مذكّرات الطائر زرزور
جلس زرزور، وهو طائر مرقط خفيف وجميل إلى صديقه حلزون تحت شجرة زيتون عظيمة في إحدى الغابات التونسية الشاسعة، وتبادلا تحية الصباح:
ـ صباحك سعيد أيها الحلزون العزيز
ـ صباحك أسعد أيها الزرزور الضاحك السعيد
عاد الزرزور إلى الحديث وهو يقفز برشاقة على قائمتيه الرقيقتين:
ـ لم أرك على هذا النشاط منذ مدّة فما خبرك؟
أجاب حلزون :
ـ كنت في بيتي تحت التراب انتظر عودة المطر، فنحن يا صديقي الطائر الجميل، لا نسعى في الأرض إلا إذا كانت الرطوبة كثيفة و العشب طريا.
ثم أضاف :
ـ نكره كثيرا الجفاف مثلما نكره البرد القاسي كالثلوج ولذلك نفضّل التواجد بين المنطقتين وفي الخضرة الطرية
عاد زرزور إلى الحديث :
ـ مثلنا تماما.. نحن أيضا نعيش بين مجالين، بين بلدان للتعشيش و التفقيس وبين بلدان أخرى دافئة نهاجر إليها.
أجاب حلزون :
ـ على ذلك ، فأنت قليل الاستقرار كثير التنقل، وافر الخبرة بالحياة . هل لكثرة زيارتك للآخرين علاقة باسمك "زرْـ زُور"؟
أجاب زرزور وهو يضحك :
ـ سامحك الله، لقبي زرزور ورثته عن جدّي الأول، زرزور الكبير. أما معرفتي بالبلدان فهي فعلا عظيمة
عاد حلزون إلى القول وهو متحمس لسماع زرزور:
ـ هيا..هيّا.. لا تكن خجولا.. اسمعنا بعضا من حكايتك الجميلة، لا بد أنها مسلّية، ثم لا تتعجل لأننا في أول الصباح والنهار طويل.
الذكرى الأولى
قال زرزور
ـ ولدت بين عائلة كثيرة العدد، فقد كنّا خمسة أشقاء في عش سرعان ما ذاق بنا. اجتهد والدانا حتى أرهقا نفسيهما في تغذيتنا.وبعد العش جاءت التربية على الحياة الحقيقية. كانت دروسا قاسية و لكنها ممتعة. ولعل أكثر الدروس طرافة و أنا في تلك السن لقائي الأول بالبقرة .جلس زرزور، وهو طائر مرقط خفيف وجميل إلى صديقه حلزون تحت شجرة زيتون عظيمة في إحدى الغابات التونسية الشاسعة، وتبادلا تحية الصباح:
ـ صباحك سعيد أيها الحلزون العزيز
ـ صباحك أسعد أيها الزرزور الضاحك السعيد
عاد الزرزور إلى الحديث وهو يقفز برشاقة على قائمتيه الرقيقتين:
ـ لم أرك على هذا النشاط منذ مدّة فما خبرك؟
أجاب حلزون :
ـ كنت في بيتي تحت التراب انتظر عودة المطر، فنحن يا صديقي الطائر الجميل، لا نسعى في الأرض إلا إذا كانت الرطوبة كثيفة و العشب طريا.
ثم أضاف :
ـ نكره كثيرا الجفاف مثلما نكره البرد القاسي كالثلوج ولذلك نفضّل التواجد بين المنطقتين وفي الخضرة الطرية
عاد زرزور إلى الحديث :
ـ مثلنا تماما.. نحن أيضا نعيش بين مجالين، بين بلدان للتعشيش و التفقيس وبين بلدان أخرى دافئة نهاجر إليها.
أجاب حلزون :
ـ على ذلك ، فأنت قليل الاستقرار كثير التنقل، وافر الخبرة بالحياة . هل لكثرة زيارتك للآخرين علاقة باسمك "زرْـ زُور"؟
أجاب زرزور وهو يضحك :
ـ سامحك الله، لقبي زرزور ورثته عن جدّي الأول، زرزور الكبير. أما معرفتي بالبلدان فهي فعلا عظيمة
عاد حلزون إلى القول وهو متحمس لسماع زرزور:
ـ هيا..هيّا.. لا تكن خجولا.. اسمعنا بعضا من حكايتك الجميلة، لا بد أنها مسلّية، ثم لا تتعجل لأننا في أول الصباح والنهار طويل.
الذكرى الأولى
قال زرزور
قاطعه حلزون:
ماذا قلت ، البقرة ... أنا لا أعرف حيوانا بهذا الإسم... تابع ، تابع أرجوك.
فواصل زرزور قوله:
كانت البقرة حيوانا عظيما في نظري مرتفع كارتفاع الجبل، صوته الخشن يدل على طبعه الغاضب العبوس. ركبتني الشجاعة ذات صباح فتوجهت إلى بقرة ترعي قريبا منّا وقلت:
ـ صباح الخير أيتها الجارة الضخمة
لكن البقرة لم تجبني فوقع ذلك في نفسي وخفت أن تكون قد غضبت منى. فحاولت أن أعود أدرجي إلى الخلف ببطء، غير أنى و أنا أنسحب إلى الوراء وقعت في حفرة قريبا من رأسها الضخم، فسكنتُ مكاني لا ادري ما افعل. وحانت من البقرة التفاتة وهي تطرد ذبابة عنيدة تضايقها، فوقع بصرها عليّ، وكانت عيناها سوداوين ضخمتين، فتوقفت قليلا تتفحصني بهما ، مما زاد من ارتباكي وخوفي، ثم ابتسمت وقالت في لطف شديدين :ـ صباح الخير أيتها الجارة الضخمة
ـ تعال وتقدّم وامسك الذبابة، لن أوذيك، ألا تحب التقاط الحشرات.
قفزت من مكاني سريعا ، و أنا أطير خلف الذبابة و أقول :
ـ بلى بلى....ثم قضيت على الحشرة في لمح البصر
عدت فوجدتها تنظر إلي في رضي و تقول:
ـ من الآن فصاعدا، نحن أصدقاء، سوف نتعاون، أنا اجمع لك الحشرات و أنت تمنعها عنّي ... ثم أضافت :
ـ هل جربت الصعود فوق ظهري انه ممتع اجلس إن شئت لن اوذيك.
أصابتني سعادة لا توصف وصرت حينها ارقص حولها و اقفز هنا وهناك والبقرة الضخمة تتابعني ببصرها و على محياها ابتسامة عريضة . وزال خوفي تماما وحل محله شعور بالثقة. عاد حلزون إلى الكلام ثانية:قفزت من مكاني سريعا ، و أنا أطير خلف الذبابة و أقول :
ـ بلى بلى....ثم قضيت على الحشرة في لمح البصر
عدت فوجدتها تنظر إلي في رضي و تقول:
ـ من الآن فصاعدا، نحن أصدقاء، سوف نتعاون، أنا اجمع لك الحشرات و أنت تمنعها عنّي ... ثم أضافت :
ـ هل جربت الصعود فوق ظهري انه ممتع اجلس إن شئت لن اوذيك.
ـ هكذا إذن، فالبقرة حيوان ضخم أليف، ويحب الطيور التي تخلصه من الذباب المزعج... لم أكن اعرف هذا الأمر.
تابع زرزور:
ـ صرت و البقرة أصدقاء و صرت التقيها كل يوم .وكنا نقضى الوقت الطويل في الحديث و الدعابات، حتى حانت ذات يوم هجرتنا.
لكنى فهمت أولى الدروس وهي انه لا ينبغي علي أن احكم على الآخرين بمجرد مظاهرهم فأضخمهم شكلا قد يكون أفضلهم طبعا...
فقال حلزون وهو يبتسم :
ـ تجربة غنيّة ... واصل ... أريد سماع المزيد من قصصك
الذكرى الثانية
قال زرزور:
ـ بدأت حركة هجرتنا ذات صباح حينما كانت مجموعات ضخمة من الطيور تمر فوق حقلنا، وكان بعضها يحط بجانبنا مثل عائلة عماتي وأعمامي وكثير من أقاربي، حتى كاد الحقل يصير اسود بلون الزرزور المتجمع على سطحه. ثم رأيت أبي و أمي مجتمعين بالضيوف الجدد. ثم سرعان ما صاح فينا والدنا وجمعنا وقال : استعدوا سوف نطير بعد قليل في الهجرة نحو الجنوب، مع كامل السرب، فلا تبتعدوا عنّى أبدا وظلوا قريبين من بعضكم البعض.فقال حلزون وهو يبتسم :
ـ تجربة غنيّة ... واصل ... أريد سماع المزيد من قصصك
الذكرى الثانية
قال زرزور:
لم أكن اعلم بعدُ معنى الهجرة ولكن إحساسي كان يقول لي أننا مقبلون على مغامرات عجيبة.
قاطعه حلزون :
ـ جميل ، جميل ...كم أحب السفر... تابع من فضلك.
واصل زرزور روايته قائلا:
ـ كنت أطير لأول مرّة و أغادر حدود حقلنا الشاسع، فكانت جميع المشاهد جديدة عليّ، ولم أمر بها من قبل. رأيت بداية طرقا طويلة بين الحقول وعلى الطرق سيارات ومركبات عجيبة تجيبها في سرعة، ثم رأيت في البراري قطارا طويلا من عدّة عربات، يسير على سكة حديدية ممتدة بعيدا، فأدهشني شكله الغريب الذي يشبه الثعبان الضخم. ثم رأيت، يا لهول ما رأيت ....قاطعه حلزون :
ـ جميل ، جميل ...كم أحب السفر... تابع من فضلك.
واصل زرزور روايته قائلا:
فقال حلزون :
ماذا شاهدت هيّا اخبرني؟
فأجابه زرزور وهو يغير من ملامح وجهه للتعجّب:
ـ رأيت مُدنا من البِنياتِ الضخمة والمتلاصقة والعمارات العظيمة الشاهقة و هي شديدة الاكتظاظ بالخلق العظيم الذي يتحرك داخلها... مررنا فوق سمائها فكدنا نختنق من فرط التلوث المنبعث منها..واصلنا طيراننا وكنا نتوقف للاستراحة من حين لآخر، حتى بلغنا البحر. وكانت مفاجأة عظيمة لي، لم تكن تخطر ببالي.
قال حلزون :
ـ البحر... البحر...آه تلك البركة من المياه الزرقاء.. كم أحب المياه
ضحك زرزور حتى استلقى على ظهره وقائمتيه إلى الأعلى، ثم انتفض وعاد إلى هدوءه وواصل روايته قائلا:
لا يا صديقي ، لا وجود لمياه زرقاء ، الماء لا لون له في كل مكان ، و لكن زرقة السماء تنعكس عليه ، مثلما تنعكس على سطحه ظلال جميع الأجسام التي تمر فوقه .. البحر هو تجمع هائل جدا للمياه، تزيد مساحته على كل البحيرات و السدود التي مررنا بها، فأخذت أتأمل هذه المعجزة العظيمة و أنا أسبّح الله.
فقال حلزون :
ـ سبحان الله، هذه إحدى معجزات خلقه،
فأجاب زرزور قائلا :
نعم البحر معجزة عظيمة، تدركها حينما تتأمل في امتداده العظيم. و حينما كنا نحلّق فوق فضاءه كنا نراه صفحة ثابتة من المياه الزرقاء لا حدود لها. فزاد ذلك من خوفنا، فاقترب أفراد السرب العظيم من بعضهم البعض حتى أصبحنا نغطي السحاب، بدأت المسافة تطول و الوقت يمر و الأرض لم تظهر بعد. عظم خوفي من أن تُنهك قوانا قبل ظهور اليابسة. اقتربت من والدي كثيرا فوجدته يشد على أشقائي بالطيران ويدفعهم إلى مزيد التقدّم، حتى ظهرت جزيرة صغيرة فقصدناها. وكانت نعمة عظيمة من الخالق لولاها لكنّا هلكنا. استرحنا على صخورها ثم تابعنا، فما هي إلا لحظات حتى بانت السواحل العريضة لتونس الجميلة فتقدمنا نحوها، حتى صرنا قريبا جدا منها ، فبانت حقول الزيتون العظيمة، فتفرق السرب العظيم أسرابا وأخذت كل مجموعة تحط في جزء من الغابة.
كانت تجربة جميلة ومغامرة رائعة شاهت فيها كثيرا من الأشياء لم أكن اعرفها لكني فهمت أمرا هاما وهو أن التعاون ضرورة ملحّة، مكننا من اجتياز أطول و أصعب اللّحظات.
قال حلزون :
ـ ما أمتع حكايتك أيها الزرزور،جميعها تنتهي بحكمة بليغة و فائدة و متعة، وماذا بعد ذلك؟
فأجابه الزرزور.......................... (يتبع)
تعليق