" يحب الرجل الحقيقي شيئين:المخاطرة واللعب...لذلك يريد الأنثى التي هي أخطر الألعاب" نيتشه هكذا تكلم زاردشت
الصدفة...
لم تكن فكرة الصدفة واردة في قاموسي اليومي , ولم أعرف لها داعيا , إلى أن تجسدت كحقيقة انعكست في مراة حياتي . على مر سنوات مضت وعبر مسافات طوال قطعتها حافي القدمين فوق رمال ساخنة ملتهبة بأحداث محرقة.فأدميت من فرط ضياعي بين دروب القسوة والألم , وانتفخ جلدي دملا من وطاة الجروح المتتابعة , راسمة رموزا لذاكرة تغضنت ملامحها على الجسد المنهك , فأصبح واهنا,خافتا , متداعيا للسقوط في أية لحظة.إنها لحظة الاحتضار حيث سألقي بآخر نظرة في أفق هاته الصحراء التي هي وطني...
صحيح أنني ابن الصحراء والارض المقفرة الجرداء . سطوة الطبيعة باصفرارها جعلت مني شخصا غريب الأطوار ومتقلب المزاج ,حاد العصبية التي تستبد بي كما استبدت لتاريخ عظيم بنظام القبيلة وأعرافها . كنت مهووسا بمطاردة الكلاب والقطط الضالة وأجد متعة لا توصف في اخراج الأفاعي والضباب من أوكارها . أشعل النيران وحيدا في غمرة الوحدة الموحشة , في الأمكنة المتوغلة نأيا عن الأنظار . أصرخ ملء طاقتي حتى أجثو على ركبتي ويداي تتمرغان في أتربة لم تلامسها خطوات الناس ولا حتى قوائم الدواب التائهة , إلى أن جاءت أمطار الغيث على متن غمام امرأة أحيت شقوق القحط وتصدعات الأرض وبعثت مع ذلك في النفوس راحة سرى دبيبها في أوصال الجسد المتعب وكأنها بواعث وحي سقط من الفراغ على أرصفة إسفلتية متحجرة...
كنت وحيدا غير مخالط لجموع الناس . التوحد حكمتي مند الطفولة . ترعرعت بين أحضان النقاء الروحي . لكن قسوة العراء ووحشة الطبيعة, خلقت مني كائنا يعج بالتحدي الممزوج بالرغبة في توهم تفوق استثنائي . كانت بوادر عبقرية غريبة تنتابني وأنا أفكر في أشياء لم تخطر لي على بال . ولا عندي معها أي اتصال يذكر.كنت أسافر بعيدا في حدود اللحظات التي أمتطي فيها قافلة الزمن الذي يرتحل عبر صحرائه الطيفية في مسار دائري ,إلى تخوم الأمكنة التي تعج بالصخب والضوضاء وغوغائية البش ر.عدتي وزادي لا يعدوان أن يكونا سوى ماء وخبز وعرق وكتاب مجهول العنوان أتأبطه دوما. سيفر من أسفار العهد القدري تفوح منه رائحة رسالة رسمت ملامحها مند الأزل.قرأته مرارا. خلته أحيانا تفسيرا للأحلام, وأحيانا أخرى توثيقا لشواهد الأيام , وأخيرا مرشدا لدين جديد رسالته حب الايمان كدين بديل عوض الأوثان ...
في يوم صيف حار. كنت أغفو تحت فيء شجرة متوحدة في خلاء الصحراء. صهد قوي خنق أدنى حركة تنفس.استلقيت على جذعها الناتئ بخدوش عابري السبيل. كتابي ملفوف بخرقة صوفية وموضوع بعناية في جرابي .كسرة خبز يابسة قضمت منها فسمعت صليل أسناني يتعاظم وكأنه يروم الافتراس . تثاقلت الرغبة في النوم الحلو حتى وجدت نفسي في أحضان حلم غريب: امرأة في هيئة ملاك, عارية بأكملها إلا من أوراق التين التي غطت سوءتها . يرافقها طفلين.تمسك في أحضانها الوليد تلقمه نهدها الأيسر والبنت الصغيرة تمسك بأطراف بذؤابات ثوبها المجرجر.ضبابية الرؤية تمنعني من استيضاح الصورة المغشية . لكن ما علق في مخيلتي هو أنه بعد رحلة سريعة بين مروج خضراء , تربعت على منصتها , يحف بها أشجار الغار وأزهار الياسمين ,الصغيرة تلاعب الوليد في براءة طفولية مطلقة في حجر أمها..أما السيدة المكللة بوقار اختلط مع تعب دفين وشهوانية جسد ينضح ألقا , كانت مستلقية على ركبتيها , ماكثة على عقبيها ,مسدلة لشعرها تجدل ظفائرها وكأنها في طقوس تعبدية لصلوات مجهولة . انتهت من تصفيف شعرها وأمالت ظفيرتها حتى تدلت لتلامس نهدها الأيمن.انطفأ سياق الحلم أو الرؤيا . لا يهم . لكن قشعريرة سرت في جسدي وكأنني في لجة أعماق الصقيع. شعرت ببرد حاد. لذة طافحة نزلت علي من الفراغ لتروي ظمأ عاشق الصحراء . فزعت لسماع غربان نعقت فوق الشجرة وحلقت على أثر ذلك مفزوعة من ارتعاشتي . نذرت شؤما سيفتك بي بسوداويته, امتزج مع ربيعية الصورة التي كانت تلك المراة اطارها وألوانها وريشتها . عقدت العزم حثيث الخطى نحو أبواب العرافة القابعة في كهوف التلال الرملية. طرقتها كلها فانفتح واحد على مصراعيه من الجهة اليسرى لواحة العشق الجنوني ...
عبق البخور وأعشاب ممزوجة بدخان غطت العرافة عن اخرها.بحيث أنها لا تظهر للعيان. تقدمت يداي وكأنها في جزيرة العميان, تستنجد بالعرافة الغارقة في الهيجان الى أن لامست قدماي تخوم سجادتها ولمحت عيناي وهج مجمرتها. جلست قبالتها مهمهما بكلمات الحلم .مترددا كنت أارتعد وتلعثم لجم لساني. قالت بصوت محشرج زاد المكان استوحاشا :
- مالي أراك مرعوبا. أكيد أنك ابن مبارك من سلالة عريقة في هاته الصحراء.
أجبتها ببرودة قصوى متعمدا:
- بل ملعون سكنه الشيطان وآوت جسده هلوسات الضياع.
- هون عليك يا بني .ما الذي جرى؟ قص عليك أمرك
توسلتها باستعطاف زائد قلت:
- لقد أتيتك أيتها العرافة لتلملمي أوراق حلم سأنثرها الآن في حضرتك عساك تساعدينني في فك رموز طلاسمه
- تفضل . لكن يبدو أنك متلهف وتروم السرعة.. تمهل.
تنفست الصعداء , وحاولت وضع بعض الترتيب في أفكاري.استحضرت بقايا الحلم في الذاكرة واسترسلت:
- رأيت في منامي امرأة في صيغة ملاك رفقة طفليه ا,متربعة على عرش مطوق بالأشجار والياسمين.المرأة تجدل ظفيرتها طيلة الوقت.رضيعها يمتص نسغ لبنها من ثديها والطفلة تلاعب ثوب أمها وهي تطوف حولها .الغريب في الأمر أن نهاية الحلم كان بانتهاء المرأ ة من ترتيب شعرها ورميها لظفيرتها نحو صدرها لتلامس النهد الايمن.أفقت على إيقاع هدا الحلم والرعشة زلزلت أوصالي.احسست ببرودة لا تقاوم. ترى أيتها العرافة ما السر في ارتعاشتي ؟
ابتسمت العرافة ولمحت انفراجة رهيبة بين أسنانها وأشفعت رهبتي بالقول:
- حلمك غريب عن درايتي الطويلة في هذا الميدان.أظنه رسالة من سالف الأزمان لعاشق يحب الايمان.طرده الواقع بتعقده من كل الأوطان. فأصبح فريسة لأبشع حيوان. حيث جاء نذير اللؤم من فوق الشجرة عبر صوت الغربان. انها يابني امرأتك تناديك من كل مكان .على أن تلاحقها في كل زمان . لها طفلان.هم أبناؤك بإحسان.انطلق لتبحث عنها في حدائق الياسمين والريحان وشقائق النعمان, واصطحب كتابك وحزمة العيدان لتشغل بها عشقك والنيران ولتطهو بها خبزك المقدس الذي لا يقدر بأثمان. تعطيه وجبة لكل جوعان .ولا تنس انك مهما كنت ستبقى مجرد حالم وسنان .
هممت باستجماع قواي المنفرطة من شدة الايحاء وقسوة الاعياء .الرؤية مغبشة وأنا أعشى. بصيرتي وهنت في حضرة العرافة. لم انبس بأية كلمة.أدرت ظهري لها والدخان يكبل المكان بهيبة مخيفة . خرجت من الباب الأيسر لأجد نفسي فوق تلة على سطحها كعبة خلتها تطوف حولي . قلت في قرارة نفسي:
- هل أنا حفيد أبا يزيد البسطامي وهو تائه في هده البراري؟
منذ أمد بعيد وأنا احترق شوقا من أجل امرأة سكنت بقايا صوري. وهاهي اليوم في حلمي تقف وسط طريقي لمرات عدة. لم أستشعر حضورها لأنها كانت تتوارى حالما أسرع الخطى لأرسل ومضات من عيني نحو شفتيها . تندس من وراء سجف الظل لتبلغ أفقا لم أتصور أبعاده قط .كنت أعتقد في قرارة نفسي أنها امرأة تختلف عن باقي النساء وأنها حقيقة سكنت عقول الفضلاء وطلبة الحكمة وهواة التأمل وقاتلي الشفقة...
كنت متاكدا من أنها لا تشبه الأخريات.امرأة من زمن الحقيقة الأزلية,ترفع جدارا سميكا على فكرة تجسدت عندهن لحدود الابتذال.ملتزمة بفكرها على أن الجسد ليس الوساطة الوحيدة لوشج علاقة مع الرجل, لتكون بذلك امرأة الفضيلة في وسط زحمة الرذائل.
- تساءلت بتردد وأنا أتسنم جدار سمائها الزرقاء : هل سألتقيها اليوم أم غدا أم بعد غد...؟؟
لكن سألتقيها.بالتأكيد سألتقيها.وهل ستكون لي هي بالذات؟العرافة حاولت أن تنفس عني ,وجعلت تفسير حلمي محاولة لإيجاد امرأة الإيمان في استحالة تحقيقها في زمن اللا ايقان...
لاح لي سراب في الأفق فطرت في أثره أبحث عن الماء...ونسيت حلمي لأني كنت أرغب الحياة...متأبطا كتابي وجرابي فوق كتفي....ودمدمات العرافة تدوي في فضائي...
دريسي مولاي عبد الرحمان
المغرب
الصدفة...
لم تكن فكرة الصدفة واردة في قاموسي اليومي , ولم أعرف لها داعيا , إلى أن تجسدت كحقيقة انعكست في مراة حياتي . على مر سنوات مضت وعبر مسافات طوال قطعتها حافي القدمين فوق رمال ساخنة ملتهبة بأحداث محرقة.فأدميت من فرط ضياعي بين دروب القسوة والألم , وانتفخ جلدي دملا من وطاة الجروح المتتابعة , راسمة رموزا لذاكرة تغضنت ملامحها على الجسد المنهك , فأصبح واهنا,خافتا , متداعيا للسقوط في أية لحظة.إنها لحظة الاحتضار حيث سألقي بآخر نظرة في أفق هاته الصحراء التي هي وطني...
صحيح أنني ابن الصحراء والارض المقفرة الجرداء . سطوة الطبيعة باصفرارها جعلت مني شخصا غريب الأطوار ومتقلب المزاج ,حاد العصبية التي تستبد بي كما استبدت لتاريخ عظيم بنظام القبيلة وأعرافها . كنت مهووسا بمطاردة الكلاب والقطط الضالة وأجد متعة لا توصف في اخراج الأفاعي والضباب من أوكارها . أشعل النيران وحيدا في غمرة الوحدة الموحشة , في الأمكنة المتوغلة نأيا عن الأنظار . أصرخ ملء طاقتي حتى أجثو على ركبتي ويداي تتمرغان في أتربة لم تلامسها خطوات الناس ولا حتى قوائم الدواب التائهة , إلى أن جاءت أمطار الغيث على متن غمام امرأة أحيت شقوق القحط وتصدعات الأرض وبعثت مع ذلك في النفوس راحة سرى دبيبها في أوصال الجسد المتعب وكأنها بواعث وحي سقط من الفراغ على أرصفة إسفلتية متحجرة...
كنت وحيدا غير مخالط لجموع الناس . التوحد حكمتي مند الطفولة . ترعرعت بين أحضان النقاء الروحي . لكن قسوة العراء ووحشة الطبيعة, خلقت مني كائنا يعج بالتحدي الممزوج بالرغبة في توهم تفوق استثنائي . كانت بوادر عبقرية غريبة تنتابني وأنا أفكر في أشياء لم تخطر لي على بال . ولا عندي معها أي اتصال يذكر.كنت أسافر بعيدا في حدود اللحظات التي أمتطي فيها قافلة الزمن الذي يرتحل عبر صحرائه الطيفية في مسار دائري ,إلى تخوم الأمكنة التي تعج بالصخب والضوضاء وغوغائية البش ر.عدتي وزادي لا يعدوان أن يكونا سوى ماء وخبز وعرق وكتاب مجهول العنوان أتأبطه دوما. سيفر من أسفار العهد القدري تفوح منه رائحة رسالة رسمت ملامحها مند الأزل.قرأته مرارا. خلته أحيانا تفسيرا للأحلام, وأحيانا أخرى توثيقا لشواهد الأيام , وأخيرا مرشدا لدين جديد رسالته حب الايمان كدين بديل عوض الأوثان ...
في يوم صيف حار. كنت أغفو تحت فيء شجرة متوحدة في خلاء الصحراء. صهد قوي خنق أدنى حركة تنفس.استلقيت على جذعها الناتئ بخدوش عابري السبيل. كتابي ملفوف بخرقة صوفية وموضوع بعناية في جرابي .كسرة خبز يابسة قضمت منها فسمعت صليل أسناني يتعاظم وكأنه يروم الافتراس . تثاقلت الرغبة في النوم الحلو حتى وجدت نفسي في أحضان حلم غريب: امرأة في هيئة ملاك, عارية بأكملها إلا من أوراق التين التي غطت سوءتها . يرافقها طفلين.تمسك في أحضانها الوليد تلقمه نهدها الأيسر والبنت الصغيرة تمسك بأطراف بذؤابات ثوبها المجرجر.ضبابية الرؤية تمنعني من استيضاح الصورة المغشية . لكن ما علق في مخيلتي هو أنه بعد رحلة سريعة بين مروج خضراء , تربعت على منصتها , يحف بها أشجار الغار وأزهار الياسمين ,الصغيرة تلاعب الوليد في براءة طفولية مطلقة في حجر أمها..أما السيدة المكللة بوقار اختلط مع تعب دفين وشهوانية جسد ينضح ألقا , كانت مستلقية على ركبتيها , ماكثة على عقبيها ,مسدلة لشعرها تجدل ظفائرها وكأنها في طقوس تعبدية لصلوات مجهولة . انتهت من تصفيف شعرها وأمالت ظفيرتها حتى تدلت لتلامس نهدها الأيمن.انطفأ سياق الحلم أو الرؤيا . لا يهم . لكن قشعريرة سرت في جسدي وكأنني في لجة أعماق الصقيع. شعرت ببرد حاد. لذة طافحة نزلت علي من الفراغ لتروي ظمأ عاشق الصحراء . فزعت لسماع غربان نعقت فوق الشجرة وحلقت على أثر ذلك مفزوعة من ارتعاشتي . نذرت شؤما سيفتك بي بسوداويته, امتزج مع ربيعية الصورة التي كانت تلك المراة اطارها وألوانها وريشتها . عقدت العزم حثيث الخطى نحو أبواب العرافة القابعة في كهوف التلال الرملية. طرقتها كلها فانفتح واحد على مصراعيه من الجهة اليسرى لواحة العشق الجنوني ...
عبق البخور وأعشاب ممزوجة بدخان غطت العرافة عن اخرها.بحيث أنها لا تظهر للعيان. تقدمت يداي وكأنها في جزيرة العميان, تستنجد بالعرافة الغارقة في الهيجان الى أن لامست قدماي تخوم سجادتها ولمحت عيناي وهج مجمرتها. جلست قبالتها مهمهما بكلمات الحلم .مترددا كنت أارتعد وتلعثم لجم لساني. قالت بصوت محشرج زاد المكان استوحاشا :
- مالي أراك مرعوبا. أكيد أنك ابن مبارك من سلالة عريقة في هاته الصحراء.
أجبتها ببرودة قصوى متعمدا:
- بل ملعون سكنه الشيطان وآوت جسده هلوسات الضياع.
- هون عليك يا بني .ما الذي جرى؟ قص عليك أمرك
توسلتها باستعطاف زائد قلت:
- لقد أتيتك أيتها العرافة لتلملمي أوراق حلم سأنثرها الآن في حضرتك عساك تساعدينني في فك رموز طلاسمه
- تفضل . لكن يبدو أنك متلهف وتروم السرعة.. تمهل.
تنفست الصعداء , وحاولت وضع بعض الترتيب في أفكاري.استحضرت بقايا الحلم في الذاكرة واسترسلت:
- رأيت في منامي امرأة في صيغة ملاك رفقة طفليه ا,متربعة على عرش مطوق بالأشجار والياسمين.المرأة تجدل ظفيرتها طيلة الوقت.رضيعها يمتص نسغ لبنها من ثديها والطفلة تلاعب ثوب أمها وهي تطوف حولها .الغريب في الأمر أن نهاية الحلم كان بانتهاء المرأ ة من ترتيب شعرها ورميها لظفيرتها نحو صدرها لتلامس النهد الايمن.أفقت على إيقاع هدا الحلم والرعشة زلزلت أوصالي.احسست ببرودة لا تقاوم. ترى أيتها العرافة ما السر في ارتعاشتي ؟
ابتسمت العرافة ولمحت انفراجة رهيبة بين أسنانها وأشفعت رهبتي بالقول:
- حلمك غريب عن درايتي الطويلة في هذا الميدان.أظنه رسالة من سالف الأزمان لعاشق يحب الايمان.طرده الواقع بتعقده من كل الأوطان. فأصبح فريسة لأبشع حيوان. حيث جاء نذير اللؤم من فوق الشجرة عبر صوت الغربان. انها يابني امرأتك تناديك من كل مكان .على أن تلاحقها في كل زمان . لها طفلان.هم أبناؤك بإحسان.انطلق لتبحث عنها في حدائق الياسمين والريحان وشقائق النعمان, واصطحب كتابك وحزمة العيدان لتشغل بها عشقك والنيران ولتطهو بها خبزك المقدس الذي لا يقدر بأثمان. تعطيه وجبة لكل جوعان .ولا تنس انك مهما كنت ستبقى مجرد حالم وسنان .
هممت باستجماع قواي المنفرطة من شدة الايحاء وقسوة الاعياء .الرؤية مغبشة وأنا أعشى. بصيرتي وهنت في حضرة العرافة. لم انبس بأية كلمة.أدرت ظهري لها والدخان يكبل المكان بهيبة مخيفة . خرجت من الباب الأيسر لأجد نفسي فوق تلة على سطحها كعبة خلتها تطوف حولي . قلت في قرارة نفسي:
- هل أنا حفيد أبا يزيد البسطامي وهو تائه في هده البراري؟
منذ أمد بعيد وأنا احترق شوقا من أجل امرأة سكنت بقايا صوري. وهاهي اليوم في حلمي تقف وسط طريقي لمرات عدة. لم أستشعر حضورها لأنها كانت تتوارى حالما أسرع الخطى لأرسل ومضات من عيني نحو شفتيها . تندس من وراء سجف الظل لتبلغ أفقا لم أتصور أبعاده قط .كنت أعتقد في قرارة نفسي أنها امرأة تختلف عن باقي النساء وأنها حقيقة سكنت عقول الفضلاء وطلبة الحكمة وهواة التأمل وقاتلي الشفقة...
كنت متاكدا من أنها لا تشبه الأخريات.امرأة من زمن الحقيقة الأزلية,ترفع جدارا سميكا على فكرة تجسدت عندهن لحدود الابتذال.ملتزمة بفكرها على أن الجسد ليس الوساطة الوحيدة لوشج علاقة مع الرجل, لتكون بذلك امرأة الفضيلة في وسط زحمة الرذائل.
- تساءلت بتردد وأنا أتسنم جدار سمائها الزرقاء : هل سألتقيها اليوم أم غدا أم بعد غد...؟؟
لكن سألتقيها.بالتأكيد سألتقيها.وهل ستكون لي هي بالذات؟العرافة حاولت أن تنفس عني ,وجعلت تفسير حلمي محاولة لإيجاد امرأة الإيمان في استحالة تحقيقها في زمن اللا ايقان...
لاح لي سراب في الأفق فطرت في أثره أبحث عن الماء...ونسيت حلمي لأني كنت أرغب الحياة...متأبطا كتابي وجرابي فوق كتفي....ودمدمات العرافة تدوي في فضائي...
دريسي مولاي عبد الرحمان
المغرب
تعليق