القصيدة :
رسالة موت .. إلى أبي د. محمد حسن السمان
شعر : أحمد حسن محمد
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
شوق المريض إلى الدنيا يؤمِّلها=شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُها
أعيش أحيان خوفي وَهْمَ ذاكرتي= في "صلبه1" مطمئنّ البال أجهلها
أبي.. تعبت من الدنيا وزينتها=لا الكف طالت، ولا الأيام تكملها
أزور كفَّك طول الوقت في خلدي=برغبة الخوف في رجْوٍ أقبِّلها
وتوقظ العينُ ما حولي وتسألهُ=:- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..
ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى=وها.. صلاة قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
لا أعرف الصبر مهما رحت أطلبه=والروح حرّان أفناها تجمُّلها
الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي=يسودّ، والنفس لا يُغني تعلُّلُها
فما أراني سوى كهْلٍ تؤجِّلهُ=يد القضاء، ولا شيءٌ يؤجِّلها[/poem]
الهاء عائدة إلى (أبي...)
قراءة توحد في "رسالة موت.. إلى أبي الدكتور محمد حسن السمان "
للشاعر الكبير أحمد حسن محمد
بقلم : د. عبد الله كراز
كنت قد قرأت لأخي أحمد تحليلاً إبداعياً لقصيدة رائدة وغزيرة للدكتور محمد حسن السمان، وحيث أن التجربة الذاتية لدى الناقد المبدع أحمد تكاد تسقط كل تفاصيلها على التجربة النصية والشعورية عند الشاعر السمان نرى أن أحمد أخذ على عاتقه نظم قصيدة توازي في بعض تفاصيلها نص السمان الشعري فكرةً ولغةً وتعبيراً وحركيةً شعريةً وشعورية لا تقل تأثيراً وأثراً عن النص الذي أخذه أحمد موضوعاً لكتاب أوفى ومنسق بشكل جيد ومرتب حسب حركية ذات القصيدة تحت المجهر "سرادق الموت."
ومن هنا نستطيع أن نقول أن القصيدة بين يدينا للشاعر المقتدر فناً وبراعةً والمتمكن لغةً بيانيةً وفصيحةً تتماهى وتتناص مع النص "السماني" على ما فيه من أفكار متناظرة ومتداخلة وإنسانية من حيث إطارها الشكلي والمعنوي العام، وللتسهيل أجلب أحد أهم أبيات القصيدة السمانية ليتمكن القارئ من الإطلاع على بؤر التناص والتوحد والتلاقي بين تجربتي الشاعرين، ولنقر فيما بعد بوجود حالة من المراسلات الشعرية بين الشاعر احمد حسن محمد والشاعر د. السمان بما تحمله هذه الحوارية المهارية من معنى وقيمة وأداء وحكمة على عاتق الشارعين العملاقين. يقول البيت محط أنظارنا وذائقتنا الأدبية:
مازال وجهـك يا بغـداد يحزننـي ... والعمر يمضي وقلبي دائم الحـزن
ألا يلخص هذا البيت التجربة ذاتها التي يكتبها احمد حسن محمد في "رسالة موت إلى أبي" بكل ما يحمل العنوان من قسوة في التعبير تصل حد العنف اللفظي، وعلى غموض يسكن التعبير في "رسالة موت"، أتكون الرسالة هي أداة قتل وموت وجريمة أم رسالة خبرية توصل المضمون على محمل الرمز والاستعارة - وربما نفهم لغة مداعبة في التعبير عند فهمنا لطقوس الكتابة من ولد إلى أب!
ورغم كل ما سبق يبقى أحمد شاعراً متفرداً بقيمه وثيماته وصوره الفنية والتعبيرية والجمالية في بديع وفصيح يجمل القصيدة ذاتها على ما فيها من نبرات حزينة وسوداوية طاغية ومتسيدة في فضاء القول الشعري المتولد من رحم تجربة تغص بالمعاناة والألم والوجع والتأسي والتشاؤم الذي حل محل التفاؤل الذي تعودنا عليه في نصوص سابقة لأحمد حسن محمد.
يبدأ الشاعر المتأسي قصيدته بمطلع رزين وحيكم وينطوي على توقعات إيجابية حيث شوق المريض – رغم المرض – إلى الدنيا وما فيها من تفاصيل حياتية ويومية من مرة وحلوة يتأتى من خلال دفء الحضن الأبوي الذي تحول لعرش يستمد منه الشاعر شحنات قدرته على مواجهة الحياة وواقعها، مجسّداً العلاقة الإنسانية والكونية السامقة بين الابن والأب، وهي هنا علاقة يعتريها حذر شديد وخوف مدقع من مجاهيل البعد عن العرش الأبوي ومفارقته وجفاه. وهنا يأتي التكرار محملاً بتأكيد مستدام على حميمية العلاقة بين شوق المريض المرسوم بريشة الشاعر وشوقه هو كإنسان يتوق لحضن أبيه مصدر كل إلهامه ودفء حياته. كما تتصعد من لهجة القصيدة ونبضها الحيران قيمة مغايرة تتمثل في حب التملك والخصوصية الشديدة لدى الشاعر الذي يتمتع بأنفة وكرامة وحب النفس المتواضعة والحنونة.
شوق المريض إلى الدنيـا يؤمِّلهـا شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُهـا
وبخطاب مباشر وسردي بياني يقحم الشاعر نصه في تفاصيل جديدة لمعاناته في الدنيا ومنها وزينتها، حيث لم يفلح الشاعر أن يكوّن مملكته الخاصة به ولا يبني عزاً يتمناه في الدار الدنيا، لنراه أكثر حرصاً هنا على تحويل النص لخطاب متصوف يعرف كيف يدير تراكيب مفرداته وبناء معرفته التجريبية فيه، لكي يقول ما يشاء من الكلام المباح، مع تشابك اللغة ذاتها مع المجاز من التعبير والتصوير وتوظيف تقنية التجاور والانزياح خدمةً لمبتغاه ووصولاً لحكمة يود أن يوصلها للمخاطب والمتلقي على حدٍ سواء، ومحاكاة الواقع كما هو وحسب الموروث الشعبي المستمد من تجربة الشاعر على صغر سنه وحداثة عراقته.
أبي.. تعبت مـن الدنيـا وزينتهـا لا الكف طالت، ولا الأيام تكملهـا
ثم يلجأ الشاعر لتفعيل دور المفردات التي يستخدمها ويحركها بشكل نشط وفاعل وخاصة استخدام الفعل المضارع في وصف حالته وحركية النص وإرهاصات التجربة ذاتها بما يؤكد ديمومة الحالة التي تغمر الشاعر وطقوس حياته اليومية، حيث،
أزور كفَّك طول الوقت في خلـدي برغبة الخوف فـي رجّـوٍ أقبِّلهـا
هنا نلمس استعادات من رحم الماضي الذي يعني للشاعر الكثير وبطريقة رمزية دلالية وتحمل شآبيب من تفاصيل ما يخبئه الشاعر – وهو لا يريد أن يفعل ذلك كلعبة في درب الكتابة أو كلغز لا تفك رموزه أوشيفراته، بل كل شئ لدى الشاعر طبيعي وطبعي:
وتوقظ العينُ مـا حولـي وتسألـهُ :- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..
بعد تلك الحركية الشعورية في تصوير ما يعتمل في ذاكرته وواقعه، يلجأ الشاعر مرةً أخرى في توظيف مفردات تخدم حالة الحزن والكآبة وخيبة الأمل لدرجة استحضاره صور الذبح وحد السيف بشكل ينم عن حالات عنف ولا استقرار في الذات الشاعر، لحد التعبير عن شكه في قبول صلاته من عدمه:
ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى
وها.. صلاتي قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
وبعيداً عن الروتين التعبيري، ورغماً عن قناعة الصبر التي يتوسل إليها الشاعر وبها، نراه يزداد سوءاً في اجترار دلالات لفظية قاسية وتدل على ما آلت إليه الأمور عند الشاعر وذاته المتشظية والمشتتة، لنرى الوقت لاعباً مهماً ومؤثراً وقاسياً وهو للشاعر أصعب من الموت، نظراً لأن الموت يضع نهاية لتجربة ما في حياة الإنسان، على عكس الوقت الذي يميت الإنسان ببطء في حال تعرض لابتلاءات أو هفوات أو انتكاسات وما يضير الذات الإنسانية:
الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي يسودّ، والنفـس لا يُغنـي تعلُّلُهـا
وعند قمة تعبيرية تلخص ما يخبئ قلم الشاعر وريشته ونفسه وألوانه على بديعها، نرى الشاعر يحدد معالمه الذاتية واصفاً نفسه جسدياً مثل كهل لا يقوى على التحمل ولا الاشتباك مع الحياة على قسوتها وغدر الزمان فيها وتلاعب القضاء بمصيره وقتما تشاء الإرادة الإلهية بقرار سماوي، ولا تأجيل أو تسويف في ذلك، وهذا ما يؤكد قدرة الشاعر على نسج خطاب تصوفي هادف ويحمل الكثير من جماليات النصوص المتصوفة والروحية والدينية:
فما أرانـي سـوى كهْـلٍ تؤجِّلـهُ يد القضـاء، ولا شـيءٌ يؤجِّلهـا
وهكذا يشتغل النص لدى الشاعر أحمد حسن محمد على بؤر تناصية مع نصٍ للشاعر والناقد الدكتور محمد السمان حاملاً الأفكار ذاتها والسمات النصية والسياقية والأسلوبية ذاتها كذلك تعبيراً عن حالة إنسانية قد تكون فردانية/ذاتية/شخصانية التجربة ولكنها تحمل نبضاً جمعياً ومتماهياً مع الكل الإنساني.
قصيدة سريعة الخطو والنبضات والمضمون وجماليتها واضحة ولكن ليس بكثافة أو غزارة حيث لا يستحمل الموقف مثل هذا البذخ الجمالي في مثل هذه النصوص المتأسية والحزينة والتي تستلزم التماهي والتوحد من المتلقين والقراء والمهتمين على حدٍ سواء.
وفقك الله أخي الحبيب احمد وبدد الله حزنك سعادة وبهاءً وجعل لك في نعيم الحياة الدنيا نصيب تستحقه حلالاً طيباً مباركاً فيه.
دمت بألف خير في طهر شهر الخير رمضان.
د. عبدالله حسين كراز
رسالة موت .. إلى أبي د. محمد حسن السمان
شعر : أحمد حسن محمد
[poem=font="Simplified Arabic,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
شوق المريض إلى الدنيا يؤمِّلها=شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُها
أعيش أحيان خوفي وَهْمَ ذاكرتي= في "صلبه1" مطمئنّ البال أجهلها
أبي.. تعبت من الدنيا وزينتها=لا الكف طالت، ولا الأيام تكملها
أزور كفَّك طول الوقت في خلدي=برغبة الخوف في رجْوٍ أقبِّلها
وتوقظ العينُ ما حولي وتسألهُ=:- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..
ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى=وها.. صلاة قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
لا أعرف الصبر مهما رحت أطلبه=والروح حرّان أفناها تجمُّلها
الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي=يسودّ، والنفس لا يُغني تعلُّلُها
فما أراني سوى كهْلٍ تؤجِّلهُ=يد القضاء، ولا شيءٌ يؤجِّلها[/poem]
الهاء عائدة إلى (أبي...)
قراءة توحد في "رسالة موت.. إلى أبي الدكتور محمد حسن السمان "
للشاعر الكبير أحمد حسن محمد
بقلم : د. عبد الله كراز
كنت قد قرأت لأخي أحمد تحليلاً إبداعياً لقصيدة رائدة وغزيرة للدكتور محمد حسن السمان، وحيث أن التجربة الذاتية لدى الناقد المبدع أحمد تكاد تسقط كل تفاصيلها على التجربة النصية والشعورية عند الشاعر السمان نرى أن أحمد أخذ على عاتقه نظم قصيدة توازي في بعض تفاصيلها نص السمان الشعري فكرةً ولغةً وتعبيراً وحركيةً شعريةً وشعورية لا تقل تأثيراً وأثراً عن النص الذي أخذه أحمد موضوعاً لكتاب أوفى ومنسق بشكل جيد ومرتب حسب حركية ذات القصيدة تحت المجهر "سرادق الموت."
ومن هنا نستطيع أن نقول أن القصيدة بين يدينا للشاعر المقتدر فناً وبراعةً والمتمكن لغةً بيانيةً وفصيحةً تتماهى وتتناص مع النص "السماني" على ما فيه من أفكار متناظرة ومتداخلة وإنسانية من حيث إطارها الشكلي والمعنوي العام، وللتسهيل أجلب أحد أهم أبيات القصيدة السمانية ليتمكن القارئ من الإطلاع على بؤر التناص والتوحد والتلاقي بين تجربتي الشاعرين، ولنقر فيما بعد بوجود حالة من المراسلات الشعرية بين الشاعر احمد حسن محمد والشاعر د. السمان بما تحمله هذه الحوارية المهارية من معنى وقيمة وأداء وحكمة على عاتق الشارعين العملاقين. يقول البيت محط أنظارنا وذائقتنا الأدبية:
مازال وجهـك يا بغـداد يحزننـي ... والعمر يمضي وقلبي دائم الحـزن
ألا يلخص هذا البيت التجربة ذاتها التي يكتبها احمد حسن محمد في "رسالة موت إلى أبي" بكل ما يحمل العنوان من قسوة في التعبير تصل حد العنف اللفظي، وعلى غموض يسكن التعبير في "رسالة موت"، أتكون الرسالة هي أداة قتل وموت وجريمة أم رسالة خبرية توصل المضمون على محمل الرمز والاستعارة - وربما نفهم لغة مداعبة في التعبير عند فهمنا لطقوس الكتابة من ولد إلى أب!
ورغم كل ما سبق يبقى أحمد شاعراً متفرداً بقيمه وثيماته وصوره الفنية والتعبيرية والجمالية في بديع وفصيح يجمل القصيدة ذاتها على ما فيها من نبرات حزينة وسوداوية طاغية ومتسيدة في فضاء القول الشعري المتولد من رحم تجربة تغص بالمعاناة والألم والوجع والتأسي والتشاؤم الذي حل محل التفاؤل الذي تعودنا عليه في نصوص سابقة لأحمد حسن محمد.
يبدأ الشاعر المتأسي قصيدته بمطلع رزين وحيكم وينطوي على توقعات إيجابية حيث شوق المريض – رغم المرض – إلى الدنيا وما فيها من تفاصيل حياتية ويومية من مرة وحلوة يتأتى من خلال دفء الحضن الأبوي الذي تحول لعرش يستمد منه الشاعر شحنات قدرته على مواجهة الحياة وواقعها، مجسّداً العلاقة الإنسانية والكونية السامقة بين الابن والأب، وهي هنا علاقة يعتريها حذر شديد وخوف مدقع من مجاهيل البعد عن العرش الأبوي ومفارقته وجفاه. وهنا يأتي التكرار محملاً بتأكيد مستدام على حميمية العلاقة بين شوق المريض المرسوم بريشة الشاعر وشوقه هو كإنسان يتوق لحضن أبيه مصدر كل إلهامه ودفء حياته. كما تتصعد من لهجة القصيدة ونبضها الحيران قيمة مغايرة تتمثل في حب التملك والخصوصية الشديدة لدى الشاعر الذي يتمتع بأنفة وكرامة وحب النفس المتواضعة والحنونة.
شوق المريض إلى الدنيـا يؤمِّلهـا شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُهـا
وبخطاب مباشر وسردي بياني يقحم الشاعر نصه في تفاصيل جديدة لمعاناته في الدنيا ومنها وزينتها، حيث لم يفلح الشاعر أن يكوّن مملكته الخاصة به ولا يبني عزاً يتمناه في الدار الدنيا، لنراه أكثر حرصاً هنا على تحويل النص لخطاب متصوف يعرف كيف يدير تراكيب مفرداته وبناء معرفته التجريبية فيه، لكي يقول ما يشاء من الكلام المباح، مع تشابك اللغة ذاتها مع المجاز من التعبير والتصوير وتوظيف تقنية التجاور والانزياح خدمةً لمبتغاه ووصولاً لحكمة يود أن يوصلها للمخاطب والمتلقي على حدٍ سواء، ومحاكاة الواقع كما هو وحسب الموروث الشعبي المستمد من تجربة الشاعر على صغر سنه وحداثة عراقته.
أبي.. تعبت مـن الدنيـا وزينتهـا لا الكف طالت، ولا الأيام تكملهـا
ثم يلجأ الشاعر لتفعيل دور المفردات التي يستخدمها ويحركها بشكل نشط وفاعل وخاصة استخدام الفعل المضارع في وصف حالته وحركية النص وإرهاصات التجربة ذاتها بما يؤكد ديمومة الحالة التي تغمر الشاعر وطقوس حياته اليومية، حيث،
أزور كفَّك طول الوقت في خلـدي برغبة الخوف فـي رجّـوٍ أقبِّلهـا
هنا نلمس استعادات من رحم الماضي الذي يعني للشاعر الكثير وبطريقة رمزية دلالية وتحمل شآبيب من تفاصيل ما يخبئه الشاعر – وهو لا يريد أن يفعل ذلك كلعبة في درب الكتابة أو كلغز لا تفك رموزه أوشيفراته، بل كل شئ لدى الشاعر طبيعي وطبعي:
وتوقظ العينُ مـا حولـي وتسألـهُ :- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..
بعد تلك الحركية الشعورية في تصوير ما يعتمل في ذاكرته وواقعه، يلجأ الشاعر مرةً أخرى في توظيف مفردات تخدم حالة الحزن والكآبة وخيبة الأمل لدرجة استحضاره صور الذبح وحد السيف بشكل ينم عن حالات عنف ولا استقرار في الذات الشاعر، لحد التعبير عن شكه في قبول صلاته من عدمه:
ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى
وها.. صلاتي قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
وبعيداً عن الروتين التعبيري، ورغماً عن قناعة الصبر التي يتوسل إليها الشاعر وبها، نراه يزداد سوءاً في اجترار دلالات لفظية قاسية وتدل على ما آلت إليه الأمور عند الشاعر وذاته المتشظية والمشتتة، لنرى الوقت لاعباً مهماً ومؤثراً وقاسياً وهو للشاعر أصعب من الموت، نظراً لأن الموت يضع نهاية لتجربة ما في حياة الإنسان، على عكس الوقت الذي يميت الإنسان ببطء في حال تعرض لابتلاءات أو هفوات أو انتكاسات وما يضير الذات الإنسانية:
الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي يسودّ، والنفـس لا يُغنـي تعلُّلُهـا
وعند قمة تعبيرية تلخص ما يخبئ قلم الشاعر وريشته ونفسه وألوانه على بديعها، نرى الشاعر يحدد معالمه الذاتية واصفاً نفسه جسدياً مثل كهل لا يقوى على التحمل ولا الاشتباك مع الحياة على قسوتها وغدر الزمان فيها وتلاعب القضاء بمصيره وقتما تشاء الإرادة الإلهية بقرار سماوي، ولا تأجيل أو تسويف في ذلك، وهذا ما يؤكد قدرة الشاعر على نسج خطاب تصوفي هادف ويحمل الكثير من جماليات النصوص المتصوفة والروحية والدينية:
فما أرانـي سـوى كهْـلٍ تؤجِّلـهُ يد القضـاء، ولا شـيءٌ يؤجِّلهـا
وهكذا يشتغل النص لدى الشاعر أحمد حسن محمد على بؤر تناصية مع نصٍ للشاعر والناقد الدكتور محمد السمان حاملاً الأفكار ذاتها والسمات النصية والسياقية والأسلوبية ذاتها كذلك تعبيراً عن حالة إنسانية قد تكون فردانية/ذاتية/شخصانية التجربة ولكنها تحمل نبضاً جمعياً ومتماهياً مع الكل الإنساني.
قصيدة سريعة الخطو والنبضات والمضمون وجماليتها واضحة ولكن ليس بكثافة أو غزارة حيث لا يستحمل الموقف مثل هذا البذخ الجمالي في مثل هذه النصوص المتأسية والحزينة والتي تستلزم التماهي والتوحد من المتلقين والقراء والمهتمين على حدٍ سواء.
وفقك الله أخي الحبيب احمد وبدد الله حزنك سعادة وبهاءً وجعل لك في نعيم الحياة الدنيا نصيب تستحقه حلالاً طيباً مباركاً فيه.
دمت بألف خير في طهر شهر الخير رمضان.
د. عبدالله حسين كراز
تعليق