من أجل مقاربة عملية للترجمة
حسن المودن
وهنا سيظهر للمترجم أن ليس هناك من "ترجمة واحدة"، وأن فعل الترجمة هو القيام باختيار بين عدة افتراضات. صحيح أن كل شيء قابل للترجمة والتفسير، لكن يحدث أحيانا ألا يكون مناسبا الحديث عن الترجمة، فعبارة التكييف ستكون المصطلح الأكثر ملائمة. إن الأهم خلال وضع الصورة النهائية للترجمة هو البحث عن أقل ما يمكن من التباعد عن النص الأصلي، ذلك لأن الترجمة هي دوما تقريبية، وتبقى على الدوام عنصر تقدير ذاتي: إن "الـ" ترجمة غير موجودة.
تهتم مؤلفات كثيرة بالمشاكل النظرية التي تثيرها الترجمة، وهذا جانب أساسي لا يخلو من أهمية، لكن ما صار يكتسي أهمية قصوى في السنوات الأخيرة هو المشاكل العملية للترجمة باعتبارها نشاطا ديناميا ومهارات عملية يمكن وصفها والتحكم فيها وتعليمها، ومن هنا الاهتمام بالأسس الديداكتيكية للترجمة في مؤلفات الديداكتيكيين(1) الذين يركزون على السيرورة التي من خلالها ينتقل نص من لغة إلى أخرى، مستحضرين العناصر الثلاثة المكونة لعملية الترجمية (المترجم، النص، المتلقي)، ومثيرين كل المعطيات والصعوبات التي يطرحها كل مكون في علاقته بالمكونات الأخرى، ومشددين على الكيفيات والطرائق الواجب اكتسابها لمواجهة هذه الصعوبات وإزالتها.
في هذا الإطار يندرج مؤلف الباحثين ج.هاردان وس.بيكو (1990)(2)، وهو يتكون من قسم منهجي يقدم النشاط الترجمي في شروطه ومراحله ومحطاته ووسائله ومشاكله، ومن قسم عملي يشتغل على نصوص إنجليزية وفرنسية.
ويسعى هذا المؤلف إلى أن يكون مدخلا إلى ممارسة الترجمة، مدخلا إلى منهج وطرائق المترجم. وهو يأخذ بالمقاربة التطبيقية في هذا المدخل لسببين أساسيين: أولا هناك مؤلفات تدرس المشاكل من زاوية نظرية بطريقة شاملة. ثانيا، لا يكفي الانطلاق من نظرية مهما كانت قوية وشاملة، ذلك لأن الترجمة تشبه أداء مقطع موسيقي، فهي تحتاج إلى الكثير من التقنية وتفرض في أشكالها الأكثر تعقيدا الكثير من الفن والإلهام. ولهذا ينبغي البحث عن تعلم الترجمة بتطبيق المنهجية وبمعاينة وملاحظة ممارسة الترجمة. وهذا ما يفرض القيام بمسح لهذا المجال وتعيين المشاكل التي تعترض المترجمين و"تركيب" ترجمة.
تعليق