آثرت قبل اختيار نص وتحليله سيميائياً أن أضع مقدمة موجزة لهذا المنهج المهم.
مقدمة في اتجاه التحليل السيميولوجي
أمّا أهم الاتجاهات السيميولوجية المعاصرة فكانت مع رولان بارت : درس أنظمة العلامات دلالياً مخالفاً سوسيرفي أن اللغة جزء من السيميولوجيا، ويأتي اتجاه جورج مونين الذي رفض اتجاه بارت ودرس أنظمة العلامات من حيث الاتصال، بينما درسها بارت من حيث الأنظمة الدالة، وتوسعت الدائرة مع " بريتو " مهتماً في تحديد أنظمة الإرسال و الاتصال، و جاء أمبرتو إيكو محاولاً الجمع بين الاتجاهات السيميولوجية السابقة ليثبت تضامن نظامي الدلالة و الاتصال .
- أهم مناهج التحليل السيميائي للأدب
1- منهج التحليل التوزيعي و يتزعمه بلومفيلد في أمريكا معتمداً على المدرسة السلوكية، والكلمة هنا لا معنى لها خارج سياقها و ليس لها إلا وظائفها .
2- منهج التحليل التوليدي : قام مناقضاً المنهج السابق معتمداً على الاستنتاج والعقلية، فاللغة أداة لتوصيل الأفكار وهذه الأفكار لها في أذهاننا وجودٌ و وظيفة مستقلتان عن اللغة .
3- منهج التحليل الإحصائي : و فيه يتم بناء جدول توضع فيه الكلمات المشتقة من أصل واحد، وبناء نسق لها : هناك كلمات تتكرر مرات عديدة في نص ما مما يوحي بعلاقة حميمة بمرات تكرارها . وحسب هذا المنهج يتم الاستناد إلى نظرية الحقول الدلالية، ولكي نفهم معنى كلمة ما يجب أن نفهم مجموعة الكلمات المتصلة بها دلالياً، ثم دراسة العلاقة بين تلك المفردات في الحقل الواحد . لقد تعددت مناهج التحليل السميائي للأدب، لكننا سنقف بإيجاز عند منهج مهم في التحليل السميائي، والذي انطلق مع مجلة"تل – كل" في فرنسا منذ ستينيات القرن المنصرم، حيث أصدر هذه المجلة فيليب سولرز 1960م و استقطبت عدداً من النقاد و المفكرين، أهمهم الناقدة البلغارية جوليا كريستيفا. لقد مرّت هذه المجلة بمراحل مختلفة في النقد والفكر، وقد ركزت هذه الجماعة ( تل – كل ) على مبادئ أدبية و نقدية أهمها :
1- النص :وهو عملية غير مكتملة، واستكماله في القراءة غير منته ما دام هناك قرّاء، فهناك فاعلون عديدون للنص، فهو متحول، وليس مادة ذات أبعاد ثابتة، بل يتجاوز الواقع بدينامية متحركة، وعلينا التعامل معه من خلال جذوره وبيئته، والتطورات التي طرأت عليه لأن النص المعزول جامد وساكن. وقد ميّز سولرز بين ثلاثة مستويلا للنص ( طبقة سطحية- طبقة وسطى- طبقة عميقة ) الطبقة السطحية هي النص الماثل كتابياً ( ألفاظ- جمل ..) والطبقة الوسطى هي التناص وهنا يُكتب النص من نصوص متاقطعة، ومثّل لذلك بالكوميديا الإلهية لدانتي، وتأتي الطبقة العميقة متمثلة بانفتاح اللغة ( الكتابة ).
2- اللغة و الإيقاع : اهتمت هذه الجماعة بأبعاد اللغة الشعرية، والتجاذبات والتجاوزات بينها وبين اللغة العادية، مولين اهتماماً بالإيقاع الموسيقي، وقد مازوا بين الشعر المكتوب و الملفوظ . و أهم شخصيات هذه الجماعة فيلب سولرز مؤسس المجلة، و قد ابتدأ ماركسياً ثم تحول إلى الرواية الدينية، وتأتي جوليا كريستيفا كدعامة مهمة في هذه الجماعة النقدية،فقد شكّلت مع سولرز ثنائياً نقدياً أدخل معطيات جديدة على النقد الأدبي،وعالجت في نقدها الحدث الحضاري سياسياً و اقتصادياً و إيديولوجياً، وسيمياء اللغة أسلوبياً و نحوياً و بلاغياً و صرفياً، متعمقة في المضمون الحضاري و النفسي، وقد هضمت أنظمة الشكلايين الروس و البنيوية البارتية لتبلور نسقاً فلسفياً يربط علامات النص بالجذور اللاهوتية وعقدة أوديب في دراساتها،كدراستها لبروست ، وجيمس جويس ... و غيرهما، لقد اعتمدت كريستيفا البنيوية في تحليل النص الأدبي و تخطته إلى إطار أشمل من العلامات والإشارات، فكانت بذلك مخالفة للبنيويين الذين يرون النص نظاما ًلغوياً مغلقاً معتبرة ( كريستيفا ) أن النص عدسة مقعرة لدلالات مختلفة، ومعقدة ضمن إطار أنظمة اجتماعية و دينية و سياسية ما وهو ( النص ) موضوع للعديد من الممارسات السيميولوجية على اعتبار أنه ظاهرة عبر لسانية( مكوّن بفضل اللغة) وإنتاجيتهُ ذات علاقة باللغة التي يتموقع فيها، وبكونه يمثل عملية استبدال من نصوص أخرى(تناص)، ولا يمكن الكشف عن خصوصية النص إلاّ من خلال السيميولوجيا التي تعي هويته وتتعامل معه باعتباره أكثر من خطاب . لقد تجاوزت الأطر السابقة كاستنطاق مدلول اللغة و اعتمدت على معطيات اشتقتها من مفاهيم ضرورية كعلم النفس و علم الاجتماع .... الخ فكانت بذلك متحولة تحولاً جذرياً عن مراحلها النقدية السابقة ( البرمجة اللغوية الجامدة ) إلى المرحلة السيميائية ذات الأبعاد المتداخلة والمتعددة في كشف علامات الأثر الأدبي، وربطها بمعطياتها وفق أنظمتها السياسية و الاجتماعية، فتعددت بذلك مصادر نقدها السيميائي من ألسنية وماركسية وفرويدية، وثقافية وفلسفية ..... الخ. لقد تطوّر النقد السيميائي تطوراً ملحوظاً بجهود النقاد، وامتد من النص الأدبي ليشمل الحياة الاجتماعية كافة كالعادات و الموضة و غيرها، كما فعل بارت في تحليله السيميائي للعادات الاجتماعية في كتابة "ميثولوجيات" فوقف عند شرب الخمرة، وشرب الحليب صباحاً، والتدخين والعضلات والسيارات ......الخ مبيناً أن المجتمع يتبنى الكثير من الأساطير الحديثة مثلاً : الإيمان بالخمرة في فرنسا هو فعل قسري، و من لا يؤمن بها فهو إما مريض أو عاجز، فالمجتمع يسير وراء أسطورة و أوهام دون وعي، فنحن لا نشرب السجائر و إنما صوراً عنها، والمرأة لا تتزين لتجديد الشباب وإنما تقتني صوراً عن الشباب و يكون التاجر هنا بائع صور وهمية لا تمت للعقلانية بصلة . و غيره الكثير الكثير من العادات والتصرفات الاجتماعية التي تعرض لتحليلها سيميائياً رولان بارت في كتابه( ميثولوجيات ).
تعليق