يصحُو مبكراً .. أرادَ أن يغتسل .. صدّتهُ المياهُ الباردة .. فاكتفَى بالوضوءِ .. خرجَ لصلاةِ العيدِ على عجلٍ .. هرباً من نظراتِ أطفالهِ .. انزوى على أحد أعمدةِ المسجد .. والخطيبُ في خُطبتهِ العَصْماءِ .. يحملُ مفاتيحَ الجنةِ والنارِ ..تَتَدوْلبُ من بينِ شفتيهِ عباءةُ الصبرِ .. مطّ شفتيهِ وهزّ رأسَه .. نعم .. نعم أحملُ منَ الصبرِ اسمَه .. أخْرِج يا أبا صَابر ذاكَ الجسدِ الثقيلِ من بوابةِ المسجدِ الفسيحةِ فان التقتْ عيناكَ بيديْ طفلكَ تمتدُ إليكَ تصفعُكَ علي خدّك الأيمنِ أدر الأيسرَ وقبّلها .. ليسَ لكَ إلا ذاكَ يا أبا صابر فأنتَ أبٌ غيرُ صالحٍ .. تُثقلكَ الجيوبُ الفارغةُ وتستنفذُ صبرَ السنين الطّوالِ .. انتفضتْ أصابعُ قدميهِ بعصبيةٍ لتمتدَ إلى جسدهِ المتحلّل .. أرادَ أن يقفزَ من مكانهِ ليستبدلَ الخطيبَ .. ورأسهُ تميلُ يمنةً ويسرةً وحالهُ تقولُ أنّ كلماتَه سيُنصتُ الناسُ إليها ويستمعون .. مستثنياً أصحابَ الياقاتِ المنمّقةِ .. آآآآه .. ماذا تفعلُ يا أبا صَابر؟ لا ترفع صوتكَ أنتَ في المسجد .. جلسَ متأدباً .. نعم لابدّ أن نتأدبَ في غمرةِ الأحداثِ .. ووهنِ الأقلامِ .. وضجيجِ الإعلامِ الفاسِد .. وقعقعةِ أصواتِ الظلامِ تلوكُ وتبتلعُ جوفَ المدينةِ .. يتكررُ مذاقُ العسلِ الملوّثِ بإباحيةِ الموتِ وانينِ الفقر .. حيثُ يُمنعُ الصراخُ لتجنّبِ الإثمِ ولتُطوى الطريقُ إلى الجنّة.. امممم .. أنينُ الفقراءِ ينبتُ في وحيِ الظلامِ .. لا تُسعِفُهم سُرعةُ الوقتِ والكلّ نيامٌ .. يعرفونَ أنه ليسَ بعكسِ النورِ عتمةُ الخيامًِ .. امممم .. يُطبطبُ على فخديهِ مترنحاً ولسانُه يلتوي بين صدغيهِ .. لتمتطّ حروفُ فقراءٍ تُلهبُ فمهُ .. أنينُ الفقراءِ ينبتُ في ظلّ سماسرةِ الموتِ .. المُتأدْلِجينَ في زمنٍ مُنْتهِ الصّلاحية .. ليحصُدوا دفئَ الشتاءِ ونسائمَ الصيفِ .. ويسرقون خبزَ المعجونينَ بسنابلِ القمحِ .. تقتلُ نعالُهم سنْبلتِي .. يشيّدون قصُوراً .. تتهدّجُ وجناتُ أطفالِهم احمراراً .. يدوسُون بتكرّشِهم رُكامَ الموسومينَ اصفراراً من سوءِ التغذيةِ .. أخذَ يعبثُ بشاربيه ِوقد صَمّت أذنيهِ كلماتُ الخطيبِ كلّ عامٍ وانتم بخيرٍ .. إيييييييييه .. كلّ عامٍ وأنتَ بخيرٍ يا عيد .. كيفَ نحتالُ علي أطفالنِا حينَ يستهلكُ حَناجِرهم الصياحُ ؟؟ كيفَ الوُلوجُ إلى البيتِ المسلوبِ الأحلامَ وإعدادُ إفطارِ الصباحِ .. كلّ عامٍ وأنت بخير يا عيد .. رفعَ كفّهُ وقد كتبَ في باطِنها لا للجوعِ في ظلّ التُخمةِ .. وصدى كلماتٍ تترددُ في جوفهِ .. أنا الصابرُ يا عيد .. أنا الثائرُ يا عيد .. ما بالكَ يا أبا صابر .. هل جُننت ؟؟ لقد انتهى الخطيبُ من خطبته .. عليكَ أن تغادِرَ الآن .. وتفتحَ بابَ المنزلِ على مصراعيهِ .. وتُبقي أحدَ أطفالكَ أمامَ المنزلِ .. كي لا تكلّفَ مُلقِي الصدقةَ عناءَ دقّ الباب .. نعم ما أنا بثائرٍ .. وما أنا بصابرٍ .. ما أنا إلا جسدٌ يتحللُ قبلَ ولوجِ المقابر .. نعم .. نعم أيّها السادة .. هل قلتُ شيئاً يؤلم مسامِعكم .. سأُعلّمُ نفسِي البلادةَ .. حتّى لا أحلُم َورأسِي بينَ كفّيْ أو على وسَادة .. نعم عذراً أيها السادة .. كلّ عام وأنتم بخير .. سأُغادرُ مسرعاً لأغتسلَ منْ وطأةِ مِزرابِِ الصرفِ الصحيّ .. واحكِي لأطفالِي أنّ زُهدَ الدّنيا أصلُ السعادةِ .. كل عام وأنتم بخير ... وكل عاااااام وأنت بخير يا عيد ...
كل عام وأنت بخير يا عيد
تقليص
X
-
أنينُ الفقراءِ ينبتُ في ظلّ سماسرةِ الموتِ .. المُتأدْلِجينَ في زمنٍ مُنْتهِ الصّلاحية .. ليحصُدوا دفئَ الشتاءِ ونسائمَ الصيفِ .. ويسرقون خبزَ المعجونينَ بسنابلِ القمحِ .. تقتلُ نعالُهم سنْبلتِي .. يشيّدون قصُوراً .. تتهدّجُ وجناتُ أطفالِهم احمراراً .. يدوسُون بتكرّشِهم رُكامَ الموسومينَ اصفراراً من سوءِ التغذيةِ ...
الزميل القدير قاسم بركات...
استمتعت بهذا الحوار الداخلي المشحون والحارق والذي يلتهم دواحل ابا صابر...ذلك المتجلد لكل تضارب يحكم سيرة حياته بتناقضاتها المفجعة...ينفس عن نفسه بشكل يحرض فيها الكاتب القارئ بلغة ممتعة وساخرة...
تقبل مروري...وكل يوم وأنت بخير...
تعليق
-
-
أخي الغالي
هناك نهاية خلصت إليها ، بأن زهد الدنيا هو السعادة ، تلك نظرية أقنع بها الأغنياء الفقراء ليرضوا أن يستمروا عبيدا لسادتهم الأغنياء ، ولنناقش الأمر بهدوء ، هل كان عثمان زاهدا بالدنيا ؟ وهل كان عبد الرحمن بن عوف زاهدا بالدنيا ؟
الجواب بالقطع نعم ، لكن الزهد الذي يريده بطل القصة هو الفقر والرضا به وهذا يجب ألا يكون قيمة اجتماعية تغرس عند الأولاد .
لقلمك عذوبة كبيرة ، استمتعت بمفرداتك وأسلوبك ، لكن النص موضوع بزاوية القصة القصيرة ، فأين هي القصة ، أين العقدة والارتقاء بالأحداث للتشويق ، ثم حل العقدة وأين أبطال القصة الرجل والشيخ ؟
أين الأحداث المترابطة ، وأين النهاية ، وهل النهاية العاجزة تلك سترسم طريق العجز للأولاد كون أبوهم عاجزا ، الهدف التربوي يجب أن يغرس في الأولاد روح رفض الواقع ،وتحيده ، والعمل على تغييره لا الرضا به ، شكرا للدعوة ، وأرجو ألا يغضبك نصحي ، ابتعد عن أسلوب الخاطرة فهي لن تكون قصة أرجو لك النجاح .نثرت حروفي بياض الورق
فذاب فؤادي وفيك احترق
فأنت الحنان وأنت الأمان
وأنت السعادة فوق الشفق
تعليق
-
-
رد: كل عام وأنت بخير يا عيد
المشاركة الأصلية بواسطة ثروت سليم مشاهدة المشاركةنعم والله (إنّ زُهدَ الدّنيا أصلُ السعادةِ .. )
أخي الأستاذ : قاسم
مساؤك ياسمين
هي قصة وحكمة معا بوركَ القلبُ والقلم
محبتي
تحياتي واحترامي
تسعدني اطلالتك ومرورك الكريم فمنه نستزيد رقيا
تحياتي
تعليق
-
-
رد: كل عام وأنت بخير يا عيد
المشاركة الأصلية بواسطة عبد الرحيم محمود مشاهدة المشاركةأخي الغالي
هناك نهاية خلصت إليها ، بأن زهد الدنيا هو السعادة ، تلك نظرية أقنع بها الأغنياء الفقراء ليرضوا أن يستمروا عبيدا لسادتهم الأغنياء ، ولنناقش الأمر بهدوء ، هل كان عثمان زاهدا بالدنيا ؟ وهل كان عبد الرحمن بن عوف زاهدا بالدنيا ؟
الجواب بالقطع نعم ، لكن الزهد الذي يريده بطل القصة هو الفقر والرضا به وهذا يجب ألا يكون قيمة اجتماعية تغرس عند الأولاد .
لقلمك عذوبة كبيرة ، استمتعت بمفرداتك وأسلوبك ، لكن النص موضوع بزاوية القصة القصيرة ، فأين هي القصة ، أين العقدة والارتقاء بالأحداث للتشويق ، ثم حل العقدة وأين أبطال القصة الرجل والشيخ ؟
أين الأحداث المترابطة ، وأين النهاية ، وهل النهاية العاجزة تلك سترسم طريق العجز للأولاد كون أبوهم عاجزا ، الهدف التربوي يجب أن يغرس في الأولاد روح رفض الواقع ،وتحيده ، والعمل على تغييره لا الرضا به ، شكرا للدعوة ، وأرجو ألا يغضبك نصحي ، ابتعد عن أسلوب الخاطرة فهي لن تكون قصة أرجو لك النجاح .
بداية عذرا على التأخر في الرد .. واود القول ان هذا ما كنت انتظر من نقد لهذا النص .. حيث انني لم اكتب قصة قبلا واكتب في قصيدة النثر..ولكنني كتبتها واردت الوقوف على بواطن الخلل فيها وان كنت اميل الى كتابة الشخصية الحوارية الواحدة .. ومعك في الامور التي ذكرت بالنسبة لقوام القصة وان كتبت اخرى ستأخذ بعين الاعتبار لا محالة .. اما بخصوص النهاية فهي نهاية تهكمية وليست نهاية الرضى بالامر الواقع .
سيدي حقيقة اسعدني مرورك القيم واتمنى ان ان ارى كرم اطلالتكم على قصائد النثر لنستزيد من نقدك الادبي .
كل التحية والتقدير.
تعليق
-
-
رد: كل عام وأنت بخير يا عيد
الزميل القدير قاسم بركات...
استمتعت بهذا الحوار الداخلي المشحون والحارق والذي يلتهم دواحل ابا صابر...ذلك المتجلد لكل تضارب يحكم سيرة حياته بتناقضاتها المفجعة...ينفس عن نفسه بشكل يحرض فيها الكاتب القارئ بلغة ممتعة وساخرة...
تقبل مروري...وكل يوم وأنت بخير...[/quote]
الاخ دريس مولاي عبد الرحمن
مروركم بحد ذاته يعطينا الثقة ودفعة للامام
تحياتي
تعليق
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 201560. الأعضاء 3 والزوار 201557.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 489,513, 25-04-2025 الساعة 07:10.
تعليق