قصيدة النثر : المفهوم والجماليات مقاربة نظرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الدكتور حسام الدين خلاصي
    أديب وكاتب
    • 07-09-2008
    • 4423

    قصيدة النثر : المفهوم والجماليات مقاربة نظرية

    قصيدة النثر : المفهوم والجماليات
    مقاربة نظرية


    ( 1 )
    قصيدة النثر ، هذا الشكل الفني الذي بات يحتل مساحة كبيرة في النتاج الشعري العالمي عامة ، وفي المشهد الشعري العربي المعاصر خاصة . ولعل الكثيرين يعترضون على المسمى المطروح " قصيدة النثر " ، ويرون أنه يحمل التناقض في بنيته ، فكيف يكون قصيدة ؟! وكيف يكون نثرا ؟! وهذا مؤسس على قناعة أن القصيدة ، وفقا للموروث الثقافي الإنساني ، لابد أن تؤلف على أوزان وإيقاعات ، وأن النثر يخلو من هذا الوزن . وهذا يعود بنا إلى التفرقة البسيطة بين الشعر والنثر ، فالشعر موزون ، والنثر يضاده . أي وفقا لتعريف قدامة بن جعفر المتوارث للشعر بأنه : " كلام موزون مقفى " ، وهو تعريف مختلف عليه كثيرا من قبل النقاد القدامى والمحدثين .
    ومن ثم يكون التساؤل : لماذا نعد مصطلح قصيدة النثر يحمل التناقض ؟ لماذا لا يحمل التقارب ؟ لماذا لا يكون الجمع بين هاتين الكلمتين وسيلة لجمع ما يميز القصيد وما يميز النثر ؟
    هذا السؤال يتناول القضية بطريقة معكوسة ، فبدلا من الاختلاف الذي يحمله طرفا المصطلح ، سيكون النقاش دائرا في دلالة الإضافة في هذا المصطلح بين الكلمتين . أي أن هذا الشكل الأدبي يجمع جماليات شكل القصيدة الممثلة في : الصورة والتخييل والرمز والرؤية المكثفة وتوهج اللفظة وعمق الرؤيا وشفافيتها. وجماليات النثر الممثلة في : التحرر من أسر الوزن الشعري ، والانطلاق في آفاق التحرر اللفظي والتركيبي ؛ فالنثر فيه الكثير من الحرية الرؤيوية واللفظية .
    ( 2 )
    لقد خالف النقاد العرب القدامى تعريف قدامة بن جعفر الذي يحدد الوزن والقافية كإطارين مميزين للشعر ، وهذا هو الناقد العظيم " عبد القاهر الجرجاني " يورد في كتابه دلائل الإعجاز واقعة حوار حسان بن ثابت ( رضي الله عنه ) مع ابنه ، حيث سأل حسان ولده : ما الذي يبكيك ؟ فقال الابن : لسعني طائر كأنه ملتف في بردى حبرة . فقال حسان : لقد قلتَ الشعر ورب الكعبة .
    ويورد – عبد القاهر – أيضا واقعة الأعرابي الذي سئل : لمَ تحب حبيبتك ؟ فأجاب : لأنني أرى القمر على جدار بيتها أحلى منه على جدران الناس .
    ويستخلص عبد القاهر من هذا الموقف : أن الشعر يمكن أن يوجد دون أوزان. أي أن الشعرية الحقة لا تتوقف عند الوزن ، بل هي التخييل المعبر عن أحاسيس متقدة ، ورؤيا نافذة ، شديدة العمق ، ويكون التعبير الجميل مطيتها .
    فمن خصائص الشعر : التخييل ، الأحاسيس ، جماليات الكلمة والتركيب ، الرؤية الشفافة .
    ( 3 )
    لقد أضافت سوزان برنار في كتابها المرجع " قصيدة النثر من شارل بودلير وحتى الآن " خصائص عدة لقصيدة النثر وهي :
    - الإيجاز : وتعني : الكثافة في استخدام اللفظ سياقيا وتركيبيا .
    - التوهج : وتعني الإشراق ، أي يكون اللفظ في استخدامه متألقا في سياقه ، كأنه مصباح مضاء ، إذا استبدلناه بغيره ينطفئ بعض البريق في الدلالة العامة وفي الجمال التركيبي النصي .
    - المجانية : وتعني اللازمنية ، أي يكون اللفظ غير محدد بزمن معين ، فالدلالة متغيرة ، حسب السياق والرؤية والتركيب ، وتكون قصيدة النثر ذات دلالة مفتوحة ، يمكن أن تفهم على مستويات عدة .
    - الوحدة العضوية : وتعني أن يكون النص كلا واحدا ، ونترك وحدة البيت، ويكون النص كله وحدة واحدة ، لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن أي جزء من أجزائه .
    إذن " قصيدة النثر " تتخلى عن موسيقية الوزن والإيقاع ، لصالح بناء جماليات جديدة ، وأساس هذه الجماليات : تجنب الاستطرادات والإيضاحات والشروح ، وهي ما نجده في الأشكال النثرية الأخرى ، وتبقي على قوة اللفظ وإشراقه ، فقصيدة النثر : تؤلف عناصر من الواقع المادي ( المنظور ) حسب الرؤية الفكرية للشاعر ، وتكون هناك علاقات جديدة بين ألفاظ النص وتراكيبه ، هذه العلاقات مبنية على وحدة النص وحدة واحدة ، ذات جماليات مبتكرة تعتمد على رؤية الشاعر للواقع المادي الخارجي بمنظور جديد ، تنعكس هذه الرؤية على علاقات الألفاظ ، وبنية التراكيب ، وقوة التخييل ، وجدة الرمز .
    وهذا ما يقود في النهاية إلى إثارة الصدمة الشعرية – كما تصفها سوزان برنار- ، هذه الصدمة ناتجة عن التلقي للنص الشعري ، واللذة في هذا التلقي الناتج عن التأمل في بنية النص ، وروعة جمالياته ، ورؤياه الجديدة .
    ( 4 )
    إن مصطلح " الصدمة الشعرية " يطرح آلية جديدة في فهم قصيدة النثر وتلقيها، ذلك أنه يتناول قصيدة النثر من منظور المتلقي ، هذا المتلقي هو المستهدف الأول للمبدع . فيكون السؤال : لماذا نعشق الشعر ؟ وتكون الإجابة : إن الشعر يدخلنا في حالة من الوجل النفسي ، ناتجة عن جماليات النص ، وشفافية المشاعر ، وروعة الأسلوب ، والنغمية المتولدة في الألفاظ والتراكيب وتلك العلاقات الجديدة التي أبدعها الشاعر بين الألفاظ والتراكيب . وهذا ما تحققه قصيدة النثر ، بدليل أنها امتلكت الكثير من المشروعية والقبول لدى المتلقين في العالم منذ ما يزيد على قرن ونصف القرن .
    وتكون " الصدمة الشعرية " إحدى أبرز المعايير في تلقي قصيدة النثر ، حتى لا يعد أي هذيان أو افتعال أو تراص لفظي ، قصيدةً نثريةً كما يفعل البعض ، فقصيدة النثر شكل أدبي ، يحقق الدهشة أو الصدمة ، وهذا يتوقف على إجادة الشاعر في التقاط رؤية جديدة ، مصاغة ببنية جديدة ، قوامها الصور والرموز والتوهج اللفظي والتركيبي .
    ( 5 )
    ومن المهم التأكيد على أن مصطلح " قصيدة النثر " يخالف بعض الشيء مسمى الشعر المنثور ، فقصيدة النثر شكل أدبي اكتسب رسوخا ، وتنظيرا واضحا، استقرت معه الكثير من الأطر الجمالية . أما الشعر المنثور فيختلف عنه، فهو عبارة عن كتابة الشعر دون وزن ، وهو الأساس لقصيدة النثر المعاصرة ، ويكاد تعريفه يتوقف عند ملامح بعينها أبرزها : التخلي عن الوزن والقافية ، والإبقاء على روح الشعر المتمثلة في الإحساس المتقد ، والصورة الخلابة ، واللفظ المنغّم . وهي محاولات تعود إلى أشكال مصاحبة للمدرسة الرومانسية للشعر ، التي ظهرت في مطلع القرن العشرين ، واستوت على يد جماعة أبوللو الشعرية ، وقد كان الشعر المنثور أو النثر المشعور أحد أشكالها ، وقد امتاز بكونه مكتوبا على هيئة الشعر ، ويعتمد على وحدة البيت ، ونغم الألفاظ ، وجمال الصورة ، وتألق العاطفة ، أي نفس مفاهيم الشعر الرومانسي وآلياته . وهو بلا شك الأب الشرعي لقصيدة النثر في الأدب العربي المعاصر ، ومن المهم قراءة تطور قصيدة النثر في ضوء تجربة الشعر المنثور السابقة .
    ويجدر بالذكر أن الشعر المنثور ، يخالف بكل شكل من الأشكال ما يدونه البعض من الخواطر المكتوبة ، فالشعر المنثور نص عالي الشاعرية ، يدور حول رؤية جديدة أساسها الوجدان المتقد والجمال النصي ، أما الخاطرة فهي نثرية الطابع ، تعتمد على وصف لحظة نفسية ما ، عبر جمل وتراكيب تمتاز بالإسهاب وتخلو من الشعرية في اللفظ ، وقد تغرق في الوصف البصري لما هو مادي .

    _______________________________________
    عن الرابط
    Defend yourself and the entire family against the latest virus, malware, ransomware and spyware threats while staying on top of your privacy and identity. McAfee Total Protection is easy to use, works for Mac, PC & mobile devices & is your best bet to stay safer online. Purchase our trustworthy antivirus software now!
    [gdwl]الشعر ولدي أحنو عليه ثم أطلقه[/gdwl]
  • أبو صالح
    أديب وكاتب
    • 22-02-2008
    • 3090

    #2



    1-هل أنت صديقنا القارىء مع التجريب أم لا ؟

    الحياة كلها مبنية على فكرة التجريب من أجل الحصول على الخبرة على الأقل وزيادة تراكمها والبناء عليها في أي مجال من مجالات الحياة للتطور

    2-هل قصيدة النثر تعتبر مجالاً خصبا لفتح باب التجريب؟

    كما قلت في مداخلاتي السابقة من وجهة نظري نقطة مقتل ما يعرف بالحداثة في كل مجالاتها هو أن روادها ينادون بمفهوم لتجاوز تراكم الخبرة البشرية وأنّه لا ابداع إلاّ بهدم كل الأصول اللغويّة والقاموسية والمعجميّة لبناء شيء جديد بالضرورة سيكون من زاوية الضبابيّة اللغوية يزيده عيبا لو كان مصاحبا بالجهل اللغويّ، وهذه ستؤدي بشكل إرادي أو لا إرادي إلى انقطاع حلقة التواصل بين الكاتب والقارئ

    ولذلك من وجهة نظري لو تمّ تجاوز هذا المفهوم حينها سيكون ما يعرف بقصيدة النثر أو غيرها من مجالات ما يعرف بالحداثة وسيلة جديدة للتعبير تجعلنا نتمتع بجمال وابداع جديد، ولا أظن سيجد من يعترض عليه حينها

    ما رأيكم دام فضلكم؟

    تعليق

    • الدكتور حسام الدين خلاصي
      أديب وكاتب
      • 07-09-2008
      • 4423

      #3
      السيد ابو صالح
      كم جيد أن يكون للمرء راي ثابت لا يغيره مهما حصل
      [gdwl]الشعر ولدي أحنو عليه ثم أطلقه[/gdwl]

      تعليق

      • أبو صالح
        أديب وكاتب
        • 22-02-2008
        • 3090

        #4
        http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...566#post271566

        المشاركة الأصلية بواسطة علي المتقي مشاهدة المشاركة
        إلى اي مدى استطاعت لغة قصيدة النثر العربية أن تتجاوب مع لغة الزمان الذي نحيا به ( مفردات وجمل ) ؟ فلغة الشعر القديم ( الجاهلي مثلا) واكبت زمنها ؟



        لغة الشعر الحديث بين لغة الحديث اليومي ولغة التجريب


        يتقاسم شعراء القصيدة الحديثة (قصيدة التفعيلة وقصيدة الشعر الحر وقصيدة النثر والكتابة ) الرغبة الملحة في تجاوز اللغة العربية الكلاسيكية الموروثة واللغة الرومانسية، والدعوة إلى لغة شعرية جديدة مستمدة من أرض الواقع العربي تكون قادرة على التعبير عن التجربة الإنسانية الحية. فكانت هناك محاولات بلغة الحديث اليومي(اللهجات المحلية ـ لبننة اللغة كما نجد عد يوسف الخال وسعيد عقل)لم يكتب لها النجاح ، وأخرى بلغة عربية وسطى تحافظ على تراكيب اللغة العربية، وتنحو في معجمها وأساليبها نحو البساطة والشعبية. وسنحاول في هذا التدخل تحديد بعض خصائص هذه اللغة كما تحققت في القصيدة الحديثة بكل أشكالها .
        .1 ـ التخلي عن الكلمات العربية الوعرة وغير المتداولة، واعتماد معجم حي متداول في اللغة العربية المعاصرة، وبذلك لم يعد القارئ العربي في حاجة إلى وساطة القاموس أو اللسان كما هو الأمر في قراءة القصيدة العربية القديمة والقصيدة الكلاسيكية التي سارت على نهجها. كما تم تجاوز الكلمات العاطفية الجاهزة التي كانت تملأ القصائد الرومانسية. فالشاعر المعاصر يريد التعبير عن هذه التجربة كما يعيشها هو ، ونقل صورة أمينة لها. ولن يتأتى له ذلك إلا باستعمال لغة حية متداولة. ومن الذين عبروا بهذه اللغة الجديدة الشاعر نزار قباني، كما يتضح من هذا المقطع الشعري :
        ...

        ومات والدي الرحيم
        بطلقة سددها كلب من الكلاب
        عليه، مات والدي العظيم
        في الموطن العظيم
        وكفه مشدودة إلى التراب
        فليذكر الصغار
        العرب الصغار حيث يوجدون
        من ولدوا منهم ..ومن سيولدون
        ما قيمة التراب
        لأن في انتظارهم معركة التراب..

        إن معجم هذا المقطع مستقى من صميم الحياة اليومية، بما فيها من حقد وسب وتوعد بالانتقام والثأر للماضي، إذ لا فرق بين كلماته وجمله وبين كلمات وجمل أي خطاب سياسي جماهيري أو خطاب صحفي تحريضي ، فكلماته معاصرة ومتداولة (طلقة ـ سددها ـ ما قيمة التراب ـ معركة التراب ـ كلب من الكلاب ...) ، وتراكيبه خالية من المجاز المغرق في الإبهام، وقد استطاع نزار قباني بفضل هذه اللغة نشر شعره بين أوساط الجماهير العربية التي تعرف القراءة والكتابة، خصوصا بعدما تغنى به مغنون كبار.
        .2 ـ توظيف لغة شعبية موروثة هي لغة الحكاية الشعبية الشفوية،
        ويتضح ذلك في بعض نصوص الشاعر عبد الوهاب البياتي

        . فسيفساء
        مهرج السلطان
        كان ـ ويا ما كان ـ
        في سالف الأزمان
        يداعب الأوتاريمشي فوق حدالسيف والدخان
        يرقص فوق الحبل ، يأكل الزجاج ، ينثني
        مغنيا سكران
        يقلد السعدان
        يركب فوق ظهره الأطفال في البستان
        يخرج للشمس ـ إذا مدت إليه يدها، اللسان
        يكلم النجوم والأموات
        ينام في الساحات
        كان يحب ابنة السلطان
        يحيا على ضفاف نهر صوتها
        وصمتها
        لكنها ماتت كما الفراشة البيضاء في الحقول
        تموت في الأفول
        فجن بعد موتها
        ولاذ بالصمت وما سبح إلا باسمها
        وذات يوم جاءني
        يسألني
        عن الذي يموت في الطفوله
        عن الذي يولد في الكهوله
        رويت ما رأيت
        رأيت ما رويت
        كان ويا ما كان .




        (السلطان ـ كان ويا ما كان ـ سالف الأزمان ـ السعدان ـ ابنة السلطان ـ الأمير ـ الطعام المسموم ـ قمر الزمان ـ أسألك الأمان ـ الجلاد ـ مولاي ـ أنتم الأسياد ...) وهي كلمات وتراكيب تسمح للنص أن يستعير الشكل الشعبي المتداول بعد إفراغه من دلالاته الخرافية الشعبية وشحنه بدلالات سياسية طبقية، لذا نجد إلى جانب هذه الكلمات والتعابير كلمات سياسية معاصرة (الهزيمة ـ الثورة ـ الشعب ـ الكادحين ـ الذئاب ـ الجبان ـ الإعدام ...في باقي القصيدة ) ويرى أحمد المعداوي ( شاعر وناقد مغربي)أن هذا الصنف من الشعر استجاب لنداء الواقعية الاشتراكية بتبسيط العبارة لتوعية الطبقة الكادحة وإعدادها للمعركة الحاسمة مع أعداء الحياة.
        .3 ـ توظيف اللغة الفلسفية: وظف الشاعر المعاصر مجموعة من الكلمات العربية المتداولة بعد إفراغها من دلالاتها المعجمية المباشرة لتشحن بدلالات معرفية وفلسفية تقف غالبا حاجزا أمام الفهم البسيط والمباشر للنص الشعري المعاصر، لأن فهمها يقتضي معرفة قبلية بالفلسفة والأساطير والديانات. وهو عمل ليس بالأمر السهل، وقد حدد كمال خيربك مجموعة من هذه الكلمات الفلسفية الأكثر تداولا في الشعر المعاصر، كالفراغ ومرادفاته، والشك ومرادفاته، والاستسلام والرفض ... وسنكتفي بالإشارة إلى نماذج منها :.
        النمـــاذج :

        1 ـ ستمحو عاركم وتزحزح الصخره. (البياتي)
        2 ـ إلى المصير ... والمصير هوة تروع الظنون .(صلاح عبد الصبور)
        3 ـ إنني نبي وشكاك . (أدونيس)
        4 ـ أين أمشي ؟مللت الدروب
        وسئمت المروج . (نازك)
        5 ـ سألناك ورقة تين
        فإنا عراة عراة . (يوسف الخال)

        إن هذه الأسطر الشعرية تبدو لأول وهلة سهلة الفهم إذا ما فهمنا كلماتها فهما معجميا مباشرا، والواقع أن وراء كل كلمة منها نظرية فلسفية أو دينية كاملة لابد من استحضارها لتجاوز الفهم السطحي المباشر، وفهم أبعاد النص الفلسفية. ففي النموذج الأول، تستدعي كلمة (الصخرة) أسطورة سيزيف، وبذلك تتحول هذه الكلمة من مجرد صخرة عادية تثقل كاهل حاملها إلى رمز للعذاب الأبدي المحتوم الذي لا مفر منه لأنه مفروض من قوة عليا. وتستدعي كلمة (المصير) في النموذج الثاني، و(الشك) و (النبوة) في النموذج الثالث، و (الملل) و (السأم) في النموذج الرابع، الفلسفة الوجودية بمختلف اتجاهاتها. أما النموذج الخامس، فإن ورقة التين تستحضر قصة آدم وزوجه والشيطان كما روتها الكتب السماوية. ويرى كمال خيربك أن مثل هذه الكلمات تشكل مفاتيح العالم الشعري الوليد، والتي لا غنى عن معرفتها، ليس فقط للقبض على محتوى النتاج الحديث، إنما لتثمين خصائصه الجمالية التركيبية .
        .4 ـ التصرف في بنية الكلمة: لجأ يوسف الخال في الكثير من نصوصه إلى إدخال بعض التغييرات البسيطة على بعض الكلمات: (الوراء ـ اللبيك ـ الهناك ...) وهي كلمات لا تقبل دخول أداة التعريف عليها في سياق النماذج الآتية :
        [align=center]
        ـ في الملجأ الوراء مأمن...
        ـ الخاتم اللبيك صدئ...
        ـ رفاقنا الهناك آثروا... [/align]

        إن هذا التصرف يمكن إرجاعه إلى سببين : الأول حداثي، فيوسف الخال جرد اللغة العربية من قدسيتها، وسمح بخرق كل ما هو مألوف ومتداول، وهذا التعديل إبراز للقدرة على التصرف حتى في البنى الصرفية التي تعد أكثر ثباتا في اللغة. هذا التبرير ـ إن صح ـ غير مقبول، لأنه محكوم بخلفيات غير شعرية، وأي تجريب مستمد من تنظير قبلي مرفوض ومردود لأنه يتناقض وخصوصيات الإبداع المتمردة عن كل تنظير قبلي. أما السبب الثاني، فيراه كمال خيربك في الاستفادة من الاستعمال اللغوي العامي لتفادي اللواحق الثانوية كأسماء الإشارة وأسماء الموصول التي كانت ستجبره على التعبير بـ(ما وراء ـ أو ـ الذي وراء) . وهو تبرير غير مقبول أيضا مادامت اللغة العربية تتضمن تراكيب أخرى تسمح بحذف هذه اللواحق. فالموصول لا يستعمل إلا مع المعرفة، ويكفي تنكير الكلمة التي بعده لحذفه. وفي الحالتين معا، فإن شعرية النص وحداثته لن تتحقق بتعديل بسيط في كلمة واحدة تبدو نشازا في قصيدة مكتوبة بلغة عربية سليمة.
        .5 ـ الجملة الطويلة التي تمتد أسطرا متعددة :
        وهو ظاهرة قد نجد لها مثيلا في الشعر العربي القديم، لكنها في الشعر المعاصر أصبحت شائعة ومنتشرة، حتى إن بعض القصائد تتكون من جملة واحدة. وسنكتفي بنموذجين :

        النموذج الاول: سفر الفقر والثورة : عبد الوهاب البياتي :

        ناديت بالبواخر المسافره
        بالبجعة المهاجره
        بليلة، رغم النجوم، ماطره
        بورق الخريف، بالعيون،
        بكل ما كان وما يكون
        بالنار، بالغصون ،
        بالشارع المهجور
        بقطرات الماء، بالجسور
        بالنجمة المحطمه
        بالذكريات الهرمه
        بكل ساعات البيوت المظلمه
        بالكلمه
        بريشة الفنان
        بالظل والألوان
        والبحر والربان
        أن نحترق
        لتنطلق
        منا شرارات تضيء صرخة الثوار
        وتوقظ الديك الذي مات على الجدار.


        النموذج الثاني: هجم التتار: صلاح عبد الصبور :
        ر
        جعت كتائبنا ممزقة، وقد حمي النهار
        الراية السوداء ، والجرحى ، وقافلة موات
        والطبلة الجوفاء ، والخطو الذليل بلا التفات
        وأكف جندي تدق على الخشب
        لحن السغب
        والبوق ينسل في انبهار
        والأرض حارقة ، كأن النار في قرص تدار
        والأفق مختنق الغبار.


        يتكون النموذج الأول من جملة طويلة تمتد على ستة عشر سطرا، وقد اعتمد الشاعر أسلوب الإطناب، ففصل القول في المنادى، وكان بإمكانه أن ينادي الكون كله، لكنه آثر الإطناب على الإيجاز جاعلا من الأسطر الشعرية بنيات إيقاعية متعالقة أنستنا المعنى الذي لم يتم إلا في الأسطر الأربعة الأخيرة.
        وفي النموذج الثاني فصل الشاعر القول في مظاهرالهزيمة في شكل كلمات مستقلة متعالقة بحرف العطف، فكل كلمة أو تركيب يشكل جزءا من كل إيقاعي غير تام المعنى خالقا وقفات إيقاعية منتهية بقواف متعددة تحد من تدفق العطف بالواو.

        5. ـ الجملة القصيرة:
        كما وظف الشاعر المعاصر الجملة الطويلة، وظف أيضا الجملة القصيرة، وهي خاصية تميز قصيدة النثر والنصوص القصيرة التي تتقاطع معها في بعض خصائصها. وهذه الخاصية تقتضي الكثافة حتى يقول النص أكثر بأقل عدد من الكلمات، وتتجسد هذه الظاهرة بشكل خاص في نصوص أدونيس:

        إنه الريح لا ترجع القهقرى، والماء لا يعود إلى منبعه. يخلق نوعه بدءا من نفسه. لا أسلاف له، وفي خطواته جذوره.

        يتكون هذا النموذج من خمس جمل قصيرة مستقلة تركيبيا، ومتعالقة دلاليا، تتميز كلماتها بكثافتها، إذ تختزل محاور ديوان "أغاني مهيار الدمشقي "وشعر أدونيس عامة. فهناك اختيار العودة إلى الذات، وبهذه العودة تكون لمهيار من منظور الفلسفة الوجودية الحرية ليختار، وعندما يختار ذاته، لا يختارها بوصفها ذاتا مكتملة، بل بوصفها ذاتا تتشكل ماهيتها شيئا فشيئا. إنها تعلن قطيعتها مع الأسلاف ومع خطواتها السابقة، وتعلن عن نزوعها لوجود أسمى كما عبر نيتشه.
        إن نفي الأسلاف ، وربط الجذور بالخطوات ، نفي لكل معرفة قبلية ، ولكل ماهية سابقة عن الوجود. فمهيار لا يؤمن بالتوقف، إنه كالريح والماء ، ولا يريد أن يحيا حياة من سبقه ، وبذلك يعلن قطيعته مع المجتمع ،ومع الماضي ، ومع الحاضر، أي مع الإنسان المعمم كما نظرت له الفلسفة الوجودية .
        إن هذا النوع من اللغة يختلف بالتأكيد عن لغة الحديث اليومي ببساطة أساليبه وكلماته، وقد أطلق عليها النقد "لغةالتجريب"، والواقع أن ليست كذلك، فالتجريب يعني الإبداع والخلق لا على مثال، وهذه اللغة مخلوقة على منوال نظري جاهز يتجسد في الديالكتيكية السقراطية، والشخصانية الكيرجاردية، والسخرية والنفي والنبوة النيتشوية، والألجو الياسبيرزية، وغيرها من الفلسفات التي تناولت معنى الوجود الشخصي وأوضحت مركزه في العالم.
        جميلة قراءتك وواقعيّة يا أ.د. علي المتقي لوصف حال لغة اللسان العربي الحالي وما نتج عنه من ثقافة تم تصويرها بما يعرف بقصيدة النثر،

        وأبجديات التحليل والوصف التي انطلقت بها لا تخرج عمّا تدّرسه الجامعات الفرنسيّة أو الأوربية بشكل عام في علم اللغة وطريقة تكوين المادة المعجميّة لقواميس لغاتهم من اللسان المحليّ واستخداماته اليوميّة

        والتي هي نفسها من وجهة نظري التي انطلقت بها كذلك في حوارنا تحت العنوان والرابط التالي


        الفرق بين مرور الكرام والمرور الكريم ...

        الفرق بين مرور الكرام والمرور الكريم ... مرور الكرام هو في الأصل المرور المذكور في قوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (الفرقان 72) وهو مرور المؤمنين حين يمرون بأمكنة فيها لغو أو كذب أو معصية، وذلك لأن مرورهم في هذه الحالة يكون سريعا خفيفا ومن دون توقف، ولأن من


        والتي هي من وجهة نظري نفس طريقة وأسلوب ساطع الحصري التي أخطأ بها في بداية القرن الماضي والتي أوصلتنا إلى ما أوصلتنا له لأن اللغة هي وسيلة التفكير،

        وأن أردنا تجاوز مشاكل الضبابيّة الفكريّة والقولبة في طريقة تفكيرنا في كل مجالات الحياة ومن ضمنها ما يعرف بقصيدة النثر وإشكالياتها يجب أن نجد حل لتجاوزها فاللغة العربية تختلف في تركيبتها وفي بيئتها عن اللغة الفرنسية وبقية اللغات الأوربية، وسنبقى نلف وندور بنفس الإشكاليات التي حاولت التنبيه عليها في أول مداخلة لي في هذا الموضوع

        وكنت قد طرحت بعض الحلول في مناقشتنا تحت العنوان الفرق بين مرور الكرام والمرور الكريم ...


        ما رأيكم دام فضلكم؟

        تعليق

        يعمل...
        X