بسم الله الرحمن الرحيم
أحبتي ، و خلاني
سلامٌ يتنفس عنه الأقاحُ بإيراقه ، و يتبسّم به نور الصباح و إشراقه ...
إلى زينة المنتدى و النادي ، و أهل بشاشة النجد و الوادي ، الذين هم منارةٌ للمعرفة و هادي .
فإليكم هذه " المقامة " ... تحكي عما اصاب العرب ، من شر قد اقترب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدّثنا قسورة فقال:
بينما كنت اطرح عن نفسي الكسل ، و أنا غارقٌ في الأمل ، شعور بالملل لكثرة العلل ، بما قد لاح من تجاعيد الصباح ، و ما تعودنا من روتين و ابتعادنا عن الدين ..
بينما أنا على هذه الحال و المنوال ، إذ اقترب مني أستاذ ، بالنسبة لي ملاذ ، و عن عصرنا شاذ ، يحفظ القريض ، و ينهل من العريض . و لي معه صحبتي و قراري ، لأني لا أراه يداري ، و الحاذق في بحره لا يجاري ، يبعث دومًا إصراري ، و يقتفي آثاري ، فكأنما يسير في فلكي و مداري ، و أمامه لا أكتم أسراري ، و أحبذه في جواري.
و كالعادة بما يبعث على السعادة ، بادرني بمعسول النحو ، و رونق الشدو ، لا يعكره دلو و لا يضيق به بهو .
بالشعر حيّاني و نفض الغبار عن آذاني ، آهٍ ! فقد أيقض اشجاني ، وإلى المتنبي رماني ، و ألحقني بالحريري و الهمذاني ...
فاندفعت ألملـم أوراق زماني .. فكفكف مدامعي و التقط مجامعي حين ردّد على مسامعي :
حيتك عزة بعد الهجر وانصرفـت **** فحي ويحك من حياك يا جمــل
حدث هذا و نحن في موطن الفرنسيس بمدينة "باريس " التي قيل عنها ما قيل أنها " بلد الجن و الملائكة " .و كلها تخر صات و أقاويل . هذا ، و كنت قد علقت منذ أمد أوتاري .. و ألجمت أفكاري ، و غيبت جواري ، و كنت قد طويت مداري ، و اعتكفت ـ إلاّ عن العمل ـ بداري .
هذا ، بعد أن جفاني الزمان ، و تبدل الخلان ، و تداخلت الألوان و الغشاوة عمت المكان ، فلا أفق و لا أمان ، و الرداءة أصبحت العنوان ، و نكست الرؤوس عن الأبدان ، و استبيحت الأوزان ، و قول " الحق " من الشيطان ، و العبث طال الأرصفة و الجدران .
في هذا الزمن اختزلت الأشياء ، و في الوطن العربي تناطحت الأهواء ، و استفحل الداء و عظم البلاء ، و تحزبت الغوغاء ، و استرجلت حواء ، و الرجل قد غاب عن الأضواء . نعم حدث عند العرب الكثير ، و الأمر هامٌّ و خطير ، فلا كبير و لا صغير ، و كل من هب و دب له ما يدير ، و لو المتاجرة ببيع الخمر و لحوم الخنزير ، و رغم الأذى و النفير ، و ما بالعراق يصير . كأني بالرهط في تخدير ، و بلا ألباب تسير ، و منهم من لا يعتبر رغم الذي ننتظر من هذا المحيط القذر . و المصيبة أن الكل يعلم بأن لا أحد سيسلم ، و لو ارتقى بسلّم مصاف الأمم ، فلا محالة من نصيبه الألم ، و الموت القادم الذي لا يرحم ، فالطالع ندم، و الحاضر سقم ...
كأن الشاعر يعنينا، في قوله فينا :
أرى حمـرًا فوق الصواهل جمة **** فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل.
أعادني صاحبي إلى الوراء ، أجول بخاطري في تلك الأجواء ، حيث الحال غير الحال و الأمل يسعه المجال ، بل تمتد الآمال في أفق الخيال ، إن للخطاب فصله و للوزن نظمه ، و للجمهور نجمه ، لا يعتريه قصور و في تحديه جسور ، و عن ذوقه غيور . متجذر في أصوله ، مترفع في ميوله ، ينأى عمّا يضنيه إلى ما يغنيه ، الوفاء منتهاه و العتق هواه ...
و الأذن تحنّ للكريم ، و الذوق السليم ، و تطرب بعبد الحليم ، و تنفطر القلوب و تحوم ، مع قصيد أم كلثوم ، و لا نفيق من الألبوم و عبث الروم ، و الصدى المعدوم . ناهيك عن الصخب المبهم ، و اللحن الافرم ، و سفور عجرم و هي تداعب الزجاجة ، إشهار و حاجة ، لتسويق دجاجة ...
و رددت قول الشاعر :
جيفة أنتنت فطــار إليهــا **** من بني دهرها فراخ الذباب .
قلت لصاحبي : كان للتربية مهد ، و للعربي عهد ، و للبيد فهد ، و للجار حرمة ، لا تصادم و لا أزمة ، و لا يصنعها مال ، بل إخلاص الرجال ، فالعزم و التضحية نضال ..
فالكل يساير دهره و يدرك قدره ، و لا يكشف ظهره ...
قاطعني داحضًا ، و لامني معارضًا : صيرورة الزمان و شروط المكان ، فكلامك مدان. فعالمنا اليوم واحة كله فسحة و ساحة ، و الناس في راحة.. فضاء إليك، و أنس بين يديك ، فخذ مما يليك . و انشد قائلاً :
تحلو الحياة لكل ثغر باسـم **** و رشّ عطرها في الفؤاد الحالم.
فامرح وخذ مما يليك فكلها **** وردٌ تفتــح بالأريج الدائـــم .
شعرت بانقباض و قلت في امتعاض : ترتيبنا في الذيل ، و بنا طفح الكيل ، علوج في بلادنا تصول ، و يقعدنا الذهول ، و الأذى يلحق بالرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا أمل بادي، و لا حياة لمن تنادي ، و مناّ من يرى الأمر عادي ...
كل هذا المجون ، و الكفر المجنون و ما يهدد البطون . فالخلق في ارق و قد قتلها القلق ، و الصدر ضاق و فاض ، و تهددت الحياض ...
حاول صاحبي كي يجامل ، ثم عض الأنامل ، و ناء كالبعير في تحسر كبير.. صرخ و جال ، و استدار و قال : إلى متى السكوت و اليوم منا يفوت ?.. ثم انكمش في دثاره متسائلاً في قراره ، متحاملاً عن جواره . و القدم منه جف، و الوجه قد خسف ، و الفصل انكشف، و الوضع انتصف ، فالضر يحوم جراد محموم ، القصد معلوم ، و الدرس مفهوم .
و من وحي الفراسة ، قال ما بال الساسة ، و تجار السياسة . أحزاب و حكام الكل نيام ، يتيهون على الدوام ، كأسراب الهوام ، ألا يعتبرون بصدام ؟..
تأوهَ صاحبي و تأوهتُ ، و من الأسى مهمهَ و مهمهتُ ، انكسر الحلم و انشطر الظلم .
و انحصر الأمام ، و غاب الإمام ، فتلعثم الكلام و جفت الأقلام .
أحبتي ، و خلاني
سلامٌ يتنفس عنه الأقاحُ بإيراقه ، و يتبسّم به نور الصباح و إشراقه ...
إلى زينة المنتدى و النادي ، و أهل بشاشة النجد و الوادي ، الذين هم منارةٌ للمعرفة و هادي .
فإليكم هذه " المقامة " ... تحكي عما اصاب العرب ، من شر قد اقترب .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حدّثنا قسورة فقال:
بينما كنت اطرح عن نفسي الكسل ، و أنا غارقٌ في الأمل ، شعور بالملل لكثرة العلل ، بما قد لاح من تجاعيد الصباح ، و ما تعودنا من روتين و ابتعادنا عن الدين ..
بينما أنا على هذه الحال و المنوال ، إذ اقترب مني أستاذ ، بالنسبة لي ملاذ ، و عن عصرنا شاذ ، يحفظ القريض ، و ينهل من العريض . و لي معه صحبتي و قراري ، لأني لا أراه يداري ، و الحاذق في بحره لا يجاري ، يبعث دومًا إصراري ، و يقتفي آثاري ، فكأنما يسير في فلكي و مداري ، و أمامه لا أكتم أسراري ، و أحبذه في جواري.
و كالعادة بما يبعث على السعادة ، بادرني بمعسول النحو ، و رونق الشدو ، لا يعكره دلو و لا يضيق به بهو .
بالشعر حيّاني و نفض الغبار عن آذاني ، آهٍ ! فقد أيقض اشجاني ، وإلى المتنبي رماني ، و ألحقني بالحريري و الهمذاني ...
فاندفعت ألملـم أوراق زماني .. فكفكف مدامعي و التقط مجامعي حين ردّد على مسامعي :
حيتك عزة بعد الهجر وانصرفـت **** فحي ويحك من حياك يا جمــل
حدث هذا و نحن في موطن الفرنسيس بمدينة "باريس " التي قيل عنها ما قيل أنها " بلد الجن و الملائكة " .و كلها تخر صات و أقاويل . هذا ، و كنت قد علقت منذ أمد أوتاري .. و ألجمت أفكاري ، و غيبت جواري ، و كنت قد طويت مداري ، و اعتكفت ـ إلاّ عن العمل ـ بداري .
هذا ، بعد أن جفاني الزمان ، و تبدل الخلان ، و تداخلت الألوان و الغشاوة عمت المكان ، فلا أفق و لا أمان ، و الرداءة أصبحت العنوان ، و نكست الرؤوس عن الأبدان ، و استبيحت الأوزان ، و قول " الحق " من الشيطان ، و العبث طال الأرصفة و الجدران .
في هذا الزمن اختزلت الأشياء ، و في الوطن العربي تناطحت الأهواء ، و استفحل الداء و عظم البلاء ، و تحزبت الغوغاء ، و استرجلت حواء ، و الرجل قد غاب عن الأضواء . نعم حدث عند العرب الكثير ، و الأمر هامٌّ و خطير ، فلا كبير و لا صغير ، و كل من هب و دب له ما يدير ، و لو المتاجرة ببيع الخمر و لحوم الخنزير ، و رغم الأذى و النفير ، و ما بالعراق يصير . كأني بالرهط في تخدير ، و بلا ألباب تسير ، و منهم من لا يعتبر رغم الذي ننتظر من هذا المحيط القذر . و المصيبة أن الكل يعلم بأن لا أحد سيسلم ، و لو ارتقى بسلّم مصاف الأمم ، فلا محالة من نصيبه الألم ، و الموت القادم الذي لا يرحم ، فالطالع ندم، و الحاضر سقم ...
كأن الشاعر يعنينا، في قوله فينا :
أرى حمـرًا فوق الصواهل جمة **** فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل.
أعادني صاحبي إلى الوراء ، أجول بخاطري في تلك الأجواء ، حيث الحال غير الحال و الأمل يسعه المجال ، بل تمتد الآمال في أفق الخيال ، إن للخطاب فصله و للوزن نظمه ، و للجمهور نجمه ، لا يعتريه قصور و في تحديه جسور ، و عن ذوقه غيور . متجذر في أصوله ، مترفع في ميوله ، ينأى عمّا يضنيه إلى ما يغنيه ، الوفاء منتهاه و العتق هواه ...
و الأذن تحنّ للكريم ، و الذوق السليم ، و تطرب بعبد الحليم ، و تنفطر القلوب و تحوم ، مع قصيد أم كلثوم ، و لا نفيق من الألبوم و عبث الروم ، و الصدى المعدوم . ناهيك عن الصخب المبهم ، و اللحن الافرم ، و سفور عجرم و هي تداعب الزجاجة ، إشهار و حاجة ، لتسويق دجاجة ...
و رددت قول الشاعر :
جيفة أنتنت فطــار إليهــا **** من بني دهرها فراخ الذباب .
قلت لصاحبي : كان للتربية مهد ، و للعربي عهد ، و للبيد فهد ، و للجار حرمة ، لا تصادم و لا أزمة ، و لا يصنعها مال ، بل إخلاص الرجال ، فالعزم و التضحية نضال ..
فالكل يساير دهره و يدرك قدره ، و لا يكشف ظهره ...
قاطعني داحضًا ، و لامني معارضًا : صيرورة الزمان و شروط المكان ، فكلامك مدان. فعالمنا اليوم واحة كله فسحة و ساحة ، و الناس في راحة.. فضاء إليك، و أنس بين يديك ، فخذ مما يليك . و انشد قائلاً :
تحلو الحياة لكل ثغر باسـم **** و رشّ عطرها في الفؤاد الحالم.
فامرح وخذ مما يليك فكلها **** وردٌ تفتــح بالأريج الدائـــم .
شعرت بانقباض و قلت في امتعاض : ترتيبنا في الذيل ، و بنا طفح الكيل ، علوج في بلادنا تصول ، و يقعدنا الذهول ، و الأذى يلحق بالرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا أمل بادي، و لا حياة لمن تنادي ، و مناّ من يرى الأمر عادي ...
كل هذا المجون ، و الكفر المجنون و ما يهدد البطون . فالخلق في ارق و قد قتلها القلق ، و الصدر ضاق و فاض ، و تهددت الحياض ...
حاول صاحبي كي يجامل ، ثم عض الأنامل ، و ناء كالبعير في تحسر كبير.. صرخ و جال ، و استدار و قال : إلى متى السكوت و اليوم منا يفوت ?.. ثم انكمش في دثاره متسائلاً في قراره ، متحاملاً عن جواره . و القدم منه جف، و الوجه قد خسف ، و الفصل انكشف، و الوضع انتصف ، فالضر يحوم جراد محموم ، القصد معلوم ، و الدرس مفهوم .
و من وحي الفراسة ، قال ما بال الساسة ، و تجار السياسة . أحزاب و حكام الكل نيام ، يتيهون على الدوام ، كأسراب الهوام ، ألا يعتبرون بصدام ؟..
تأوهَ صاحبي و تأوهتُ ، و من الأسى مهمهَ و مهمهتُ ، انكسر الحلم و انشطر الظلم .
و انحصر الأمام ، و غاب الإمام ، فتلعثم الكلام و جفت الأقلام .
تعليق