أسطورة فرط الرمان
" من أوراق عاشق مجهول "
شياطين لا تبارى
الدخان يلفهما ، فيقطعهما عن المضارب التي تسبح في عتمة السكون ،والليل .
لا يدرى كيف لف حول رقبته ثعابينه ، و حياته ، جعله في حالة اهتراء و تهتك ، ما تعرض لها من قبل ، لكنهيدريها و يعيها تماما . تركه في البراح ، يطارد " فرط الرمان" غجريته الأسطورة ، فيه و فيهم ..كيف وقر في ضميره أنهيعرفها منذ قديم ، ولم تكن حكاياه عنها ، سوى نبش في الرماد .." فرط الرمان " اختفت فجأة ، حطت بكل من حلم بها ، فى وحلة غيظه ، نقمته ، حساباته ، لا يدرى أحد متى خلفته ، وأين ، لم كان بعدها ، و كل هنا يتمسك بها ، يطلب ودها ، كأنها حصن ومنعة ، حتى وهى منيعة عليهم ، عصية !
كان صوت "ريح البندق" يعلو بين وقت وآخر ، كأنه يأتي من السماء والأرض ، يتردد صداه فى كل المدينة ، الغيطان التي تحف بالمضارب ، بينما يتهامس أنين " ناب الفيل" فيتهاطل المطر ، كأنه شتاء فى غير موسمه ، له رائحة البراءة ، و سخونة الفراق !
تشاغبه أضواء المدينة من بعيد ، تلك التي فر من ضجيجها ، وأنفاس التوحش التي تدب في أوصالها ؛ فالليلة يعلن على الملأ ، من سيعتلى سدة العرش فى المدينة ، بعد أسطورة النيابة عن الشعب ، و التفنن الذكي الذي أبدته الأحزاب المتصارعة ، مرة بالأموال ، ومرة بالرصاص والسنج والمدى وركائز الخيام ، و تحريك الكامن فى العشائر وأهل السطوة ، بل و السيطرة على رجال البوليس ، و اللعب بلا حياد لصالح حزب بعينه !
فجأة علت طلقات رصاص ، تهادت فى قوة ، ترامت فى الفراغ بلا توقف ، ، بينما اصطخبت قهقهات الشيخ ، و كحاته المثقلة الأنياب .. هنا خرج عن صمته المقيت ، وهو يترنح ، يتراجع بجسده : اللعب عندكم فاق لعبنا ، كنت أظن أننا شياطين لا يبارينا أحد !! ". بينما رائحة البارود تجلد المكان .
جمر لا ينطفىء
البحث خارج الذات
كان التوقيت غريبا ، ومضللا ، مع ذلك لم يمنع حضر المدينة من الهرولة ، والركض بحثا ، مخلفين الانتخابات الدائرة ، كأنها لا تعنيهم من قريب ، أو بعيد ، وقد أحسوا بخسارة فادحة بغيابها ، فأبحروا فى ليل القرى ، قاع قاع البحر ، الأنهار الجارية ، العزب و الكفور والنجوع ، قلبوا الأرض بحثا ، على رؤوس أصحابها ، ولم يعودا خشية الشعور المؤلم بالخيبة وانكسار الخاطر ،وربما ليقينهم فى أن وجودها كان مهما فى مثل هذه الظروف ، وكان من شأنه تغيير الكثير من الأمور ، التى تؤرقهم بلا استثناء !
انهيار فى قاع الوقت
كان تناثر بعيدا ، و عندما سكنت الريح و العواء ، زحف مقتربا من الشيخ ، وقد أصابه الهلع ، لا حركة ، لا صوت ، يقلب فيه ، ليس إلا ملابسه ممددة ، و لا أحد داخلها !
كاديجن ، لكن الليل ، و الحدث ، أرغماه على التزام الحذر ، فسكن مكانه لا يبرحه ، محاولا كشف غياهب الأمر ، وحقيقة ما تم و يتم !!
بدأ يتحرك زحفا .. خطوة و يتوقف ، يحدق فيما حوله. كان الليل و السكون ، ليس إلا أنين " ناب الفيل" خافتا ، لا يتوقف .. و هو يزحف و ويتوقف ، وقد أخمد برغمه كل تفكير ، إلا أن يبرح هنا سالما ، ولعنة بداخله يقمعها ، تخص هذا الهوس بالحكايا ، و القرب من الناس ؛ فما أجدبه ، و أقحل خياله !!
أوغل فى الزحف و الحذر ، فجأة اختفت الأرض من تحته ، هوي فى سحيق معتم ، كأنهسقط من سحابة ، لا يتوقف .. بدا نور قوى يغشى العين ، و رائحة عبق ياسميني .. بلا وزن يتهادى ، يدنو من بحر أو سطح زجاجي ، لا يدرى .. كل ما يدريه أنى تعلقت بسدرة !
السماء تمطر زجاجا
المهرجان صاخب ، لا ينفض و لا ينتهي ، و السامر حتى حدود السماء ينهش روحها ، فما كان منها إلا أن تحركت ، فاشتعلت نارها ، أكلت ملامحهم ، بينما هم لا يتحركون كأن مسا أصابهم ، حتى أتت النار على الكثير، بينما الصرخات تتعالى ، الأنات تملأ المضارب ، الأشباح تتحرك ككتل الجحيم.
كانت تضحك ، فتزيد النار قوة .. هنا أحست بخسف ما تفعل .. فى لمح البصر خلفت لهم المضارب ، اختفت .. بينما كان " ريح البندق" يصرخ بتهافت عجيب ، وهو يجذب خيوط غزله ، ويعود يرخيها ، ثم تختفي تماما كأن لم تكن ، تظهر بيضة بكفه ، بالآخر حجر.. و " ناب الفيل" يئن ويعض أصابعه،فيموت الشجر عصفا ، وتهطل السماء زجاجا !
البكاء على اللبن المسكوب
ناب الفيل" حين طالع وجه الحاكم ، تهلل ، و ارتفع أنينه ، فاهتزت عشش الغجر ، خانتها الأرض ؛ لتعلو صرخات من بها ، بينما هو يأخذ طريقه إلى قصر الحاكم مباشرة ، و هو يهذى :" إبنى ريح البندق.. إبني !! ".
كان لابد أن يصل إليها !
كانت المفاجأة أقوى من احتماله ، أقعى أرضا :" أيها الشيخ .. ألم تقل .. احترق الكثيرون بجمرها .. ألم تقل .. لا تتركني أهذى ؟!".
عدل لباسه ، وهمهم :" ماتوا على بابها ، ماتوا فى الشكل ، وليس الجوهر .. وكانت وسيلة .. وسيلة لأطماعهم .. كلهم تخاذل أمامها .. كلهم !! ".
صرخ مدبدبا :" لكنها فىّ تتحرك .. تتحرك ؟ ".
اقتربتْ :" ما الفائدة ؟ كان ريح البندق أقوى منك اقترابا ، لعب بحنكته فيما يريد و يطمح ..أقوى منكم جميعا بأسبابه وطريقته ! ".
هنا لم يستطع صبرا ، يهذى بقسوة ،ينهال على رأس الشيخ ، و بقطعة خشب مدببة يفجر دمه :" كنت تتلاعب بي .. كنت لعبة أنا .. و أنت تمارس على عجزك .. مت الآن .. مت !! ".
ينحدر شلال ماء ، يجرفه على حين غرة ، يناديها : " فرط الرمان " . لا من مجيب ، ينزلق بقوة ، الماء يغمره ، يشهق ، يكاد ينتهى ، يسقط من حالق .. الموت الآن إذًا .. وهو لا يريده .. نعم طلبه تمناه كثيرا ، لكن الآن لا .. سبح بجسارة ، بإرادة عجيبة ، سبح عكس التيار متجها صوب الشاطىء ، حين اقترب من جذع شجرة ، تقبل فروعها وجه الماء ، كانت تملأ الوجود أمامه ، ببسمة أحدثت سحرا ، فتناثرت نارها . قبض عليها ، دنا . نفثت نارا كالجحيم . خاض فيها . كان الألم رهيبا ، لكنها كانت تستحق ، و كان لا بد أن يصل إليها !!
" بداية القصة "
تجدونها فى المخطوط اللاحق ( ... ) المتن و الهوامش!
تل الواقعة * فى الرابع عشر من هاتور1700
عاشق فرط الرمان !!
*أحد أسماء المحلة الكبرى قديما
تعليق