الذي لا يقف من أجل شيء يسقط من أجل أي شيء
الكسندرهميلتون
[align=justify]الكسندرهميلتون
يحب المعارضة حد الموت، قرر إنشاء حزب سياسي يحمل شعار الحرية والعدل و المساواة، كان عليه قطع المشوار الكبير في التضحية ليكون مضرب المثل في التفاني و الإخلاص، يجب عليه تحويل أمانيه من أحلام مجردة و أفكار إلى واقع ملحوظ و محسوس. يحلو له تسمية الخصوم بباعة الكلام و الثرثرة؛ سماسرة الخطابات في مزاد الفوضى ، يبدع في اختلاق العناوين و النعوت ، و يكررها كلما سنحت الفرصة:
" لا تأكل الشعوب الراقية من الخطب إنما من عرق الجبين و كد الزند، من بركة البكور، من تعب الرجال في الحقول تحت الهجير و الزمهرير ".
دائم التفكير في الشعارات النارية الأكثر اشتعالا لفتيل الغضب الجماهيري، و لكي يؤكد حسن نواياه و يصير ظاهره خبير باطنه راح يتدرب ليصبح معارضا حقيقيا. فإذا حمل الملعقة بيمينه أكل بها لقيمات بالكاد يحوّلها إلى يده الشمال؛ إذا لبس قميصا جعل أزراره بظهره ثم لا يلبث نزعه ليرتدي آخر يتقلب ذوقه فيعارضه، إذا نام عن شماله و تذكر في اللاشعور معارضته تقلب عن يمينه، إذا جلس إليه أحد قام واقفا يتكلم.
بدأ حملته الانتخابية مسبقا ولا تزال على الانتخابات سنوات.
الالتقاء بجميع الفئات في الشوارع والمقاهي و الأسواق و الحانات والمساجد أكثر من مهم. يشرح برنامجه السياسي المعتمد على البديل لإصلاح قلب النظام؛ يطمح الزيادة في نبض الديمقراطية لتركض أكثر فتنتعش أكثر لتتقدم أكثر و تشارك في سباق حضاري مع نظيراتها الغربية.
كان يَعِدْ الناس بسكك حديدية لنقل الخيرات من الحقول إلى الموانئ والمطارات لإنعاش سياسة البلد و استقبال الأجانب. إنشاء الطرقات والمعابر لتقريب الناس من بعضهم البعض ؛ بناء السدود لتأمين الحياة والعيش الكريم فاحتمال نشوب الحروب في المستقبل على الماء وارد، يتذمر و يستهجن بيع الماء في الوطن .
كان يَعِدْ دائما إن تمكن حزبه من الفوز بالاستحقاقات المقبلة سيحقق وعوده و يضيف إليها وعودا أخرى برحلات للفضاء الخارجي ويعمل على تطوير التقنية و التكنولوجيا تأهبا للزوار الفضائيين، يؤكد بأن المستورد يصير مصدّرا. و المريخ سيصير سكنا.
دائما أبدا هو المعارض، حين يصوم الناس يؤجل صومه للغد و يفطر قبل الناس بيوم، ينام ساعات ليل و ساعات نهار و قد لا ينام الليل و النهار أحيانا كثيرة فقد نام سنينا كثيرة بما فيه الكفاية، يعلم اليقين أن الشعوب التي يخاطبها حققت قدرا كافيا من النوم ، و لذا وجب عليه معارضتها ، خالف خلقا كثيرا.
فردتا حذائه واحدة سوداء و الأخرى بيضاء، سرواله يصل نصف ساقه، لحيته جهة حليقة و الأخرى وافرة الشعر. مهووسا بالمعارضة و محتّم تأكيد ذلك على وجه التحديد في صورته و شخصيته، فالشعب يؤمن بما يرى ولو كان سحرا.
كلما مشى طريقا أو نهجا ووجد عَلَمـًا يرفرف وقف دقيقة صمت متحيّا مترحما فيها على الشهداء و الأبطال؛ شهداء الخبز كذلك يقرأ عليهم الفاتحة كلما مرّ بالمقابر الكثيرة التي ازداد عددها في السنين الأخيرة. له يوم في الأسبوع يمشي فيه للخلف مستعينا بالمرآة العاكسة
( troviseur) . يقضي يومه بالكامل تعبا متيقظا حسّاسا فقد يدفعه النسيان للمشي للأمام ويكسر وعده وعهده الذي قطعه مع الشعب، عاهد الشعب على المشي للخلف كل يوم في الأسبوع نذرا للمعارضة .
الجرذان الآكلة من حاويات القمامة و الزبالة وَعَدَ بتوفير الأكل لها حتى لا تهاجم المارة، الكلاب الضالة سيتكفل مشروعه بحمايتها من "الحقرة " والتمييز بينها وبين الكلاب المستوردة. عاهد بالسهر على حقوقها؛ القطط الهزيلة كذلك وعد بمساواتها موازاة مع القطط السمينة؛ أما الغربان و البوم وعد بإيجاد حل مناسب لها لتمكينها من العيش و الاستفادة من حضارة المدينة فتتوازن البيئة كما توازنت الفيلات الفخمة مع الأكواخ القصديرية.
أقسم على الأفراد الضاريين في المجتمع سيجعل منهم مبيدات كيماوية يقضي بها على الطفيليات في الحقول. ويبيد بها البعوض والصراصير المتطفلة السارقة السمع من تحت الأسرّى و الأبواب الخشبية.
كان يمضي وقته في قاعة الاستقبال التي بها خمس شاشات عملاقة مع أجهزة فيديو و أشرطة مسجلة عليها أصوات الجماهير المصفقة الهاتفة ، بالريمو كنترول يبث فيها الحياة الواحدة بعد الأخرى، و ينطلق في الكلام بصوت جهوري، يلقي خطبه ثم يضغط فتهتف الجماهير؛ الأشرطة تحمل هتافات مختلفة لشرائح مختلفة، مصورة بأماكن متعددة .
عليه التدرب طويلا ليشعر بالعمل الشاق الذي ينتظره .
هربت زوجته، أخذت معها الأولاد، لم تعد تقوى على تحمل جنونه خاصة عندما أحسّت أنه يطفىء الأنوار ليلا و يمشي في الظلمة صار يفزعها .
كان يهدّىء من روعها يخبرها أنه يتدرب على الحركة في الظلام لو قدر له و فرضت عليه لعبة الغرفة المظلمة و إغماض العينيين .
يصنع عالمه السياسي الخاص به، يصرف كل وقته في معارضة المألوف حتى أنه حين يقف أمام الناس يرفع إحدى قدميه كلقلق نائم يخاف فك ثعلب.
تجرأ كم مرة وحطّم بمطرقة غليظة رِجْلى حصان رخامي في ساحة عمومية صرفوا في استيراده الملايين؛ قال يجب على الحصان أن يرفع رجليه. ألبس الجندي النحاسي لباس الراهب و كسّر له بندقيته بالمكان المسمى عليه اسم قائد روماني.
أخذوه كم مرة للمصحة النفسية و بعد كل شهر يعود لحالته الطبيعة.
يطالب بالمعارضة كالمجانين، يطالب بالمستحيل كالعقلاء " فالمعارضة خلقت أبطالا كما خلقت مغفلين وبالوعات "هكذا يقول.
تعوّد على تعاطي الحقن و الإبر و المهدئات و المنومات. يتعافى وقتا ثم يزوره المرض مجددا بمجرد سماعه الخطاب السياسي على التلفزيون، يتذكر رؤيا عرافة الصحراء التي أخبرته في المنام بأنه سيصير رئيسا للدولة ذات يوم.
[/align]
تعليق