سيدي !..
أنت الرئيس هنا...أنت صاحب الأمر فينا...
أنت مَنْ أوتىَ الصّول...
صارت لك أفخم غرفة بالجامعة، وأعظم مقعد بين مقاعدها...
الكلمة كلمتك أنتَ...
سيدي !..
مثل ما لك من حقوق عليك من الواجبات؛ لذا يجب أن تجفف دموع فتاة مثلي عندما تُبْتَلى... وقد أُبتليت بأمرٍ رهيبٍ.. لا أكاد أصدقه.. لهذا جئت إليك... لكي تنصفني لا لتنهرني على دخولي مكتبك بغير استئذان...
سيدي !..
أنت لم تقدر حالتي جيداً... لم تَتأثر لدموعي... ماذا أفعل؟... لا حيلة لي... إذا لم تكن لديك رغبة في مساعدتي فاسمح لي بالانصراف إذن...
- ... ....... ..........
- حسناً، سأقص ما حدث...:
كنت في محاضرةٍ للأستاذ ( ..... )
- ... ....... .........
- نعم!.. لالا.. بل كنت أجِلُّه كثيراً.. وأنهل من علمهِ الغزير...
لكنه يومئذ.. ما لبث أن انتهى من محاضرته، حتى دعاني إلى مكتبهِ. فأطعت، وتبعته في صمتٍ...
- .... ........ .........
- ماذا قلت سيدي؟...
- ..... .................
- حسناً، سأحكي بالتفصيل...
توقفت عند باب المكتب، نقرته برفقٍ، كان الباب مفتوحاً، فبسطته.. ثم دخلت...
كان الأستاذ منهمكاً في مطالعة كتاب بين يديه، لم أشأ مقاطعتهِ، وقفت صامتة للحظات، حتى شعر بوجودي، ورفع عينيه، فرآني... وهرول نحوي مرحباً علي غير المألوف!...
الحق أقول: أدهشني سلوكه معي... ولم أبدِ دهشتي...
ثم... ثم...
- هل لي في شربة ماء سيدي؟...
- .... ......... ............
الشكر لك...
ثم أسرع بغلق باب المكتب، ورجع إلىَّ مبتسماً...
- رأسي يؤلمني!...
كان شئ ما وراء ابتسامته، هكذا قرأته، كانت نظراته تشي عن مكنونهِ، مريباً كان...
ساورتني فيه الظنون، فطردتها من رأسي.. وآثرت الانتظار...
لكنه لم يمهلني، بل أقبل نحوي بصورته المخيفة: التجاعيد تحفر ملامحه بعمقٍ، شعر رأسه مسحوب عند مقدمة الرأس، متموج عند المؤخرة، عيناه لامعتان زائغتان... كان الشيطان يتلبس صورته...
فتراجعـــــــــت...
سيدي !..
أنا صادقة في كل كلمة.. أقسم على ذلك!...
راح يقترب مني مسحوراً شيئاً فشيئاً... حاولت أن أقنع نفسي بغير ما ظننته فيه... استدعيت مقولة لأمي كثيراً ما كانت ترددها: للمعلم رسالة أخلاقية قبل رسالته العلمية...
رَحِمَ الله أمي!...
لكن عقلي لم يحتمل ما يحدث، فقد انهارت كل النماذج فجأة أمامي...
وخطرت لي خاطرة، ظننت أن فيها الخلاص من هذا الـ.....
قلت له: هل تسمح لي أن أناديك بأبي!...
صدمته كلماتي بقوةٍ، مسّت ضميره فانتبه للحظاتٍ، ثم ابتسم بخبثٍ وإصرارٍ قائلاً لي: لا بأس أن أكون الأب.. وشئ آخر...
لقد طرح نفسه أمامي، كشف لي عمَا يختزنه...
روادتني مشاعر غريبة.. لم أحددها.. شعرت بأنّ جسدي فقاعة يؤرجها الهواء، وتلاحقت في رأسي أفكار شتّى...
أظلمت الدنيا في عينيَّ فجأة... حاولت الاختباء داخل نفسي... بدا ذلك لي وسيلة وحيدة للفرار...
لكنه لم يمهلني، فأزال الفوارق بيننا، حاول أن... أن...
- أسفة على بكائي سيدي!... لم أتمالك نفسي...
ثم حاول أن يلمسني.. كان يتوعدني : مستقبلك بين يدي.. بإمكاني منحك النجاح والمال والشهرة..
رغم ذلك، لم يكن الاختيار صعباً... واخترت تعاليم أمي... فنزعت يده عني... ألقيتها بعيداً بقرفٍ...
والتمست طريق الخروج...
لكنه لم يبالِ بي... فما عاد يرى أو يشعر بغير شيطانه.. شرع يطاردني في أنحاء الغرفةِ.. وأنا أحاول الهروب منه بكل طاقتي... ولا أجد مكاناً يعصمني منه... حتى سمعت طرقاً خفيفاً من الخارج.. ثم فُتِحَ الباب برفقٍ.. وهلّت فتاةُ ساحرة الجمال... فجذبها إليه حتى صارت ملاصقة له... وهو يرمقني بنظراتٍ متوعدة...
فرمقتهما بنظراتي النارية.. وخرجت صافقة باب الغرفة في أثري...
تلك شكواي سيدي، فماذا أنت فاعل؟...
تعليق