(جبل فوق زجاجة) مسرحية شعرية من ثلاثة فصول

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المنصور
    عضو الملتقى
    • 26-09-2009
    • 13

    (جبل فوق زجاجة) مسرحية شعرية من ثلاثة فصول

    الطبعة الأولى /الرياض/ عام 2009م
    الشاعر : محمد المنصور
    الناشر : دار المفردات
    تاريخ كتابة المسرحية : 1996 - 1997

    تتكون المسرحية من ثلاثة فصول
    الفصل الأول عدد المناظر (3)
    الفصل الثاني عدد المناظر (3)
    الفصل الثالث عدد المناظر (2)



    الفصل الأول
    المنظر الأول

    على خشبة المسرح يجلس الشاعر متكئا على طاولة مستديرة والضوء الخافت يبعث في نفسه نوعا من الهدوء والارتياح ، وعن يمينه مجموعة من الأقلام تبهر الناظر بجمالها وجودة صناعتها ، وفي الطرف الآخر من المسرح يقبل المخرج بخطى بطيئة نحو الشاعر والكراسي خالية من المتفرجين والهدوء يسود القاعة وخيط من الدخان يوحي بأن هناك شيئا ما يحترق في داخل الشاعر
    الشاعر (رافعا يديه في حركة هيستيرية ) :
    أيّـهذا الزمن الراكد في أعماق نفسي
    أتمنى لو أراكْ
    طائراًً في نفس غيري
    وملاكا كلما
    لامسَ الطهرَ تمرَّدْ
    أشتهي أن تخلع الأمس وأن تلبسني
    فيراني الناس فيكْ
    شاعراً ملء أياديك شموخاً وحياء

    (يقاطعه المخرج قادما من آخر المسرح) :
    تشتهي إيقاعك الحالمَ
    كم ترثي لنفسكْ
    (يقف أمامه وينظر الى المنفضة وقد تكدست أعقاب السجائرفيها ويهز رأسه) :
    شجنٌ محترقٌ في المنفضهْ
    ( يقترب من الشاعر وينظرإلى وجهه ) :
    كم ترى أحرقت من سيجارةٍ خلف رؤاكْ ؟
    الشاعر:
    لستُ أدري
    المخرج (يذرع أرض المسرح بتبرم) :
    لستَ تدري
    لستَ تدري
    ( يقترب منه ويضع عينيه في أرنبة أنفه ) :
    سيدي منْ ليس يدري
    أحرقْ الإبداع في داخل نفسك
    ثم هاتْ
    أنا مشدودٌ إليك
    مُولعٌ فيما كَتبتْ
    ( يستدير في حركة بهلوانية ويرفع يديه ) :
    شهرتي بين يديكْ
    فاختزلني
    ( ينهض ويشير إلى الشاعر) :
    قمْ لتكتبْ
    وكأني غير موجودٍ لديكْ
    الشاعر:
    كم كتبتْ
    وتعلقت بنفسي
    كي يراني الناس فيها ؟
    (يلتفت إلى المخرج بحنق) :
    مالهم يمضون عني ؟
    ألهذا قد ولِدت ؟
    المخرج (منشغلا بإصلاح حذائه) :

    ولهذا قد تموت
    (ينهض بسرعة ويستدير) :
    ما علينا
    كل نفسٍ عن سواها لاهيه
    الشاعر ( بتخاذل) :
    غير نفسي
    المخرج (ينظر إليه بحدة) :
    إنما في داخل الشاعر نورْ
    قمْ فجرِّب مرةً تُشعل نفسكْ
    وتَذكَّرْ
    أنّ من قد يشعل المصباح ظهراً
    هو أعمى
    خلفه قومٌ يرون الشمس غابت
    فهو فيهم .. وهمو فيه سواءْ
    الشاعر( يهز رأسه تقريرا للحقيقة ) :
    إن من يولد في النور غريباً
    لا يرى الظلمة في أعماق نفسهْ
    المخرج :
    لا .. ولا في غيرِهِ
    (ينظر الشاعر إلى المخرج بنوع من الشرود ) :
    إن في البردين شاعرْ
    كيف تخفي ألَمَـكْ ؟
    (يشير المخرج إلى جيبه) :
    ها هنا
    ( يرتفع في الضحك ويتقمص شخصية المهرج ويتراقص ) :
    قلمي المكسورْ
    ضائعٌ في النورْ
    في لمى الديجورْ
    الشاعر:
    كاهنٌ يسجَعْ
    المخرج (متنهدا) :
    تلك روحي .. من يراها ؟

    كلما ميَّلتُ وجه المحبرهْ
    ( يقفز ) :
    أتخيّلْ
    (يصرخ الشاعر) :
    أتخيّلْ00
    أتخيّلْ 00
    (يحس المخرج ان حماسه قد فتر بصرخة الشاعر ويلتفت اليه بهدوء مشوب بخيبة أمل) :
    سيدي
    لستَ أنتْ .. بل أنا
    أتنازعني خيالي ؟
    الشاعر:
    أنا أنتْ
    أنتَ في الوهم أنا
    كلنا مرضى الخيالْ
    المخرج (يهز رأسه ويقلب عينيه فيما حوله) :

    من ينازعْ
    (يضرب بعصا في يده خشبة المسرح ويتنهد) :
    من عليلٍ عِلَّتَهْ
    (تعتريه فترة صمت ثم يعود إلى وضعه الهستيري) :
    أتخيّلْ
    (ينظر إلى الشاعر بخوف ويطمئن على سكوته ويواصل) :
    أن خرطوماً على هيئة ما ... ذا ؟
    .. ما .. ذا ؟ .. ما
    الشاعر (بسرعة) :
    أن خرطوماً لأفعى
    (المخرج يشير بيده علامة الموافقة) :
    هوَ ذا
    (يتابع) :
    أن خرطوما لأفعى
    مصّ أجساد الرطوبهْ
    الشاعر:
    ليس للأفعى خراطيمٌ ولكنْ ...
    أشكلَ الأمر عليكْ
    المخرج (بحنق) :
    أنت قُلتْ
    الشاعر:
    واذا قلتُ تُصدِّقْ ؟
    المخرج :
    لايهمْ ... لايهمْ
    سمهِ ماشئتْ
    فهو خرطومٌ يمصْ
    قد رأيتهْ
    نفثَ السمَّ وولّى
    أتحسسْ
    (يضع يده على صدره ببطء ويغمض عينيه ويواصل) :
    ... جسدي
    (ينظر إلى الشاعر ويتابع بسرعة) :

    أنت لا تدري بأني لم أره؟
    الشاعر:
    كيف لي؟
    المخرج (مقاطعا) :
    غاب عني جسدي .. من ضيّعه؟
    (يلتفت إلى الشاعر في جنون) :
    دائما تسرقني
    الشاعر:
    تغفل الارواح عن أجسادها
    ألها الحق إذا مااستُلبَتْ..؟
    المخرج (بحدة) :
    أين أخفيت الجسد؟
    الشاعر:
    قم ففتش داخل الروح تجدهُ
    هائماً يبحث عن روح سواها
    (ينظر المخرج في المرآة داخل المسرح وفيها بعض الكسور ويهتف ) :

    قد وجدتُهْ
    هوَ ذا
    (ينظر في المرآة ويصرخ في الشاعر) :
    جسدي فيه شروخٌ مستديرهْ
    (ينظرفي وجهه) :
    وعلى الجبهة صدعٌ
    (يلتفت إلى الشاعر) :
    مافعلتَ اليوم بي؟
    الشاعر:
    ليس في المرآة عيبٌ
    فتمعنْ
    المخرج (يهز رأسه) :
    رب وهمٍ كان خيرا
    (يستدرك) :
    إنما أعرفهُ
    (يشير إلى خياله في المرآة) :

    مرّ بي هذا الجسدْ
    (ينظر إلى الشاعر وعلى وجهه ابتسامة مجنونة) :
    ماعلينا .. فلنواصل
    (يعود إلى حالته السابقة) :
    ولي القدرة أن أفتح صدريْ
    الشاعر (ساخرا) :
    يا عجيب.. !!
    (بينه وبين نفسه ) :
    قد بدأنا
    المخرج :
    وأرى قلبي بجوف المعِدَهْ
    الشاعر (يضع يده على خده في شرود) :
    كل شيءٍ جائزٌ
    كل شيءٍ قد تغيَّرْ
    ربما ينبت في رجلك رأسٌ
    فتخيلْ

    (بشرود) :
    أيَّ نوعٍ من حذاءٍ تلبسهْ ؟
    (ينظر في المخرج) :
    لا .. هنا مشكلة أخرى وأعقدْ
    كيف تبصرْ ؟
    (يحك رأسه ويتابع) :
    ثم لو كنا حفاةً
    أيّ رأسٍ ينفلقْ ؟
    أيّ خدٍ يتصعرْ ؟
    (يرفع الشاعر رأسه مروعا من ضرب المخرج على الطاولة)
    المخرج :
    أتَلَمَّسْ
    الشاعر ( بحنق ) :
    أي شيء تتلمسْ ؟
    شدّ ما روعتني
    المخرج (وكأنه لا يسمعه) :
    في شراييني اليبوسهْ
    الشاعر (يضع يده على خده بشيء من الحزن) :
    ليلة يابسة فيها رطوبهْ
    المخرج :
    قلت أمضي
    إن في المسرح أفعى
    أستقي منها الذي يوما فقدت
    قلتُ أمضي
    (يسكت قليلا وينظر في الشاعر يتفحصه بدقة) :
    إنما أنت الذي لا أفهمك
    غامضٌ في كل شيْ
    لستَ تدري
    الشاعر (مبتسما) :
    ربما أو ..
    (يهز رأسه ) :
    .. أعتـقـدْ
    (يحدث نفسه) :
    جاء دوري
    ويله مني إذا يوما صدقت
    (يتجه ببصره إلى المخرج ) :
    في يدي ألف يراعٍ وكراع
    المخرج (ضاحكا) :
    قلتُ أهلاً
    الشاعر :
    فبذي أكتب يومي
    وبذي أكسرُ أضلاعي ..
    ..وأختطُّ حروفاً للهجاءْ
    كلما ضيعتُ يوماً قلمي،
    أتناسى ظلمةً في داخلي، (يشير إلى صدره) :
    هاهنا،
    قلمٌ .. اثنانِ .. عشرونَ .. مئهْ
    بعضها يكتب شيئاً،
    بعضها يشعل شيئاً
    بعضها يشكو من الفقر ومن داء الكساحْ
    بعضها يكتب إن شئتُ وإن شاء أبى
    (يهز يده في وجه المخرج) :
    وكثيرا ما يكون الحبر أسودْ
    و تكون الصفحة البيضاءُ سوداءَ
    واني لست أدري ما كتبتْ
    المخرج :
    أي فرق بيننا ؟
    (ينظر الشاعر إلى أقلام المخرج المتعددة في ألوانها ، الأنيقة في الشكل ويحمل قلما منها)
    الشاعر:
    زاهي الألـوان يا من لوَّنَهْ غرّك الشـكل ومن قد زيَّنهْ
    (يرمي به في اتجاه المقاعد الخالية ) :
    إن أقلامـي دماء مستضيئهْ في حمى الروح قلوبٌ تتوحدْ
    فهي لا تنضبُ ... لا

    وبموتي تتجددْ
    المخرج :
    قمتَ تهذي
    الشاعر:
    لِمَ لا
    (في كآبة) :
    إنما يزعجني هزْجُ الذبابْ
    فوق سن الريشّةِِ
    كلما أبعدته عاد اليها
    وأُغيِّـرْ
    ريشةً من بعد ريشهْ
    وأراهُ عند غيري
    باسطاً فيهم ذراعا
    يكتب الوصفة من شق جناحهْ
    المخرج :
    قف بنا
    يا جنون العظمه
    أنت من شِق ذُبابٍ قد تغار
    ما الذي يبقى لقومٍ يعقلون ؟
    الشاعر:
    أنت لم تفهمْ ..
    .. وفرقٌ بعد ما بيني وبينك
    أنت مني
    غير أني لستُ منك
    المخرج (قائما) :
    أنتَ .. أنتْ
    أنا .. أنتْ
    يا إلهي
    عاده مسُّ الجنون
    (ينزل من المسرح ويلتفت إلى الشاعر) :
    في غدٍ
    عندما تصحو من النوبةِ
    .. ألقاك على مقهى المدينه
    الشاعر:
    ربما أصحو
    .. ولا يصحو فؤادكْ
    المخرج ( بضجر ) :
    ربما ..
    (يختفي المخرج ويبقى الشاعر فوق خشبة المسرح)
    ســــتار


    الفصل الأول
    المنظر الثاني

    (مجموعة من الممثـلين يتـناثرون في داخل المسرح وتجمعهم طاولة مستديرة أسفل المنصة ويعلو صوتهم الصاخب نوع من الإعياء وحديثهم عن عـملهم خارج إطار التمثيل)
    مظفر (وقد بدا عليه الإعياء والتثاؤب بين لحظة وأخرى) :
    أفٍّ لها تلك الوظيفهْ
    داست شبابي
    واستباحت شيبتي
    معين (ينظر إليه بنصف عين وهو يحتسي قهوته) :
    أعجوزاً في الثلاثين أرى ؟
    ويح نفسي
    مظفر (متهكما) :
    ليتني كنت أباك

    منيب (ببلاهه) :
    ما بهِ ؟
    مظفر :
    أكل السبعين لم يترك لحيٍ حشفهْ
    معين (بانزعاج) :
    أعوذ بالله العظيمْ
    من كل حاسد رجيمْ
    مظفر(يضع يده على كتفه) :
    هوِّنْ عليكْ
    معين :
    أدري ولكنْ .. ربما
    (ينظر إلى لقمان) :
    نبّهتَ عيناً نائمه
    (مظفر ضاحكا) :
    الفقر في بعض القلوبْ
    نارٌ غضوبْ

    منيب ( يهمس في أذن مظفر) :
    أيُّ شيءٍ حَشَفَهْ ؟
    (ينظر إليه مظفر بسخرية) :
    ما تكون الحشفه ؟
    (منيب بنوع من البلاهه) :
    أيْ هنا .. هذا الذي أقصدُهُ
    مظفر ( يحك رأسه) :
    إسأل المخرج عنها
    فهو يخفي كل شيء
    (يبتعد عنه منيب بنوع من الغرابة) :
    (ينظر مظفر إلى لقمان وهو غائب عنهم بعقله ويقترب منه)
    مظفر :
    ماله سـيد قومـي غافـلاً..؟ وكأنــي لست في الدنيا معه
    معين :
    دعه يبكي سر يوم قد مضـى لو...له القدرة يومــا أرجعه
    منيب :
    وانتفى عن صبــيةٍ من خلفه كلهم يسـحت مـالاً جمّـعه
    معين ( ينفض يديه في وجه لقمان) :
    ذهب العمـر ولاشـيء بقـي والذي يطلب مجـداً ضيّـعه
    لقمان (بحسرة ) :
    قلت طوبى يا جروحي فارقصي جسـدٌ هشٌ ونفسٌ موجــعه
    (يقوم من مكانه وينظر إليهم بتخاذل) :
    ويلكمْ فتـقتـموها ... ويلكمْ ارحموا.. كأس الأماني مترعه
    ( تدور المجموعة حول لقمان بصوت راقص) :
    يا جروح القلب قومي وارقصي جـرح لقمان سليل النرجـس
    منيب :
    نرجسي يا نرجسي يا نرجسي اضحكي خلف الردى أو فاعبسي
    مظفر :
    واذا شئتِ فزيدي وانقصي
    معين :
    واذا شئتِ فقومي واجلــسي
    المجموعة :
    نرجسي يا نرجسي يا نرجسي

    لقمان (صارخا فيهم ) :
    أي جرحٍ بعد جرحي يكتسي..
    (يستند إلى المقعد ويدعي المسكنة والخضوع وتنسحب المجموعة إلى مقاعدها عدا منيب الذي يتأمل جسد لقمان ويخرج قطعة قماش من جيبه ويقترب منه بحزن وشفقه) :
    جرحك النازف ريان العروقْ
    فلتكن درعك والسيف أمانهْ
    واتخذْ هذا الكفنْ
    (يخطفها لقمان ويلفها حول جسده وبلتفت إليهم) :
    قرّبا قبري ونوحا في المكاتبْ
    يالثارات سنيني
    كيف غالتها الوظيفهْ
    مظفر (مقاطعا ) :
    قرّبا لي شاهد القبر وخطّا
    هاهنا قبر مظفّرْ
    خارج من رحم الأم غريباً
    ما تحضّرْ
    معين (يبسط يديه) :
    يرحم الله مظفّرْ
    ما تعلمْ
    ضائعٌ بين الفصولْ
    لقمان (بحنق ) :
    ينسب الموت لغيري
    وهو يعلمْ
    منيب (مقاطعا) :
    هاهنا فصل شتاءٍ...
    (يتجاهل لقمان ويشير إلى مظفر) :
    ... أجلسوه
    .. مقعد الثلج ونادوا المعرفهْ
    جمّدوها في العروقْ
    وارفعوها درجه

    مظفر :
    لا أحب العلم برداً وسلاما
    منيب :
    فليكن فصلك (صيفي)
    (مشيرا إلى معين) :
    افتحوا فصلاً جديدا
    نصفهُ شمسٌ ونصفٌ ظلها
    معين ( وكأنه يتفحص أوراق الفصول ) :
    شاغرٌ .. فصل لظى
    حـرّهُ عذبٌ جميلْ
    مظفر :
    وله القلب يميلْ
    منيب :
    أدخلوهُ.. فصلَ ..بَ
    من لظى يومٍ عبوسْ
    واجعلوا العلم بعقلٍ يحترقْ
    والدما تغلي حروفاً وتثورْ
    مظفر :
    اختصرْ فالعلم مظهرْ
    كل علمٍ في الصدورْ
    قد تبخّرْ
    منيب :
    ما تريدْ ؟
    مظفر (باستعطاف) :
    امنحوني الورقهْ
    جاهلاً فيكم وعند الناس عالمْ
    منيب :
    ليس فوق العلم مظهرْ
    المجموعة :
    امنحوه الورقهْ
    منيب (وقد أخذته الشفقه) :
    قد منحتكْ
    قم فنادِ في الوظيفهْ
    لقمان (يقفز من مكانه) :
    لا تـنادوها..
    ..فتأتيكم عجوزاً ..
    .. تتبختر
    (كالمستجير) :
    هارب منها اليكم
    هارب منها اليكم
    مظفر :
    هارب منها اليها
    سبع ساعاتٍ بوجهي
    كل يومٍ تـَتَـنظّرْ
    لقمان :
    سرّ هذا العمل المشؤومُ ...
    ..كم يخفي بوجهي
    الف وجهٍ يتكررْ
    في طريقٍ...
    مظفر (مقاطعا بتقزز) :
    لا تُذَكرنِّي بهِ ....لا تُذَكرْ
    فلَهُ عشرون عاماً ما تغيَّرْ
    كلما أغمضت عيني
    يفتح الشارع عينَهْ
    وإذا بي قاب قوسين وأدنى
    لقمان :
    كلما فكرتُ أن أمشي ورائي
    دفعتني من قفاي
    رغبة العيش وأعياني التعبْ
    راجعاً عاهدت نفسي كل ليلهْ
    ان أُحيِّي
    وبلطفٍ
    كل ما كان على خدي اليمين
    من براميل الزبالهْ
    سبعةً ثابتةً ممتلئهْ
    وإذا أعياني المشي توقفت لأمشيْ
    راجعاً عاهدت برميلين حلاّ
    عند باب البيت إذ أدخلُ أرميْ
    كل برميلٍ بعينْ
    وَ أواريْ جسدي ...
    (يقاطعه المخرج وهو مقبل عليهم) :
    بُحَّ الصوت
    وانا أصرخ
    قوموا ما أكسلكمْ .. قوموا
    (يشير بيده وهو متجه إلى المسرح) :
    هيَّا..هيَّا.. فوقْ
    (يتجهون إلى خشبة المسرح ويلتفت لقمان إلى مظفر) :
    ماذا عسانا ننتظرْ ؟
    مظفر (يهز كتفيه) :
    كـكل يومْ
    ينفضّ جمعٌ عن فشلْ
    (تتخذ المجموعة وضعا نصف دائري في اتجاه المخرج )
    المخرج :
    ها هنا نصٌ جديدْ
    إقرؤوهْ
    ولكلٍ منكمو أن يتخيلْ
    ذاته في كل دورْ
    (ضاحكا) :
    في غدٍ أمنحكم دوراً سواهْ
    مظفر :
    وعلى النسوة أن يقرأن أدوار الرجالْ
    منيب :
    ولنا أنْ نقرأ الأدوار في وجه النساءْ

    المخرج :
    التهكمْ
    سِمةٌ في غيركمْ
    ولكم أدواركمْ
    إن أردتم أو أبيتمْ
    (ينسحبون من المسرح بهدوء على أمل أن يلتقوا في المساء التالي)

    ستـــــار

    الفصل الأول
    المنظر الثالث

    (يجتمعون فوق المسرح من جديد وبين يديهم النص)
    المخرج (مبتسما) :
    اسمحوا لي
    سوف أختار لكم أدواركم
    وأعريكمْ ...
    أعاديكمْ .. لكي تدروا بأني
    لست أختار لكم دور العبثْ
    مظفر (لمنيب بهمس ) :
    قد وقعنا في هوى المحظور
    منيب (بتهكم) :
    البوم يصرخ في الخرائبْ
    بين القلوب سويعةً
    بين العقولْ
    (فترة صمت يتصفح المخرج فيها أوراقه ويتمعن في وجوههم ويركز نظره على مظفر ، رجل ذو بشرة سمراء ولحية خفيفة)
    المخرج (لمظفر) :
    إن في وجهك ما يوحي بشيْ
    قسوة فيها صرامهْ
    فلتكنْ أنت الخليفة
    مظفر(بدهشه) :
    من أنا حتى أكون 00؟
    منيب (للمخرج) :
    ليس يرضى
    أعطه دور الوصيفهْ
    المخرج (لمظفر) :
    لا تجادلني بشىْ
    (يعود إلى مدونته يسجل فيها)
    مظفر(وقد زم شفته) :
    فلأكنْ
    ما يضيرْ
    ربما أحلم أني بالأمانيْ
    سيد الساداتْ
    أحمل الرايات بيضاً
    واذا نمتُ وقُمتْ
    فلحافي راية الفقر بجوعٍ
    أدفأتْني
    المخرج (يرفع رأسه عن مدونته) :
    أهِ منكْ
    كُفّ عنكْ..
    (ينظر إلى معين) :
    في سما وجهك يختال الترفْ
    وعلى خديك صبحٌ يلتهبْ
    فيك أحلام الشبابْ
    وطموحٌ ووثوبْ
    فلتكن ابن الخليفهْ
    صرتَ منذ الأن مهدي الخلافهْ
    (يتلهى المخرج بالتعليق على النص ـ ويضحك معين وينظر إلى جسده ويلتفت لمظفر) :
    أي شيءٍ غرَّهُ ؟
    مظفر (بخبث) :
    الوسامهْ
    منيب :
    وعلى خدك يا زيد علامهْ
    لقمان :
    وفؤادٌ كالنعامهْ
    معين (ينظر في ثيابه) :
    وثيابي
    منيب :
    وثيابكْ
    مظفر :
    ثم ماذا ؟

    معين (متبخترا) :
    وشبابي
    لقمان (مستهزئاً) :
    يخدع المظهر قوماً
    معين :
    لا تبالغْ
    (يلتفت إليهم) :
    صدقوني إن أردتم
    .. أو دعـوني
    إن في نفسي شقاءْ
    (منيب بصوت عال) :
    يا شقاءْ
    افتح الباب لقومي
    لقمان (متثائبا وبصوت خفيض) :
    وقليلاً ما ينامْ
    منيب :
    رب وجهٍ ضاحكٍ
    خلف ليلٍ حالكٍ
    مظفر (لمعين) :
    تدّعي شيئا وتسخر ؟
    معين :
    بل هو الحق وأكثرْ
    مظفر :
    لا تغالطْ
    في نعيم الدهر تحيا
    إنما سر شقائكْ
    بعض ما تحيا به
    (يشمخ برأسه عاليا وينفخ صدره) :
    ثم لا تنسَ بأني..
    .. أعتلي دور الخليفهْ
    أنت ابني
    ولك النصح محضتْ
    معين (لمظفر) :
    إن قدراً فوق قدركْ
    سوف يدنيك لقبركْ
    ثم لو كنت الخليفهْ
    قلْ على الدنيا السلام
    (ينتهي المخرج من كتابة بعض التعليقات ويرى الشاعر في آخرالمسرح وفوق رأسه عمود من الدخان فيستدير ذاهبا إليه)
    المخرج :
    ليس للشاعر إلا شاعرٌ من مثلهِ
    فلتمثلْ دورَهُ
    قطرةً عن ألف قطرهْ
    جمرةً عن ألف جمرهْ
    الشاعر (وهو ينظر إلى سيجارته في نفسها الأخير) :
    إن للتمثيل قوماً يتقنونهْ
    هُمْ سوايْ
    المخرج :
    أنت مثَّـلت على نفسك حتى صدَّقتكْ
    وتلاعبت بأدوار الخليقهْ
    (ينظر إلى الشاعر بإصرار)
    فلتمثلْ ...
    (يستدير ذاهبا ثم يلتفت إليه) :
    أتمنى لو أراك
    ماثلاً تلعب دورَكْ
    الشاعر ( بينه وبين نفسه) :
    ماثلاً يكشف زيفي
    (يعود المخرج إلى الجماعة في وسط المسرح وينظرالى منيب بجسده العريض وكرشه البارز وطوله الملفت للنظر ويشير بيده) :
    أنت القائدْ
    فلك القدرهْ
    أنْ تأمرَ أنْ تصنع خطهْ
    (يعتري منيب نوع من الخيلاء ويقف أمامهم بتعالي) :
    حقا .. حقا
    .. فأنا القائدْ
    ألقاكم في جسدٍ واحدْ
    أقتل فيكم كل شجاعهْ
    (يتكئ بذقنه على قبضة يده اليسرى) :
    أسفي... لكنْ
    (يضع يده على قلبه) :
    ... قل ما أفعل ؟
    الجماعه (وقد رفعوا أيديهم نحوه) :
    لا تفعل شيئاً أو تُقتلْ
    منيب (بنوع من الأسى) :
    فنانونَ برسم البيعْ
    (يشير إلى بعضهم) :
    وطواطٌ في وطواطينْ
    المجموعة (بصوت واحد) :
    أمرك فينا نور العين
    منيب :
    لا أسمع إلا أصواتاً
    تذوي في أجفان النورْ
    مظفر :
    أنت القائدْ
    فلكَ القدرهْ
    أن تأمر أن تصنع خطه
    (يفاجئه) :
    أن تجلس خلفي كالبطهْ
    منيب (لمظفر بحدة) :
    دوماً تلمزْ
    (ينظر إلى جسده بحقد) :
    ليست لي في جسدي حيلهْ
    إن صمتُ تنازعتم صومي
    أو نمتُ فأنتم في نومي
    أشباحٌ تطرد أشباحا
    (بنوع من السذاجة) :
    أولستُ أقلكمو أكلا ؟
    مظفر :
    لا بل أكثرْ
    لقمان :
    منهم جهلا
    منيب (وكأنه ينظر إلى الباب) :
    من هم ؟
    مظفر :
    نحنُ
    لقمان (ساخرا) :
    هُمْ .. مَنْ .. نحنُ
    منيب :
    أهنا أنتمْ ؟
    بضمير الغائب تحيونْ

    مظفر (مبتسما) :
    الغائب فينا موجودْ
    منيب (متلفتا) :
    أين الطالبُ والمطلوبْ ؟
    وضمير الغائب مكتومْ
    (يهز يده مهددا) :
    ويلٌ للماضي من يومي
    (يمشي مشية الخيلاء ويرفع يديه ويتعالى صوته) :
    وأنا الحاضرْ
    وأنا الحاضرْ
    لقمان ( يدور حول منيب ويمسح بيده على ظهره وكأنه يعاتب مظفر) :
    لا تظلمهُ
    تعلو الهمهْ
    فوق القمهْ
    رفقاً... رفقاً
    (ينتشي منيب وينفخ صدره ويفاجئه لقمان) :
    فضمير الحاضر منفوخْ
    منبعجٌ من وسط القامهْ
    (يضع يده على خد منيب) :
    وله خدٌ عن خدينْ
    وفمٌ كالثقب الأسودْ
    مظفر (يبسط يديه) :
    نستقبلُ العزاءْ
    ونشكرُ الأمواتْ
    في كل أرضْ
    (يرفع يديه) :
    أطال ربي عمرهم
    جوف القبورْ
    وحماهمو من كل حي
    معين (يرفع رأسه و ينظر حوله وكأنه غافل عنهم) :
    من هو الميِّتُ فيكم سادتي ؟
    مظفر (بأسى) :
    المجرات تموتْ
    مظفر (لمعين) :
    من معيني في المصائبْ ؟
    معين (واقفا) :
    خادم الأحزانِ.. مُرني سيدي
    مظفر :
    إمض إلى الجرائدْ
    حاضرها والغائبْ
    بصفحةٍ أو صفحتين
    .. آل المظفر يشكرونْ ....
    تكون عندي هاهنا أقرؤها
    قبل خروج الروحْ
    بساعةٍ أو ساعتين
    (يبسط معين يده للمال)
    مظفر ( يتلكأ قليلا وينظر إلى الأرض ويظل معين باسطا يده فيرفع رأسه ويخاطبه بلطف) :
    في غدٍ أُعطيك من ميراثْ يومي
    (يتلفت حوله وفي جهه صرامه) :
    يا رئيس الجند
    منيب :
    أمر مولاي الخليفه
    مظفر :
    أعطه موتا ولا تُجهز عليهْ
    منيب ( يحك رأسه وهو يفكر) :
    قد بدا يختلط الموت عَلَيْ
    كيف أفعلْ ؟
    مظفر :
    ذاك شأنُكْ
    منيب ( بغير اكتراث وقد ضم يديه وراءه) :
    قد فعلتْ

    مظفر (غاضبا) :
    لم تحرك ساكناً كيف فعلتْ ؟
    منيب (بتهكم) :
    عندما يختلط الموت عليكْ
    لا تسلني
    مظفر (بغضب أشد) :
    كيف تجرؤْ... ؟
    منيب (يضرب بيده على جبهته) :
    قد نسيتْ
    ويح نفسي... من أنا
    (يلتفت إلى مظفر) :
    عفو مولاي الخليفهْ
    (يلتفت مظفر إلى معين مبتسما) :
    كيف طعم الموت 00سهلاً00؟
    معين (ضاحكا) :
    أنت لم تُجهز عَلَيْ
    تكنز النصف لغيري ... ؟
    (في إباء) :
    لستُ أرضى
    لستُ أرضى
    مظفر (بتعجب) :
    ليس يرضيه القليلْ
    يا رئيس الجند قل لي من يكون ؟
    منيب :
    صاحبي في كل سرْ
    وله مني العيون
    معين :
    العيون
    ازرعوها في دمي
    واحصدوا أسرار نفسي
    (يدعي المسكنه) :

    فأنا في الناس منْسي
    ولكم ما تشتهون
    مظفر :
    أحمق في يوم أُنسي
    قم رئيس الجند .. قم
    منيب (مقاطعا بتذمر) :
    طال صبري
    كم تناديني وأجري
    وجنودي
    ليس منهم طوع أمري
    غير معتوه سفيهْ
    مظفر :
    خلفي أعداء لا ترحمْ
    دوماً تُهملْ ...
    أمرٌ يستفحل في الأمرْ
    من يعصيني
    فلهُ الموتْ
    المجموعة :
    فلهُ الموتْ
    (يلتفت منيب إلى المخرج وهو يشير إلى مظفر) :
    اسْقِطْ دوْرَهْ
    ليس مظفّرْ كأبي جعفرْ
    اسْقِطْ دوْرَهْ
    (تعود المجموعة إلى أماكنها وتلتفت إلى المخرج الغارق في التفكير وكأنه يفكر في تغيير دور ما و يحدث نفسه بصوت مسموع ويرفع رأسه لمظفر وكأنه يستفهم) :
    دور القائدْ...
    دور القائدْ...؟
    مظفر :
    دور الفاعلْ
    المخرج :
    قرِّبني من دور القائلْ
    لقمان :
    يحيا المسرحْ .. يحيا القائلْ
    منيب (يحدث نفسه و يشير إلى كفه) :
    هذا الفاعلْ
    (يشير إلي فمه) :
    هذا القائلْ
    هذا الداخلْ
    هذا الخارجْ
    (يتأمل قليلا يديه المبسوطتين ثم يلطم خده) :
    أأنا أفهمْ ؟
    أغبى مني قد لا تعلمْ
    المخرج (ضاحكا) :
    لن أعدم دوراً ترضاهْ
    دوراً آخر
    ولك الأول
    (يشير بيده إليه) :
    كن ..
    (ينظر في ورقته ويرفع رأسه إلى منيب) :
    كن ..
    للمهدي الحاجبْ
    منيب :
    أيٌّ أعلى.. ؟
    أيٌّ أقرب.. ؟
    مظفر :
    الحاجب أقرب للعينْ
    لقمان :
    والأعلى يسقط في الأقربْ
    منيب (متجها إلى الجماعة بزهو) :
    من منكم يحمل دورين ؟
    فأنا الحاجبْ
    وانا القائدْ
    والنجم الثاقب للعينْ
    مظفر :
    قم يا حاجبْ
    أسْقطْ في الحاضر والغائبْ
    وانبشْ ماضيهم في قلبي
    فأنا زمنٌ مالي صاحبْ
    المخرج (مقاطعا مظفر) :
    اخترْ لي عشرة أشخاصْ
    ممن تعرفْ
    .. أو لا تعرفْ
    (يتجه منيب الى مظفر وبتوسل) :
    أتوسطُ عندك يا صاحْ..؟
    مظفر ( بزهو) :
    قل ما ترغبْ
    منيب :
    عندي من خيرة أصحابي
    من بالجهلِ
    بزّ الصّفوهْ
    ولك الحظوهْ
    اخترْ منهم من لا ترضى
    واصرف عني من ترضاه
    معين :
    وإذا اختنقوا
    جوف القبضهْ
    فانْـثرهم بين الأدوارْ
    نثر المعشوق الجبارْ
    لقمان :
    لحماً ودما
    أصواتاً تـتبع أصواتا
    خلف الدرهمْ
    معين :
    تهذي بفمٍ لا تعرفهُ
    منيب (في غفلة) :
    تهوى شيئاً لا تنطقهُ
    (يستدرك ويحك رأسه) :
    مالي.. ؟
    .. أعصي لفظاً
    وأطاوعهُ ؟
    (يتركهم المخرج يتحدثون ويتلهى بأوراقه ثم يلتفت إلى لقمان) :
    أنت ممن يخدم الناس مخافهْ
    فلتكنْ صاحبَهُ
    ولتكنْ خادمَهُ
    وإذا ما عنَّت الفرصة فابطشْ
    إجمع الناس إليكْ
    ولتكن منك عليهم مِنَّة
    أن يروا وجه الخليفهْ
    ثم قاسمهم عطاياهم ولو كانت سياطا
    مظفر (للقمان بنوع من اللمز) :
    إن مالاً من ألمْ
    هو أدعى للندمْ
    لقمان :
    أتناسيتم وساطاتي لكمْ
    إذ تناجون الكسلْ
    لاهثاً أخدمُكمْ
    في الوزارات وفي كل المصالحْ
    كم تسيئون بي الظنَ وأدريْ :
    نرجسيون ولي فيكم يدٌ
    لو قدرتم تقطعون
    مظفر :
    لا تكابرْ
    نحن نعطيك ولم نبخل عليكْ
    وفتحنا في القلوبْ
    منيب (مقاطعا) :
    منجماً أو منجمين

    لقمان :
    إنما أفتح في أعماق قلبي
    مكتباً للعابثين
    وأعادي
    من ضمير الغيب فيكم ما يسوءْ
    مظفر (وهو يتراقص) :
    إعْتَرفْ .. لا .. أعْتَرفْ
    ( يجاريه منيب في الرقص) :
    أنتَ فينا تنخسفْ
    (يلتفت المخرج إلى سليمى) :
    يا سليمى
    إن في وجهك صمتاً مستبدا
    وجمالاً وحياء
    وضروب الخيلاءْ
    مظفر (يفرك يديه) :
    ذاب وجدي
    (يرفع رأسه كالمنادي) :
    «يا سليمى أوقدي النارا»
    المخرج (لا يعيره الإنتباه) :
    فلتكوني زوجة المهدي
    عندما يشرق وجهٌ
    لك من خلف الحجابْ
    صامتا فيه عذابْ
    اقنعي نفسك بالقول المباحْ
    واهمسي في أُذنيهْ
    (ينظر إلى نجلاء بنوع من الإزدراء ثم يلتفت إلى سليمى) :
    اجعلي نجلاء من خلفك تمتد وصيفهْ
    اصنعي منها أزاريرا لثوبكْ
    واذا شئتِ اقطعيها
    وبأقدامك كِبراً
    ادهسيها
    فهي ليست فيك حُرَّهْ
    (ينظر منيب إلى قدمي سليمى ويعدهما ويلتفت إلى مظفر) :
    ليس إلا قدمان
    (مظفر يحرك يديه على هيئة موجة) :
    تتوالدْ...
    تتوالدْ ...
    إن للنسوة أقداماً كثيرهْ
    (ينظر منيب إلى وجه نجلاء وقد اشتعل غضبا و يهمس في أذن مظفر) :
    قد ظفرنا بالمسرَّهْ
    هاهنا يحلو العراكْ
    مظفر (بصوت عال) :
    يا عراك
    ادخلُ .. الباب هنا
    (يتقمص منيب شخصية العراك ويجلس بجانب مظفر يمسك بيده ويقبلها) :
    الأمانْ .. سيدي
    الأمانْ

    مظفر :
    لا عليكْ .. يا عراكْ
    سوف لا تخسر شراً
    قم فضع نفسك ما بينهما
    (يضع منيب نفسه بين نجلاء والمخرج في هيئة جنونية وتنظر إليه نجلاء بقلق وتلتفت إلى المخرج) :
    سيدي ما أوقحكْ
    تشتهي أن تزرع الفتنة فينا
    غيرةً تبعث فرقهْ
    فرقةً تبعث حرقهْ
    ولأمرٍ ما تريدْ
    أن ترى قلبك حقداً يتلفتْ
    (منيب يتلفت في كل اتجاه وبسرعة مذهلة) :
    المجموعة :
    المخافهْ
    العقابْ

    كُلنا كنّا ذئابْ
    (يحمر وجه المخرج ويلتفت إليهم مقاطعا ) :
    كلنّا ... بل كلكم
    ليتني في غيركم
    (يصمت قليلا ثم يرفع رأسه) :
    سيداتي سادتي
    إنها مغرورة حتى النخاعْ
    (يشير بيده إليها) :
    هل علمتِ ؟
    لا أرى فيكِ الذي يُعجِبُني
    تجعلين الوهم معشوقاً وعاشقْ
    أخبريني ما الذي يوما فعلتِ ؟
    تستـشيرين سليمى
    في أُمور تافهاتْ
    (يضع يديه على وسطه بحركة استفزازية) :
    ماالذي ألبس يوما ؟
    ماالذي أخلع يوما ؟
    (يرفع يده كأنه يمسد شعره) :
    ثم ما رأيك إن سرَّحت شعري هكذا ؟
    (يقاطعه مظفر) :
    قد تجاوزت الحدودْ
    أنت لم تُخرج لنا إلا لسانك
    منيب (مقاطعا) :
    الحدودْ ..
    الحدودْ ..
    المخرج :
    إنه المسرح يا من تعشقونهْ
    (يلتفت مظفر إلى لقمان) :
    ربما تلحظ يوماً ما لسَانَهْ
    لقمان(وقد طوح بيده في الهواء) :
    يتمددْ

    منيب :
    يبتدي من آخرِ المقعدِ .. يهويْ
    مظفر ( يضرب بيده على يد منيب ضاحكا) :
    ينتهي في الخشبهْ
    (يتضاحكان) :
    نجلاء (بتشفي) :
    ولنا عشرون شهراً في الفشلْ
    المخرج :
    لا أُعريكم لنفسي
    عندما يا سادتي
    تتعرى النفس من أدرانها
    يعتري الفنان نار تتجددْ
    الشاعر (يستغلها فرصة) :
    إن من يكشف عيبا
    تنطوي فيه العيوبْ
    اتخذنا كالمرايا

    كلنا فيك وجوهٌ
    شكَّلت وجهك فينا
    المخرج :
    كلكم ... كلكم
    كم أواري جهلكم
    (يبدأ في الابتعاد عن المجموعة) : ســـــتار


    الفصل الثاني
    المنظر الأول

    ( بعد خمسة أيام يعود الجمع من جديد و يبدأون بعمل البروفات الأولى)
    ( يبدأ الفصل الثاني بالمهدي جالساً على سرير وثير وفي ملامح وجهه رضا وانشراح صدر)
    المهدي (يلتفت إلى الحاجب) :
    من خلف بابي ينتظر ؟
    الحاجب :
    بالباب يا مولاي شاعرْ
    بالباب نايٌ ووترْ
    بالباب ينتظر القمرْ
    وكل ما تبغيه يا مولاي حاضرْ
    حتى رواة الشعر أصحاب السِيَّرْ
    (ينظر المهدي من نافذته إلى السماء) :
    ليلتنا هذي مطرْ
    بشرٌ .. بشرْ
    (يلتفت إلى الحاجب) :
    دعهم فرادى يدخلوا
    دعهم بليلي يلعبوا
    والليل ساترْ
    والصبح يكشف ما استـترْ
    (يلتفت المهدي إلى غلامه) :
    ناد الأميرة والوصيفهْ
    (بينه وبين نفسه) :
    إجعلهمو ستراً بقلبي يجلسوا
    (يذهب الحاجب لإدخال الناس ويلتفت إليهم) :
    وعد الأمير لكم بخيرْ
    فلتدخلوا طيراً فطيرْ
    (يتأهبون للدخول ولكنه يُفاجأ بوصول البريد لأمر هام فيمنع الناس ويسرع بالدخول إلى المهدي) :
    الحاجب :
    مولاي
    حطّ البريد رِحَالَـهُ
    رسالةٌ لك من أمير المؤمنينْ
    آتٍ ويسبقه العجلْ
    في مشيهِ يبدو الوجلْ
    المهدي :
    عليّ بهْ
    فيا عسى في الأمر خيرْ
    (يدخل صاحب البريد ويقبل الأرض بين يديه) :
    مولاي يقرئُك السلامْ
    المهدي (يقاطعه) :
    هات الرسالهْ
    (يتناولها ويشير إلى الحاجب ان يرافق صاحب البريد إلى مكان الضيافة ويفض ختم الرسالة ويقرؤها ويتناولها الكاتب من بعده)
    المهدي :
    إقرأ عليّ من جديدْ
    الكاتب :
    من أمير المؤمنينْ
    لابنه المهديِّ ... ماذا قد فعَلْتْ ؟
    كيف أجزلت العطيهْ ؟
    وتلاعبت بأموال الرعيهْ
    عندما ..
    يقف الشاعر بالباب فلا تسأل عليْه
    دعهُ يجتر الملالـهْ
    ويرى في صبره ذلاً خيالهْ
    ثم أدخله اليكْ
    وبقدرٍ ما تكون الأُعطيَهْ
    ليس للشاعر قدرٌ فوق قدركْ
    انت تعطي وإذا شئتَ أبيتْ
    أيْ بُني : ـ
    أرسل الشاعر واحجبْ ما منحتْ
    وادخرْ نصحي ليومٍ انت فيه كل شيْ
    (تحت الختم) :
    اجعل المــال ســيداً ❊ في أُناس تخافـــهم
    سـوف يلـوي جماحهم ❊ عبدك الطائع الذلــيل
    (يلتفت المهدي إلى كاتبه) :
    أكتب لمولانا أمير المؤمنينْ
    بعد السلامْ
    أني وضعت نصيحتَه
    مابين عينيَّى وقبّلت الكتابْ
    والسمع والطاعة فيماقد أمرْ
    واذكرْ له
    أن ليس للشاعر عندي من أثرْ
    فالطير لا ترضيه ارضٌ .. لا سماءٌ ..لا بشرْ
    أوطانهُ .. لذاتهُ
    هو السماءُ بلا نجومْ
    وهو النجومُ بلا قمرْ
    يبحث عن أتراحهِ
    يسقط في أفراحهِ
    (ينتاب المهدي شرود وبصوت خفيض) :
    وليس للشاعر إلا ما كسبْ
    (يرفع رأسه) :
    واكتب لهُ
    أن له طول البقاءْ
    وأن يديمَ العزَّ فيهْ
    صلاحهُ في أمرِهِ
    يمتدُّ في أبنائهِ
    (بعد أن فرغ الكاتب من كتابة الرسالة تناولها المهدي وتأملها واتجه إليه باسـتنكار) :
    الويل لكْ .. ماذا فعلتْ ؟
    الكاتب :
    مولاي ما قلتَ كتبتْ
    المهدي :

    أقلتُ لك 00
    أن ليس للشاعر إلا ما كسب ؟
    الكاتب :
    سَمِعتُها ... فكتَبْتُها
    (المهدي يحدث نفسه) :
    تغتالني أذنٌ وتُنكر طبعها
    (ينظر في الكاتب) :
    عجبي.. عجبْ
    هل يتقن السمعُ الذكاء ْ؟
    اكتب خطابي من جديدْ
    ونادِ في ركب البريدْ
    دعهم يغذون الخطا
    (يخرج الكاتب ومعه الرسالة ... ويدخل الحاجب)
    المهدي (للحاجب) :
    اليوم مابي من طربْ
    جئني بمن يحفظ أخبار العربْ

    (يتأهب الحاجب للخروج و يناديه المهدي مستدركا) :
    ولاتكن مستعجلاً
    بيني وبينك ساعة
    أخلو بها
    الحاجب (مبتسما وهو ينظر إلى الستار خلف الأمير) :
    تخلو بروحـك ســـاعة خيـر من الدنــــيا وما..
    (يحس الحاجب بحركة خلف الستار ويمضي مسرعا ويلتفت المهدي إلى جهة الحركة وقد شده تهامس الأميرة مع وصيفتها ويأسه من إزاحة الستار لجفاء بينه وبينها وينصت إلى حديث بينهما عن الشاعر )
    الأميرة :
    يا لـه حـظ غريـب عاثر من يرى الدنيا بعين الشاعر
    أتريـن اليـوم ... ؟
    الوصيفة : عيـني لا تـــرى
    غيـر من سل الدجى عن ناظري
    نـور مولاي ومولاتـي وما بينهم ظل حـجاب ساتـر
    الأميرة :
    فاجعلي النور شغوفا بالرؤى حالما من خلف لـيل ساحر
    بخــيال زار عينـيك فمــن كان في النوم .. ؟
    الوصيفة : خيال الشاعر
    (مستدركه) : خيال الشاعر
    كان بالامـــس ضحوكا
    الأميرة (بسخرية) :
    فانـظري
    الوصيفة (وكأنها تتأمل شيئا في السقف) :
    قلـبه بيـن جـناحي طائـر
    الأميرة :
    لو تـذب الريـح عن أطيارها
    يسقط السهم بقلب الواتــر
    الوصيفة :
    ولمـولاي كريـمات الخـطا مستهلات شميم عاطـر
    الذي أعطى ويعطـي والذي أمره أمر عزيـز قـادر
    الأميرة (بحدة) :
    الذي أعطى ويعطي ما اتقى غضبة من ناب ليث كاسر
    غضبة تلطم وجه الشاعر
    وتعـريه ولا من ناصـر
    (تشعر الوصيفة بالحرج من الوقوع بين المهدي والأميرة )
    الوصيفة :
    إنها الدنيا سـرورٌ ورضـى أطـليقها حرةً في خاطري
    (باستعطاف) :
    حــرةً إن شــــئتِ
    الأميرة (ضاحكة) :
    أو ممزوجةً
    بصروفٍ من زمان غادر
    الوصيفة (في يأس) :
    سلِمت يمــناك هاتــي غــــدرها
    الأميرة :
    ولك الإثــم .. ؟

    الوصيفة :
    بوهم الحاضر
    ( كان المهدي ينصت بصمت، فقد وطن نفسه ألا يدخل في حوار مع الأميرة حول
    الشاعر الذي قد تجعل منه كبش فداء تلوم المهدي من خلاله لقطيعة بينـها وبينه،
    وتتردد ضحكاتها مع وصيفتها، ولكنه يشعر بحنين لها من وراء الستار، ويطمع

    في المودة وينظر من خلال النافذة إلى الغيوم المتراكمة، ويرفع صوته بحيث تسمعه الأميرة ) :
    كاسـفٌ بدر الدجى ما أشــرقا
    تعتريه فترة صمت مُتعمد، إلا أن ضحكات ناعمة دافئة مابين الأميرة والوصيفة ترغمه على الالتفات إلى الحجاب .
    الوصيفة :
    كاسفٌ بدر الدجى لو أشرقا سلّ من صدر حبيبٍ أرقا
    وارتمى في النور من لهفته فرِحـاً يمشي به ماصدّقا
    المهدي :
    مال محبوبي خـفيٌ صوته وبصوت الغير عندي نطقا
    غاضبٌ ما ضرّ لو أهديتني نغمةً تشعل روحـي ألقا
    الوصيفة :

    سيدي يعـدل في أُمّــته أترى يعدل فيمـن عشِقا..؟
    المهدي :
    اسأليها أيّ عـدلٍ ترتـضي..؟
    حــكّـمـــــيها
    الوصيفة :
    قــد حكمــنا باللقـا
    (تزيح الأميرة الحجاب ضاحكة وتشرق في وجه المهدي)
    الأميرة :
    يا فؤادي ثائرٌ بحر الهوى شدّ ما أخشـى عليك الغرقا
    والمدى أبعد من قولي له قف بجنبي ســاعةً فانطلقا
    (تصوب عينيها في وجه المهدي) :
    لا أرى لي شاطئا كلّت يدي والتظى المجداف حتى احترقا
    المهدي :
    سكن البحر فـسر يا قلبها آمـناً لا يعتريك الفــرقا
    الوصيفة (وهي تغادر مكانها):
    آمناً والدُر من مكـنونهِ فـرّ للصدر بشوق وارتقى


    ستــــار

    الفصل الثاني
    المنظر الثاني

    الحاجب (وهو ذاهب) :
    مولاي من غمٍ لغمْ
    إلى أحاديث النكدْ
    (في الجانب الآخر يخرج الحاجب وينظر في الوجوه)
    الحاجب :
    من منكمو يعرف عن حرب الثمانين سنهْ ؟
    صوت1 :
    هذي التي ليس لها ذكرٌ لدينا في الكتبْ
    صوت2 :
    يا ليته لو يختصرْ
    أذكرُ حرباً غيرها
    جميلةً مليحةً
    وعودها لا ينهصرْ
    صوت3 :
    لو كان بيتا من قصيدهْ
    بديهتي ليست بعيدهْ
    الحاجب :
    مالي أراكمْ ساعةً تتهامسونْ ؟
    تتآمرون مع الكذِبْ ؟
    هي عادةٌ فيكم أبَدْ
    زَبَدٌ .. زَبَدْ
    صوت2 :
    أملكُ حرباً غيرها
    ليست تكال بالذهبْ
    ناراً تشب بلا حطبْ
    صوت3 :
    وقودها خير العربْ
    الحاجب :
    ما كنتَ مالكها وغيرك يحترقْ
    صوت2 :
    افسح مجالاً نتفقْ
    الحاجب :
    في أي شيءْ ؟
    صوت1 :
    الحرب لا خيراً جنتْ
    صوت3 :
    بؤساً .. شقا
    صوت4 :
    غماً .. وهَمْ
    صوت5 :
    فلينشرح صدر الأميرْ
    عن قصةٍ 00فيها المروءة والكرمْ
    الحاجب :
    قصصٌ مكررةٌ يمل سماعها

    صوت3 :
    عن قصةٍ مليحةٍ
    لعاشقٍ وعاشقهْ
    الحب يجمع والعواذل فَارِقهْ
    الحاجب :
    تريد أن يُجنى عليكْ
    كما فعلتَ البارحهْ
    حدَّثـْتَهُ عمن تزوج اثنتينِ وأربعا
    حديثك الماءُ العُذابْ
    والمالُ من خلف الحجابْ
    عين الاميرة والسياط الجارحهْ
    صوت3 :
    ياويلتاهُ ..
    الحاجب :
    .. بضدها تنجاب عنك غمامةٌ

    صوت4 :
    وبمثلها
    مطراً تعانقه الجبالُ وتنفلقْ
    صوت3 :
    هي فرصةٌ
    دعني أُرقِّعُ ما انخرقْ
    الحاجب :
    عبارةٌ ممجوجةٌ فيها طمعْ
    الجماعة :
    فلتعطهِِ
    الحاجب :
    اليوم ... لا
    أريدها حرباً تطولْ
    الليل يطلق من أعنتها الخيولْ
    والصبح يجمع من هزيمتها الفلولْ
    حرب الثمانين سنهْ
    صوت1 :
    يريدها كما يريدْ
    صوت5 :
    أنا لها
    الحاجب :
    قل... واختصرْ
    صوت5 :
    حدثني راوي الرواة
    ابو سعيد المُحْتَضَرْ
    عن بعض أعراب العوالي من مُضَرْ
    أن الحروب تجمعت في واحدهْ
    ترعى بوجه قبيلتين
    قبيلة الجَنْ جَنْ جَنَا
    وقبيلة ابن القحطلينْ
    وسُميت ذات الفؤوسْ
    تساقطت فيها الرؤوسْ
    وتململت منها النفوسْ
    (يستلقي الحاجب على قفاه من شدة الضحك)
    الحاجب :
    أكذبُ منك لا أرى
    حتى على التاريخ تكذبُ مرتينْ
    بالأمس واحدةٌ وهذي اختها
    (يلتفت إليهم) :
    هل تجهل الغبراء يوماً داحِسا ؟
    صوت1 :
    لا... والذي
    الحاجب :
    ذي أربعونْ
    والطعن غدراً في الظهورْ
    ومنعك الماء عن المغدورِ
    (مشيراً إلى الصوت الخامس) :
    قل ْ.. ما يكونْ .. ؟
    صوت5 :
    يكون للحرب الضروسْ
    صوت3 :
    ظمأً ولا ترِد النفوسْ
    صوت2 :
    أظنها حرب البسوسْ
    الحاجب :
    ذي أربعونْ
    فلتجمعوا .. ولتطرحوا
    .. ولتقسموا
    فهي الثمانون
    (ضاحكا) :
    ...وما بُـلِّغْتُها
    (يشير الى الصوت الثاني) :
    هيا معي
    (في الطريق إلى مجلس الأمير)

    صوت2 :
    يا سيدي
    انت عليمٌ بالأمورْ
    الحاجب :
    أجل ولكن مهنتي حك الظهورْ
    (يدخل الشيخ على المهدي)


    ستـــــار




    الفصل الثاني
    المنظر الثالث

    (ينزل منيب من فوق خشبة المسرح ويتجه إلى مظفر الجالس في نهاية مقاعد المتفرجين، والمنهمك في وضع رموز على ورقة في يده لم يفهم منها منيب شيئا، وتحاشى أن يسأله خوف التهكم، وشاهد أن كوب مظفر مليء بالشاي فالتقطه في غفلة من انهماكه وأحس ببرودة الشاى فوضع الكوب في برود مضاد، وفجأة أحس بصوت مظفر الضاحك يخترق أذنه اليمنى المقابلة له) :
    مظفر (بسخرية) :
    ألا ترى يا من معي
    بأنَّ شاعرنا دعي
    منيب (وكأنه يفكر) :
    أياهما ؟
    (يستدرك) :
    عفواً .. أجلْ
    (ولكنه لم يفهم ويتجه بكليته إلى مظفر) :
    حقاً لما ؟

    (يضحك مظفر بصوت مرتفع و ينظر إلى منيب بتهكم) :
    أتعبتَ قلبي يا رفيقْ
    انظر اليهْ (يشير إلى الشاعر)
    هوَ ذاك في وهمٍ غريقْ
    منيب (وكأنه يفكر ) :
    تنوي على أمرٍ مُريبْ
    مظفر (بخبث) :
    الدورُ دورك والعبثْ
    منيب :
    تغتال نفسي رِقـةٌ
    أخشى عليه اللائمهْ
    مظفر :
    ذات الرضى مُحترقهْ
    إنبذْ سمومَ الشفقهْ
    منيب :
    هو شاعرٌ

    مظفر :
    الشعر ليس الذل .. لا والمسْكَنهْ
    الشعر تجديدُ الدماءِ الآسِنَهْ
    منيب (يقلب عينيه) :
    ما الآسِنَهْ ؟
    مظفر (بضيق وحدة) :
    أكثرت في طلب السؤالْ
    منيب :
    ما كان إلا واحداً
    مظفر :
    في كل يوم تسألُ
    منيب :
    بي شغفٌ للأسئلهْ
    في جسدي مسترسلهْ
    مظفر :
    إقرأ لتعرفَ ما يُقالْ
    منيب :
    تُرهِقُ نفسي المعرفهْ
    فلستُ أدري من أنا
    ومن أكونْ ؟
    وأيّ سرٍ أو صِفهْ .. ؟
    مظفر (ينظر إليه باستغراب ودهشة) :
    حيناً أراكَ كما أراكْ
    حيناً أراكَ ولا أراكْ
    منيب (مستعجلا) :
    هوَ ذا سؤال في الشفَهْ
    مظفر (ضاحكا) :
    لا .. لا أُطيقْ
    دعهُ لسرِ المعرفهْ
    (يتضاحكان ويتجهان إلى المكان الذي يجلس فيه الشاعر وقد قررا العبث به ويقفان بحيث يسمع صوتهما)
    مظفر (بصوت مرتفع لمنيب) :
    بالباب شاعرْ
    بالباب نايٌ ووترْ
    بالباب ينتظر القمرْ
    (يلتفت أكثر إلى منيب) :
    انظر إلى المهديِّ لا أحد معهْ
    وينتهي الفعل ونحن أربعهْ
    مهدينا وحاجبهْ
    بريده وكاتبهْ
    منيب :
    أربعة بامرأتينْ
    لقمان (كالمستدرك) :
    وغلامهُ
    مظفر :
    أين تكون الحاشيهْ... ؟
    وزراؤهُ.. أُمراؤهُ ؟
    الشاعر (متجها بالحديث إليهما والى المجموعة) :
    لا .. لا تسيئوا مقصدي
    مالي وللوزراء والحشم
    إني إلى أمرٍ سعيتْ
    وليس فيكم من فهمْ
    لقمان :
    حتى علينا يكذبُ
    منيب (ينظر في ساعته) :
    يكذب الشاعر عند السابعهْ
    لقمان :
    ويوالي كذِباً في الثامنهْ
    مظفر :
    لو تـــدور العـقاربْ ســاعةً بعد ســاعهْ
    فـهو في النـاس كاذبْ لا تجــوز الشـفاعـهْ
    منيب :
    فليعترفْ
    فليعترفْ

    الشاعر :
    بمَ.. بمَ ؟
    منيب :
    بأيِّ شيءْ
    (يلتفت إلى لقمان) :
    أتظنه ثوباً (يُفَصِّلهُ) كما يهوى ؟
    لقمان :
    ثوباً (يفصّله) ويلبس غيرَهُ ؟
    منيب :
    شــاعرٌ ليس يدري ربْحـَهُ والخسـارهْ
    كلمــــا ازداد ذلاً أغـرق المالُ دارهْ
    الشاعر :
    لا أطلب المـجد من قومٍ تجارتهم الـهمُ والغمُ والافــلاسُ والنـكدُ

    حتى الأمانيّ صرعى في مجالسهم أكفانـها الحقـد والبغضاء والحسدُ
    مظفر :
    مِتُ غيظاً
    (يلتفت إلى منيب وهو يشير إلى الشاعر) :
    قُمْ فكفِّـنْهُ وصَلِّ واقترحْ دوراً يُسلِّيْ
    (يقرر مظفر قلب الطاولة على الشاعر وزيادة جرعة العبث ويغمز لمنيب.. يقوم منيب بالبحث تحت الوسائد وأسفل الكراسي).
    مظفر (بتغابٍ) :
    عن أي شيءٍ تبحثُ ؟
    منيب :
    عن مُخْرِجٍ ضيَّعْتُهُ
    (يدخل يده في جيوبه) :
    إن الجيوب مُشققهْ
    (تنظر إليه المجموعة ببلاهة وهو يذرع ارض المسرح بيده) .
    منيب :
    يا دولة سدَّتْ جبين الشمسْ
    هاأنتِ بين أصابعي
    (ينظر إلى أصابعه) :
    مضغوطة وموجعهْ
    (يرمي بأصابعه في اتجاه المسرح) :
    كوني هنا
    في مسرحٍ مهدمٍ
    أربعةٍ في عشرةٍ
    أمتاره مرقّعهْ
    (ينظر إليهم بجنون) :
    أتعجبونْ.. !!
    من دولةٍ مضغوطةٍ 00؟
    وتنكرونَ
    .. المخرج فيها ينضغطْ00؟
    (يتلفت حوله ويصيح) :
    أضَعْتُـهُ يا ويْلَهُ
    (سليمى بابتسامة العجب) :
    رأيتُـهُ حينَ خرَجْ في خفــةٍ وعَجَلَــهْ
    (ينظر إليها مظفر بخبث وكأنه يسألها عن سر الاهتمام ويتغير لونها وترتبك)
    مظفر (يصفق بيديه ويرقص) :
    ذهـبَ المخرج عـنّا ليــتهُ ما كان مِـــنّا
    اسألوا عــنه سليمى فهـي أدرى بالمُعَــنَّى
    (تجاريه المجموعة في الرقص وتنظر سليمى إليهم بغضب وتنظر إلى الشاعر بنوع من العتاب وتخرج وتستمر المجموعة) :
    منيب :
    اســألوها واسألونــي حيثـــما كانــت وكـنّا
    الشاعر :
    لا تســيئوا الظـن فيها أحســنوا بالنـــاس ظنَّا
    معين :
    أحسـنوا قـد ذابَ وجداً وارتــوى شــــكاً وأنَّ
    منيب :
    قلــبه فـي راحتــيهِ والخُطــا مــن خلفــهنَّ
    الشاعر :
    لا أراني بين إنــــسٍ جُنَّ من عاشرَ جِنَّـــا
    (ينظر منيب إلى مظفر ويضحك ويشتعل رقصا ويضرب الأرض بقدميه) :
    منيب :
    أَسْمِعوني اللحـنَ عذباً راقصــاً فـيَّ تـثـــنَّى
    أسْمِعوني.... أسْمِعوني جُـنَّ جُـنَّ.... جُـنَّ جُـنَّ
    (يكرر البيت وتدور المجموعة على الشاعر في شكل حلقة راقصة) :
    زاد فـي الحــب قتيلٌ دمــهُ حلٌّ لهُـــنَّ
    ارحــموهُ ليس يقوى صرَّح الحـبُ وغنَّـى
    (يخرج الشاعر غاضبا وتلاحقه أصوات المجموعة) :
    قد تجنـينا فعــذراً ليـس كالحــب تجــنَّى
    عُدْ إلينا نحـن نهوى قد تـمنــيـنا وأنَّــى
    (يعود الشاعر ويقف بالباب وقد اختلفت ملامح وجهه ويتقدم بخطا ثقيلة) . (يستدرج مظفر الشاعر ويضع يده في يده ويتمشيان فوق المسرح بحركة بطيئة حالمة وكأنهما سابحان في الهواء)
    مظفر :
    قل لعل القيود ترحم قـيداً أعتـقـتهُ يد المساء صباحا
    منيب :
    قل فأنت الذي فتنت قـلوباً وطويـت الزمان فيها فباحـا
    الشاعر :
    الثريا تعلــقت بسـهيلٍ فلق الصبح إذ تشـد الجناحا
    وسهيلٌ عن الخلائق غافٍ نبهوهُ فأشــعل المصباحا

    يدعي قوةً ويسـقط ضعفاً روحه قد تسـاقطت أرواحا
    يصرخ الشاعر ويسقط أرضا وتنتابه حالة من الصرع وتحمله المجموعة على أكتافها خارجة من المسرح


    ستـــــار


    الفصل الثالث
    المنظر الأول

    (تسلط الأضواء على الخليفة أبي جعفر المنصور وهو متربع على عرشه وبين يديه مجموعة قليلة من الناس جعلهم المخرج أصواتا مجهولة لقلة اهتمام الخليفة بالأدباء ــ ودار الخلافة ليست كما يتصورها المتفرجون في فخامتها المعروفة وما كان خطأ الخليفة لبخله ولكن المخرج يعاني من قلة المال)
    (يدخل الحاجب وبرفقته أحد القادة)
    الربيع :
    مولاي قد ظفر الجنود بما أرَدتْ
    أبو جعفر :
    الشاعرُ (المؤمّلُ) .. ؟
    القائد :
    وغلامه والجاريهْ
    أبو جعفر (مبتسما وهو ينظر إلى القائد) :
    أدْرَكْتَهم من قَبْلِ أنْ تطأَ الثرى أقدامُهم
    ورأَيْـتَهُ جوف السفينة خائفاً يترقبُ
    القائد :
    مولاي سرِّي في يديكْ
    تدري بما سوف أقولْ
    أبو جعفر :
    عوّدتـني ما قلتهُ
    (يشير بيده إلى الحاجب) :
    ادخلهُ واحبسْ من معهْ
    الربيع :
    السمع والطاعهْ
    ( يستدير ذاهباً ويخرج القائد معه)
    أبو جعفر (يحدث نفسه) :
    افٍّ لهم
    المادحينْ
    القادحينْ
    يتمسحون بكل دينارٍ ودرهمْ
    (يدخل المؤمل ولا ينظر في الناس ويقف بخوف أمام الخليفة) :
    على أمير المؤمنينْ
    خير السلامْ
    أبو جعفر (يباغته وبحده) :
    كيف غرَّرتَ بابني وخدعتَهْ ؟
    المؤمل :
    ما خدعتُهْ .. بل مدحتُهْ
    أبو جعفر (بغضب) :
    بل خدعتَهْ
    صوت :
    هو يـدري بأنــهُ كاذبٌ حـين يمدحُ
    المؤمل :
    إنْ أكن حقا خدعتُهْ
    إنما يُخدع في القوم الكريمْ
    أبو جعفر :
    بكلامٍ سالب عشرين ألفا
    المؤمل :
    إن نبض الشعر أنفاس الخليقهْ
    أتسميهِ كلاماً ليس إلا ؟
    مثلما تسهرُ في عدل الرعيَّهْ
    ساهر وحدي على ردْ القوافيْ
    أقتفي الشارد منها
    كلما أدركتها عزَّتْ عليْ
    صوت :
    ليس للشاعر في هذا الوجودْ
    غير شعرٍ صادق فيه كذوبْ
    صوت :
    هو بالهجو صادقٌ
    صوت :
    وبه السوط عالقٌ
    أبو جعفر :
    أين القصيدهْ ؟
    المؤمل (مشيرا إلى صدره) :
    هيَ هَاهنا
    في الصدر عالقةٌ..
    (يقاطعه الخليفة باستخفاف ) :
    ... فـقُلْ
    صوت :
    قل نستمعْ
    المؤمل :
    «هو المهدي إلا أن فــيهِ مشابه صورة القـمر المنيرِ
    تشابه ذا وذا فهـما إذا ما أنارا مشـكلان على البصير
    لئن سبق الكبير فأهل سبق له فضل الكبير على الصغير
    وإن بلغ الصغير مدى كبير لقد خُلق الصغير من الكبير»*
    أبو جعفر (يحدث نفسه) :
    ذا ثمَّ ذا
    ثم الصغيرُ والكبيرْ
    قصيدةٌ فيها بلَهْ
    ليست تساوي خردلةْ
    أيكون ذوقـك يا بني
    (يتراجع) :
    ... ما أحْسبُهْ
    ولربما قد كان يقصد جمعَهم يوماً اليهْ
    حتى إذا كان الخليفةُ
    كان كل في يديهْ
    (ينتبه أبو جعفر لصوت المؤمل)
    المؤمل :
    أنتم بنو العباس أعمام النبي
    بكم تباهى عـربٌ عن عـربِ

    صوت :
    الصدق منجاة الرجالْ
    صوت (خفيض) :
    ومنافقٌ من أجل مالْ
    أبو جعفر :
    أفصحْ وقلْ لي ما يـسرْ
    المؤمل :
    شرف الحياة لكم
    من مثلكم ؟
    وبنو أمية مجدهم من مجدكم
    أبو جعفر (ينظر في المؤمل نظرة غضب ويلتفت إلى الناس) :
    من جاء بالأعداء منْ ؟
    في مجلسي ؟
    أصوات :
    الموت له

    المؤمل :
    ما كنتُ ناكر نعمة جادوا بها
    مولاي أمدحهم ولا يستنقصون
    قد ألبسوني ذهبا
    صوت :
    وكنتَ فيهم ..
    (يرفع أبو جعفر يده للصوت مشيرا ألا يكمل) .

    المؤمل :
    أعطاؤكم عنهم يقِلْ ؟
    صوت (هامس) :
    ظهر الضمير المستترْ
    صوت :
    أتظنّهُ ..
    بسوط مولانا الخليفة يتصلْ ؟
    أبو جعفر :
    بنو أمية مجدهم من مجدنا
    ولئن قتلنا بعضنا
    فدم يفرقهم يؤاخي بيننا
    (تتغير لهجة حديثه وينظر في المؤمل بغضب) :
    في مجلسي
    تنصر أعدائي عَلَيْ ؟
    المؤمل :
    مولاي قد قلتَ : يؤاخي بيننا

    (ينهض أبو جعفر من مقعده ويتجه إلى المؤمل) :
    أجلْ .. دَمٌ
    كم من أخٍ لك كالعدوْ
    صوت :
    ومن عدوٍ كالصديقْ
    (يستدير أبو جعفر ويلتفت إلى الناس) :
    من يرتضي وجهاً غريباً بـيننا ؟
    الجماعة :
    الموتُ لهْ
    المؤمل :
    أأنا الغريبْ ؟
    وأنا العروبة والنسيبْ
    أبو جعفر :
    إنَّ الغريبْ ..
    (يصمت ويتأمل عصا في يده .... يواصل ذاهبا إلى مكانه) :
    من يرتدي ثوباً ويخلع غيرَهُ
    المؤمل :
    ما كنتُ بشار الضريرْ
    أطلق فيكم خيلَهُ
    وما استقى
    ثم ارتقى أحلامكم
    ورأى مثار النقع فوق رؤوسكم
    فزدتموهُ شرفا
    أغرقتموهُ ترفا
    أهوَ الغريبُ أم أنا ؟
    أبو جعفر (ضاحكا) :
    غار الضريرُ من الضريرْ
    (ينظر إلى هيئته) :
    لكنَّ مظهرك الحَسَنْ
    المؤمل (مستدركا بخبث) :
    أدركتُ أني زائر وجه الخليفهْ
    فخلعت أثواب الحقيقةِ
    ..واستعرت ثياب غيري وارتديتْ
    أبو جعفر :
    وأين ما خلع الأمير عليك ؟
    المؤمل (وهو ينظر إلى الحاجب ) :
    ذهب الربيع بكل شيْ
    (أبو جعفر مخاطبا الربيع) :
    حقا..؟
    الربيع:
    ..أجلْ
    أمرك من فوق الأمورْ
    جرَّدتُهُ من نفسهِ
    أبو جعفر(مبتسما) :
    وسيفِهِ ...؟
    (يبتسم الربيع وهو ينظر إلى فم المؤمل) :
    العفو يا مولاي ..لا
    جرَّدتُهُ .. ونَسيت سيفاً أضمرهْ
    (يجلس الخليفة في مقعده وينظر بهدوء إلى المؤمل) :
    كم يرتدي غيرك جلداً غير جلدهْ
    وتظنه من خير جندهْ
    المؤمل :
    مولاي تأمرني بشي
    أبو جعفر (ملتفتا إلى الحاجب) :
    فلتعطه ألفينْ
    وارددْ لبيت المال...
    المؤمل (مقاطعا بتخاذل) :

    أبيت مال المسلمين
    ينقصُ إن أعطيتني ؟
    فما عسى غيري ببابك ينتظرْ
    صوت :
    ويل لهُ
    لقد تطاولْ
    صوت (هامسا) :
    ماذا يحاول أن يقولْ ؟
    صوت :
    لا تكترثْ
    صدر الخليفة كالصحارى
    يتيه فيها العارفونْ
    أبو جعفر :
    بالباب غيرك ينتظرْ
    ظمآن أوقفهُ الطمع

    صوت :
    لا تنضب الآبار إلا من ظمأْ
    أبو جعفر :
    أيا ربيعْ
    خذ بيدهْ
    (يخرج المؤمل من دار الخلافة ويسمع لغط الناس وينثر في وجوههم الدنانير ويمضي البهلول مسرعا للخليفة) :

    مولاي ما عشتَ تدري قد جُنَّ في الأرض شاعرْ
    خليــفةً حســبوهُ يرمـي عليــهم جواهرْ
    (يلتفت أبو جعفر إلى الربيع) :
    ردّوهُ ليْ
    كم جاحدٍ بنعمةٍ فينا كفرْ
    (يردونه وقد أطبقت عليه الأيدي ومن خلفه البهلول يغني) :
    غريبٌ أنـت لا تدري وما أحططتَ من قدري
    دعْ الدنـيا لبانيــها وقبِّلْ وجـنةَ البــدرِ

    أبو جعفر (للمؤمل) :
    أعطيتك المال عن عمدٍ تفرقهُ في ثلةٍ من رعاعِ الناسِ تفتخرُ
    ماذا تريدُ ؟ أمجنونُ ؟
    المؤمل :
    أنا .. أبداً
    حسبي كسوتك فخراً أنَّهم شكروا
    (فترة صمت يفكر فيها المنصور)
    المؤمل :
    يا سيدي وحبيب الناس كلـهمو يا من بوجهك تزهو الشمس والقمر
    أنقصتني مالَ من جادت خزائنه من صلبكم سيدٌ سـادت به مضر
    (ينظر إليه الخليفة وقد هدأت نفسه)
    المؤمل :
    عندما أخرج من دار الخلافهْ
    سوف لا يسألني الناس غريباً ما رأيتْ
    من جوى وجه أمير المؤمنينْ
    فأنا أعمى من الخوفِ وهم لا يبصرون

    أبو جعفر :
    إنني لا أفهمُكْ
    المؤمل :
    في غموضي سرُّ خوفيْ
    صوت (هامس) :
    عقدَ المنطق من خوفٍ لسانَهْ
    المؤمل :
    لستُ أدري ما أقولْ
    أبو جعفر :
    هدىء الروعَ وأفصحْ
    المؤمل :
    قد رأى قلبي عيوناً...
    .. لا ترى عينَّي إلا درهمين
    وبأني وجه دينارٍ عتيقْ
    وعلى أسماعهم صوتي رنينْ
    كان رأسي جبلاً فوق زجاجهْ
    كلهم يصعد وجهي ويدورْ
    وإذا يوما تثاءبت تناهوا في الجسدْ
    في فؤادي كشَّروا أنيابهم
    ودعوني للسجودْ
    أبو جعفر :
    جُنَّ والله المؤملْ
    (يطرق المؤمل برأسه يكلم نفسه) :
    فليقولوا قد جَـــُبنْ
    وليقولوا قد جُـــِننْ
    سوف أحيا
    لأرى غيري يُجَنْ
    (يفتعل الجنون ويبدأ في الرقص والغناء) :
    تِنْ تِـتِـنْ ... تِنْ تِـتِـنْ
    المؤمّـلْ ... قد جُـنِـنْ

    (يتجه إلى باب الخروج بسرعة البرق مع الغناء والرقص وقد رفع ثوبه إلى كتفيه ويبدأ الصوت في التناقص ويرتفع صوت المنصور ضاحكا وقد أعجبه حسن التخلص)

    ستـــــار

    الفصل الثالث
    المنظر الثاني


    (ينزل الممثلون من المسرح ويحاول مظفر القيام من كرسيه ولكنه ينخسف به وتضحك المجموعة)
    مظفر :
    خليفةٌ مقعدهُ مكسورْ
    وملْكُهُ منبعجٌ في النورْ
    (يلتفت إلى المخرج وهو في وضع السقوط) :
    أَوَعدتني أن تُصلحَهْ ؟
    لو أنَّ أضلاعي فُرادى تنكسرْ
    وتنجبرْ
    أسرع عندي من قرارٍ تـَتَخذْ
    (كان بعضهم قد نزل إلى أسفل المسرح)
    لقمان :
    خليفةٌ وفيهِ شُحْ
    منيب :
    وبدانقٍ وبدانقين
    دققْ حسابك مرتينْ
    لقمان :
    لمارأته الحاشيهْ
    يحفظ أموال العبادْ
    تعلقوا برشوةٍ
    وأكثروا فيها الفساد
    مظفر (نازلا من المسرح) :
    تثاقلَ الرأسُ العمامَهْ
    كأن ليْ رأسين فوق رأسيْ
    أُحسُّ أني أتزنْ
    أختزنُ الماضي بها
    (يخلعها ويتأملها) :
    عمامة المنصور نِعْمَ المنزِلهْ

    تكون لي .. وتكون لـهْ
    (يرميها على منيب فيتفحصها) :
    عمامة تطوي العصورْ
    (يدخل اصبعه في أحد الثقوب) :
    قديمة مهلهَلَهْ
    المخرج :
    عليهِ أنْ يرضى بها
    طويلةً ...
    قصيرةً ...
    قديمةً ...
    جديدهْ
    مظفر (لمنيب) :
    وقصة مخلخلةْ
    عليك أن ترضى بها


    المجموعة :
    طويلةً ...
    قصيرةً ...
    قديمةً ...
    جديدهْ
    مظفر :
    لاشيءَ في مسرحنا هذا جديدْ
    لقمان :
    أفكارنا ..
    منيب :
    قلوبنا..
    معين :
    وجوهنا ..
    (يحاول مظفر وهو يخلع البردة أن يستفز المخرج وهو ينظر إلى لقمان) :
    وإن في البردةِ ضيقاً كلما عالجتها
    تَفَتَّـقَتْ

    المخرج :
    طالبتكم أنْ تدفعوا
    لكنكم لم تسمعوا
    فكيف لي أنْ أشتريْ ؟
    فلتدفعوا كي تلبسوا
    منيب :
    فلتلبسوا كي تدفعوا
    المخرج :
    كلما طالبتكم ماطلتموني
    من يريد المجد يدفع ثمنَهْ
    مظفر(وهو ينظرالى المخرج بتبرم) :
    أنْحَفَني غيظي فبردي يتسعْ
    عمامتي خفَّت ورأسي يرتفعْ
    (يلتفت إلى المجموعة) :
    أعطيته الفينَ الفاً قبلَ أمسْ

    المخرج (بسخرية) :
    أعطيتها لمنْ مَلَكْ
    وليس يرضى بالقليلْ
    منيب (بتحسر) :
    يا مسرحا فينا هلك
    معين :
    كبيرةٌ أحلامنا
    مظفر :
    وقليلةٌ أموالنا
    المخرج :
    أُذيع سراً قد كَتَمتْ
    هدَّدني .. بهدمِ يوماً ما بَنَيْتْ
    يريدها بقالةً ومجزرهْ
    مظفر :
    ومشغلاً لنسوةٍ

    منيب :
    ومعصرهْ
    ومنـجرهْ
    (يرفع يديه في حركة المشدوه) :
    تَرَهْ .. تَرَهْ .. تَرَهْ ..تَرَهْ
    (ويبدأ الشاعر هو الآخر يضرب على الطاولة بحركة هستيرية ويتغنى) :
    تِرِمْ تِرِمْ تِرِمْ تَِرَه
    العصر عصرالثرْثرهْ
    اشرب حليبَ البقرهْ
    «بالفتح قولٌ يُفهـَمُ
    والكسر قولٌ مـؤلمُ
    والضم أرضٌ تبـرمُ
    في شدة التصلّبِ»*
    تِرِمْ تِرِمْ تِرِمْ تَرَهْ

    (يخرج الشاعر راكضا من باب المسرح ويبدأ صوته في الخفوت وتعتري الممثلين فترة اندهاش وصمت) .
    المخرج :
    لا تيأسوا
    يعود من حيث بدا
    مظفر :
    تقاربت أبياتُهُ
    المخرج :
    تقاربٌ فيه الجنونْ
    (يلتفت إليهم) :
    لم يبق إلا مشهدٌ

    يعتز فيه شاعرٌ
    وينتهي دور الهزلْ
    فلا حديث بعدهُ
    أمامكم جمهوركم

    وخلفكم
    سياط نقدٍ حانيهْ
    تخلق منكم أنْفُسَاً
    أنذرتكم فلا....
    (يقطع صوته سماع جرارة تهدر خلف المبنى ويستمع إليها بذهول، ويقبل الشاعر صارخا من الفرح وفي يده رزمة من النقود، وفي اليد الأخرى ورقة ويخاطبهم راكضا باتجاههم) :
    ألا ابشروا
    ألا ابشروا
    (يرمي بالنقود في وجوههم) :
    فرجٌ... فرَجْ
    المال سيدنا المطاعْ
    عشرون ألف ...
    خمسون ألف ...
    ستون ألف ...
    لا بل مئهْ ...
    (يحثوها ويقذفها في وجوههم من جديد .... وينظر إليه المخرج والورقة في يده
    لا تسقط وبسؤال فيه حدة وسخرية) :
    ما في اليمنى ؟
    الشاعر (يرفع يده) :
    هذيْ ...؟
    (ينظر اليها)
    لاشيْ
    (مظفر الذي لا يبرح مكانه وهو ينظر إلى يد الشاعر) :
    يبدو شيءٌ00 عنّي يخفى
    (يلتقط منيب ورقة نقدية من الأرض وينظر إليها) :
    يخفى عنّي شيءٌ00 يبدو
    (مظفر للشاعر وهو يشير إلى المقاعد الخالية من الجمهور) :
    النهر نهر الخائفينْ
    ألق الصحيفة وازدجرْ
    (يلتفت الشاعر إلى المقاعد ينظراليها بشغف ويخطف المخرج الورقة من يده)
    الشاعر :
    الهدمُ .. الهدمْ

    المالك يعطي.. كي يهدمْ
    أن نبني عشرينَ بخمسهْ
    (ينظر إلي يده في جنون وفرح وتتعلق عيناه بأصابعه) :
    أنْ نبنيْ تسعينَ بخمسهْ
    الآن سآكل
    حتى التخمهْ
    حتى النقمهْ
    هاهٍ..
    ... هاه
    حتى النقمهْ
    (يدور مظفر حول الشاعر في حركة هستيرية وهو يصرخ فيه) :
    عمرو بن هند في الطريقْ والموت خلفكَ ينــتظرْ

    قد قلتُ مـا صـدّقتـني ألق الصحيفة وازدجـرْ
    (يتلفت الشاعر في كل اتجاه وصوت الجرار يضرب جدار المسرح ويهرول من الجنون خارجا تاركا النقود) :

    سجائري ...
    ... بلا ديونْ
    حتى أنا ...
    ... بلا ديونْ
    حُريتي ...
    ... حُريتيْ
    الهدمُ
    .... هـدمْ
    الهدمُ
    ....هـدمْ
    (يخرج الممثلون من المسرح بصمت ويسقط المخرج على مقعده مغشيا عليه ويستمر الهدم)

    ســــتار

    خـــتام
  • إيمان عامر
    أديب وكاتب
    • 03-05-2008
    • 1087

    #2
    تحياتي بعطر الزهور

    القدير المبدع
    الأستاذ محمد المنصور
    سطورك إبداع
    تصفيق حار
    قلمك يكتب برشاقة ونسيب
    لغة المسرح رائعة اعشق المكوث بين السطور
    دخلت أكثر من مرة كي أكمل العمل ولي عودة أخري
    تقبل مروري بين سطورك الرائعة
    في انتظار جديدك لا تبخل علينا
    لك أرق تحياتي
    "من السهل أن تعرف كيف تتحرر و لكن من الصعب أن تكون حراً"

    تعليق

    • محمد المنصور
      عضو الملتقى
      • 26-09-2009
      • 13

      #3
      رد: تحياتي بعطر الزهور

      المشاركة الأصلية بواسطة إيمان عامر مشاهدة المشاركة
      القدير المبدع

      الأستاذ محمد المنصور

      سطورك إبداع

      تصفيق حار

      قلمك يكتب برشاقة ونسيب

      لغة المسرح رائعة اعشق المكوث بين السطور

      دخلت أكثر من مرة كي أكمل العمل ولي عودة أخري

      تقبل مروري بين سطورك الرائعة

      في انتظار جديدك لا تبخل علينا



      لك أرق تحياتي

      الأديبة ذات الإحساس المرهف : إيمان عامر
      صباحك عاطر بالمحبة
      ورسالتك الجميلة هي موضع تقدير وإعجاب.
      .. يهمني رأيك بدون شك.
      ولي تواصل معك عبر المسرح
      دمتِ بخير وعافية

      تعليق

      • يحيى الحباشنة
        أديب وكاتب
        • 18-11-2007
        • 1061

        #4
        رد: (جبل فوق زجاجة) مسرحية شعرية من ثلاثة فصول

        [frame="1 98"]
        المبدع العزيز محمد المنصور

        هذه المسرحية الهزلية بلغتها الشعرية ، وتلك الهزلية التي عرّت مفاسد الأمة ، وأظهرت العهر على مسرح الحياة

        كل ذلك يؤكد أصالة حرفك ، وعميق نظرتك ، وقوة إبداعك .

        إن الشكل المسرحي الهزلي هنا ، يتناسب تماما مع اللعبة المسرحية ، بحيث جاءت تتناسب مع النسق العام للشخوص المسرحية .

        كانت اللغة عالية وجسدت لنا ما يراد لها أن تكون ، حيث بدت الفكرة هلامية في البداية ، وربما بدت نوعا من الاستعراض اللغوي في المشهد الأول ، لكن في المشاهد التالية بدت لنا أصالة الفكرة والمضمون الذي نجح الكاتب في إيصاله للمتلقي وخلق عناصر التشويق المناسبة .

        اختيار الكاتب للشكل المسرحي الذي بدا كأنه ( بروفة مسرحية ) كان موفقا ووفر الكثير من عناصر العمل المسرحي واختزلها باقتدار .

        كنت أتمنى على الكاتب لو جعل بداية النص بالعامية ، للتأكيد على عملية الفصل بين الشكلين ، لأن النص جمع كل الوجوه في مسرح الحياة ، والتاريخ من وجهة نظر تاريخية ورؤيته الخاصة ، وبين الواقع الحقيقي والذي يتجسد في الممثلين والمخرج ، وبين التاريخي والفني والمقولة الخاصة في النص .

        وهذه لا تعتبر عيبا بقدر ما هي رؤية حقيقية إبداعية تحسب للنص لا عليه ، لكن ما أشرت إليه يتعلق في تشجيع المتلقي في بداية النص للولوج إلى عالم النص المسرحي والذي حيك وحبك بعناية .

        وأخيرا ؛ ..

        أتمنى على الأخ العزيز المبدع محمد المنصور ، ألا يحرمنا من إبداعاته ، وأعماله التي أعتبرها أعمالا ترتقي إلى الأعمال الأدبية الكبيرة والعالمية .

        كل التقدير لهذا الجهد العظيم .

        اسمح لي بتثبيت هذا النص الجميل ..(يُثبّتْ )
        [/frame]
        التعديل الأخير تم بواسطة يحيى الحباشنة; الساعة 12-10-2009, 00:12.
        شيئان في الدنيا
        يستحقان الدموع ، والنزاعات الكبيرة :
        وطن حنون
        وامرأة رائعة
        أما بقية المنازاعات الأخرى ،
        فهي من إختصاص الديكة
        (رسول حمزاتوف)
        استراحة عشرة دقائق مع هذا الرابط المهم جدا.. جدا !!!!!
        http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...d=1#post264869
        ولنا عودة حتى ذلك الحين استودعكم الله




        http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...149#post249149

        تعليق

        • محمد المنصور
          عضو الملتقى
          • 26-09-2009
          • 13

          #5
          رد: (جبل فوق زجاجة) مسرحية شعرية من ثلاثة فصول

          المشاركة الأصلية بواسطة يحيى الحباشنة مشاهدة المشاركة
          [frame="1 98"]
          المبدع العزيز محمد المنصور

          هذه المسرحية الهزلية بلغتها الشعرية ، وتلك الهزلية التي عرّت مفاسد الأمة ، وأظهرت العهر على مسرح الحياة

          كل ذلك يؤكد أصالة حرفك ، وعميق نظرتك ، وقوة إبداعك .

          إن الشكل المسرحي الهزلي هنا ، يتناسب تماما مع اللعبة المسرحية ، بحيث جاءت تتناسب مع النسق العام للشخوص المسرحية .

          كانت اللغة عالية وجسدت لنا ما يراد لها أن تكون ، حيث بدت الفكرة هلامية في البداية ، وربما بدت نوعا من الاستعراض اللغوي في المشهد الأول ، لكن في المشاهد التالية بدت لنا أصالة الفكرة والمضمون الذي نجح الكاتب في إيصاله للمتلقي وخلق عناصر التشويق المناسبة .

          اختيار الكاتب للشكل المسرحي الذي بدا كأنه ( بروفة مسرحية ) كان موفقا ووفر الكثير من عناصر العمل المسرحي واختزلها باقتدار .

          كنت أتمنى على الكاتب لو جعل بداية النص بالعامية ، للتأكيد على عملية الفصل بين الشكلين ، لأن النص جمع كل الوجوه في مسرح الحياة ، والتاريخ من وجهة نظر تاريخية ورؤيته الخاصة ، وبين الواقع الحقيقي والذي يتجسد في الممثلين والمخرج ، وبين التاريخي والفني والمقولة الخاصة في النص .

          وهذه لا تعتبر عيبا بقدر ما هي رؤية حقيقية إبداعية تحسب للنص لا عليه ، لكن ما أشرت إليه يتعلق في تشجيع المتلقي في بداية النص للولوج إلى عالم النص المسرحي والذي حيك وحبك بعناية .

          وأخيرا ؛ ..

          أتمنى على الأخ العزيز المبدع محمد المنصور ، ألا يحرمنا من إبداعاته ، وأعماله التي أعتبرها أعمالا ترتقي إلى الأعمال الأدبية الكبيرة والعالمية .

          كل التقدير لهذا الجهد العظيم .

          اسمح لي بتثبيت هذا النص الجميل ..(يُثبّتْ )
          [/frame]
          أهلا بالكاتب المسرحي والممثل والناقد : يحيى الحباشنة
          تحية طيبة ... وصباح مشرق بالخير
          استرعى انتباهي نقدك الجميل
          فيه تساؤلات جادة.. تحتاج مني إلى الإجابة عليها بما يليق بمقام كاتب مسرحي مثلك.
          ولكني مسافر بعد ساعتين إلى باريس
          والبال مشتت
          وعلى مافيّ من فوضوية ... فلابد من حشر الثياب في الحقيبة
          والمطار بعيد
          والمسافة أبعد
          سوف أعود بعد أيام .... وأكتب عن ذلك
          انتظرني
          لاعدمتك
          محمد المنصور

          تعليق

          • محمد المنصور
            عضو الملتقى
            • 26-09-2009
            • 13

            #6
            تعقيب

            الأخ العزيز يحيى الحباشنة
            مساء الخير
            وأنا على وعدي
            أخي يحيى :
            بدون شك أنت تعلم أن الفن المسرحي ، من أصعب الفنون الأدبية، وأكثرها مشقة ؛ وخاصة المسرح الشعري .
            هذا النوع من المسرح ، يحتاج إلى إسلوب شعري جذاب، وصياغة لفظية جزلة ، وشامخة البناء ؛ تخدم المضمون و تنأى به عن مدارج التقريرية ، وإلى شاعر له تجربة طويلة في كتابة الشعر ، وتجربة في الفن القصصي.
            ولاشك إن كتابة المسرحية الشعرية ، في العصر الحديث ، أصبحت أكثر مرونة ، خاصة بعد ظهور شعر التفعيلة ؛ الذي فك قيد الشاعر ، وأنقذه من بعض الكلمات الحوشية ، المتمثلة في القافية ، وأتاح له التنقل بين البحور ، التي تتخذ من التفعيلة الواحدة سمة لها، في مشهد مسرحي صادق ، وبعيد عن التكلف.
            وأنت تعلم أن المسرح في زمنه القديم ، سمته الشعر ، و ماكان لفلاسفة أثينا أن يتخيلوا يوما ما ؛ أن يتنازل المسرح عن شاعريته، إلا نادرا .
            إلى أن جاء العصرالحديث بالواقعية ؛ التي أنزلته في مدينة نثرية ، وأغلقت أبوابها في وجه الشعر.
            وإذا أردت الصراحة : ماكان يدور في أثينا : من محاورات للفلاسفة ، ومن محاكمة لسقراط ـ كمثال ـ هو في حقيقة أمره مسرح الحياة النثري والفطري بطبعه.
            وربما توفرت فيه العناصر : من حوار ، وصراع فلسفي ، وحركة للأيدي ؛ للتأكيد ، والإقناع.
            من هنا ، ربما نكون أكثر قربا من نظرة أرسطو لبعض النصوص المسرحية ، التي تقرأ ، ولاتمثل (بمعنى أن هناك أعمالا تستطيع تجسيدها على خشبة المسرح ، وأعمالا يصعب تمثيلها ، وإن حاول بعض المخرجين عمل ذلك بنوع من التصرف ؛ فهو على حساب النص ، وقد يشوب العملَ ـ في بعض الأحيان ـ نوع من التشويه ، ويعتقد المشاهد الذي لم يسبق له قراءة النص ؛ أن هذا هو العمل الأصلي بعينه).
            هذه الإشارة قصدت منها : أن مسرحية (جبل فوق زجاجة) ، لها نصيب من ذلك.
            يوجد فيها بعض المشاهد غير قابلة للتمثيل ، ومشاهد على عكس ذلك ؛ ولكن العمل المسرحي لايقبل بالتجزيئة في النص .
            والمسرحية تقف بين بحرين : بحر الماضي ، وبحر الحاضر ، وتصنع من غموضها برزخا بينهما ، ولاتعلم .. أي الزمنين له العذوبة ، أو الملوحة ؟
            والمشاهد العادي يفهمها حسب ثقافته ، ولكن المثقف والدارس لها يرى فيها غموضًا ، ويرى أنها قابلة للتأويل ، وأن لها وجهًا تتمازج فيه الأشكال والألوان ويغشاها هزل المأساة. .
            وقد تعرضتُ لمجابهة ، ونقاشات في هذا الموضوع ؛ أستطيع تلخيصها في سؤالهم : (ماذا تقصد ..؟)
            أما ماذكرته من تفضيلك : أن تبدأ المسرحية بالعامية ، إلى أن تتدرج إلى الفصيح.
            لربما أنك تسعى من خلال ذلك ، إلى مايسمى في الأدب بــ (واقعية الأداء).
            ولكني لست معك في هذا ، وربما أنزع في مشربي إلى رؤية بعض النقاد : من أن الواقعية ليست واقعية اللغة ؛ وإنما هي واقعية : النفس ، والحياة ، والمجتمع .
            أما اللغة ، فإن المبدع المتمكن من عمله ، يستطيع استخدام عبارات حية ، متداولة ، ومأنوسة ، لايفرق الإنسان العامي بينها ، وبين منطوقه اليومي ؛ إلا من حيث اللحن في العامية ، وهو ماتأباه الفصحى. كما أن صياغة العمل بالفصحى، دون إقحام العامية ؛ يضمن له : صياغة لفظية ، موحدة ، متماسكة ، ويضمن له البقاء ؛ مابقيت اللغة ، وتنأى به عن إسفاف اللهجات ؛ والتي تتبدل في كل عصر.
            تحياتي لشخصك العزيز
            ودمت سالما لمن تحب
            المنصور
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد المنصور; الساعة 20-10-2009, 21:37. سبب آخر: تنسيق

            تعليق

            • يحيى الحباشنة
              أديب وكاتب
              • 18-11-2007
              • 1061

              #7
              [frame="1 98"]

              سلام وتحية على صادق الوعد الشاعر والمسرحي أخي محمد المنصور .

              أشكرك من كل قلبي على هذا الإسهاب في الشرح لهذا النوع من المسرح (المسرح الشعري ) وهو المسرح الغني بالفلسفة والحكمة ، ويحاكي القلوب والعقول ، ويمسرح الحياة قديمها وحديثها .

              لن أخفي عليك أنني في غاية السعادة، وأنا التقي بمبدع ينظم إلى قافلة الإبداع ..

              ولأنني أعلم كم من الوقت والجهد والتفكير يستوجب لكتابة مثل هذا النص الرائع حيث أصنفه بعلمي المتواضع بين روائع الأعمال المسرحية .

              وأبشرك يا سيدي بأن هذا النص ليس فيه أي صعوبة إخراجية إن وقع بين يدين مخرج مبدع وخلاق ، فالأعمال الكبيرة تحتاج إلى مخرج مبدع وممثل مبدع موهوب لتجسيد هذه الشخوص على الخشبة ، فالإبداع ليس له حدود على الإطلاق .
              وحول اللجوء إلى العامية في هكذا أعمال، هو لتقريب الفجوة والمسافة بين النص الإبداعي والمتلقي الذي يرزح تحت ملايين الأعمال الهابطة فنيا وإبداعيا ، وشوهت الذائقة الفنية لدى المتلقي ، وسوف أرفق لك هذا الرابط لإحدى مسرحياتي حيث لجأت إلى مثل هذا الأسلوب ، وهذا لا يعني أنني أبتعد عن النخبوية وأنزل في المستوى الإبداعي إلى رغبة المتلقي ، إنما للارتقاء بوعي المتلقي نحو سمو الهدف والفكرة ، وإعادة ما أفسده المتطفلين على الفن المسرحي وتشويهه .
              ويسعدني ألا تبخل علي بوجهة نظرك ونقدك .
              ودمت أخي وسلم قلمك وقلبك .


              الفصل الثاني من تأليف مجنون مسرحية من فصلين فكرة وقصة : نبيل عطية إعداد مسرحي وإخراج : يحيى الحباشنة إهداء الى الكاتب الساخر محمد سليم مع المودة .. القسم أنا ممنوع وموقوف من دخوله ، كنت أتمنى الرد على مقالاتك في قسم الأدب الساخر.. لكني لا استطيع الدخول الى ذاك القسم الفصل الأول تفتح الستارة فيظهر على أقصى


              [/frame]
              شيئان في الدنيا
              يستحقان الدموع ، والنزاعات الكبيرة :
              وطن حنون
              وامرأة رائعة
              أما بقية المنازاعات الأخرى ،
              فهي من إختصاص الديكة
              (رسول حمزاتوف)
              استراحة عشرة دقائق مع هذا الرابط المهم جدا.. جدا !!!!!
              http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...d=1#post264869
              ولنا عودة حتى ذلك الحين استودعكم الله




              http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...149#post249149

              تعليق

              يعمل...
              X