شاعرٌ فاشل .... خير من عدمه !!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد زين العابدين
    أديب وكاتب
    • 12-05-2009
    • 313

    شاعرٌ فاشل .... خير من عدمه !!!

    في إحدى أمسيات الشتاء الباردة, كنت أستمع إلى إذاعة صوت العرب من القاهرة , وإذ ببرنامج لا أتذكر اسمه الآن , يبث محاولات شعرية لهواة من الوطن العربي , يتخلل المشاركات التي يتنناوب على قراءتها مذيع حالم ومذيعة شبه نائمة موسيقا هادئة . وكأن المخرج والمذيع والمذيعة يحرصون كل الحرص على أن ننام بكل هدوء , بل والدخول في طيات حلمنا كي ننعم بأحلام هانئة سعيدة. ذلك الجو من الدفء والسكينة ذكرني بوالدتي , عندما كانت تضعني بالمهد وتدندن لي بألحان ساحرة بصوت خافت يزداد خفوتاً إلى أن يختفي بكل رقة , وفوق ذلك كانت تختم المشهد الأمومي المقدس بطبع قبلة رقيقة أخف من النسيم على خدي. كل هذه الرقة كانت تدخلني عالم النوم من بوابته الوردية العابقة بالرياحين, فأنام قرير العين سعيد القلب والنفس . علمياً لا يمكن للإنسان أن يتذكر الأحداث التي مر بها في طفولته الباكرة , وخاصة مرحلة المهد . إلا أني أقسم بأنني قد تذكرت كل ثانية كنت أتمتع بها في مهدي , وفوق ذلك أتذكر كيف كنت أقاوم النوم وأحرص على إبقاء عيوني مفتوحة لأتمتع برؤية وجه والدتي الملائكي , تصوروا ! الذكريات تفجرت في روحي دفعة واحدة وأنا أستمع إلى صوت المذيعة الناعس وإلى الموسيقا الهادئة وكلمات المشاركين . متابعتي لهذا البرنامج شجعتني على الكتابة , رغم أني لا أمتلك الموهبة الشعرية, حتى ولو كانت لدي هذه الموهبة بالفطرة , فالساعات التي كنت أقضيها في الأزقة تحت شمس حارقة وأنا ألعب كرة القدم , كانت كافية لتدمير وطمس مثل هذه الموهبة . أطربتني الفكرة فتبنيتها بكل جوارحي . أنا الآن أتذكر ذلك القرار وأتعجب من نفسي كيف تجرأت وأمسكت القلم . كانت أول قصيدة كتبتها في ذلك الوقت وطنية , كيف لا ! وكانت الدنيا تشتعل من حولنا والشعارات تدوي في كل مكان , لا صوت يعلو فوق صوت المعركة . فيروز, عبد الحليم حافظ وآخرون . نزار قباني وأمل دنقل , حاوي , حجازي , نجم ...وأخرون. قصائدي بقيت حبيسة الورق , لم أكن أجرؤ على قراءتها لأحد خشية الاستهزاء والتنكيل الذي سوف ألاقيه في حال انتشر الخبر بين أولاد الجيران أو أصدقاء المدرسة. ولكن بعد ذلك وفي أول لحظة شعرت فيها بدخولي عالم الرجولة , أمسكت بالقلم والورقة وكتبت قصائد في مغازلة بنات الجيران في حينا والأحياء المجاورة ..... كتبت قصائد بالجملة وبالمفرق ... وكأن بركاناً قد تفجر داخلي ..... كانت الكلمات والأفكار تتوالد في ذهني بدون عناء ...... كنت أقلب العديد من الكلمات المترادفة لاختار منها ما يناسب القافية في ثواني .. لم أكن أبذل أي مجهود في ذلك ...... من أين أتى هذا المخزون اللغوي , لا أدري ! طلع الصباح وكانت عدة قصائد قد ولدت ..... عندها أدركت بأني شاعر و بأنه قد حان الوقت كي يعلن هذا الخبر على الملأ . والدتي رفضت أن أكمل لها قراءة أول قصيدة لي, وطالبتني بأن أهتم بدروسي , ووبختني لصغر عقلي لأن الشعر لا يطعم خبزاً , . هكذا انتهت أول صدمة شعرية تساقط لها شعري بسلام . ولكن خسارة معركة لا يعني خسارة الحرب . لذلك قررت أن أراسل كافة البرامج الإذاعية التي تعنى بالأدباء الشبان , وخاصة ذلك البرنامج الذي كان يبث من إذاعة صوت العرب . كانت ردود الأفعال مخيبة للآمال ومحبطة. البعض تجاهلني تماماً , القلة طالبوني بالإكثار من المطالعة . أحدهم نصحني بقراءة العقد الفريد وعدة كتب أخرى من أمهات كتب اللغة العربية ,كي أصقل موهبتي وأزداد معرفة بلغتي العربية . في المكتبة وعندما شاهدت الكتب التي نُصحت بها , شعرت بصدمة العمر , فأنا غير قادر على قراءة هذه الكتب أو حتى النظر إليها , وهذا يعني أني لن أكون شاعراً مشهوراً في يوم من الأيام . خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب , تتالت محاولاتي لاحقاً بين الشعر الحديث والقديم , دون أن أجد أذن صاغية .حفظت كل قصائد الشعر الموجودة في المنهاج التعليمي , حتى القصائد التي لم نكن مطالبين بحفظها كنت أحفظها . طالعت الكثير من المجلات والجرائد منها مجلة العربي والدوحة والكويت والمعرفة والثقافة العالمية. عبث ! كل ذلك لم يشفع لي بصقل موهبتي , لم أتقدم قيد أنملة . لم أجد مشجع واحد , نصف مستمع , شبه معجب , أبداً ! الآن وعندما أتذكر فشلي الشعري والأدبي الباهر رغم كل الجهود الحثيثة التي بذلتها , تقفز إلى ذهني عبقرية والدتي الشعرية, التي عرفت من أول بيت شعر قرأته لها منذ سنوات طويلة , وربما من عنوان تلك القصيدة , بأني لن أكون شاعراً البتة . لذلك نهرتني كي توفر علي الوقت والجهد والمال .رحمها الله وأسكنها فسيح جناته , لو أني استمعت إلى كلماتها ونصائحها في ذلك الوقت لكان وضعي الآن أفضل ألف مرة . لو أني لم أضيع ساعات الإلهام الطويلة في كتابة الشعر وقضيت تلك الساعات في الدراسة لكان وضعي الآن أفضل بمئة ألف مرة . ولكن هيهات .ودمتم
يعمل...
X