الوصايا ..أكثر من عشر
د.مازن حمدونه
قبل أن يسقط المطر
رغم إني عقدت العزم على حزم أمتعتي فاني سأقرأ عليكم هذا السطر ...
أعرف كما تعلمون جميعاً ..أن غزة شريط من الجرح الدامي مازال ينزف من صدر الوطن وباتت جرحاً ممتداً من رأس الكتف إلى أخر حزمة ضوء راقدة صوب خلف جدار البطن ، فهي مازالت ترتجف قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة .. هي كالقلب المفتوح مازالت تنتظر من يحسن إدراك جرحها ويكفكف دمعها ،وينقذ آمال أهلها ..قبل أن ينهش ما تبقى من جسدها ، ذاك الذئب الذي تمنى لها الغوص تحت جحور إخطبوط البحر ..
غزة ..أصبحت راية تحتاج إلى من يعمدها براحتين ، وساعدين ؛ وليس من يثقلها بالخزعبلات ، وردح المراهقين ، وفتاوي المشعوذين ، وتجار الدم والمرتزق ، والعابرون على جثث الشهداء، كالطيور الجارحة .
غزة ..لم تكن ؛ ولن تكون أخر حلم في الوطن .. فمازال الحلم في بدايته ولم يكتمل بعد .
في شوارع غزة ...
التجار والفجار .. والأنفاق ، والإنفاق ، وغاب عن مشهدها أخر الضوء في النفق .. الطفل في مهده يحلم أن يكتمل الحلم .. فلا تغتالوا غزة مرتين .
غزة أصبحت مشروع اغتيال وطن ، تبحث في حلقات مغلقة داخل عقول المتربصين ..ذكر التاريخ ويٌذكر من لا يقرأ سطوره ، أن فلسطين سقطت في أحضان الظلم أكثر من مرة .. كان أخرها بثراء جبان سقطت خلافة الأتراك من بعدها وأصبح التراب يوزع كالجواري بين أصابع ملوك بريطانيا ، وبلفور ، وعصابات بني صهيون .. وأصبحنا نحن الغرباء ، وهم أصحاب الوطن .
غزة ، أصبحت كالحلم المغلف بحزمة ضباب كثيف، تتخبطها الزوابع والرياح .
الرؤيا فيها غائبة ،والمشهد فيها كالدمعة المعلقة بين الجفون والمآقي . فلا تجعلوا من غزة حريق واحتراق .. ودخان وضباب، تبحث عن أمان ، بعدما تبددت أمالهم.
لا تجعلوا من غزة خارطة دم بلا وطن ، وهوية للغرباء ،وموطناً للأفاعي والذئاب . لا تجعلوا منها موطناً للمنافقين ، والمرائين ، الذين تتبدل جلودهم مع بداية كل فصل .. لا تجعلوا أرضها وكراً لنشر المشعوذين ،والصفويين ،والعلويين ومن قدسوا مقامات من اغتالوا رؤوس الحسن والحسين ، والفاروق ،وسيف الإسلام .
لا تجعلوا من غزة جدار انهار على من استظل بظلها ،ولا تجعلوا من أهلها كمن أصيب بالجذام .
لا تجعلوها كالجرف الذي سقط مع اشتداد المطر، فذهبت وتبعثرت، بين مزاريب المطر .. تدوسها النعال وتعصف بأهلها في بطون البحر .
اليوم في غزة أصبحت مشاهد من اعتادوا الرقص في كل الأفراح كالجواري، ومجهولي النسب ،ومن تركته أمه في أحضان الغيب بطلاً .. فمنحتم وسام البطولة لمن قتل وارتزق !!! فالتاريخ لن يسجل لهم أكثر من سماسرة وشطار .
في غزة أرادوا ..
للمثقف أن يتعبد في معابد الصمت ، ويتلحف الجميع بالقهر ..والمفكر بتذكرة سفر، والتاجر بنفق ، والفقير بلحية يباركه داعية أصبح أميرا كالدمى، يمنحه بعض حاجات البطن .. فكفاكم ان تجعلوا من غزة كحبة ثمار تعفنت .
فـــــــغزة باتت كعقد مسبحة في يد شيخ لم يحسن التسبيح ، متى تمزق فتيل عقدها تبعثرت .. فلا تجعلوا زاد أهلها ملحاً وتراب ، وكفى ..فقد بات الدين منكم في مأزق .. فــمن سيرحمكم بعد كل هذا العصف ؟!
تعليق