لنا جميعاً ذكريات
بعضها نذكرها فنضحك منها وعليها
والبعض منها تبكينا
لكننا نأخذ العبرة منهما
عبرة تنمينا لنعبر مرافئ حياتنا بأمان
وعَبرة تغبطنا لأنا أخذنا منها ما يكفينا
فنعبر بهدوء بعد أن جدفنا في خضم أمواجها
وإن تكسّرت أشرعتنا فالأمل صارخاً ينادينا
نحو شواطئه الملساء
المبللة بآلامنا وضحكاتنا معاً
لنكمل معها مسيرتنا
مسيرة الحياة
من مفكرة الذكريات إقتلعت إحدى وريقاتي لأضعها لكم هاهنا
• بسم اللّه الرحمن الرحيم *
* نجلاء *
كنت يومها في الرابع الإبتدائي حين انتقلت مجموعة من طالبات مدرسة باربار لمدرستنا بسبب الترميمات التي تقام في مدرستهم آنذاك ، ولم نستقبلهن أبداً استقبالاً لائقاً بل كنا نعايرهن بين الفينة والأخرى بأنها مدرستنا ولا يحق لهن أن يبدوا رأيا ولو صغيراً ، اعتبرناهن دائماً غرباء عنا حتى وإن خالطونا في صف واحد ، إلا أن تلك النظرة لهن بدأت تنحسر تدريجياً من بعضنا بينما بقى البعض الآخر على نظرته تلك ، وعقدنا مع بعضنا الصداقات وتآلفنا في النهاية رغم معارضة الفئة الثانية ...
وكانت – نجلاء - ..
أحسست بها دوماً بمحاولاتها للتقرّب مني ولأن صديقتي كانت غيورة كنت أتجاهلها بعض الشيئ حفاظاً على مشاعر صديقتي وخصوصاً أن صديقتي كانت دائماً تذكرني بأنها تركت أصدقائها اللواتي تربين معها ونشئن معها من أجلي - رغم أني لم أطلب منها ذلك - بل كان يضايقني جداً أن تخاصمهن من أجلي ، وخصوصاً أن صديقاتها كن يتحرشن بي كثيراً ويؤذذنني بسببها حتى علمت اختى بالأمر وأوقفتهن عند حدهن ، إلا ان نظراتهن ظلّت تلمنني على صديقتهن التي سرقتها منهن حتى الثانوية حين انتقلن لمدرسة أخرى ، بينما صديقتي ظلت تطالب بثمن تخليها عن جاراتها واصدقائها دائماً وكان ذلك يشكل عبئاً وثقلاً عليّ ويحول صداقتي معها وكأنه رداً لجميل صنعته معي !!!!.
لنعود لـ - نجلاء –
فتاة سمينة بعض الشيئ وخجولة جداً ، سمراء جداً إلا أنها أبداً لا تفتقر للجمال فعينيها الواسعتين وشفتيها الغليظتين بفم ضيق وشعر نااااااااااااااعم فاحم يمنحها الكثير من الجمال إلا أنها لم تكن أبداً متفوقة وربما كان ذلك سبباً آخر لعدم التفاتي لها إذ كانت صديقتي زهرة تكره وتحظر عليّ الإقتراب من الغير متفوقين تحاشياً من العدوى كما كانت تدعي ، كانت زهرة ذات شخصية قوية تستطيع دائماً أن تكسب في معاركها ولذلك لم تكن أختي ترتاح منها اطلاقاً بل كانت دائماً تعايرني بأني تابعة لها ، لكنها في الحقيقة حلوة المعشر وعاقلة كل العقل وجادة كل الجدية ، تعلمت معها الكثير فهي الأخت الكبرى في عائلتها واليد اليمنى لأمها ورغم صغر سنها إلا أنها تدير العائلة بأكملها بمن فيهم والديها بأصبع منها .....ها أنا أتكلم من جديد عن زهرة وأترك نجلاء ......
تعرفت عليها أكثر يوماً حين شاهدتها تبكي وقد انزوت بعيداً ، وعلى غفلة من زهرة اقتربت منها و سألتها بفضول عن السبب ولم تجبني فقد كانت تحاول جاهدة أن تكتم بكائها إلا أنه كان ينتصر عليها فتخر دموعها غزيرة على خديها ، في تلك الأثناء مرّت بعض الزميلات وبدأن يعايرنها بيديها التي بها حناء أسود فاحم ، فزاد نحيبها ففهمت حينها أن حناءها الأسود هو سبب بكائها ، طبطبت عليها بحنان وأفهمتها أنها أيام فقط وسيزول فلا يهمك كلامهن القاسي ، وأحسست بأن كلامي ذاك كان كالبلسم الذي منحها الهدوء والطمأنينة ، ومن يومها ونحن أصدقاء - ولكن من بعيد تحاشياً لغيرة زهرة - ، وكنا نلتقي ونتحادث كلما سنحت لنا الفرصة بل وكنت أتعمد أن أتيه في الفسحة عن زهرة لأنعم بدقائق معها ، حاولت جاهدة أن أجمعهما معاً إلا أن زهرة أبت دائماً الإندماج مع الغريبة المتطفلة علينا وعلى المدرسة ..
كانت نجلاء تحدثني دائماً عن أبيها الفلاح الذي يملك قطعة أرض يزرعها بيديه وكيف أنها وأخوتها يذهبوا لمساعدته كلما سنحت لهم الفرصة في ذلك ، وكانت تحكي لي بداية كل ربيع وصيف عن الزهور التي تزخر بها الأشجار في حقلهم وكيف تتحول تلك الزهيرات تدريجياً لثمار يقطفنها مع ابيهم حين تنضج ويساعده أخوتها الذكور في بيعه على محلات الخضار .
كنت أرسم كلماتها في مخيلتي كلوحة زيتية مبهرة تعانقها الشمس وسواعدهم الفتية وتكللها تغريد العصافير وطنين النحل الذي كان يكثر - كما كانت تحكي - خلاياها التي يكتشفنها تتدلى بين كروم العنب وبلح النخيل وقد اتخمت بالعسل الذي يسيل منها .. ولم تكن تحكي لي كل ذلك متفاخرة بل كانت تحكيها بعفوية شديدة ولا تجدها بذاك الجمال الذي كنت انبهر به ، فقد اعتادته وألفته وأصبح روتينا عادياً ..!!!
تفاجئت يوماً بأن أحضرت لي مالذ وطاب من إنتاج مزرعتهم تلك ، إلا أن ما فاجئني أكثر أن زهرة بدأت تتقرب منها من يومها طمعاً بقليل من ما جادت به عليّ ، استغربت من ذلك لكنه أفرحني لأني أخيراً جمعتهما معاً حتى وإن كانت زهرة تتقرب لمصلحة وحتى وإن كانت نجلاء لا ترتاح لزهرة المهم كان عندي أن تكونا معاً لأكون معهما معاً ، وشيئاً فشيئاً أصبحنا ثلاثة احببنا بعضنا معاً دون مصالح ولا عوائق ، حباً صادقاً وصداقة حميمة ربطتنا معاً حتى افتراقنا في الصف السادس حين رجعت لمدرستها القديمة التي انتهي من ترميمها ، وكم كنا حزينتان لفقدها وكم كنا مصدومتان لفرحها بأن تعود لمدرستها رغم حزننا الكبير لفراقها ، ومع ذلك لم تنسى أن تهدينا عسلاً من مزرعة أبيها وهي تودعنا ولم أكن أملك في يدي حينها غير خاتمي الذهبي لتذكرني به ( وقد حصلت على علقة ساخنة من أمي لذلك ) ..
والأيام أخذتنا بعدها وباعدتنا ومضت وطالـــــــــــت بنا دون لقـــــاء .....
ومنذ أيام قليلة فقط ذهبت للمستشفى لتطعيم حمود وقد قابلتها هناك وبيدها صغيرها وتختبئ من ورائها ابنتها التي لمحت خاتمي الذهبي عينه يزين بنصرها الصغير ، كان لقاءً خاطفاً حميماً لصداقة قديمة تحمل في طياتها ذكريات جميلة ...
بعضها نذكرها فنضحك منها وعليها
والبعض منها تبكينا
لكننا نأخذ العبرة منهما
عبرة تنمينا لنعبر مرافئ حياتنا بأمان
وعَبرة تغبطنا لأنا أخذنا منها ما يكفينا
فنعبر بهدوء بعد أن جدفنا في خضم أمواجها
وإن تكسّرت أشرعتنا فالأمل صارخاً ينادينا
نحو شواطئه الملساء
المبللة بآلامنا وضحكاتنا معاً
لنكمل معها مسيرتنا
مسيرة الحياة
من مفكرة الذكريات إقتلعت إحدى وريقاتي لأضعها لكم هاهنا
• بسم اللّه الرحمن الرحيم *
* نجلاء *
كنت يومها في الرابع الإبتدائي حين انتقلت مجموعة من طالبات مدرسة باربار لمدرستنا بسبب الترميمات التي تقام في مدرستهم آنذاك ، ولم نستقبلهن أبداً استقبالاً لائقاً بل كنا نعايرهن بين الفينة والأخرى بأنها مدرستنا ولا يحق لهن أن يبدوا رأيا ولو صغيراً ، اعتبرناهن دائماً غرباء عنا حتى وإن خالطونا في صف واحد ، إلا أن تلك النظرة لهن بدأت تنحسر تدريجياً من بعضنا بينما بقى البعض الآخر على نظرته تلك ، وعقدنا مع بعضنا الصداقات وتآلفنا في النهاية رغم معارضة الفئة الثانية ...
وكانت – نجلاء - ..
أحسست بها دوماً بمحاولاتها للتقرّب مني ولأن صديقتي كانت غيورة كنت أتجاهلها بعض الشيئ حفاظاً على مشاعر صديقتي وخصوصاً أن صديقتي كانت دائماً تذكرني بأنها تركت أصدقائها اللواتي تربين معها ونشئن معها من أجلي - رغم أني لم أطلب منها ذلك - بل كان يضايقني جداً أن تخاصمهن من أجلي ، وخصوصاً أن صديقاتها كن يتحرشن بي كثيراً ويؤذذنني بسببها حتى علمت اختى بالأمر وأوقفتهن عند حدهن ، إلا ان نظراتهن ظلّت تلمنني على صديقتهن التي سرقتها منهن حتى الثانوية حين انتقلن لمدرسة أخرى ، بينما صديقتي ظلت تطالب بثمن تخليها عن جاراتها واصدقائها دائماً وكان ذلك يشكل عبئاً وثقلاً عليّ ويحول صداقتي معها وكأنه رداً لجميل صنعته معي !!!!.
لنعود لـ - نجلاء –
فتاة سمينة بعض الشيئ وخجولة جداً ، سمراء جداً إلا أنها أبداً لا تفتقر للجمال فعينيها الواسعتين وشفتيها الغليظتين بفم ضيق وشعر نااااااااااااااعم فاحم يمنحها الكثير من الجمال إلا أنها لم تكن أبداً متفوقة وربما كان ذلك سبباً آخر لعدم التفاتي لها إذ كانت صديقتي زهرة تكره وتحظر عليّ الإقتراب من الغير متفوقين تحاشياً من العدوى كما كانت تدعي ، كانت زهرة ذات شخصية قوية تستطيع دائماً أن تكسب في معاركها ولذلك لم تكن أختي ترتاح منها اطلاقاً بل كانت دائماً تعايرني بأني تابعة لها ، لكنها في الحقيقة حلوة المعشر وعاقلة كل العقل وجادة كل الجدية ، تعلمت معها الكثير فهي الأخت الكبرى في عائلتها واليد اليمنى لأمها ورغم صغر سنها إلا أنها تدير العائلة بأكملها بمن فيهم والديها بأصبع منها .....ها أنا أتكلم من جديد عن زهرة وأترك نجلاء ......
تعرفت عليها أكثر يوماً حين شاهدتها تبكي وقد انزوت بعيداً ، وعلى غفلة من زهرة اقتربت منها و سألتها بفضول عن السبب ولم تجبني فقد كانت تحاول جاهدة أن تكتم بكائها إلا أنه كان ينتصر عليها فتخر دموعها غزيرة على خديها ، في تلك الأثناء مرّت بعض الزميلات وبدأن يعايرنها بيديها التي بها حناء أسود فاحم ، فزاد نحيبها ففهمت حينها أن حناءها الأسود هو سبب بكائها ، طبطبت عليها بحنان وأفهمتها أنها أيام فقط وسيزول فلا يهمك كلامهن القاسي ، وأحسست بأن كلامي ذاك كان كالبلسم الذي منحها الهدوء والطمأنينة ، ومن يومها ونحن أصدقاء - ولكن من بعيد تحاشياً لغيرة زهرة - ، وكنا نلتقي ونتحادث كلما سنحت لنا الفرصة بل وكنت أتعمد أن أتيه في الفسحة عن زهرة لأنعم بدقائق معها ، حاولت جاهدة أن أجمعهما معاً إلا أن زهرة أبت دائماً الإندماج مع الغريبة المتطفلة علينا وعلى المدرسة ..
كانت نجلاء تحدثني دائماً عن أبيها الفلاح الذي يملك قطعة أرض يزرعها بيديه وكيف أنها وأخوتها يذهبوا لمساعدته كلما سنحت لهم الفرصة في ذلك ، وكانت تحكي لي بداية كل ربيع وصيف عن الزهور التي تزخر بها الأشجار في حقلهم وكيف تتحول تلك الزهيرات تدريجياً لثمار يقطفنها مع ابيهم حين تنضج ويساعده أخوتها الذكور في بيعه على محلات الخضار .
كنت أرسم كلماتها في مخيلتي كلوحة زيتية مبهرة تعانقها الشمس وسواعدهم الفتية وتكللها تغريد العصافير وطنين النحل الذي كان يكثر - كما كانت تحكي - خلاياها التي يكتشفنها تتدلى بين كروم العنب وبلح النخيل وقد اتخمت بالعسل الذي يسيل منها .. ولم تكن تحكي لي كل ذلك متفاخرة بل كانت تحكيها بعفوية شديدة ولا تجدها بذاك الجمال الذي كنت انبهر به ، فقد اعتادته وألفته وأصبح روتينا عادياً ..!!!
تفاجئت يوماً بأن أحضرت لي مالذ وطاب من إنتاج مزرعتهم تلك ، إلا أن ما فاجئني أكثر أن زهرة بدأت تتقرب منها من يومها طمعاً بقليل من ما جادت به عليّ ، استغربت من ذلك لكنه أفرحني لأني أخيراً جمعتهما معاً حتى وإن كانت زهرة تتقرب لمصلحة وحتى وإن كانت نجلاء لا ترتاح لزهرة المهم كان عندي أن تكونا معاً لأكون معهما معاً ، وشيئاً فشيئاً أصبحنا ثلاثة احببنا بعضنا معاً دون مصالح ولا عوائق ، حباً صادقاً وصداقة حميمة ربطتنا معاً حتى افتراقنا في الصف السادس حين رجعت لمدرستها القديمة التي انتهي من ترميمها ، وكم كنا حزينتان لفقدها وكم كنا مصدومتان لفرحها بأن تعود لمدرستها رغم حزننا الكبير لفراقها ، ومع ذلك لم تنسى أن تهدينا عسلاً من مزرعة أبيها وهي تودعنا ولم أكن أملك في يدي حينها غير خاتمي الذهبي لتذكرني به ( وقد حصلت على علقة ساخنة من أمي لذلك ) ..
والأيام أخذتنا بعدها وباعدتنا ومضت وطالـــــــــــت بنا دون لقـــــاء .....
ومنذ أيام قليلة فقط ذهبت للمستشفى لتطعيم حمود وقد قابلتها هناك وبيدها صغيرها وتختبئ من ورائها ابنتها التي لمحت خاتمي الذهبي عينه يزين بنصرها الصغير ، كان لقاءً خاطفاً حميماً لصداقة قديمة تحمل في طياتها ذكريات جميلة ...
تعليق