الذى كان معها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمدالحارون
    أديب وكاتب
    • 22-09-2009
    • 180

    الذى كان معها

    الذى كان معها
    ...........
    انتصفَ عمرالليل وانقضى شطره، مازالتْ عبيرٌفى سريرها بجوارطفلتها النائمة، ألقى الشتاءُفى نفسها أثقاله، وحلَّ نطاقه، وألبستها وحدتها ملاءةً من الثلج، تفكرُفى أمرالذى يسمونه زوجها، مازال قابعاً ممدداً فى أريكته، ملتحفاً بدثاره آناءَ الليل وأطرافَ النهار، تُخفى نظارته عينيه، يشاهد التلفاز حتى وهونائم، لقد حول تشرينَها تموزَ، كأن سماءه مأتمٌ، هجرُهُ لها يذيبُ قلبَ الصخر، صهرَبدنها من لامبالاته، كأن رجولته ولتْ مدبرة، حَرُّهُ لا يطيبُ معه عيشٌ، ظلُّهُ يحموم، وماؤه محموم، شاهدُ اليأس ِمنه ينطقُّ، وحبلُ الرجاءِ معه منقطعٌ.
    تسألُ نفسها: لماذا تزوجها وليس له فى النساء مأربٌ؟ العامُ السابعُ يوشكُّ أن ينقضى معه، لا تشعرُأنها تزوجتْ، ربما لحظات فى أيامها الأولى ذرّاً للرمادِ فى عيونها، عانقتها الهمومُ، عيناها كأنهما خُلقتا للسهروالحزن، ضربَ النومُ بينه وبين مآقيها ستاراً، أهٍ من لوعةِ الأنثى واحتياجها لرجلٍ بجانبها ولا يشعربها، يحعلها تكتحلُ الأرقَّ وتتوسدُ القتادَ، خوفها من لقبِ مطلقةٍ يجعلها سجينته، أو ربما هى إحدى سبايا ماله، فقد خرجتْ من غرفةِ أبيها المكتظة باللحم، لتوسعَ لإخوانها موضعها، تخشى العودةَ بطفلةٍ ولقبٍ جديدٍ، ولربما لا تجد لطفلتها موضعاً يأويها بين جدران متهدلةٍ.
    خلع عليها شتاءُ الرغبةِ فروته، وألبسها ظلام برده، واتخذ سواده من لباس الثكالى شعاراً، قامتْ متثاقلةَ الأعطافِ لتنالَ حماماً ساخناً علَّه يطفئ ما استعر بعروقها، رمتْ بجسدها تحتَ دافئ ماءٍ، نظرتْ لجسدها فى مرآة حمامها، كيف يُعرضُ هذا عنى؟ أنا بعضُ حبائل الشيطان فى عيون الغير، تأوهتْ، أغمضتْ العيونَ، قطراتُ الماء الدافقة على عودها تصيبُ فضية القوام، تختلطُ بمسكِ رضابٍ، شعرتْ كأن أيدى خفيةً تعبثُ بها برفق، انتبهتْ، مستوثقةٌ هى من إغلاق بابها، كتمتْ الأنفاسَ لبرهةٍ، لا شئ ، لكن، سمعتْ كأن صوتاً يهمس فى آذانها، تحت ثيابك يهتزغصنُ البان، وبدون ثيابك أنتِ حسناءُ فرتْ من الجنان، قد أنبت صدرك ثمراً ما أينعه، ويكاد الحسنُ فى محياكِ يتكلمُ، أنتِ جنةٌ سقطتْ فى بعض حللها فى أرض بور، راقها الهمسُ ودفء الماء، ثوب الليل ببعض كلماتٍ يرقُّ، انتقب ظلامُها بصبح الهمس، جففتْ جسدها كمن يداعب، ارتدتْ قميصها المفضل وعطرته كمن تنتظرُ فارسها، لكن ــ هيهات، مازال فى رقدته لايحركُ ساكناً، توشك ألسنةُ الكهولة واللارجولة أن تفنيه أمام تلفازه اللعين، يديرُ قنواته كمن يفتحُ على الناس نوافذ مساوئه.
    تمددت عبير بجوارطفلتها، تعيد صدى الهمسات الفائتة، وتميلُّ الجفونُ مع النعاس ميلاً هادئاً، مسَّ النومُ المقلَّ، وثقلت الأجفانُ، فجأة شعرت بدفء يلامسُ أرجاء ظهرها، هناك من يعبثُ بها ثانية، ظنتْ أنها صغيرتها، أرادتْ أن تزيحها قليلاً، انتبهتْ نصف انتباهةٍ، شخير ُذاك يأتيها من مرقدة هناك، وبنتها بعيدةٌ عنها، تعجبت! مدتْ يدها ببطء، ياإلهى، من هذا الذى يرقد ممدداً إلى جوارى، دفئه لا نظير له، أرادتْ أن تصرخَ فلم تقدررغبة فى المزيدِ، ورهبةً من هذا الذى يحتويها ولا تعرفه، ارتفع النومُ عن حاجبها، كأنها تحلق فى سحابة، وكأن غمامةَ الحبِّ لها غمامةٌ، تبوحُ للسماء بكلِّ آلامها وآمالها، ما هذا؟ من أين جاء؟ أجلتْ كل الاستفهامات لحين الانتهاء، غزلتْ من الحبِّ أعذبه، ومن النشوةِ فوق ما تحلم به، كأن الأيامَ تصالحها وتصافحها دفعة واحدة، لتعوضها مرارة الذى فات، انتقلتْ مع هذا المجهول من جنةٍ إلى جنة لا تنتهى، كأن البدريُخْفِّيها ويُخِيفُها، يا إلهى أبين ثراها وثرياها لحظة؟ عاشتْ ساعاتٍ من حسناتِ الدهر، ليلة هى لمعة العمر، ليلة رقدعنها الدهرُ طويلاً طويلاً، ليلة فوق ما يشاءُ المحبُّ ويرجو.
    وحين تسلل شعاع الضوءمن نافذتها ليفضَّ بكارة الليل، ويعلنَ ميلادَ صبح جديدٍ غادرها. وراحتْ تسألُ وتستفهمُ ويُحاروُ فكرها، أكانتْ فى حلمٍ جميلٍ اشتهته؟ أم كان هذا واقعاً؟ لكن السعادةَ التى تغمرها والراحة التى تعمُّ أوصالها تنبأُ أنه لم يكن حلماً، نظرتْ إلى قميصها غزته شقوق لم تكن به، تحسستْ مواطنَ عِفتها ناظرة، يا إلهى! إنَّ بها زُرْقَةً وحُمْرَةً غريبةً، أطبقتْ الجفونَ تتمنى عودة الذى مضى، وآمنتْ أن الذى تسمعُ شخيره الأن ربما قابع فى أحضان أُنثى .....؟
    .....................................
    أحمدالحارون
    المنصورة
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمدالحارون; الساعة 23-05-2012, 04:42.
    قد ينعم الله بالبلوى وإنْ عظمت
    ويبتلى الله بعضَ القوم بالنِّــــعمِ
  • مها راجح
    حرف عميق من فم الصمت
    • 22-10-2008
    • 10970

    #2
    رد: الذى كان معها

    اسلوب مبدع ولغة فائقة الجمال
    نص يؤكد على يراع مبدع بشؤون القص
    تحية ألق وتقدير استاذ أحمد
    رحمك الله يا أمي الغالية

    تعليق

    • أحمدالحارون
      أديب وكاتب
      • 22-09-2009
      • 180

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
      اسلوب مبدع ولغة فائقة الجمال
      نص يؤكد على يراع مبدع بشؤون القص
      تحية ألق وتقدير استاذ أحمد
      شكر الله لكم أختنا الكريمة مها
      مرور طيب وإطراء لا نستحقه
      لا هنتم وكونوا بخير
      قد ينعم الله بالبلوى وإنْ عظمت
      ويبتلى الله بعضَ القوم بالنِّــــعمِ

      تعليق

      • أحمدخيرى
        الكوستر
        • 24-05-2012
        • 794

        #4
        وياله من حلم أنثوى جميل " لمن تشتهى الرغبة وترضى بالحرمان "
        رائعة بكل المقاييس
        سرد مسترسل وجميل فى بساطته وتناوله
        كان لى ملاحظات على علامات الترقيم ، ولكن روعة القصة تلجمنى
        احمد الحارون :
        اشكرك على هذه الرائعة
        https://www.facebook.com/TheCoster

        تعليق

        • دينا نبيل
          أديبة وناقدة
          • 03-07-2011
          • 732

          #5
          أ / أحمد الحارون ..

          " الذي كان معها "

          ترى من هو ؟
          حقيقة انا أتساءل مثلها من هو ؟ .. من هذا " الذي كان " ؟

          إنه حلم ربما .. لكن أصعب شيء هو الحلم ذاته لأنه غير حقيقي .. لأن عمره قصير جدا بين بزوغ قمر وشروق شمس
          لكنه المهرب الوحيد لتلك " العبير " .. فهي حبيسة لقب " المطلقة " ومال الزوج

          الحلم هو مهرب المحرومين دوما .. ولكنه ألمهم أيضا حينما يستيقظون ، وكأنما كُتب عليهم ألا يعيشون السعادة سوى وهم غرقى في النوم تحت الأغطية خشية فرار ذلك الحلم منهم

          القصة رائعة أ / أحمد وسردك ماتع بحق ..
          طبعا اللغة راقية ومستواها عالٍ كنت أحبّذ لو تنزل به قليلا

          وربما تساءلت عن سبب تلوينك بعض الكلمات بعينها بالأحمر والأخضر .. حاولت أجد رابطا لكن لا أدري ربما كان أثناء المراجعة منك

          أتمنى لك كل توفيق .. وأكيد في انتظار جديدك ..

          لك تقديري

          تحياتي

          تعليق

          يعمل...
          X