المقامة الباريسية .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • علي قسورة الإبراهيمي
    عضو الملتقى
    • 30-08-2009
    • 12

    المقامة الباريسية .

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أحبتي ، و خلاني
    سلامٌ يتنفس عنه الأقاحُ بإيراقه ، و يتبسّم به نور الصباح و إشراقه ...
    إلى زينة المنتدى و النادي ، و أهل بشاشة النجد و الوادي ، الذين هم منارةٌ للمعرفة و هادي .
    فإليكم هذه " المقامة " ... تحكي عما اصاب العرب ، من شر قد اقترب .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    حدّثنا قسورة فقال:
    بينما كنت اطرح عن نفسي الكسل ، و أنا غارقٌ في الأمل ، شعور بالملل لكثرة العلل ، بما قد لاح من تجاعيد الصباح ، و ما تعودنا من روتين و ابتعادنا عن الدين ..
    بينما أنا على هذه الحال و المنوال ، إذ اقترب مني أستاذ ، بالنسبة لي ملاذ ، و عن عصرنا شاذ ، يحفظ القريض ، و ينهل من العريض . و لي معه صحبتي و قراري ، لأني لا أراه يداري ، و الحاذق في بحره لا يجاري ، يبعث دومًا إصراري ، و يقتفي آثاري ، فكأنما يسير في فلكي و مداري ، و أمامه لا أكتم أسراري ، و أحبذه في جواري.
    و كالعادة بما يبعث على السعادة ، بادرني بمعسول النحو ، و رونق الشدو ، لا يعكره دلو و لا يضيق به بهو .
    بالشعر حيّاني و نفض الغبار عن آذاني ، آهٍ ! فقد أيقض اشجاني ، وإلى المتنبي رماني ، و ألحقني بالحريري و الهمذاني ...
    فاندفعت ألملـم أوراق زماني .. فكفكف مدامعي و التقط مجامعي حين ردّد على مسامعي :
    حيتك عزة بعد الهجر وانصرفـت **** فحي ويحك من حياك يا جمــل
    حدث هذا و نحن في موطن الفرنسيس بمدينة "باريس " التي قيل عنها ما قيل أنها " بلد الجن و الملائكة " .و كلها تخر صات و أقاويل . هذا ، و كنت قد علقت منذ أمد أوتاري .. و ألجمت أفكاري ، و غيبت جواري ، و كنت قد طويت مداري ، و اعتكفت ـ إلاّ عن العمل ـ بداري .
    هذا ، بعد أن جفاني الزمان ، و تبدل الخلان ، و تداخلت الألوان و الغشاوة عمت المكان ، فلا أفق و لا أمان ، و الرداءة أصبحت العنوان ، و نكست الرؤوس عن الأبدان ، و استبيحت الأوزان ، و قول " الحق " من الشيطان ، و العبث طال الأرصفة و الجدران .
    في هذا الزمن اختزلت الأشياء ، و في الوطن العربي تناطحت الأهواء ، و استفحل الداء و عظم البلاء ، و تحزبت الغوغاء ، و استرجلت حواء ، و الرجل قد غاب عن الأضواء . نعم حدث عند العرب الكثير ، و الأمر هامٌّ و خطير ، فلا كبير و لا صغير ، و كل من هب و دب له ما يدير ، و لو المتاجرة ببيع الخمر و لحوم الخنزير ، و رغم الأذى و النفير ، و ما بالعراق يصير . كأني بالرهط في تخدير ، و بلا ألباب تسير ، و منهم من لا يعتبر رغم الذي ننتظر من هذا المحيط القذر . و المصيبة أن الكل يعلم بأن لا أحد سيسلم ، و لو ارتقى بسلّم مصاف الأمم ، فلا محالة من نصيبه الألم ، و الموت القادم الذي لا يرحم ، فالطالع ندم، و الحاضر سقم ...
    كأن الشاعر يعنينا، في قوله فينا :
    أرى حمـرًا فوق الصواهل جمة **** فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل.
    أعادني صاحبي إلى الوراء ، أجول بخاطري في تلك الأجواء ، حيث الحال غير الحال و الأمل يسعه المجال ، بل تمتد الآمال في أفق الخيال ، إن للخطاب فصله و للوزن نظمه ، و للجمهور نجمه ، لا يعتريه قصور و في تحديه جسور ، و عن ذوقه غيور . متجذر في أصوله ، مترفع في ميوله ، ينأى عمّا يضنيه إلى ما يغنيه ، الوفاء منتهاه و العتق هواه ...
    و الأذن تحنّ للكريم ، و الذوق السليم ، و تطرب بعبد الحليم ، و تنفطر القلوب و تحوم ، مع قصيد أم كلثوم ، و لا نفيق من الألبوم و عبث الروم ، و الصدى المعدوم . ناهيك عن الصخب المبهم ، و اللحن الافرم ، و سفور عجرم و هي تداعب الزجاجة ، إشهار و حاجة ، لتسويق دجاجة ...
    و رددت قول الشاعر :
    جيفة أنتنت فطــار إليهــا **** من بني دهرها فراخ الذباب .
    قلت لصاحبي : كان للتربية مهد ، و للعربي عهد ، و للبيد فهد ، و للجار حرمة ، لا تصادم و لا أزمة ، و لا يصنعها مال ، بل إخلاص الرجال ، فالعزم و التضحية نضال ..
    فالكل يساير دهره و يدرك قدره ، و لا يكشف ظهره ...
    قاطعني داحضًا ، و لامني معارضًا : صيرورة الزمان و شروط المكان ، فكلامك مدان. فعالمنا اليوم واحة كله فسحة و ساحة ، و الناس في راحة.. فضاء إليك، و أنس بين يديك ، فخذ مما يليك . و انشد قائلاً :
    تحلو الحياة لكل ثغر باسـم **** و رشّ عطرها في الفؤاد الحالم.
    فامرح وخذ مما يليك فكلها **** وردٌ تفتــح بالأريج الدائـــم .
    شعرت بانقباض و قلت في امتعاض : ترتيبنا في الذيل ، و بنا طفح الكيل ، علوج في بلادنا تصول ، و يقعدنا الذهول ، و الأذى يلحق بالرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا أمل بادي، و لا حياة لمن تنادي ، و مناّ من يرى الأمر عادي ...
    كل هذا المجون ، و الكفر المجنون و ما يهدد البطون . فالخلق في ارق و قد قتلها القلق ، و الصدر ضاق و فاض ، و تهددت الحياض ...
    حاول صاحبي كي يجامل ، ثم عض الأنامل ، و ناء كالبعير في تحسر كبير.. صرخ و جال ، و استدار و قال : إلى متى السكوت و اليوم منا يفوت ?.. ثم انكمش في دثاره متسائلاً في قراره ، متحاملاً عن جواره . و القدم منه جف، و الوجه قد خسف ، و الفصل انكشف، و الوضع انتصف ، فالضر يحوم جراد محموم ، القصد معلوم ، و الدرس مفهوم .
    و من وحي الفراسة ، قال ما بال الساسة ، و تجار السياسة . أحزاب و حكام الكل نيام ، يتيهون على الدوام ، كأسراب الهوام ، ألا يعتبرون بصدام ؟..
    تأوهَ صاحبي و تأوهتُ ، و من الأسى مهمهَ و مهمهتُ ، انكسر الحلم و انشطر الظلم .
    و انحصر الأمام ، و غاب الإمام ، فتلعثم الكلام و جفت الأقلام .
  • ربيعة الابراهيمي
    أديب وكاتب
    • 27-10-2008
    • 313

    #2
    رد: المقامة الباريسية .

    بارك الله فيك اخي
    مقامة رائعة
    واسدل الستار على عرب القفار. ما بالهم عميت ابصارهم وصمت اذانهم
    وبكمت السنتهم وجنت عقولهم .وشربوامن حضارة الغرب حتى الثمالة وماستفاقوا وباعوا كل ضمير فلا ضير ان وجدوا انفسهم في الحضيض من بين الامم فقد غابت الهمم وساد الظلام واسدل الستار على امل ان يطلع النهار
    التعديل الأخير تم بواسطة ربيعة الابراهيمي; الساعة 02-10-2009, 06:19.

    أحلق عاليا كطائر حر يأبى الأسرفي أيدي البشر

    تعليق

    • مهند حسن الشاوي
      عضو أساسي
      • 23-10-2009
      • 841

      #3
      [align=center]


      كلام رشيق، وتركيب أنيق، وجمل جميلة التركيب، يستفيد منها الأريب والأديب، لا تحتاج إلا الى حبكة قصة، لتحصل من المقامة على حصة، وإن شئت أن تكون كالعسل في ريقك، فلا بد فيها من ذكر اسم صديقك، ولو كنت ترمز له باسم مكنى، رمزي المعنى، فستكون مقامة، سامقة القامة

      تقبل ودي وتحياتي، منتظراً ما هو آتِ



      [/align]
      [CENTER][SIZE=6][FONT=Traditional Arabic][COLOR=purple][B]" رُبَّ مَفْتُوْنٍ بِحُسْنِ القَوْلِ فِيْهِ "[/B][/COLOR][/FONT][/SIZE][/CENTER]

      تعليق

      يعمل...
      X