والدراسة أو التأسيس الأكاديمي المدرك لأهمية هذا التوافق بين المستويين المؤلفين لشخصية الشاعر والناقد معاً.
قال الله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها)
عند القراءة الحرفية للنص ودون تأويل تقتضيه اللغة أو مجاراة للأسلوب يدخلنا في ظلامية وضبابية مفرطة في هذه الآية لم يُقصد بها سؤال القرية بل أهلها وهذا الأسلوب التأويلي يدخلنا مباشرة في إسلوب بوترعة حين عنون نصه جنوب الله بقراءتي المتواضعة للنص أظنه يقصد جنوب أرض الله . فالله خارج نطاق العقل ولا يخضع للمفاهيم المتعارف عليها وكل شيئ برأيي لا يخضع للعقل فهو لا يخضع للمفردة واللفظة الجلالية في سياقها العادي.
النص كتب بدهاء وفكر ونضوج هاذ ما أعتقده لماذا؟ لاحظوا معي وجود كلمة الشرق وهي تسبق الشطر الثاني والذي وجد فيه لفظ الجلالة والذي قلنا أنه قد أوّل بمعنى جنوب أرض الله فالشرق والجنوب والشمال والغرب كلها حدود تخضع للعقل والمنطق كما جاء السياق دالاً عليها بعود الشاعر للمرة الثانية ليؤكد على حسن اللفظة حين اورد جمل متتابعة أيضاً شارحة دالة للمعنى المجازي وهي مرتبة وكلها تجري في أردنة الفلك.
الإنطباع معناه اللفظي الإدارك المسبق وفي هذا السياق وهذه الجملة على وجه الخصوص ظهر الإنطباع على أنه قدر بمعنى قدر الله وإداركه بأن يكون الشعر غواية . قال تعالى " والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون" صدق الله العظيم , كما أن قدر الله وانطباعه المحتوم ورؤيته بأن تلك الدول ستخرج عن مسارها وتنحرف عن سبيلها القويم فهل هذا يعني أنه كان نائماً وكلنا يعلم أن الله لا ينام هي مسألة احتجاج في نفس الشاعر وإن تعمد إطراق النص بلفظ الجلالة فليس برأيي خروجاً عن الصراط ولكنه توضيح لمآل الأمور ورؤية انفتقت منذ خلق الكون وتقديره بمقادير علمها عند الله وحده جل في علاه.
ما أود توضيحة والتركيز عليه عند قراءة النصوص التي تحتمل التأويل وتنحى لآخر قد يظنه البعض خروج عن نطاق المألوف ودخول للمحرمات والشبهات. يقول تعالى "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" هل من سيخبرني كيف يكون للذل جناح ؟؟!! وهناك كثير من الآيات القرآنية الصريحة ولست بصدد تشعير القرآن فهذا كلام الله ولكنه في النهاية موجه لنا نحن البشر كافة نتعلم منه ونفيد في تجاربنا الحياتية بشمولية ومعقولية.
في النهاية هذه قراءة لنص رأيته قمة في الإبداع وهو كذلك ورأي بشكري بوترعة ناتج عن تجربة شعرية ونقدية بحتة ولست معجباً بحسن وجهه أو جمال خطوته والله لم أره حتى ولم أكلمه غير مرة أو مرتين ولأقل من عشر دقائق.. ولكن يجب علينا أن نكون حذرين عند التعامل مع قصيدة النثر فهي قصيدة لم تخلق عبثاً ولها حضور وتميز وعلينا أن نحترم من يكتبون مثل هذا النوع من القصيد وعدم التعرض لهم جراء مفاهيم ومصطلحات لم نتمكن من إدراك ماهيتها أو تكهن أقطابها بعد.
كلنا يتفق على أن القصيدة الحديثة وبما تحمله من شعرية خصبة وتأثير وتشكيل وأسلوب هي حصيلة فكر الشاعر وعصارة ذهنه ونظرته الواقعية واللا واقعية المستمدة من تجربة الآخر وربما بغوص وهبوط في أعماق الرمز والأسطورة والإحالة , مما يدفع النص الى انتهاك وخرق سنن الكلام العادي محولا إياه الى خيال أو ضرب منه.
أيضاً نتفق جميعاً على ان القصيدة الحديثة وتحديداً قصيدة النثرلها خصائص تجيش في كنه التجربة وعمق المضمون والتركيب الذي يبتعد عن التقليد والمباشرة مكدساً حقليهما ليضمن أفق الفكرة وعمق التجربة ووضوح الصور واكتمال الرؤيا والتجوّل الحر بين المفردات برشاقة وإيقاع ليفيض وينزّ العرق من جسد القصيدة ويبتلّ المضمون الشرس برائحة اللوز المر.
ولكي تتوافق دفتي الميزان على العمل النقدي المتجه صوب النصوص الحديثة أن يتسم ببعض المعقولية والخصوصية ويبتعد عن الشخصنة وإقفال العقل وتوجيه أصابع الإتهام جزافاً فالأساس المنهجي المنطقي الأكاديمي شرط ضروري لتوفير أرضية واعية وركيزة تتجوهر نظرياً بفعل تراكم معرفي يضيئ السبيل للحساسية النقدية ويخصبها ويثري آمالها ويعين كدّها البحثي بروح عالية من الدقة والإنضباط والحصافة لكي تختبر قوة الأداء في النهاية وتضاعف من قدراته على التوغل في طبقات النصوص وفتح آفاق جديدة تخول القارئ وتجعله قادراً على النظر بمنظور اكثر وضوح وأدق تفصيل , لذلك على العمل النقدي الموجه لفئة أو لشخص أن يكون نسبياً ضمن دائرة الشك خاصة حين يتكون هذا النقد بدوافع غريزية بعيدة عن التوجيه العقلي والرؤية النقدية البحتة لقيمة العمل ومدى توظيف وتسريع أدواته بالشكل الضامن لنقاء وصفاء الصورة.
جنوب الله للشاعر شكري بوترعة كغيرها من قصائد الجيل الجديد وهي قصيدة كتبت من فترة طويلة ولم تكن لتستوعب هذا النسغ الشعري والدربة الحاصلة نسبياً بتجربة تتوحد بانزياح المعنى الكامن وراء الغيبيات. كما هي اسطورة سيزيف وهو يحمل عبء ما اقترفته يداه على ظهره بجلادة وصبر . يحتاج من يحمل هذا الفكر وهذا الإنزياح والخروج عن السياق الرتيب أن يكون أخاً لسيزيف وان يقف كالطود فكما قال الشاعر يصف حاله أن علينا نحن الشعراء أن ننحت بأظافرنا الصخر أحياناً لنجد لنا مكاناً ونخط لنا إسماً "
كنت قد تركت انطباعي الأول عن هذه القصيدة وسأدرجه مرة أخرى بقليل من التأني والصبر عند المتلقي الذي لا يشك إن كان مثقفاً وعلى درجة من الوعي والإدراك أن الأنموذج الشعري الأمثل والشاعرية الموسومة بالحداثة تتولد عندما يستخدم الشاعر المادة أو المعنى استخداما مميزا لا يصل اليه العامة بيد أن هذه المادة أو المعنى مشروطين بشمولية الصورة أو احتمال توارد الإشارات والدلالات عليها بطريقة غير مباشرة. هنا علينا أن نتوقف مراراً ونحبس الأنفاس ونعيد النظر في كثير من النصوص التي قرأناها ومررنا عليها مرور الكرام وهي تحتاج لوقفات نقدية حقيقة تجمع بين الحساسية النقدية والدراسة أو التأسيس الأكاديمي المدرك لأهمية هذا التوافق بين المستويين المؤلفين لشخصية الشاعر والناقد معاً.
قال الله تعالى: (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها)
عند القراءة الحرفية للنص ودون تأويل تقتضيه اللغة أو مجاراة للأسلوب يدخلنا في ظلامية وضبابية مفرطة في هذه الآية لم يُقصد بها سؤال القرية بل أهلها وهذا الأسلوب التأويلي يدخلنا مباشرة في إسلوب بوترعة حين عنون نصه جنوب الله بقراءتي المتواضعة للنص أظنه يقصد جنوب أرض الله . فالله خارج نطاق العقل ولا يخضع للمفاهيم المتعارف عليها وكل شيئ برأيي لا يخضع للعقل فهو لا يخضع للمفردة واللفظة الجلالية في سياقها العادي.
هذه ذبذبات الشرق الرقمي الجديد :
جنوب الله
صعود الدم على سلم الريح
استسلام الجدران للشعارات
مهارة الموتى في صنع فرحهم اليدوي
جنوب الله
صعود الدم على سلم الريح
استسلام الجدران للشعارات
مهارة الموتى في صنع فرحهم اليدوي
فوق سطح المجرة
انطباع الله حول الشعر و الدول اللقيطة
واكتب صلواتك الخمس نثرا ....
و ليكن طنين الذباب مقفى
كي تنام .....
انطباع الله حول الشعر و الدول اللقيطة
واكتب صلواتك الخمس نثرا ....
و ليكن طنين الذباب مقفى
كي تنام .....
ما أود توضيحة والتركيز عليه عند قراءة النصوص التي تحتمل التأويل وتنحى لآخر قد يظنه البعض خروج عن نطاق المألوف ودخول للمحرمات والشبهات. يقول تعالى "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" هل من سيخبرني كيف يكون للذل جناح ؟؟!! وهناك كثير من الآيات القرآنية الصريحة ولست بصدد تشعير القرآن فهذا كلام الله ولكنه في النهاية موجه لنا نحن البشر كافة نتعلم منه ونفيد في تجاربنا الحياتية بشمولية ومعقولية.
في النهاية هذه قراءة لنص رأيته قمة في الإبداع وهو كذلك ورأي بشكري بوترعة ناتج عن تجربة شعرية ونقدية بحتة ولست معجباً بحسن وجهه أو جمال خطوته والله لم أره حتى ولم أكلمه غير مرة أو مرتين ولأقل من عشر دقائق.. ولكن يجب علينا أن نكون حذرين عند التعامل مع قصيدة النثر فهي قصيدة لم تخلق عبثاً ولها حضور وتميز وعلينا أن نحترم من يكتبون مثل هذا النوع من القصيد وعدم التعرض لهم جراء مفاهيم ومصطلحات لم نتمكن من إدراك ماهيتها أو تكهن أقطابها بعد.
تعليق