نبوءة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دريسي مولاي عبد الرحمان
    أديب وكاتب
    • 23-08-2008
    • 1049

    نبوءة

    كان معتكفا في أعالي الجبال ، صديقا للفجاج والحيوانات . اعتزل العالم السفلي بضجيجه . تأمل الإنسان وهو يكابد عناء الحياة ، ويتيه في دروب الضياع . آثر العزلة كانسلاخ عن غوغائية قاتلة . تسامى بصوفيته وتقوى بثورةجديدة . كان يقول أن الوقت لم يحن بعد ليزف بشراه لمن يهمهم الأمر ، إلى أن جاء اليوم الموقوت .
    لقد علم بتنظيم حفلة فاخرة في ليلة ساهرة ، خيل له أنه مدعو لها. لا يهم . حفلة نظمها حفنة من قطاع طرق وسماسرة ،ويلا الخجل . هم يعتبرون أنفسهم عباقرة . قرر الذهاب لحضور المأدبة . أنواع الأطعمة تتراءى له في مخيلته فيسيل لعابه ، تبددت باستحضار الأيام التي قضاها في أغوار ذاته . بأسمال تلفع وبنبوءات تسلح . بحرقة مشى وخطواته تستحثه. لم يسعفه المسير في البدء . تردد وشعور رجراج يموجه مع حافة الوهم والزعم يعلقه . تثاءب وتثاقل وأخيرا استجمع قواه خوفا من ضياعها في سنوات عزلته . وحرصا على أن لا يقع فريسة لجوعه وظمأه ، تسلل تحت جنح الظلام مسربلا بعزيمته ، مستقويا بحكمته ، ومؤمنا بوجوب أداء رسالته. اقترب من قاعة الحفلات ، أضواؤها أغشته فرد قب جلبابه . سمع غناء ووصلات ، أنخاب كؤوس ، قهقهات . لمح قامات بسكر تنوس واستمالات رؤوس ، وتشمم كحكيم عبق عطور تأسرالنفوس . كأسد هم بالدخول ، مطأطأ الرأس ، مذهولا ، وإذا بالبواب يوقفه ، بكلمات يهينه ..
    قال له
    مخاطبا :

    توقف هناك أيها المتسخ . المكان ليس لأمثالك . انصرف فورا لحالك .
    حز في نفسه وقع تلك الكلمات ونصال حادة تخترقه من تلك النظرات ، لأنه لم يسمعها منذ فترات وربما منذ زمان . تراجع للخلف. قررأمرا خطيرا . لقد حانت الساعة . أخرج سيفه ولوح به صافعا صفحة الهواء العابقة بدخان السجائر ورائحة الويسكي ، هدده فتنحى عن طريقه وأطلق البواب ساقيه للريح كحصان خشبي . اقتحم القاعة بصخبها ، كشبح يوشحه السواد المهيب . الأنظار تحدجه بعيون مستغربة، والجفون ترف بذعر بين السكر والصحو، بين اللزوجة والخوف . هرع الحضور أجمعهم إلى الزاوية ، وتقدم هو بخطى واثقة . اتجه نحو منصة المغني ، دفعه جانبا بعد أن نزع منه الميكروفون ، فجأة توقفت الراقصة عن تمايلها وانتبذت ركنا مظلما تستر عورتها . همهمات وعويل ثم صراخ . أشهر سيفه وزمجر قائلا :
    اسمعوا أيها اللئام هذه كلماتي سألقيها على مسامعكم ، على صخرة مزاعمكم ، في لجة أغساق آلهتكم ، بين أدخنة أفرانكم، ولكني أطلب منكم بعد سماعها ، أن تتركوا وقعها يعريكم تحت شمسها الحارقة ، و لتتوضؤوا بقطرات نداها . إنها حكمة آتية من القمم الشماء حيث كل ادعاءاتكم رشحتها الغيوم وفضحتها الأعالي لتصبح هراء .
    سمع جلبة مشوشة من الزاوية ، وعلا نداء يقول: انزل من هناك أيها المجدف . ألا تعرف أنك تخاطب أسيادك ؟
    تجاهل الصوت كأنه لم يسمعه . زأر مرة أخرى . صمت مريب يعم المكان ، ثم استرسل قائلا :
    أصبحتم نيرانا تلتهم حتى براعم الأغصان ، وبرماد اشتعالكم ترومون التضاعف . تبحثون عن مريدين جدد ، تذرون هباتكم الدخانية في أوساط الفقراء ، وبين الجوعى والمضطهدين ووسط غوغاء العامة ، في صفوف الشعراء والفقهاء . لكني آسف أيها اللئام ، فلم تعد مائدتكم تغوينا وجداكم يستهوينا . خيراتكم تعتبرونها سخاء وفتات أطعمتكم عطاء ، ولتعلموا أنه بانتفاخ بطونكم ترغبون التخمة ، وللأسف في منتصف الطريق تتقيؤون في العتمة . تلتصق في أنوفكم رائحة الغثيان وتسمعون في منتصف الليل ومن حولكم أصوات الهذيان . كالبالونات تنتفخون هواء وهاأنذا جئت إليكم ، وبمجرد لمسة من قشة سأثقبكم لتصيروا هباء .
    صرخ أحد من الأسياد المكومين فزعا : ومن أين أتيت بهذه النبوءات ؟
    أجاب الشيخ بوقار حاد : هذه حكمتي المصانة . أبثها في أخلاقكم المهانة . واعلموا أنه حتى عتي الموج يهدأ لما يلامس الصخر ، وحتى دفق السيل ينساب لما يصب في النهر . فهذه ليست نبوءاتي بل هي وحي من كلماتي .
    طأطأ الجمع الغفير من الأسياد رؤوسهم ، ندت عنهم أصوات أشبه برغبة في القيء . ادخلوا أصابعهم في أفواههم عسى أن يتخلصوا من زوبعة في بطونهم ، و بدأوا في الانصراف وهم يتزاحمون على الباب .
    أما الشيخ فقد كلله الظلام مرة أخرى وتوارى عن الأنظار...


    دريسي مولاي عبد الرحمان


    المغرب




    نبوءة : نص ضمن مجموعتي القصصية التي هي قيد الطبع
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    رد: نبوءة

    ليس بالضرورة أن تسميها نبوءة
    هي نصيحة أقدم بها ذلك الشيخ بكلماتها القاسية لتوضح للمتمرغين في ظلام الفجر والعهر حقيقة أنفسهم
    نص يكشف بذاءة مجتمع غارق في الظلمة
    تحيتي استاذنا الكريم دريسي
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • دريسي مولاي عبد الرحمان
      أديب وكاتب
      • 23-08-2008
      • 1049

      #3
      رد: نبوءة

      المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
      ليس بالضرورة أن تسميها نبوءة
      هي نصيحة أقدم بها ذلك الشيخ بكلماتها القاسية لتوضح للمتمرغين في ظلام الفجر والعهر حقيقة أنفسهم
      نص يكشف بذاءة مجتمع غارق في الظلمة
      تحيتي استاذنا الكريم دريسي
      مها الصديقة...مرحبا
      وحي كلماته صديقتي هو من جعل العنوان هكذا نبوءة ولم ولن تكون نبوة...
      متوحد مع الفجاج...وفي الأعالي...يبحث عن الحقيقة...حقيقة الحياة...
      هو ذا الإنسان...رغم أني أظنه ربما كان مؤدلجا
      ربما
      سررت ببصمتك المعهودة ...وبمداخلتك المرموقة...
      تقديري العميق

      تعليق

      • فاطمة الزهراء العلوي
        نورسة حرة
        • 13-06-2009
        • 4206

        #4
        رد: نبوءة

        ماذا لو لم يكن قد اهين عند بوابة الدخول ؟
        أكانت حكمه الاتية مما سيحل كنتيجة للخواء فيهم سترى النور قهرا عنهم ؟
        هل انتصار خروج ما في الجوانح غضبا ارغمته قسوة البواب ؟
        الم يكن متاهبا لحضور الحفل ؟
        ثم نعود وبحرفية جميلة الى اول البدايات فهو ورع تقي اعتزل الضجيج والماديات
        اعتزل هي فاتحة وورقة وتاشيرة لما حدث

        يعجبني جدا الغوص في اعماق ما تكتبه لانه شيء منا

        مولاي عبد الرحمن كل عان وانت بالف خير
        تبارك الله عليك

        فاطمة الزهراء
        لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

        تعليق

        • دريسي مولاي عبد الرحمان
          أديب وكاتب
          • 23-08-2008
          • 1049

          #5
          رد: نبوءة

          المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
          ماذا لو لم يكن قد اهين عند بوابة الدخول ؟
          أكانت حكمه الاتية مما سيحل كنتيجة للخواء فيهم سترى النور قهرا عنهم ؟
          هل انتصار خروج ما في الجوانح غضبا ارغمته قسوة البواب ؟
          الم يكن متاهبا لحضور الحفل ؟
          ثم نعود وبحرفية جميلة الى اول البدايات فهو ورع تقي اعتزل الضجيج والماديات
          اعتزل هي فاتحة وورقة وتاشيرة لما حدث

          يعجبني جدا الغوص في اعماق ما تكتبه لانه شيء منا

          مولاي عبد الرحمن كل عان وانت بالف خير
          تبارك الله عليك

          فاطمة الزهراء
          مرورك ختي فاطمة الزهراء له وقع خاص...ومداخلتك أعمق
          أخافهم فقط ثم هرب...وعاد إلى الأعالي...
          فالتوحد لا يعرف حدودا...وحقيقته في ملامسة عوالم أخرى بعيدا عن غوغائية البشر...
          قال الشاعر الألماني العظيم هولدرلين" لقد فهمت لغة الأثير ولكني لم أعرف لغة الناس"
          شكرا للا فاطمة الزهراء على حضور ثقلي هنا...
          دمت بألف خير

          تعليق

          • ربيع عقب الباب
            مستشار أدبي
            طائر النورس
            • 29-07-2008
            • 25792

            #6
            رد: نبوءة

            نبوءة
            أميز ما يحمل هذا النص لغته الثرية ، سلسة الإيقاع
            تجربة هى ، فى سلسلة تجارب ، تغترف منها منذ وقت
            رأيت هنا ربما " عادل إمام " و لكن بلا ضحكات
            ببعض الغضب و بعض الفكر .. و ربما كانت تجربتى
            " يريدون كل شىء " قريب الصلة بهنا ربما
            كنت أبحث معك عن النبوءة ، و لكن لم تاهت منى .. لا أدرى
            ربما شردت بعيدا عن الانصات لنبوءة الشيخ



            و لتتوضؤوا بقطرات نداها : ولتتوضأوا بقطرات نداها

            تتقيؤون في العتمة : تتقيأون فى العتمة


            كانت تجربة جميلة ، و قراءة تحمل متعة .. و اشتغالك على اللغة واضح

            خالص محبتى
            عيد سعيد

            sigpic

            تعليق

            • فؤاد الكناني
              عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
              • 09-05-2009
              • 887

              #7
              رد: نبوءة

              المبدع دريسي
              كل عام وانت بخير
              ارتبط الكشف معظم الأحيان بالجبال ربما التصاعد في المكان يمنح الأنسان رؤية افضل بابتعاده عن تسافل المادة ربما الأماكن الوعرة التي لا يملؤها ضجيج الأنسان
              غلبت على النص مسحة من السجع ربما هي لأضفاء شكل متصوف فالبلاغة السماوية سجعية معظم الأحيان
              بصراحة دريسي لم تكن عميقا هنا ليس المعنى ان النص ضحل بتاتا بل ان من قاص قاع محيطك يستهون قيعان البحار رغم انها عميقة هي الأخرى
              استمتعت بما قرأت وقدحت في نفسي نزعة اشتراكية تمقت كل ما انتجه عهر الجشع زالأنانية
              تحياتي ودمت مبدعا وصديقا

              تعليق

              • دريسي مولاي عبد الرحمان
                أديب وكاتب
                • 23-08-2008
                • 1049

                #8
                رد: نبوءة

                المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                نبوءة
                أميز ما يحمل هذا النص لغته الثرية ، سلسة الإيقاع
                تجربة هى ، فى سلسلة تجارب ، تغترف منها منذ وقت
                رأيت هنا ربما " عادل إمام " و لكن بلا ضحكات
                ببعض الغضب و بعض الفكر .. و ربما كانت تجربتى
                " يريدون كل شىء " قريب الصلة بهنا ربما
                كنت أبحث معك عن النبوءة ، و لكن لم تاهت منى .. لا أدرى
                ربما شردت بعيدا عن الانصات لنبوءة الشيخ



                و لتتوضؤوا بقطرات نداها : ولتتوضأوا بقطرات نداها

                تتقيؤون في العتمة : تتقيأون فى العتمة


                كانت تجربة جميلة ، و قراءة تحمل متعة .. و اشتغالك على اللغة واضح

                خالص محبتى
                عيد سعيد
                الأستاذ القدير ربيع...
                مداخلتك سيدي كانت رائعة...وملاحظاتك تعني لي الكثير...
                هذا نص من بداياتي القصصية...كتبته لأني كنت متأثرا بنيتشه لحدود الهوس...
                قرأته فيلسوفا واكتشفت فيه أديبا يكسر شذراته فيلولوجيا...وامتزجت القراءة بنبي جبران فكانت نبوءتي أنا على هذا الشكل...
                بخصوص الهمزة أستاذي...أظن ألأنه هناك خلاف بين المشارقة والمغاربة بخصوص كتابتها على الواو في وسط الكلمة...
                ماعلمونا اياه في المدرسة تكتب الهمزة على الواو اذا كانت مضمومة وقبلها فتح...ولهذا لو كتبتها كما صححتها لاعتبرت خطأ عندنا...رغم أني لست متيقنا من هذا...
                عموما أستاذي أشكرك مرة أخرى وكل عام وأنت بألف خير وصحة جيدة...
                محبتي الخالصة

                تعليق

                • دريسي مولاي عبد الرحمان
                  أديب وكاتب
                  • 23-08-2008
                  • 1049

                  #9
                  رد: نبوءة

                  المشاركة الأصلية بواسطة فؤاد الكناني مشاهدة المشاركة
                  المبدع دريسي
                  كل عام وانت بخير
                  ارتبط الكشف معظم الأحيان بالجبال ربما التصاعد في المكان يمنح الأنسان رؤية افضل بابتعاده عن تسافل المادة ربما الأماكن الوعرة التي لا يملؤها ضجيج الأنسان
                  غلبت على النص مسحة من السجع ربما هي لأضفاء شكل متصوف فالبلاغة السماوية سجعية معظم الأحيان
                  بصراحة دريسي لم تكن عميقا هنا ليس المعنى ان النص ضحل بتاتا بل ان من قاص قاع محيطك يستهون قيعان البحار رغم انها عميقة هي الأخرى
                  استمتعت بما قرأت وقدحت في نفسي نزعة اشتراكية تمقت كل ما انتجه عهر الجشع زالأنانية
                  تحياتي ودمت مبدعا وصديقا
                  صديقي فؤاد مرحبا مرة أخرى...
                  أتدري عبارتك الأخيرة أحالتني على كتاب ضخم للمرحوم المفكر العظيم هادي العلوي...المناضل الشريف عنوانه مدرارت صوفية والى الموسوعة الضخمة للفقيه الماركسي رحمه الله حسين مروة في النزعات المادية...فخجلت من نفسي ومن قصصي وأنا الذي التهمت سنوات عمري بين ثنايا صفحاتهم...
                  عموما صديقي هي بالفعل بسيطة...واشتغلت على اللغة فيها...حملتها فلسفة كشف ومكابدة وعناء رغم أنني فقزت على مجموعة من المراحل في هذا الارتقاء...
                  دمت صديقا أخي فؤاد وكل عام وأنت بخير

                  تعليق

                  • أحمد عيسى
                    أديب وكاتب
                    • 30-05-2008
                    • 1359

                    #10
                    رد: نبوءة

                    نص مبدع ، حملته لغة قوية ثرية ...

                    شكراً لك أستاذي ..

                    كل عام وأنت بخير
                    ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                    [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                    تعليق

                    • دريسي مولاي عبد الرحمان
                      أديب وكاتب
                      • 23-08-2008
                      • 1049

                      #11
                      رد: نبوءة

                      المشاركة الأصلية بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
                      نص مبدع ، حملته لغة قوية ثرية ...

                      شكراً لك أستاذي ..

                      كل عام وأنت بخير
                      ولمرورك أستاذي أحمد عيسى وقع خاص...نكهة مميزة...
                      سررت بتواجدك هنا...ولمداخلتك التي أعتز بها...
                      تقديري الكبير

                      تعليق

                      • حماد الحسن
                        سيد الأحلام
                        • 02-10-2009
                        • 186

                        #12
                        مساء الخير الصديق والأستاذ ادريسي
                        أسجل مروري وتساؤلي, الم تكن مباشراً بعض الشيء, الا يوحي العنوان بشيء أكبر من ذلك, كلنا أحياناً لا نكتب بنفس السوية, ولكن لا اسمح لادريسي بذلك, إنه الحب أناني أحياناً.
                        ودمتم بمودة واحترام بالغين

                        تعليق

                        • دريسي مولاي عبد الرحمان
                          أديب وكاتب
                          • 23-08-2008
                          • 1049

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة حماد الحسن مشاهدة المشاركة
                          مساء الخير الصديق والأستاذ ادريسي
                          أسجل مروري وتساؤلي, الم تكن مباشراً بعض الشيء, الا يوحي العنوان بشيء أكبر من ذلك, كلنا أحياناً لا نكتب بنفس السوية, ولكن لا اسمح لادريسي بذلك, إنه الحب أناني أحياناً.
                          ودمتم بمودة واحترام بالغين
                          الايقاعات الكتابية صديقي تختلف وتختل أحيانا...والوقوف على شفير الهاوية الكتابية مغامرة أريد أن أسجل معظم لحظاتها على صفحاتي...
                          ربما العنوان لا يوحي الى شيء أكبر...لكن سياقها التاريخي والديني والتوغل فيهما يسمحان للقارئ بتحديد معنى القيمة المتوخاة...مباشرية النص تظهر شكليا لكن بخصوص الدلالات فهي بالطبع عبارة عن رموز ولغة.
                          ربما قد خيبت امال القارئ المتسرع لكن حبك سيدي كفيل بأن يعيدني الى ذاتي للعثورعلى عمق الأشياء.
                          يقول نيتشه: عمقي متين لا يتزعزع ولكن على سطحه تلمع الالغاز وأصداء الضحك...
                          محبتي يا صديقي الكبير.

                          تعليق

                          • العربي الثابت
                            أديب وكاتب
                            • 19-09-2009
                            • 815

                            #14
                            [quote=دريسي مولاي عبد الرحمان;291193]
                            كان معتكفا في أعالي الجبال ، صديقا للفجاج والحيوانات . اعتزل العالم السفلي بضجيجه . تأمل الإنسان وهو يكابد عناء الحياة ، ويتيه في دروب الضياع . آثر العزلة كانسلاخ عن غوغائية قاتلة . تسامى بصوفيته وتقوى بثورةجديدة . كان يقول أن الوقت لم يحن بعد ليزف بشراه لمن يهمهم الأمر ، إلى أن جاء اليوم الموقوت .

                            لقد علم بتنظيم حفلة فاخرة في ليلة ساهرة ، خيل له أنه مدعو لها. لا يهم . حفلة نظمها حفنة من قطاع طرق وسماسرة ،ويلا الخجل . هم يعتبرون أنفسهم عباقرة . قرر الذهاب لحضور المأدبة . أنواع الأطعمة تتراءى له في مخيلته فيسيل لعابه ، تبددت باستحضار الأيام التي قضاها في أغوار ذاته . بأسمال تلفع وبنبوءات تسلح . بحرقة مشى وخطواته تستحثه. لم يسعفه المسير في البدء . تردد وشعور رجراج يموجه مع حافة الوهم والزعم يعلقه . تثاءب وتثاقل وأخيرا استجمع قواه خوفا من ضياعها في سنوات عزلته . وحرصا على أن لا يقع فريسة لجوعه وظمأه ، تسلل تحت جنح الظلام مسربلا بعزيمته ، مستقويا بحكمته ، ومؤمنا بوجوب أداء رسالته. اقترب من قاعة الحفلات ، أضواؤها أغشته فرد قب جلبابه . سمع غناء ووصلات ، أنخاب كؤوس ، قهقهات . لمح قامات بسكر تنوس واستمالات رؤوس ، وتشمم كحكيم عبق عطور تأسرالنفوس . كأسد هم بالدخول ، مطأطأ الرأس ، مذهولا ، وإذا بالبواب يوقفه ، بكلمات يهينه ..

                            قال له

                            مخاطبا :

                            توقف هناك أيها المتسخ . المكان ليس لأمثالك . انصرف فورا لحالك .
                            حز في نفسه وقع تلك الكلمات ونصال حادة تخترقه من تلك النظرات ، لأنه لم يسمعها منذ فترات وربما منذ زمان . تراجع للخلف. قررأمرا خطيرا . لقد حانت الساعة . أخرج سيفه ولوح به صافعا صفحة الهواء العابقة بدخان السجائر ورائحة الويسكي ، هدده فتنحى عن طريقه وأطلق البواب ساقيه للريح كحصان خشبي . اقتحم القاعة بصخبها ، كشبح يوشحه السواد المهيب . الأنظار تحدجه بعيون مستغربة، والجفون ترف بذعر بين السكر والصحو، بين اللزوجة والخوف . هرع الحضور أجمعهم إلى الزاوية ، وتقدم هو بخطى واثقة . اتجه نحو منصة المغني ، دفعه جانبا بعد أن نزع منه الميكروفون ، فجأة توقفت الراقصة عن تمايلها وانتبذت ركنا مظلما تستر عورتها . همهمات وعويل ثم صراخ . أشهر سيفه وزمجر قائلا :
                            اسمعوا أيها اللئام هذه كلماتي سألقيها على مسامعكم ، على صخرة مزاعمكم ، في لجة أغساق آلهتكم ، بين أدخنة أفرانكم، ولكني أطلب منكم بعد سماعها ، أن تتركوا وقعها يعريكم تحت شمسها الحارقة ، و لتتوضؤوا بقطرات نداها . إنها حكمة آتية من القمم الشماء حيث كل ادعاءاتكم رشحتها الغيوم وفضحتها الأعالي لتصبح هراء .
                            سمع جلبة مشوشة من الزاوية ، وعلا نداء يقول: انزل من هناك أيها المجدف . ألا تعرف أنك تخاطب أسيادك ؟
                            تجاهل الصوت كأنه لم يسمعه . زأر مرة أخرى . صمت مريب يعم المكان ، ثم استرسل قائلا :
                            أصبحتم نيرانا تلتهم حتى براعم الأغصان ، وبرماد اشتعالكم ترومون التضاعف . تبحثون عن مريدين جدد ، تذرون هباتكم الدخانية في أوساط الفقراء ، وبين الجوعى والمضطهدين ووسط غوغاء العامة ، في صفوف الشعراء والفقهاء . لكني آسف أيها اللئام ، فلم تعد مائدتكم تغوينا وجداكم يستهوينا . خيراتكم تعتبرونها سخاء وفتات أطعمتكم عطاء ، ولتعلموا أنه بانتفاخ بطونكم ترغبون التخمة ، وللأسف في منتصف الطريق تتقيؤون في العتمة . تلتصق في أنوفكم رائحة الغثيان وتسمعون في منتصف الليل ومن حولكم أصوات الهذيان . كالبالونات تنتفخون هواء وهاأنذا جئت إليكم ، وبمجرد لمسة من قشة سأثقبكم لتصيروا هباء .
                            صرخ أحد من الأسياد المكومين فزعا : ومن أين أتيت بهذه النبوءات ؟
                            أجاب الشيخ بوقار حاد : هذه حكمتي المصانة . أبثها في أخلاقكم المهانة . واعلموا أنه حتى عتي الموج يهدأ لما يلامس الصخر ، وحتى دفق السيل ينساب لما يصب في النهر . فهذه ليست نبوءاتي بل هي وحي من كلماتي .
                            طأطأ الجمع الغفير من الأسياد رؤوسهم ، ندت عنهم أصوات أشبه برغبة في القيء . ادخلوا أصابعهم في أفواههم عسى أن يتخلصوا من زوبعة في بطونهم ، و بدأوا في الانصراف وهم يتزاحمون على الباب .
                            أما الشيخ فقد كلله الظلام مرة أخرى وتوارى عن الأنظار...


                            دريسي مولاي عبد الرحمان


                            المغرب





                            نبوءة : نص ضمن مجموعتي القصصية التي هي قيد الطبع
                            [/استمتعت كثير بهذا السلسبيل العذب من لغتنا الحبيبة
                            ،وأنا التهم المقدمة الجميلة،كنت أتطلع بعدها إلى شيء كنت أترقب حدوثه وهو تحقق نبؤةالشيخ المتصوف ، لكن للأسف ، تحول الشيخ بخطابه وسلوكاته في الفقرات الموالية ، إلى أقل من نبي أو حتى من مجرد متصوف.... ولذلك ابتلعه ظلام فضاء الحفل في النهاية.
                            اللغة منسجمة تماما مع المضمون ،فكانت ذات نغمة صوفية وقد خانها المضمون في النهاية..
                            وهذا لايعني أن القصة باهتة إلى هذا الحد،بل هي رائعة من روائع قصك المتميز،ما حدث هو أن العنوان جعل منها طفلا يافعا يرتدي قميصا أكبر منه ...
                            هذه انطباعات قارئ عادي...أرجو تقبلها. ولك مني فائق المودة والحب
                            أخوك العربي
                            المغرب
                            ]

                            اذا كان العبور الزاميا ....
                            فمن الاجمل ان تعبر باسما....

                            تعليق

                            • دريسي مولاي عبد الرحمان
                              أديب وكاتب
                              • 23-08-2008
                              • 1049

                              #15
                              [quote=العربي الثابت;362425]
                              المشاركة الأصلية بواسطة دريسي مولاي عبد الرحمان مشاهدة المشاركة
                              كان معتكفا في أعالي الجبال ، صديقا للفجاج والحيوانات . اعتزل العالم السفلي بضجيجه . تأمل الإنسان وهو يكابد عناء الحياة ، ويتيه في دروب الضياع . آثر العزلة كانسلاخ عن غوغائية قاتلة . تسامى بصوفيته وتقوى بثورةجديدة . كان يقول أن الوقت لم يحن بعد ليزف بشراه لمن يهمهم الأمر ، إلى أن جاء اليوم الموقوت .


                              لقد علم بتنظيم حفلة فاخرة في ليلة ساهرة ، خيل له أنه مدعو لها. لا يهم . حفلة نظمها حفنة من قطاع طرق وسماسرة ،ويلا الخجل . هم يعتبرون أنفسهم عباقرة . قرر الذهاب لحضور المأدبة . أنواع الأطعمة تتراءى له في مخيلته فيسيل لعابه ، تبددت باستحضار الأيام التي قضاها في أغوار ذاته . بأسمال تلفع وبنبوءات تسلح . بحرقة مشى وخطواته تستحثه. لم يسعفه المسير في البدء . تردد وشعور رجراج يموجه مع حافة الوهم والزعم يعلقه . تثاءب وتثاقل وأخيرا استجمع قواه خوفا من ضياعها في سنوات عزلته . وحرصا على أن لا يقع فريسة لجوعه وظمأه ، تسلل تحت جنح الظلام مسربلا بعزيمته ، مستقويا بحكمته ، ومؤمنا بوجوب أداء رسالته. اقترب من قاعة الحفلات ، أضواؤها أغشته فرد قب جلبابه . سمع غناء ووصلات ، أنخاب كؤوس ، قهقهات . لمح قامات بسكر تنوس واستمالات رؤوس ، وتشمم كحكيم عبق عطور تأسرالنفوس . كأسد هم بالدخول ، مطأطأ الرأس ، مذهولا ، وإذا بالبواب يوقفه ، بكلمات يهينه ..

                              قال له

                              مخاطبا :
                              توقف هناك أيها المتسخ . المكان ليس لأمثالك . انصرف فورا لحالك .
                              حز في نفسه وقع تلك الكلمات ونصال حادة تخترقه من تلك النظرات ، لأنه لم يسمعها منذ فترات وربما منذ زمان . تراجع للخلف. قررأمرا خطيرا . لقد حانت الساعة . أخرج سيفه ولوح به صافعا صفحة الهواء العابقة بدخان السجائر ورائحة الويسكي ، هدده فتنحى عن طريقه وأطلق البواب ساقيه للريح كحصان خشبي . اقتحم القاعة بصخبها ، كشبح يوشحه السواد المهيب . الأنظار تحدجه بعيون مستغربة، والجفون ترف بذعر بين السكر والصحو، بين اللزوجة والخوف . هرع الحضور أجمعهم إلى الزاوية ، وتقدم هو بخطى واثقة . اتجه نحو منصة المغني ، دفعه جانبا بعد أن نزع منه الميكروفون ، فجأة توقفت الراقصة عن تمايلها وانتبذت ركنا مظلما تستر عورتها . همهمات وعويل ثم صراخ . أشهر سيفه وزمجر قائلا :
                              اسمعوا أيها اللئام هذه كلماتي سألقيها على مسامعكم ، على صخرة مزاعمكم ، في لجة أغساق آلهتكم ، بين أدخنة أفرانكم، ولكني أطلب منكم بعد سماعها ، أن تتركوا وقعها يعريكم تحت شمسها الحارقة ، و لتتوضؤوا بقطرات نداها . إنها حكمة آتية من القمم الشماء حيث كل ادعاءاتكم رشحتها الغيوم وفضحتها الأعالي لتصبح هراء .
                              سمع جلبة مشوشة من الزاوية ، وعلا نداء يقول: انزل من هناك أيها المجدف . ألا تعرف أنك تخاطب أسيادك ؟
                              تجاهل الصوت كأنه لم يسمعه . زأر مرة أخرى . صمت مريب يعم المكان ، ثم استرسل قائلا :
                              أصبحتم نيرانا تلتهم حتى براعم الأغصان ، وبرماد اشتعالكم ترومون التضاعف . تبحثون عن مريدين جدد ، تذرون هباتكم الدخانية في أوساط الفقراء ، وبين الجوعى والمضطهدين ووسط غوغاء العامة ، في صفوف الشعراء والفقهاء . لكني آسف أيها اللئام ، فلم تعد مائدتكم تغوينا وجداكم يستهوينا . خيراتكم تعتبرونها سخاء وفتات أطعمتكم عطاء ، ولتعلموا أنه بانتفاخ بطونكم ترغبون التخمة ، وللأسف في منتصف الطريق تتقيؤون في العتمة . تلتصق في أنوفكم رائحة الغثيان وتسمعون في منتصف الليل ومن حولكم أصوات الهذيان . كالبالونات تنتفخون هواء وهاأنذا جئت إليكم ، وبمجرد لمسة من قشة سأثقبكم لتصيروا هباء .
                              صرخ أحد من الأسياد المكومين فزعا : ومن أين أتيت بهذه النبوءات ؟
                              أجاب الشيخ بوقار حاد : هذه حكمتي المصانة . أبثها في أخلاقكم المهانة . واعلموا أنه حتى عتي الموج يهدأ لما يلامس الصخر ، وحتى دفق السيل ينساب لما يصب في النهر . فهذه ليست نبوءاتي بل هي وحي من كلماتي .
                              طأطأ الجمع الغفير من الأسياد رؤوسهم ، ندت عنهم أصوات أشبه برغبة في القيء . ادخلوا أصابعهم في أفواههم عسى أن يتخلصوا من زوبعة في بطونهم ، و بدأوا في الانصراف وهم يتزاحمون على الباب .
                              أما الشيخ فقد كلله الظلام مرة أخرى وتوارى عن الأنظار...


                              دريسي مولاي عبد الرحمان


                              المغرب





                              نبوءة : نص ضمن مجموعتي القصصية التي هي قيد الطبع
                              [/استمتعت كثير بهذا السلسبيل العذب من لغتنا الحبيبة
                              ،وأنا التهم المقدمة الجميلة،كنت أتطلع بعدها إلى شيء كنت أترقب حدوثه وهو تحقق نبؤةالشيخ المتصوف ، لكن للأسف ، تحول الشيخ بخطابه وسلوكاته في الفقرات الموالية ، إلى أقل من نبي أو حتى من مجرد متصوف.... ولذلك ابتلعه ظلام فضاء الحفل في النهاية.
                              اللغة منسجمة تماما مع المضمون ،فكانت ذات نغمة صوفية وقد خانها المضمون في النهاية..
                              وهذا لايعني أن القصة باهتة إلى هذا الحد،بل هي رائعة من روائع قصك المتميز،ما حدث هو أن العنوان جعل منها طفلا يافعا يرتدي قميصا أكبر منه ...
                              هذه انطباعات قارئ عادي...أرجو تقبلها. ولك مني فائق المودة والحب
                              أخوك العربي
                              المغرب
                              ]
                              الأخ العزيز العربي الثابت...مساء الخير.
                              هي لحظة احتقار كبير لهم...واشمئزاز لأنفسهم...
                              ليست نبوءة بتاتا...بل انذارا بقدوم الصاعقة من وحي كلماته المرصعة في الأعالي...
                              هو نص ينسجم مع فلسفة ما تفهم من خلال العيون لا الاذان...
                              وربما أن خطابه ليس مناسبا لهم...حمله من الجبل والسواقي وخرير المياه...خاله نبوءة...وقدمه للرعاع...
                              لا بد له من العودة الى الجبل شامخا لأنه يعرف جيدا أعشاش النسور وأوكار القردة...
                              هي نبوءة لأعماقنا الكبيرة وهي مثقلة بالجراح في محاولة للتسامي نزولا الى الأرض السابعة...
                              نبوءة هي شذرة بسيطة للكل لا لأحد...
                              دمت صديقي العربي بهيا أبدا...
                              محبتي.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X