المحطة القديمة(قصة للزميلة أسماء هوري)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دريسي مولاي عبد الرحمان
    أديب وكاتب
    • 23-08-2008
    • 1049

    المحطة القديمة(قصة للزميلة أسماء هوري)

    اختلت خطوتي كأنني شربت حتى الثمالة.تمايلت في طريق مهجور ومقفر.لا يسمع فيه سوى ضجيج كعبي حدائي العالي.

    سواد الليل وطقطقة كعبي العالي واسود الكحل على وجنتي جعلني أحس وكأنني عاهرة هاربة من ماخور يعج بصيحات اللذة المكبوتة.

    أيعقل...؟في لحظة وجيزة أصبحت شظايا امرأة عاجزة على مواجهة دخان أفكارك وعجرفة عنفوانك.
    لمادا سمحت لنفسي بلقائك وان أعلم أن لقياك سيجعلني أتوه عن نفسي وأتجرد من تماسك قولي وسأضعف لأنك ستخيب أملي.

    التقيتك على باب المحطة القديمة.محطة مهجورة.مند زمن لم يمر قطار من هنا ولا حتى طائر محلق في سمائها.لم يتبق من المحطة سوى يافطة حديدية مكسورة تتأرجح يمينا وشمالا على حائط شاحب خدشت واجهته بخطوط وتقاطعات وبصمات مسافرين مروا من هنا.كتابة باهتة بحروف متقطعة تلاشت ملامحها تؤشر على اسم المحطة:محطة اللقاء.

    كنت هناك هادئا,واقفا,صامدا كأنك محارب في أوج معركة حاسمة.متمترس بأقنعة الكبرياء الفائق.ودرعك الواقي يشي بظله على الأرض.وقفت تحت ظلك كما لو أن طولك غطى عني ضوء القمر الحزين.أصبحت هائمة في ظلمة وجودك بقربي,وتناسيت وفي قرارة أعماقي صراخ البوح بأشياء سكنت المخيلة لسنين تختنق محدثة حشرجة الأنفاس البأساء والمتألمة.

    سلامي كان مقتصرا على حركة راسي أما سلامك فكان ابتسامة عريضة كما لو انك تسخر مني.

    كان صمتا رهيبا.والموقف مهيبا.خفت في سكونه أن يكشف نبضات قلبي وهيجان أنفاسي.أمسكت يدك يدي وأحسست في لحظة بقوة عزمك على كشف ضعفي.قلت بحزم فائق لرجل خال نفسه ملاكا:
    - تصورتك أجمل وربما أطول

    تسلحت بنظرة مستغربة لا تشفي غليل ألمي وأخفيت دمعتي التي غزت عيني.آثرت عدم الإجابة.ربما كان في صمتي قوة توهمه على انه لن يمس نقطة ضعفي.استرسل في الكلام وقال بنبرة استعلاء:
    ظننتك لن تستجيبي لهدا الموع.د !! أتيت

    لماذا استجبت ولماذا أتيت؟ربما لأعيش لحظة اللقاء في المحطة القديمة.أو ربما لأنني كنت اعرف أن لقائي لن يكون موضوع سفر.ليس هناك ركاب ولا قطار.محطة مقفرة يعلوها غبار النسيان.اللقاء سينتهي بانتهاء اللقاء...

    إلا أنني شربت ثمالة السلام والكلام والابتسام...وهمت في اللحظة حتى كدت أنسى أن في اللقاء ختام.

    زعيق اليافطة المكسورة جعلت من سلامنا ونظراتنا رقصة مرتبكة على فضاء حمل من وداع المحبين ما يكفي,زمن دموع الراحلين ما يبلل ارض المحطة بالحنين والشوق لكل لقاء حتى ولو كان لقاء باهتا.حتى لو كان مثل لقائك بي.

    قال: ا تعرفين حسبتك قوية صعبة المنال,وإذا بك تأتين في أول موعد بكل دلال.

    لم أجبه وزدت من دلالي وجرأتي ووقفت على أنامل رجلي وقبلته على شفته السفلى.كنت عازمة على لعبة تسمى لعبة الإغراء في أول لقاء.

    تلون وجهه وتجهمت سحنته,اغرورقت عيناه في رأسه وتراجع خطوتين حتى يتأملني من بعيد ويراني بصورة أوضح.

    قال: من أنت؟وماذا تظنين نفسك فاعلة؟هل أنت هنا من اجل شيء أكثر مما وعدت؟

    آه,نسيت وعده لي.وعدني بلقاء الفكر ونسيان الجسد.وعدني بان لا يلامس شعري لأنه لو فعل سيدون قتلي .

    نسيت والتزمت مسافة بعد تأمن شره وتداركت الموقف.تراجعت خطوات إلى الوراء ووقفت.

    وقفت تحت اليافطة التي تتأرجح شمالا ويمينا.أرى فيها شيئا يشبهني.مكسورة,مترنحة تتأهب للسقوط أول وهلة.

    استدرت ورجعت من حيث أتيت والكعب العالي يزعجني.وتزعجني نظرته التي تخرق ظهري وتنخر كياني.بصوت خافت سمعته يقول:عاهرة...زانية...

    لم يحاول إيقافي ولا حتى السؤال عن مغادرتي.أثناء تأهبي للرحيل سمعت صوتا صعق ادني حتى خرست.صوت حاد هز كل معالم الخوف والفزع في داخلي.اليافطة وقعت وانقسمت نصفين.نصف مكتوب عليه المحطة تدحرج نحوي والنصف الأخر مكتوب عليه اللقاء هوى في أطراف السكة الحديدية قرب من التقاني.ارتعش هو من فرط وقع السقوط وتساءلت أنا في قرارة الأعماق:

    -أمحطة أنا عابرة في هذا اللقاء؟
    -أم هو لقاء عابر أنا في هذه المحطة؟

    موسيقى كعبي العالي تقرع الطريق كما لو أنها سمفونية قرار داخلي بعدم الاكتراث لعقلية تحكم على لحظة اللقاء بالشنق والإعدام بدل التمرغ في رمالها الساخنة.

    عقلية تنحر الجسد وتعاقب الروح الحالمة وتخدر العقل وتجعله يدرك سن الموت قبل الأوان.

    هذا الرجل لن يراهن ولن يقدر على المراهنة على امرأة مثلي.لأني نقيضه المكبوت فيه ولأني أراهن على دوار اللوعة والشهوة والعقل الحر المتمرد.

    ظلمة الليل وومض الفوانيس القديمة حجب الحقيقة من عيني وعقلي.لم انتبه للحيته الطويلة ولا حتى لنظرته المنتشية بصقيع عاصفة باردة جمدت قطرات لوعتي وروحي وعقلي على أزهار الخلاء البرية.

    أتمنى أن يذوب هذا الصقيع يوما اثر صيف جهنمي يجعل المحرم مباحا والوديان نبيذا والرجال حورا والعقول عينا والحياة سينا وجيما.لكن يبدو أن الصقيع اجتاح بيوت الأمم والسطوح أصبحت قببا حادة والهواء معتم بالبخور والند ونداءات الشعوذة والناس كومة ثياب وأنيابا بدون عودة...

    خلعت الحذاء,ومشيت فوق السكة الحديدية القديمة ولم ائبه لأرجلي التي تذرف ألما ودما.اقفز من سبيكة إلى أخرى وكأنني مجنونة أصابها مس.

    كنت أفكر في مغزى هذا اللقاء وسر هذا الرجل الملتحي الشبح في غبار المحطة القديمة.انه أكيد لقاء لن يسافر.لقاء لا اسم له ولا تاريخ.لا محالة سيغيب في وطأة ذاكرة ترفض أن تكون عابرة.

    أسماء هوري
    المغرب
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    أهلا بك أستاذة اسماء .. ومرحبا فى ملتقى الأدباء و المبدعين العرب .. فأنت عربية .. مغربية الهوى و المقام .. لذا قد طاب لنا نزولك أو حلولك بيننا ، لنزيد بك ألقا و جمالا وروعة .. !
    قرأت هنا دريسى أخى قصة قوية .. لها سمتها الخاص ، وملامحها التى جاءت ذات لغة خاص ، و طريقة فى القص كانت أميل للكشف ، و التعرية ، و هى تغور فى ثنايا اللحظة ، و تسمى الأشياء دون اللجوء لحديث منمق ، أو لنقل متجمل .. غير عار .. أى حاف !!

    لن أطيل .. و إن كنت أطلت المكوث ، لدخولى ، و تصليح بعض الهمزات و خلافه ، و لكن بعد أن فعلت ، انقطع النت ، فضاع التصليح ، و أخذته الريح
    ولم يبق سوى عض النواجز ..!

    أهلا بك صديقى و حبى ، و بك أسماء
    فى انتظار جديدك
    وكل عام و أنت بخير !!
    sigpic

    تعليق

    • العربي الكحلي
      عضو الملتقى
      • 04-05-2009
      • 175

      #3
      [align=justify][/align]أختي أسماء ، اهلا وسهلا ومرحبا بك في ملتقانا الرائع .
      أخي مولاي عبد الرحمان لقد قدمت لنا عملا فنيا تحكي فيه المتاهة عن التيه في مجهول اللقاء .المحطة مهجورة واليفطة القديمة المتدلية والمتأرجحة كأيام صديقتنا . بين ما هو كائن وما هو مفقود .لوعة في الداخل وكبرياء امرأة حاولت . ولكن المحاولة فشلت خرقت بند اتفاق وذهبت في خط مستقيم السكة رغم أنها في متاهة .
      لقد كانت قصة جميلة توحي بالكثير وتبوح بالقليل .
      دامت مسيرة البوح قصصا تمتعنا .
      مع تحيات العربي الكحلي .
      النورس الجوال .
      [CENTER][SIZE="2"][COLOR="darkred"]من يزره يزر سليمان في الملـــــــك جلالا و يوسفا في الجمال
      وربيعا يضاحك الغيث فيه***زهر الشكر من رياض المعالي
      [/COLOR][/SIZE][/CENTER]

      تعليق

      يعمل...
      X