نبضات تداعب جدران المخيم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نائل خليل
    عضو الملتقى
    • 09-09-2009
    • 394

    نبضات تداعب جدران المخيم

    أحبــــــــــــــائي ......
    ما اروعها تلك الجدران المهترئة تحت شمس هذا المخيم
    و ما اروع ذلك العجوز الذي لا يزال قابضا على عصاه
    يمسك عصاه ، رفيقته اللحظية ، ويتكأ عليها مع كل اشراقة صباح ، يتنسم عليل الهواء ،ويناجي دفء شعاع الشمس ،هذا الشيخ الذي بلغ عقده السبعين ،ولا زال صامداً متمسكاً بالمخيم ،كصمود الأمل بالأعماق ، يتجه بوجه صوب الشمس تارة مرتلاً آيات من الذكر الحكيم ،وأخري يرنم ألحان التراث القديم ، الموروث الذي لا زالت ذاكرته تحملها من عبق شجيرات البرتقال بيافا ، ونسائم الزيتون .
    وباحدي الأيام جلست بجوارة أري ما يرنم بين الشفاه ،وما تكتنزه ذاكرة هذا العجوز الذي أضحي وكأنه قطعة أثرية ،نداعبها بعطف وحنان ،ونري بها أمل وعنفوان وتحدي . فسألته برأيه بما يري ويسمع من أحوال بمخيمنا ومدينتنا ، فنظر إلي فاستشعرت من حيرة عيونة العتاب وليس الإعجاب ، الاستنكار والاحتجاج ، أقوي من كل التعبيرات الأخرى ، والصرخات ، أطال السرحان والنظرات المتفحصة بعمق إلي ابتسامتي وهي تعلو الشفاه تداعب صمته ، ويجول بين جدران المخيم التي تعاقبت عليه بسنين عمرة ، وتلفظ بكلمات اسمع يا بني :
    الفساد وأنتم يوميا تتغنون حزنا بالفساد ، فما تطلقون علي ما تعيشون وتحيون وسطة؟ فرددت بسرعة إنه فلتان وفساد ، فتنهد تنهيده لم أدرك مغزاها وقال : نعم فلتان ، تذكرني هذه الكلمات بالأب العزيز رحمه الله ، حينما كان يترامى لمسامعه إنني كنت أجلس بمكان ما ومر علي من هو أكبر مني سنا ،ولم أعتدل بجلوسي وأرد التحية بأدب واحترام ، يؤنبني ويقسو علي ، ولا يتوانى بضربي لو شاهدني من بعيد وأنا أري شيخ كبير لا يستطيع حمل عبء ما ولا أنهض لمساعدته بسرعة ، ويا الله لو ذهب جاري وشكي علو صوتي عليه ، كنت أعاقب أيام وأيام ، ولا يغفر لي بيسر وسهولة هذا الإثم .
    وكنا نسمع الحكايات عن الفدائيين إنهم يسيطرون بالليل علي المخيم والمدينة ، ولم اسمع يوما مهرجاننا أو خطاب ، أو يتسابقون لوسائل الإعلام ، وترنيم أهازيج الفخر والاعتزاز ، كانوا يحملون بنادقهم وحبهم لفلسطين ويقاتلون عدوهم ، ولا نراهم بساعات النهار ،ولا نعرف عنهم سوي ممن يستشهد منهم أو يقع بأسر الاحتلال .
    أما أنتم اليوم يا بني ، يمر عنكم من أنجبكم وأنتم تتكأون وتدخنون وبالكاد تردون التحية ، تشاهدون من هم مثلي شيوخ كبار السن يترنحون يمين وشمال ، فتتهامزون وتضحكون وتتعالي صرخات الانبساط ، يعود لكم أبنائكم الصغار يشكون من ابن الجيران فتعنفه بقوة وربما تكيل له الضرب لأنه عاد لك مضروب وليس ضارب ، وتقسم أن لا يدخل البيت إلا إذا عاد ومعه الحق من أبن الجيران ، تسمعون أنين وصرخات جيرانكم بساعات الليل فتصيبكم حالات الأعباء ، وتصرخون بأعلى صوت كفي يا رجل نريد أن ننام ، مقاتليكم يصولون ويجولون ببنادقهم في ساعات النهار يبحثون عن كاميرا هنا وهناك ، أو خطاب ومهرجان ،وهم يتلحفون الرايات متعددة الألوان ، ترنموا الأغاني والأهازيج لكل من أطلق كلمة وشعار ،وتختلقوا ألاف المبررات له لو أخطأ أو انتقده إنسان ، فأي فلتان يا بني تتحدثون . فهل أدركت ما هو الفلتان ؟
    سمعت هذه الكلمات من هذا العجوز الذي يعتبر بنظر الكثيرين رحلة من الماضي ، لا يستشعر بما يدور حوله ،ولا يتعاطى مع وسائل التطور الحديثة ، ولا يتعامل بأدوات التغيير الاجتماعية التي أحدثت انقلاب بالمجتمع ،وعاداته ،وتقاليده ،وسألت نفسي لماذا نتمسك بالموروثات والعادات والتقاليد التي تتناسب مع مقاس رغباتنا ؟ ونلقي خلف ظهورنا هذه العادات والتقاليد التي شب عليها آبائنا ، وبلورت بهم التسامح والتعاضد والتراحم ، وبثت المحبة بقلوبهم ،وزرعت الخير بعيون الناس.
    ووصلت كلمات الشيخ وأدركت أي فلتان نحيا نحن ، وحقيقة ما يدور في وطننا ،بأنه فعلاً فلتان ولكن ليس هذا الذي وصفناه نحن ،وتسابقنا نحلله ونشرحه ، بل هو فلتان من نوع أخر غائب عن وجدانيتنا ، أنه فلتان أخلاقي ،وغياب للضبط الاجتماعي التربوي الذي لم نعد نعتد به كقيم تحكم تصرفاتنا وتصرفات أبنائنا ، ويقاس وفقها الإنسان ، وقدرته علي التواصل والاستمرار والتعايش مع مجتمعه ،وتكون واعز بداخله لحماية البناء الاجتماعي ،والحفاظ علي كرامة الإنسان.
    إذن لمس هذا الشيخ كبد الحقيقة الذي حاولنا تجاوزة والهروب من مسئوليته ،وكيل التهم هنا وهناك ،وهو الفلتان الأخلاقي الذي افتقدنا من خلاله لأسس التربية من عمق الأسرة الصغيرة ، حتى البناء الاجتماعي الكبير ....
    انه في كل الأحوال هدر لكرامة الإنسان ، هو فعلا فلتان ،
    ولكن أي نوع من الفلتان ؟؟؟؟؟؟
    ولكم الجواب





    تحياتي / نائل خليل
    للحب أجنحة من أثير...لا يعتليها
    الا قلب من حرير
  • قاسم بركات
    أديب وكاتب
    • 31-08-2009
    • 707

    #2
    رد: نبضات تداعب جدران المخيم

    اي نوع من الفلتان
    انت اجبت خلال السياق في هذا السرد الادبي الرائع
    لامست الوجع فمن يداوي
    تحياتي ايها الصديق الرائع
    قاسم بركات

    تعليق

    • نائل خليل
      عضو الملتقى
      • 09-09-2009
      • 394

      #3
      رد: نبضات تداعب جدران المخيم

      اخي العزيز قاسم ....

      شكرا لمرورك
      و سيبقى السؤال مطروحا
      أي نوع من الفلتان ؟؟؟


      تحياتي / نائل خليل
      للحب أجنحة من أثير...لا يعتليها
      الا قلب من حرير

      تعليق

      يعمل...
      X