تجربة الشطارة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المختار زادني
    أديب وشاعر
    • 01-07-2007
    • 102

    تجربة الشطارة

    [align=center]تجربة الشطارة[/align]
    رنَّ الهاتف...
    أسرع نحو الغرفة، وكان بابها شبه مُشرع. دخل متلهِّفاً كأنما كان ينتظر خبرا مهما ... قبض على عنق السماعة بعنف وألصقها بحاسة سمعه في سرعة جنونية، وهو يتردّد بين القعود على الكرسي الفاخر المجاور لسريره أو على أريكة تبعد قدمين من مكانه ؛ استقرّ جسمه الضخم على حافة السرير أخيرا كأنما يستردّ أنفاسه من مسير أجهده. وتحوّلتْ كل حواسه آذانا دون لفظ العبارة المعتادة التي تُستَهلّ بها المكالمات الهاتفية.
    كان مُحدّثهُ يسْرُدُ أرقاماً تتلو قوائمها نسبٌ مئوية يُقطِّبُ لِسَماعها حاجبيه تارةً وطورا ً ترتخي قسماتُ وجهه نحو اللا تعبير، فيبدو جامدَ الإحساس ثم ما يفتأ أن يستجيب للسعة أخرى تَجِدّ خارج مجال التّنَبُّؤ فتظهر فجأةً في كلام مُحدِّثه كشوكةٍ مطْمورة بقَدَمِ بائس يسير بليل دامس .
    هو الشخصية البارزة المهابة الجانب، الرجل المحترم ذو المكانة الرفيعة، يتحوّلُ اليوم صبيا خائفا مُجْهداً يبحثُ عن حضن رحيم علّهُ يصفح عنه ما اقترف طوال سنوات أربع من نَهْرِ ذوي الحاجات الذين توافدوا على مكتبه بالبناية الإدارية الفخمة، ولم يكن أحدهم يظفر بحاجته إلا بعد مروره بيد ملئىَ على الجيب المودع لدى البواب ليضع فيه بضع أوراق نقدية أو بعد مروره على حراس هذا البيت بأثمن هدية ...
    استنّ بصره بجولة على أثاث البيت كالْمُشفقِ على لَمعان القطع الْمعدنية الثمينة، ولون الدواليب الخشبية ذات النقوش البديعة والأرائك الْمخملية والزرابي الصوفية، ثم ارتدّ طرفه إلى مفتاح السيارة الفاخرة التي يركبها يوميا، واستقرّ نظره على صورة قديمة تسكن إطارا مذهّباً ... إنها صورة عفوية كان قد التقطها له أحد أصدقائه منذ عشرين سنة؛ كان في غرة شبابه يومئذ، بدا له وجهه يخفي كآبة ولّدتها الخيبة آنذاك بينما صديقان يحيطانه ميمنة وميسرة يشع وجهاهما بهجة وانشراحا... إنه ليذكر جيدا ذلك الحدث : كان ذلك ساعة اطلع على نتائج امتحان الثانوية ، وما لبث صوت مُحدّثه أن جعله يقفز كالمذعور صارخا : لا!....لا! لايمكن...كيف حدث هذا؟! هل أنت متأكد؟ ...لا! مستحيل!!
    بدا وكأنه يميل نحو الاستسلام لِوَقْعِ الخبر بينما سَرَحَ بِذاكرته وهو يُعيد التمعُّن في تفاصيل الصورة القديمة ، وساحت على شفتيه ابتسامة ساخرة خفيفة ما لبثت أن ذابت على صهد وجهه المتجهم، الْمتصبب عرقا... ذاك القميص الأنيق، يذكر أنه سرقهُ من سوق المدينة بينما كان يتسكع وحيدا يومذاك. كان فيي جيبه من المال ما يمكِّنه من اقتناء ما يريد، لكن "تجربة الشطارة" راودته بإلحاح فانساق لها سريع دون تردّد...ومرّت بذاكرته صور مماثلة كثيرة في سرعة البرق، توقف بها عند تاريخ وُلُـوجِه مَقرّ الحزب حيث يجتمع الأعضاء ويناقشون أمور عامة تخص الحي... بدأ يتقرَّبُ منهم بأسلوب المتودِّد المتفاني حتى ألبسوه حلة فتحت له باب النهم على مصراعيه، لأنه لم يكن يريد غيرها ... ثم تعلم كيف يتكلم في الجموع وَغالَبَ التأتأةَ التي كانت تُنَغِّصُ عليه حياته أيام دراسته بالثانوية، واكتسب جُرْأةَ مجابَهَةِ الجُمْهور على خشبة الْمسرح، وانطلق نحو الشارع يعِدُ أهل الحيّ بترصيف الممرات وإصلاح القنوات و....و.... وحين صُبِغَتْ صناديق البيع في سوق الذمم، كاد صندوقه يتقيّأ تخمة الغش ... راودَتْـهُ ابتسامةُ خُبْثٍ هذه المرة، ولفَّتْ وَجْههُ غيمةُ الدخان المُنبعث من سيجاره المكتنز حقدا وسخرية من سذاجة أهل الحي؛ وأغرقَ في قهقهة عميقة ضَجّتْ لها أرجاء البيت الواسع متجاوزة حيز الغرفة الثرية ...
    أرخى السماعة غير راغب في سماع باقي كلام مخاطبه الذي ردَّد أكثر من مرة جملة تحذير كان يلفظها بمرارة:- سيحاسب الحزب أعضاء اللجنة المنحلة بكل صرامة !...فالأمر خطير ...خطير جدا ! بل خطير للغاية!
    كانت ألفاظ التحذير تذوب في فضاء الغرفة ثم في فضاء البيت بينما خرج هو يفتش في غرفة كانت مخصصة لخردة الأثاث ...كان يبحث عن شيء ما !...
    وفي صباح اليوم التالي، تصدَّرتْ الجرائد اليومية الوطنية صورته مع تعليق: إنا لله وإناإليه راجعون!
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    يالسخرية الزمن....
    قصة من وحي زمان معاصر اليم
    اشتقنا لنصوصك استاذي

    تعليق

    • أسامة أمين ربيع
      عضو الملتقى
      • 04-07-2007
      • 213

      #3
      الشطار والعيَّارون صاروا في طبقات الشعب كلِّها،

      ولا أحد أفضل من أحد

      تعليق

      يعمل...
      X