طافت فرح على حجر البيت جميعاً ، كما تطوف النسمات على أزاهير الربا في صباح ربيع مشرق ..كان فيض من الحبور و الارتباك يحركها ، و هي تحاول جاهدة أن تقاوم مده ، فلا يطغى على تناسق أطرافها ..شعرت لوهلة أنها تتحرك من غير إرادة منها .. أخبرت أمها و أباها و إخوتها أن سعيداً قد حضر لاصطحابها إلى بيتها الجديد في دمشق .. هذا البيت الذي طالما تخيلت تفاصيل حياتها القادمة فيه .. إنها الآن على وشك المضي إليه من غير أهازيج أو زغردات ..الأهل و الأصحاب في شغل عنها ،لأن نذير الحرب يعصف بسماء لبنان من جديد قادماً من جنوبها .. و حتى أهل سعيد كانوا في فلسطين الأسيرة وراء جدار الفصل .. و حواجز الحقد البغيضة التي أقامها العدوعلى كل طريق ومنعطف .. كل الوجوم و الترقب و القلق لم يمنع مد الحبور أن يصل إلى قلب فرح .. التي اصطدمت بحقائبها المركونة عند طرف الممر قريباً من الباب ، و هي تندفع لتعانق هذا و تودع ذاك .. طوقت فرح أمها وطوقت أباها بذراعيها طويلاً ، و أخذت تطبع القبلات على وجهيهما و يديهما و تشتم عبيرهما ليمتزج الدمع بالدمع ..و العبير بالعبير، و حين رفعت رأسها رجتهما أن يجمعا العائلة في الطابق الأرضي من...
أكثر...
أكثر...