قراءة في رسالة موت.. إلى أبي د. السمان للشاعر أحمد حسن محمد.. بقلم : د. عبد الله كراز

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    قراءة في رسالة موت.. إلى أبي د. السمان للشاعر أحمد حسن محمد.. بقلم : د. عبد الله كراز

    القصيدة :

    رسالة موت .. إلى أبي د. محمد حسن السمان

    شعر : أحمد حسن محمد

    [poem=font="Simplified Arabic,6,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    شوق المريض إلى الدنيا يؤمِّلها=شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُها
    أعيش أحيان خوفي وَهْمَ ذاكرتي= في "صلبه1" مطمئنّ البال أجهلها
    أبي.. تعبت من الدنيا وزينتها=لا الكف طالت، ولا الأيام تكملها
    أزور كفَّك طول الوقت في خلدي=برغبة الخوف في رجْوٍ أقبِّلها
    وتوقظ العينُ ما حولي وتسألهُ=:- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..
    ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى=وها.. صلاة قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
    لا أعرف الصبر مهما رحت أطلبه=والروح حرّان أفناها تجمُّلها
    الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي=يسودّ، والنفس لا يُغني تعلُّلُها
    فما أراني سوى كهْلٍ تؤجِّلهُ=يد القضاء، ولا شيءٌ يؤجِّلها[/poem]


    الهاء عائدة إلى (أبي...)





    قراءة توحد في "رسالة موت.. إلى أبي الدكتور محمد حسن السمان "
    للشاعر الكبير أحمد حسن محمد


    بقلم : د. عبد الله كراز


    كنت قد قرأت لأخي أحمد تحليلاً إبداعياً لقصيدة رائدة وغزيرة للدكتور محمد حسن السمان، وحيث أن التجربة الذاتية لدى الناقد المبدع أحمد تكاد تسقط كل تفاصيلها على التجربة النصية والشعورية عند الشاعر السمان نرى أن أحمد أخذ على عاتقه نظم قصيدة توازي في بعض تفاصيلها نص السمان الشعري فكرةً ولغةً وتعبيراً وحركيةً شعريةً وشعورية لا تقل تأثيراً وأثراً عن النص الذي أخذه أحمد موضوعاً لكتاب أوفى ومنسق بشكل جيد ومرتب حسب حركية ذات القصيدة تحت المجهر "سرادق الموت."
    ومن هنا نستطيع أن نقول أن القصيدة بين يدينا للشاعر المقتدر فناً وبراعةً والمتمكن لغةً بيانيةً وفصيحةً تتماهى وتتناص مع النص "السماني" على ما فيه من أفكار متناظرة ومتداخلة وإنسانية من حيث إطارها الشكلي والمعنوي العام، وللتسهيل أجلب أحد أهم أبيات القصيدة السمانية ليتمكن القارئ من الإطلاع على بؤر التناص والتوحد والتلاقي بين تجربتي الشاعرين، ولنقر فيما بعد بوجود حالة من المراسلات الشعرية بين الشاعر احمد حسن محمد والشاعر د. السمان بما تحمله هذه الحوارية المهارية من معنى وقيمة وأداء وحكمة على عاتق الشارعين العملاقين. يقول البيت محط أنظارنا وذائقتنا الأدبية:
    مازال وجهـك يا بغـداد يحزننـي ... والعمر يمضي وقلبي دائم الحـزن
    ألا يلخص هذا البيت التجربة ذاتها التي يكتبها احمد حسن محمد في "رسالة موت إلى أبي" بكل ما يحمل العنوان من قسوة في التعبير تصل حد العنف اللفظي، وعلى غموض يسكن التعبير في "رسالة موت"، أتكون الرسالة هي أداة قتل وموت وجريمة أم رسالة خبرية توصل المضمون على محمل الرمز والاستعارة - وربما نفهم لغة مداعبة في التعبير عند فهمنا لطقوس الكتابة من ولد إلى أب!
    ورغم كل ما سبق يبقى أحمد شاعراً متفرداً بقيمه وثيماته وصوره الفنية والتعبيرية والجمالية في بديع وفصيح يجمل القصيدة ذاتها على ما فيها من نبرات حزينة وسوداوية طاغية ومتسيدة في فضاء القول الشعري المتولد من رحم تجربة تغص بالمعاناة والألم والوجع والتأسي والتشاؤم الذي حل محل التفاؤل الذي تعودنا عليه في نصوص سابقة لأحمد حسن محمد.
    يبدأ الشاعر المتأسي قصيدته بمطلع رزين وحيكم وينطوي على توقعات إيجابية حيث شوق المريض – رغم المرض – إلى الدنيا وما فيها من تفاصيل حياتية ويومية من مرة وحلوة يتأتى من خلال دفء الحضن الأبوي الذي تحول لعرش يستمد منه الشاعر شحنات قدرته على مواجهة الحياة وواقعها، مجسّداً العلاقة الإنسانية والكونية السامقة بين الابن والأب، وهي هنا علاقة يعتريها حذر شديد وخوف مدقع من مجاهيل البعد عن العرش الأبوي ومفارقته وجفاه. وهنا يأتي التكرار محملاً بتأكيد مستدام على حميمية العلاقة بين شوق المريض المرسوم بريشة الشاعر وشوقه هو كإنسان يتوق لحضن أبيه مصدر كل إلهامه ودفء حياته. كما تتصعد من لهجة القصيدة ونبضها الحيران قيمة مغايرة تتمثل في حب التملك والخصوصية الشديدة لدى الشاعر الذي يتمتع بأنفة وكرامة وحب النفس المتواضعة والحنونة.
    شوق المريض إلى الدنيـا يؤمِّلهـا شوقي، وحضن أبي الإنسان أوَّلُهـا
    وبخطاب مباشر وسردي بياني يقحم الشاعر نصه في تفاصيل جديدة لمعاناته في الدنيا ومنها وزينتها، حيث لم يفلح الشاعر أن يكوّن مملكته الخاصة به ولا يبني عزاً يتمناه في الدار الدنيا، لنراه أكثر حرصاً هنا على تحويل النص لخطاب متصوف يعرف كيف يدير تراكيب مفرداته وبناء معرفته التجريبية فيه، لكي يقول ما يشاء من الكلام المباح، مع تشابك اللغة ذاتها مع المجاز من التعبير والتصوير وتوظيف تقنية التجاور والانزياح خدمةً لمبتغاه ووصولاً لحكمة يود أن يوصلها للمخاطب والمتلقي على حدٍ سواء، ومحاكاة الواقع كما هو وحسب الموروث الشعبي المستمد من تجربة الشاعر على صغر سنه وحداثة عراقته.
    أبي.. تعبت مـن الدنيـا وزينتهـا لا الكف طالت، ولا الأيام تكملهـا
    ثم يلجأ الشاعر لتفعيل دور المفردات التي يستخدمها ويحركها بشكل نشط وفاعل وخاصة استخدام الفعل المضارع في وصف حالته وحركية النص وإرهاصات التجربة ذاتها بما يؤكد ديمومة الحالة التي تغمر الشاعر وطقوس حياته اليومية، حيث،
    أزور كفَّك طول الوقت في خلـدي برغبة الخوف فـي رجّـوٍ أقبِّلهـا
    هنا نلمس استعادات من رحم الماضي الذي يعني للشاعر الكثير وبطريقة رمزية دلالية وتحمل شآبيب من تفاصيل ما يخبئه الشاعر – وهو لا يريد أن يفعل ذلك كلعبة في درب الكتابة أو كلغز لا تفك رموزه أوشيفراته، بل كل شئ لدى الشاعر طبيعي وطبعي:
    وتوقظ العينُ مـا حولـي وتسألـهُ :- "رآك؟!" لكنَّه بالصمتِ يسألُها..

    بعد تلك الحركية الشعورية في تصوير ما يعتمل في ذاكرته وواقعه، يلجأ الشاعر مرةً أخرى في توظيف مفردات تخدم حالة الحزن والكآبة وخيبة الأمل لدرجة استحضاره صور الذبح وحد السيف بشكل ينم عن حالات عنف ولا استقرار في الذات الشاعر، لحد التعبير عن شكه في قبول صلاته من عدمه:
    ذبْحٌ حياتي، وحدّ السيف ليس يُرى
    وها.. صلاتي قريضي من سَيَقْْْْْبَلُهَا
    وبعيداً عن الروتين التعبيري، ورغماً عن قناعة الصبر التي يتوسل إليها الشاعر وبها، نراه يزداد سوءاً في اجترار دلالات لفظية قاسية وتدل على ما آلت إليه الأمور عند الشاعر وذاته المتشظية والمشتتة، لنرى الوقت لاعباً مهماً ومؤثراً وقاسياً وهو للشاعر أصعب من الموت، نظراً لأن الموت يضع نهاية لتجربة ما في حياة الإنسان، على عكس الوقت الذي يميت الإنسان ببطء في حال تعرض لابتلاءات أو هفوات أو انتكاسات وما يضير الذات الإنسانية:
    الوقت أصعب من موتي، ودفق دمي يسودّ، والنفـس لا يُغنـي تعلُّلُهـا
    وعند قمة تعبيرية تلخص ما يخبئ قلم الشاعر وريشته ونفسه وألوانه على بديعها، نرى الشاعر يحدد معالمه الذاتية واصفاً نفسه جسدياً مثل كهل لا يقوى على التحمل ولا الاشتباك مع الحياة على قسوتها وغدر الزمان فيها وتلاعب القضاء بمصيره وقتما تشاء الإرادة الإلهية بقرار سماوي، ولا تأجيل أو تسويف في ذلك، وهذا ما يؤكد قدرة الشاعر على نسج خطاب تصوفي هادف ويحمل الكثير من جماليات النصوص المتصوفة والروحية والدينية:
    فما أرانـي سـوى كهْـلٍ تؤجِّلـهُ يد القضـاء، ولا شـيءٌ يؤجِّلهـا


    وهكذا يشتغل النص لدى الشاعر أحمد حسن محمد على بؤر تناصية مع نصٍ للشاعر والناقد الدكتور محمد السمان حاملاً الأفكار ذاتها والسمات النصية والسياقية والأسلوبية ذاتها كذلك تعبيراً عن حالة إنسانية قد تكون فردانية/ذاتية/شخصانية التجربة ولكنها تحمل نبضاً جمعياً ومتماهياً مع الكل الإنساني.
    قصيدة سريعة الخطو والنبضات والمضمون وجماليتها واضحة ولكن ليس بكثافة أو غزارة حيث لا يستحمل الموقف مثل هذا البذخ الجمالي في مثل هذه النصوص المتأسية والحزينة والتي تستلزم التماهي والتوحد من المتلقين والقراء والمهتمين على حدٍ سواء.

    وفقك الله أخي الحبيب احمد وبدد الله حزنك سعادة وبهاءً وجعل لك في نعيم الحياة الدنيا نصيب تستحقه حلالاً طيباً مباركاً فيه.

    دمت بألف خير في طهر شهر الخير رمضان.

    د. عبدالله حسين كراز
    sigpic
  • د. جمال مرسي
    شاعر و مؤسس قناديل الفكر و الأدب
    • 16-05-2007
    • 4938

    #2
    ما كان لهذه القراءة القيمة لناقدنا المبدع د. عبد الله كراز أن تظل حبيسة كـ رد على قصيدة الشاعر المبدع أحمد حسن محمد
    و لهذا رأيت أنها يجب أن تكون عملا نقديا مستقلا فكان لابد و أن أنقلها لهذه القاعة
    الشكر و التقدير للناقد المبدع د. عبد الله كراز و للشاعر الجميل أحمد حسن محمد



    محبتي و تقديري
    sigpic

    تعليق

    • راضية العرفاوي
      عضو أساسي
      • 11-08-2007
      • 783

      #3

      أستاذنا القدير الناقد المبدع د.عبد الله كراز

      في كل مرة تتحفنا بهذه القراءات المزدانة إبداعا على إبداع

      ليبارك الرب صدق مدادك
      كل الشكر والتقدير



      [font=Simplified Arabic][color=#0033CC]
      [size=4]الياسمينة بقيت بيضاء لأن الياسمينة لم تنحنِ
      فالذي لاينحني لايتلوّث
      والذي لايتلوّن تنحني أمامه كل الأشياء
      [size=3]عمر الفرا[/size][/size]
      [/color][/font]

      تعليق

      • الشربينى خطاب
        عضو أساسي
        • 16-05-2007
        • 824

        #4
        [align=center]الأستاذ الفاضل / د0 عبد الله كراز
        الإبداع النقدي علم وفن لا يقل ابداً عن علم فن الإبداع الأدبي نثراً أوشعراً ، فكيف لمثلي وأتا المتعتع باللغة في كتاباتي اللهجية أن يتلمس طريقاً دركاً في بحر لجي بالمعاني دون عصا ساحر نقدي تنقذي من الموت غرقاً في بحور الشعر
        أستاذي قد سمعت محاضرة عن التناص والمعارضة ولم تشبع نهمي للمعرفة فهل أطع أن تلقي لنا الضوء عليهما لنفض اللإشتباكات بين توارد أفكار المبدعين
        دمت بخير
        [/align]

        تعليق

        • أحمد حسن محمد
          أديب وكاتب
          • 16-05-2007
          • 716

          #5
          أخي الحبيب الدكتور جمال مرسي..
          أيها الشاعر الكبير..
          لا أدري كيف أجزي اهتمامك بي إلى هذه الدرجة؛ لقد أكرمتني كرماً والله ما لقيت مثله خارج هذا المكان..
          شكراً لك..
          واعذر تقصيري أيها الشامخ دوما

          تعليق

          • عبدالله حسين كراز
            أديب وكاتب
            • 24-05-2007
            • 584

            #6
            الأخ الأديب الكبير الشربيني خطاب

            تحية رمضانية عاطرة

            أما بخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فاستلم نص ردي الذي يأتي محاولة تحتمل المزيد من النقاش.


            لا يختلف اثنان على أن ظاهرة التناص ومفهومها كتقنية أدبية كتابية ونقدية وحوارية تمتد إلى عهد قديم من الأدب الانجليزي منذ أفلاطون وأرسطو وحورس (هوريس) ممن وصفوا كتابة الشعر أو الأدب بشكل عام أنه تقليد عن تقليد لكتابات سبقته ومحاكاة لنصوص سبقت النص الحالي.
            ولكن مع تطور ظواهر النقد الحديثة والمعاصرة وما بعد الحداثية، تم التركيز على ظاهرة التناص كأحد أبرز المفاهيم التي شغلت بال الكثر من النقاد والكتاب والمثقفين والمكفرين من حيث أهي سرقة أم تداعي نصي أم تزامن أم تقابل أم محاكاة أم توازٍ أم ترادف وتراسل نصي و عصفي فكري أم تقنية تتجدد عبر الزمن ولا بد منها لاستحضار القديم بجزيئياته وقيمه وأفكاره ا لتي تسكن الإنسان على امتداد المكان والزمان وتذكيراً بالتراث الديني والموروث الحضاري والفكري والثقافي.
            وللعلم، فإن أول ما أسس لهذا المفهوم كمصطلح دخل القاموس النقدي ورسا على أعتاب مدارس النقد المقارن بكل مراحل تطوره وتحديثه أو تجديده مؤسساً لمدرسة نقدية مقارنة ثالثة بعد المدرستين الفرنسية والأمريكية في الأدب المقارن، ذلك أن ظاهرة التناص تعني فيما تعنيه تأثر النص الحالي (المتأثر) بنص/نصوص سبقته (المؤثرة) أو مجرد تزامن أو تقابل نص مع نص / نصوص سبق أن ذكرت الفكرة ذاتها أو الثيمة ذاتها أو الغرض ذاته أو التقنيات ذاتها، أي تقابل نص مع نص آخر سبقه في بؤرة أو أكثر.
            وغربياً، أخذ المصطلح مكانته المهنية والعلمية الحديثة على يد جوليا كريستيفا التي تأثرت بما كتب ميخائيل باختين ذات مرة عن وجود ظاهرة تفاعل نصي بين نصين أو أكثر، وعرفته على أساس" أن يتشكل كل نص من قطعة موزاييك من الشواهد، وكل نص هو امتصاص لنص آخر أو تحويل عنه." وكما يقول ( رولان بارت ) السيميائى الفرنسي " ليس هناك ملكية للنص أو الأبوة النصية لأن الكتاب والمبدعين يعيدون ما قاله السابقون بصيغ مختلفة قائمة التأثر والتأثير , فالنص الأدبي يدخل في شجرة نسب عريقة وممتدة فهو لا يأتي من فراغ ولا يفضى إلى فراغ " . ثم جاء جيرار جينيت الذي حدد بؤراً أخرى للتناص منها: الاستشهاد - أي وجود شكل تعبيري أو قيمي صريح لنص ما في نص آخر-، والنص الموازي – أي وجود تشابه في عنوان نص ما أو مقدمته أو تقديمه أو تمهيده بجزيئات مماثلة لنص آخر-، والنص الجامع – وهو وجود علاقة واضحة وصريحة بين نص ما ونص آخر بشموليته الفكرية واللغوية والأدبية والنصية-، والنص الواسع – ويقوم على وجود علاقة واضحة للاشتقاق أو القياس عند أي مستوى أدبي وفكري وثقافي بين نص جديد ونص سابق له.
            أما عربياً، فقد عرفت ظاهرة تداخل النصوص قديمها وجديدها في الثقافة العربية وأدبها ونقدها، على أساس وجود أصول نصية وسياقية أو ثقافية أو فكرية في نص ما مجترةّ من نص/نصوص سبقته. وهذا يعني وقوع النص المتناص (المتأثر) تحت سلطة نص آخر (مؤثر). وقام كل من محمد بنيس ومحمد مفتاح بتعريف التناص على أنه تعالق - أي وجود تداخل في العلاقات – نص مع نص آخر، ثم جاء محمود جابر عباس معرفاً التناص على أنه اعتماد نص على آخر من النصوص الشعرية أو النثرية أو الفكرية القديمة أو المعاصرة السردية (المحكية المروية) او المكتوبة عربياً أو أجنبياً، ووجود صيغة محددة من الصيغ العلائقية بين والبنيوية والتركيبية والتشكيلية والأسلوبية بين نص وآخر.

            هذا عن التناص الذي يبقى درباً من الإبداع والتخليق والتطوير والتحديث والاستدعاء المركز والمكثف لنص ما أو جزئية مهمة وملحة منه في نص جديد، والذي أيضاً يأخذ صوراً متعدد الأوجه والتقنيات، ولا يجوز لنا أن نصف التناص كما سبق تعريفه بالسرقة حيث أن السرقات الأدبية واضحة التعريف والمعالم وتكون نسخة أو صورة طبق الأصل من النص السابق أو المجايل له وبلا إحالات محددة أو توثيق.

            وفي المعارضات يكمن التعريف في اختلاف المعرفين أنفسهم وعدم استقرار معرفتهم على مستوى محدد يمكنهم من تقديم تعريف صائب وصريح لظاهرة المعارضات النصية أو السياقية. فهي تأتي في نص ما ضمن سياق تزامني مع نص آخر تحت باب التضمين أو الاقتباس أو النسخ على مستوى الفكرة أو التقنية أو الثيمة أو الغرض أو اللغة، فالمعارضة تأتي ثانياً بعد التناص من حيث تشابه الأولى مع تقنيات كتابة النقائض أو التفاسير والتأويلات. وهو لون كان منتشراً في عهد الشعر العربي القديم، وبخاصة في العهد الأندلسي وكانت النية في أن الشاعر الذي يريد أن يظهر نجمه على الساحة الأدبية عليه أن يعارض كبار الشعراء في شعره كي يبلغ منـزلة الشعراء الذين سبقوه وهذا ليس بتقليد كما ذهب إلى ذلك الكثير من الدارسين. ولنذكر ما قاله الأديب الأستاذ الدكتور أحمد الشايب بقوله ( والمعارضة في الشعر أن يقول شاعر قصيدة في موضوع ما، من أيّ بحرٍ وقافية فيأتي شاعر آخر فيعجب بهذه القصيدة لجانبها الفنّي وصياغتها الممتازة فيقول قصيدة في بحر الأولى وقافيتها وفي موضوعها مع انحراف يسير أو كثير حريصاً على أن يتعلَّق بالأول ودرجته الفنّية ويفوقه ، فيأتي بـمعانٍ أو صور بإزاء الأولى ، تبلغها في الجمال الفنّي أو تسمو عليها بالعمق أو حسن التعليل و جمال التمثيل أو فتح آفاق جديدة في باب المعارضة ). ويقول الدكتور منجد مصطفى بهجت أن (المعارضة مظهر من مظاهر الإبداع وصورة من صور التفوّق لاسيَّما في مراحلها الأخيرة فقد يبدو الشاعر مقلداً وتكون المعارضة مظهراً من مظاهر هذا التقليد لكنَّه لن يجرؤ على معارضة كبار الشعراء إلا بعد أن تستوي لديه مَلَكَةُ الشعر فيحاول مجاراة أعلام الشعراء و مضاهاتهم . وتنتهي هذه النـزعة وتستوي على ساقها حين يدرك مرتبة أولئك الشعراء الذين بدأ معجباً بهم ومن هنا نقرر بأنَّ المعارضة حالة تتجاوز التقليد إلى الإبداع و المتابعة إلى الابتكار و الشاعر يمزج فيها بين القديم و الجديد). لذا فإن المعارضة تدل على الإعجاب و تعرب عن الوفاء للماضي أو المجايل من ديني وثقافي واجتماعي وسياسي وفكري وأيديولوجي والتأثر به و بكل تفاصيله وتتصل بالبراعة الفنيّة التي تصل إلى درجة التحدي. كذلك فإن المعارضة قد تكون في المديح و الغزل و الاعتذار والهجاء والرثاء وفي الوصف وغيرها، وكما يضيف دكتور بهجت (إذا كانت المعارضة تلتزم الوزن والقافية فإن موضوعها لا يتحدد بل يتعدد فالمُعارِض الكفء هو الذي يتابع الشاعر المُعارَض في قصيدته في كل غرض وموضوع كما يتابع الفارسُ الفارسَ في نزاله في كل خطوة لا يتجاوزه ولا يبعد عنه حتى ينتصر عليه). لذا لا يختلف التناص كثيراً عن المعارضة من حيث جوهره وغايته وأسلوبيته وفنيته.
            دكتور عبدالله حسين كراز

            تعليق

            يعمل...
            X