رقصة الريشــة و القلـــم/ سعاد ميلي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعاد ميلي
    أديبة وشاعرة
    • 20-11-2008
    • 1391

    رقصة الريشــة و القلـــم/ سعاد ميلي

    سعاد ميلي

    رقصة الريشة والقلم




    بأصالته الإنسانية ورسالته الفنية النبيلة، انسجم مبدعنا الكاتب و الرسام وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين و مدير عام استديو علي سليم للفنون التصويرية... الأستاذ "حسين أحمد سليم" مع عالمه التصويري و التشكيلي من جهة، و الكتابة الشعرية من جهة أخرى، ليرسم لنا في نهاية هدا المخاض الروحاني صورا تعبيرية و ألوانا تعكس لنا البعد الجمالي الآخر، للوحة التشكيلية وكذا الوجه البقاعي الأصيل المميز به.
    عبر تجربته الإبداعية يهدينا أستاذنا المبدع المعرفة الحرفية بقلب عاشق للكلمات الشاعرية، وعقل ملم بالمتخبطات النثرية الهادفة، لينتقل إلى الكتابة بنفس معطاءة لا تبخل على القارئ بأي فكرة تجول في ذهنه أو علم تعلمه ضمّ ذكرياته المؤلمة والمفرحة طيلة مشواره الفني.
    رقصة الريشة والقلم، في عالم أمير النسور المحلقة" أستاذ حسين احمد سليم" لون تعبيري متيّم بالقماش و الورق الأبيض على التوالي، يجسدان شكلا إبداعيا مختلفا.
    علمه الفن أنه ملك لنفسه و للناس على حد سواء، ومن خلال لوحاته الشفافة، عبر عن نفسيته المعطاءة، وحدّد أسلوبه الفني من خلال مدرسة فطرية، تشبّع بها منذ ولادته، ( في بلدة النبي رشادي لبنان, بعلبك, مدينة الشمس
    و في مقامه بضاحية بيروت الجنوبية ) حيث كانت بداياته مع رحلته في مجال الفن التشكيلي فطرية وذاتية، لينتقل بعدها إلى طور التجريب من خلال مدارس لها أساليب فنية معروفة، ومتعددة، ممّا مكنته من صقل موهبته وإعطائه طريقا أقرب إلى الاحتراف منه إلى الهواية، فرضه بقوة داخل مجتمعه اللبناني، و أجلسته في الصفوف الأمامية وضمن كوكبة جميلة من الرسامين التشكيليين و الكتاب المبدعين.
    يمتلك من الثقة بالنفس، ما يجعله يدخل غمار المنافسة الشريفة في بحر الفن باختلاف ألوانه، ليخلق لنا الصورة الإبداعية سواء في لوحاته أو كتاباته و في غير ذلك..
    الفن عند أستاذنا المبدع يحرض أفكاره المشاغبة، و رؤاه الوجدانية، ليعزف لنا ألحانا خالدة، تعبّر بصراحة عن وجهة نضره و معتقداته الخاصة، كونه يجد الفلسفة الميتافيزيقية منسجمة و عقيدته الصوفية المحبة للجمال.
    الجمال هو نموذج مخلص لفنه، و النور بالنسبة له فن تشخص له الأبصار، أما المرآة فيعتبرها قاضي الغرام الفنان.
    تراه في غمار إلهامه الروحاني يرفع عينه الصغيرة عاليا إلى السماء الزرقاء، ليستمد الإلهام الرباني المتساقط على الأرض كقطرات المطر الرحيمة.. و المشهد الجمالي يتوحد بانسجام مع رؤى الخيال و البعد الأخر في داخله، ليتحسس معه الجمال ذبذبات الحب الناري في كل جوارحه ويتسرب بالتالي لمجرى الدم في عروقه الثورية.
    وهنا يرفع صوت عقله المتقد، صوب السماء فتتجلى أمام عينه رؤى فنية تنطلق من قلبه الصغير في اتجاه أنوار روحانية إلهية.
    يعرف نفسه بكونه مخلوق بسيط، معرض للخطأ، يسمع لنصائح الآخرين لكن في المقابل يتبع ما يفهمه وما يلتئم وشعوره الذاتي فقط، هو ثابت، وديع، حنون، كريم.. ومعتقداته الخاصة لها الأولوية قبل كل شيء، يفضل ألا يكون شيئا من أن يكون صدى للآخرين.
    انطباعاته النفسية، وصدق مشاعره الجياشة ينقلها للآخرين عبر الاختيار و النقل ثم التطوير وطرح كل ما غاب عن المملكة الجمالية، فيجسدها هو بذكاء بارع و أسلوب ممزوج بالأصالة التي تشمل كل انطباعاته الذاتية، ويعمل باتكاء شديد على نفسه قيما يخص معرفته التصويرية، التي يعتبرها فنا ذواقا وعملا عجيبا، أما اختياراته اللونية فإنها تتراقص على اللوحة التشكيلية بعذوبة شلال جامح، ورقة حرير مخملي رائع، لتذوب معها كتاباته الأدبية في بحر من الأرواح المحبة للجمال والسلام .
    كتابات أستاذنا المبدع حملت في طياتها الكثير من الأحاسيس الوجدانية و التعبير الإنساني مختلف المصدر ومنوع المضمون، يوحدها هدف واحد هو إبراز عقيدته الروحانية وتجسيدها على ارض الواقع.
    وعلى سبيل الذكر نقدم لكم أجمل ما خطه قلم أستاذنا في أوراقه البيضاء المعبرة وعناوينها على الشكل التالي:
    نفاق، انبطاح و انسطاح؟، رؤى الإلهام، سياسة الغدر، على حد السيف، تطلعات كاتب، كلمتي، أصداء حكمية من السيرة الذاتية، غربة، مختارات من المنشورات، اعترافات " حمرون"، الشاعرة سعاد أسد جمال، كلمات، مسارات الفنانة خلود أل سالم الفنية، تحية كبرى إلى سمر العلمي و جواد بطمة، النقطة محور الإشراقة، علامات استفهام واستهجان؟؟، التدوين، السيرة الذاتية، البيانات الوظيفية، المدونون..التدوينات..المدونات، المنقول، اتقوا الله في المدونات، الإمبراطورية العربية العظمى، ثورة المدونات، المنتديات ثورة العصر، المدونة، نجمة القرية القدرية..الفنانة الصاعدة.. والى غير ذلك من كتاباته التي لا يسعنا المجال لذكرها كاملة.
    وأخيرا وليس آخرا وبعد رحلتنا الاستكشافية داخل أعماق أستاذنا المبدع " حسين أحمد سليم" أقول أنني فوجئت بتنوعها الفني من تصوير حسي ورسم وتشكيل فطري وتجريدي وكذا بسلاسة كتاباته الشاعرية و الوجدانية و مقالات تعريفية بفنانين لهم باع في بحر الفن الساحر.
    وبكل تواضع أتمنى أن أكون قد قدمت ولو بإيجاز أهم النقط في حياة أستاذنا الفنية الجميلة.
    مدونة الريح ..
    أوكساليديا
  • محمد سلطان
    أديب وكاتب
    • 18-01-2009
    • 4442

    #2
    ذكرى

    بقلم: حسين أحمد سليم
    تحملني الذّكرى على صهوة خيالاتي الأثيريّة, ترود بي حقب الأمس الذي مضى وبقيت منه ذكريات الطّفولة, من أين شئت أسترجاع معالم الماضي ثمّة ذكرى, تثير الشّجون وتحرّض الجنان على حركة الوجد, كلّ الأمس ذكرى تتماهى على صفحة ناصعة البياض, تعكس مشهديات الحبّ الشّفيف في طفولة الأمس, نفسيّة شفيفة خام ما لوثّتها أدران الخبث, مارست اللعب الممتع مع الأقران بلا توجّس من ألاعيب الشّيطان, وزرعت في تربة قريتي الوادعة هناك, كلّ أغراس العشق التي تبرعمت وتفتّقت عن سيرة الأمل المرتجى, يراود الخيال في تخاطرات البعد الوامض, يرسم لوحات حانية العناصر في ألوان من خلاصة الطّيف, بقيت هناك على جدران الأزقّة تتماهى ممهورة بريشة الفنّان, تحكي قصص الطّفولة في طرقات ضيّقة تزدان بالورود والأزاهير, تتمايل عند مداخل البيوت ذات اليمين وذات اليسار, تتنشّقها صبايا القرية مع كلّ ومضة حبّ تتألّق في فضاءات الضّيعة, ومع كلّ بارقة أمل ينشدها الشّباب في محاكاة البعد, توقّع في نهايات الخواطر المتأجّجة فوق القرطاس, تتماسك العناصر فيما بينها تؤلّف مشهديات الرّحمة والمودّة...

    عنفوان النّفوس الأبيّة في رحاب قريتي, سمة النّساء قبل الرّجال في فناء الحياة, تعتمر جدّتي وأمّي وأختي وزوجتي شملة سوداء كأنها التّاج الهدهديّ فوق طرحة ناصعة البياض, وتتزنّرن بحزام عريض من الجلد يمسك خصورهنّ لقدودهنّ الأملودة, تنانير فضفاضة إلى أخمص الأقدام زرقاء وخضراء وصفراء وبنفسجيّة الألوان, تشكّل دوائر جميلة الزركشات عند الدّوران, وجدائل الشّعر مناصفة على الأكتاف, تتهادى خصائل مجدولة عند اليمين وعند اليسار, تمسك أحداهن باليد اليمنى تمسّدها, وأخرى تتمايل على الصّدر يمنة ويسرة, تتلاعب بها النّسيمات الحانية الأثير, وأقدام صغيرة حشرت في أحذية فلكلوريّة تحاكي أساطير ألف ليلة وليلة, وفوقها سراويل طويلة تلفّ السّيقان فضفاضة بألوانها الزّاهية المزركشة, تتماهى ألوانها وألوان الورود والأزهار في كروم قريتي, وجرار من الفخّار تتراقص فوق الرّؤوس, متمايلة بما تضمّ وتحتوي من ماء قراح, رفع من قاع البئر الوحيد عند بيادر القرية, وحملته نساء ممشوقات القدّ سمراوات عربيّات الأصل والنّسب...

    رجال قريتي أشدّاء على قهر الأيّام, يمارسون الفلاحة والزّراعة وحصد المواسم, ويقتاتون بما تجني أياديهم الغلاظ من حبوب وثمار ورجولة, يسابقون الفجر إلى حقولهم يحملون كلّ أمتعتهم وأدوات الفلاحة والزّراعة, وقنبرات الحقل تسابقهم في ألعابها البهلوانيّة, تحلّق صعدا في السّماء وتهبط كأنّها جلمودا من الصّخر, يمضون أياّمهم في كدّ وتعب, ويسامرون لياليهم في نشوة وشغف, يرتشفون القهوة العربيّة المعتّقة بخلاصات الهال, ينشدون آمالهم عزفا منفردا على العود أو الشّبّابة والرّباب, يحاكون تخاطرا نجوم الليالي وهم ساهرون فوق المصاطب الشّرقيّة من البيوت, التي تدير ظهورها لغوائل الرّياح وهوج العواصف...

    مدرستي الأولى التي وعيتها لأستاذي الأوّل, غدت ذكرى ماضية في النّسيان منذ أمد بعيد, أحاول التذّكّر علّني أعاود العيش في متعة الخيال, غرفة واسعة رحبة عالية السّقف واحدة لله نذر أصحابها لينالوا ثواب الأعمال, نافذتها خشبيّة عريضة مرتفعة صنعت من خشب السّنديان, مزجّجة بألواح ينفذ منها الضّوء كما تنفذ الرؤية إلى الخارج والدّاخل, وباب مدرستي الغرفة لا يقل عرضا وإرتفاعا عن النّافذة, مشرّع أمام أطفال القرية لينهلوا العلم ما شاؤوا من النّهل, وجدران ترابية ملساء مطليّة بحوّارة بيضاء من تربة قريتي, تتماس مع سقف مضرّج بألواح من الخشب المطليّ بالقطران, تعلوه أتربة سميكة تصنع سطح الغرفة المدرسة, ونحن بداخل فراغها نجلس الأرض على وسادات, نتّكيء عليها حينا وحينا نستلقي وحينا ننتصب جلوسا, لسماع الأستاذ يلقي علينا الدّرس في صحيح اللفظ, يبدأ بالألف والألف تدلّ على الأسد, ويأتي بالباء على التّوالي والباء تعني البقرة, والتّاء تين لذيذ الطّعم من أشجار قريتي, والثّاء يا للثّاء كم أفزعتني يستدلّ الأستاذ بها على الثّور, يستخدمه الفلاحون لحراثة الأرض في قريتي... ونحن أطفال مساكين لباسنا بسيط جدّا نأتي المدرسة بلا أحذية, نحمل في أكياس من الخام كراريسنا المهترئة, نتلاعب بها في الأزّقّة والزّواريب قبل الوصول الى غرفة الصفّ, لنتسمّر وقتا طويلا من الصّباح حتّى المساء قبالة لوح واسع مطليّا بالسّواد, يخربش الأستاذ عليه في حروف لم نك نعيها أو نفهم منها لا الشّكل ولا المعنى, فقط نحفظها ونردّدها كالببّغاوات عن ظهر القلب, رحم الله أستاذي قد مات منذ زمن لكنّه أيقظ في نفسي لذّة العلم والوعي والأدب, وتفرق شملنا في أنحاء القرية, وهاجر من هاجر وسافر من سافر وإنفرطت واسطة العقد, ونسنا بعضنا في متاهات الأيّام, وتركت قريتي باكيا وهي بكت لفراقي, ورحت أجوب القفار في بحث عن القوت والشّراب, لكنّني ما نسيت قريتي ومدرستها وأستاذي, وبقيت وفيّا مخلصا لأيّام خلت, أكتب للذّكرى كلّما عصفت بي الذّكرى, علّني أفي قريتي ومدرستي وأستاذي وجدّي وجدّتي وأبي وأمّي وأختي وزوجتي بعض ما عليّ من التكليف قربى لله تعالى في خضمّ العمر...
    صفحتي على فيس بوك
    https://www.facebook.com/profile.php?id=100080678197757

    تعليق

    • سعاد ميلي
      أديبة وشاعرة
      • 20-11-2008
      • 1391

      #3
      عن الفنان الشامل أحمد حسين سليم:







      مدونة الريح ..
      أوكساليديا

      تعليق

      • سعاد ميلي
        أديبة وشاعرة
        • 20-11-2008
        • 1391

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة محمد ابراهيم سلطان مشاهدة المشاركة
        ذكرى


        بقلم: حسين أحمد سليم
        تحملني الذّكرى على صهوة خيالاتي الأثيريّة, ترود بي حقب الأمس الذي مضى وبقيت منه ذكريات الطّفولة, من أين شئت أسترجاع معالم الماضي ثمّة ذكرى, تثير الشّجون وتحرّض الجنان على حركة الوجد, كلّ الأمس ذكرى تتماهى على صفحة ناصعة البياض, تعكس مشهديات الحبّ الشّفيف في طفولة الأمس, نفسيّة شفيفة خام ما لوثّتها أدران الخبث, مارست اللعب الممتع مع الأقران بلا توجّس من ألاعيب الشّيطان, وزرعت في تربة قريتي الوادعة هناك, كلّ أغراس العشق التي تبرعمت وتفتّقت عن سيرة الأمل المرتجى, يراود الخيال في تخاطرات البعد الوامض, يرسم لوحات حانية العناصر في ألوان من خلاصة الطّيف, بقيت هناك على جدران الأزقّة تتماهى ممهورة بريشة الفنّان, تحكي قصص الطّفولة في طرقات ضيّقة تزدان بالورود والأزاهير, تتمايل عند مداخل البيوت ذات اليمين وذات اليسار, تتنشّقها صبايا القرية مع كلّ ومضة حبّ تتألّق في فضاءات الضّيعة, ومع كلّ بارقة أمل ينشدها الشّباب في محاكاة البعد, توقّع في نهايات الخواطر المتأجّجة فوق القرطاس, تتماسك العناصر فيما بينها تؤلّف مشهديات الرّحمة والمودّة...

        عنفوان النّفوس الأبيّة في رحاب قريتي, سمة النّساء قبل الرّجال في فناء الحياة, تعتمر جدّتي وأمّي وأختي وزوجتي شملة سوداء كأنها التّاج الهدهديّ فوق طرحة ناصعة البياض, وتتزنّرن بحزام عريض من الجلد يمسك خصورهنّ لقدودهنّ الأملودة, تنانير فضفاضة إلى أخمص الأقدام زرقاء وخضراء وصفراء وبنفسجيّة الألوان, تشكّل دوائر جميلة الزركشات عند الدّوران, وجدائل الشّعر مناصفة على الأكتاف, تتهادى خصائل مجدولة عند اليمين وعند اليسار, تمسك أحداهن باليد اليمنى تمسّدها, وأخرى تتمايل على الصّدر يمنة ويسرة, تتلاعب بها النّسيمات الحانية الأثير, وأقدام صغيرة حشرت في أحذية فلكلوريّة تحاكي أساطير ألف ليلة وليلة, وفوقها سراويل طويلة تلفّ السّيقان فضفاضة بألوانها الزّاهية المزركشة, تتماهى ألوانها وألوان الورود والأزهار في كروم قريتي, وجرار من الفخّار تتراقص فوق الرّؤوس, متمايلة بما تضمّ وتحتوي من ماء قراح, رفع من قاع البئر الوحيد عند بيادر القرية, وحملته نساء ممشوقات القدّ سمراوات عربيّات الأصل والنّسب...

        رجال قريتي أشدّاء على قهر الأيّام, يمارسون الفلاحة والزّراعة وحصد المواسم, ويقتاتون بما تجني أياديهم الغلاظ من حبوب وثمار ورجولة, يسابقون الفجر إلى حقولهم يحملون كلّ أمتعتهم وأدوات الفلاحة والزّراعة, وقنبرات الحقل تسابقهم في ألعابها البهلوانيّة, تحلّق صعدا في السّماء وتهبط كأنّها جلمودا من الصّخر, يمضون أياّمهم في كدّ وتعب, ويسامرون لياليهم في نشوة وشغف, يرتشفون القهوة العربيّة المعتّقة بخلاصات الهال, ينشدون آمالهم عزفا منفردا على العود أو الشّبّابة والرّباب, يحاكون تخاطرا نجوم الليالي وهم ساهرون فوق المصاطب الشّرقيّة من البيوت, التي تدير ظهورها لغوائل الرّياح وهوج العواصف...


        مدرستي الأولى التي وعيتها لأستاذي الأوّل, غدت ذكرى ماضية في النّسيان منذ أمد بعيد, أحاول التذّكّر علّني أعاود العيش في متعة الخيال, غرفة واسعة رحبة عالية السّقف واحدة لله نذر أصحابها لينالوا ثواب الأعمال, نافذتها خشبيّة عريضة مرتفعة صنعت من خشب السّنديان, مزجّجة بألواح ينفذ منها الضّوء كما تنفذ الرؤية إلى الخارج والدّاخل, وباب مدرستي الغرفة لا يقل عرضا وإرتفاعا عن النّافذة, مشرّع أمام أطفال القرية لينهلوا العلم ما شاؤوا من النّهل, وجدران ترابية ملساء مطليّة بحوّارة بيضاء من تربة قريتي, تتماس مع سقف مضرّج بألواح من الخشب المطليّ بالقطران, تعلوه أتربة سميكة تصنع سطح الغرفة المدرسة, ونحن بداخل فراغها نجلس الأرض على وسادات, نتّكيء عليها حينا وحينا نستلقي وحينا ننتصب جلوسا, لسماع الأستاذ يلقي علينا الدّرس في صحيح اللفظ, يبدأ بالألف والألف تدلّ على الأسد, ويأتي بالباء على التّوالي والباء تعني البقرة, والتّاء تين لذيذ الطّعم من أشجار قريتي, والثّاء يا للثّاء كم أفزعتني يستدلّ الأستاذ بها على الثّور, يستخدمه الفلاحون لحراثة الأرض في قريتي... ونحن أطفال مساكين لباسنا بسيط جدّا نأتي المدرسة بلا أحذية, نحمل في أكياس من الخام كراريسنا المهترئة, نتلاعب بها في الأزّقّة والزّواريب قبل الوصول الى غرفة الصفّ, لنتسمّر وقتا طويلا من الصّباح حتّى المساء قبالة لوح واسع مطليّا بالسّواد, يخربش الأستاذ عليه في حروف لم نك نعيها أو نفهم منها لا الشّكل ولا المعنى, فقط نحفظها ونردّدها كالببّغاوات عن ظهر القلب, رحم الله أستاذي قد مات منذ زمن لكنّه أيقظ في نفسي لذّة العلم والوعي والأدب, وتفرق شملنا في أنحاء القرية, وهاجر من هاجر وسافر من سافر وإنفرطت واسطة العقد, ونسنا بعضنا في متاهات الأيّام, وتركت قريتي باكيا وهي بكت لفراقي, ورحت أجوب القفار في بحث عن القوت والشّراب, لكنّني ما نسيت قريتي ومدرستها وأستاذي, وبقيت وفيّا مخلصا لأيّام خلت, أكتب للذّكرى كلّما عصفت بي الذّكرى, علّني أفي قريتي ومدرستي وأستاذي وجدّي وجدّتي وأبي وأمّي وأختي وزوجتي بعض ما عليّ من التكليف قربى لله تعالى في خضمّ العمر...

        أحسنت أخي الغالي والقاص المبدع محمد سلطان.. بنقل ذكرى هنا..انها تتكلم بلسان فنان الوجدان وأستاذي المبدع حسين احمد سليم.. واشهد انه لفنان بحق امام الله والجميع.. وانه من وقف بجانبي في اولى خطواتي الابداعية.. بدون غرض الا وجه الله تعالى وتقديره لحرفي المتواضع.. ومازلت والحمد لله اكافح في طريق الإبداع.. لكي يفخر بي كل اساتذتي الكرام.. وفي الحقيقة لن أنسى كل من وقف معي .. وخاصة أساتذتي شكري بوترعة و حسين احمد سليم.. وهذا الاخير النبيل أقل ما أقدمه له بقلمي المتواضع هي رقصة الريشة والقلم..
        أتمنى أن تنال رضاه وقد نالته باذنه واحد احد في غير مكان..
        مدونة الريح ..
        أوكساليديا

        تعليق

        • سعاد ميلي
          أديبة وشاعرة
          • 20-11-2008
          • 1391

          #5
          [align=center]
          عزف على أوتار الشّعيرات


          مائيات لونيّة ( 50 سنتم / 70 سنتم )

          بريشة الفنّان حسين أحمد سليم

          1-


          2


          3


          4


          5

          __________________
          حسين أحمد سليم
          [/align]
          مدونة الريح ..
          أوكساليديا

          تعليق

          يعمل...
          X