تفاحة بنت حلوة عمرها سبع سنوات يدلعها اهلها بتفاحة لأنها ذات خدود شبيهة بالتفاح لونا وشكلا ولكنها مع ذلك لم تصب بالغرور وكانت تصاحب كل الفتيات اللطيفات حتى لو كن غير جميلات.كان ابواها يدللانها ويمنحانها كل شيء اجمل الملابس كانت ترتديها تفاحة وكانت الوحيدة في المدرسة التي تمتلك حقيبة ظهر عليها صورة سندريلا وكانت ملأى اضافة للكتب باطايب الطعام الذي تعده امها لها من سندويشات الجبن بالمربى وسندويشات اللحم والبرتقال او الموز او التفاح.كانت تفاحة قد طلبت من امها ان تعد طعاما لأثنين لأن زميلتها في الصف نوال كانت بنتا فقيرة يتيمة الأب تأتي للمدرسة بثياب عتيقة وحذاء بال فكانت تفاحة تشاركها طعامها وتلعب معها في اوقات الفرصة وتذاكر معها وكانت ترد عنها سخرية بعض البنات السيئات اللواتي كن يهزأن من ملابسها وحذائها تكفكف دموعها وترافقها دائما عند مغادرة المدرسة الى القصر الكبير الذي كانت ام نوال تعمل فيه خادمة.وكان ابن السيد الكبير صاحب القصر ولدا مشاكسا وكثيرا ما كان يقسوا على نوال ويطلب من تفاحة البنت الغنية ان لا تصاحبها كونها فتاة فقيرة ولكن تفاحة كانت تزداد تعلقا بنوال فنوال بنت ذكية جدا وطالما ساعدت تفاحة في المذاكرة وكانت تمتلك موهبة الرسم وطيبة قلب بلا حدود مثل تفاحة تماما.وذات يوم لم تجد تفاحة صديقتها الغالية نوال بانتظارها كما هو عهدها بها كل صباح في طريقهما للمدرسة وبعد انتهاء الدوام اسرعت تفاحة للقصر تسأل عنها فاحزنها ان ام نوال مريضة جدا وان نوال تغيبت عن المدرسة لتقوم باعمال امها في التنظيف والخدمة في القصر الكبير ولم يسمح لها العم محمود البواب برؤيتها وقال لها بصوت حزين"لا استطيع ان اسمح لك برؤيتها يا بنيتي فالسيد الكبير منعها من ان تغادر القصر او ان يزورها احد"
عادت تفاحة للبيت ودموعها تنهمر على خديها اسى وحزنا على نوال صديقتها الحميمة واخبرت امها بكل ما جرى فطيبت خاطرها وقالت لها بحنان ام عطوف"انها مسكينة يا حبيبتي ولكن عليك ان تتعلمي ان هناك اقدارا موضوعة لكل انسان وان هذا هو قدر هذه المسكينة"فاجابتها تفاحة بصوت يتهدج بالبكاء "ولكن يا ماما اليس الله هو من يصنع اقدارنا"فاجابت الأم"نعم يا حبيبتي"فقالت تفاحة "اذن كيف يكون الله ظالما هكذا"
ضمت الأم تفاحة الى صدرها وهي تستغفر"لا يا حبيبتي الله لا يظلم احدا ولا تعرفين ماذا خبأ لها ربنا الرحيم فربما تتعافى امها قريبا وتعود معك الى المدرسة"
مرت ايام عديدة وتفاحة تذهب وتعود من مدرستها وحيدة ولم تعد تشارك باقي البنات اللعب وكل يوم تسأل العم محمود البواب عن نوال وما من جديد حتى فوجئت احد الأيام بخبر ينزل عليها كالصاعقة عندما ابلغها العم محمود بوفاة ام نوال.
انطلقت تفاحة تجري وقد اغرورقت عيناها بالدموع ودخلت البيت وهي تبكي فاندفعت امها الملتاعة لأحتضانها وسؤالها عن سبب بكائها فاخبرتها بموت ام نوال وان نوال قد كنب عليها ان تعيش خادمة باقي عمرها وجعلت تصف لأمها ذكاء نوال الحاد وشطارتها في الدراسة وموهبتها في الرسم فمسدت امها شعرها الجميل المنسدل وهي تقول لها ان الحياة في احيان كثيرة تكون ظالمة لأن الناس في احيان كثيرة يكونوا قساة وغير منصفين وطلبت من تفاحة ان تدعوا لها بالخلاص من بؤسها.
اخذت الأيام تجري مسرعة صباح بعد صباح واسبوع بعد اسبوع وسنة بعد سنة وقد انقطعت اخبار نوال تماما اذ انتقل اهل تفاحة منذ سنين الى حي اخر بعيد وانتقلت تفاحة الى مدرسة اخرى وتدرجت بالنجاح تلو النجاح حتى اصبحت طالبة في الجامعة وفي كلية مرموقة شابة ذات جمال اخاذ وادب جم وشاءت الأقدار ان يكون ابن سيد القصر الذي كانت نوال تعمل فيه خادمة ان يكون زميلا لها في الكلية ولكنه لم يعد ذلك الفتى المشاكس بل اصبح شابا دمث الخلق لطيف الكلام حلو الأدب فسارعت تفاحة بعد ان عرفته الى سؤاله عن صديقة طفولتها نوال.ففكر قليلا ثم اجابها بانها قد انتقلت مع عائلة العم محمود البواب الى مكان اخر بعد ان تقاعد العم محمود اثر حصول ولده الأكبر على وظيفة مرموقة وان الأمر حصل منذ سنين طويلة وقد انقطعت اخبارهم مذ ذاك
زادت لهفة تفاحة وهي تلح على ابن سيد القصر لمعرفة عنوان العم محمود ولكنه اعتذر لها بأنه لايعلمه ووعدها بان يستطلع ليعرفه في اقرب فرصة
غمرت تفاحة مشاعر عديدة بين الفرح والحزن والحنين وفي احد الأيام افتتح معرض تشكيلي في احد قاعات الجامعة لطلبة كلية الفنون الجميلة في جامعة اخرى وبينما تفاحة تسعرض الللوحات الجميلة اخذت خطواتها تتباطىءوهي تلاحظ شابة لطيفة انيقة تشرح لأحد الزائرين عن احدى اللوحات زادت ضربات قلبها عندما بدأت تميز ملامح تلك الفنانة واسلوبها في الحديث وطريقتها في الأشارة وبلا وعي اقتربت منها وصرخت "نوال" التفتت نوال الى تفاحة مدهوشة اول الأمر ومرت لحظات من الصمت وفورا امتلأت عيناهما بالدموع وهما يحتضنان بعضهما بقوة القت تفاحة بنفسها في احضان نوال واسندت رأسها على كتفها ومن اعماق قلبها فمها يردد" اشكرك يا الهي اشكرك يا الهي"
تعليق