كوب الشاي
هل ما زال كوب الشاي واجماً بارداً ينتظرني كيتيم مقهور، ينتظرني ورائحة أصابعك المرتعشة عالقة على أطرافه ..؟
هل ما زال شاحباً كوجه الغياب .. وأنا هنا أرتشف كوؤس الوجع المذبوح بنصل الغياب .. غياب عصيّ عن الرجوع .
قبل الغياب لم تطبع قبلة هوائية على تمام الروح إلا شهقة بعدها فقدت بهاء ابتساماتي التي كانت بحجم ذهولي ما بين رائحة الفراق وأكوام الرماد بداخلي؛ وأنا أرقب من بعيد تساقط كل ثمار أحلامي التي انكمشت دونكَ ... كورقةٍ مُهملة .
فوضى مرتّبة، باتت معلقة باتقان على لوائح عمري تغني لانكساراتي ولفقدان أشيائي الكثيرة المدفونة في دفاتر العمر فأنشطر.. أحاول تجميع مشاعري .. أطوي حلماً يحمل عطرك لأتنفس ضربةً جديدة يرسمها لي قدر آخر بشكل آخر ومعنًى آخر .. فأي شكل أختار !!.
أي شكل أختار وهي النازفة أوراقي المقرونة بارتعاشات جسد يتيم إلا من نفسه .. فكيف لي أن أيمّم وجهي نحوك والذكريات كالعصافير المهاجرة معلقة فوق عينيَّ .. بمناديلها المصبوغة بلون البرد .. أعيشها مع معزوفة الليل الحالك التوّاق لحضن حكاياتك يُسقط كل خيالات الكلمات المثقوبة التي تسيل رأفة ووداً الكلمات اللاحيادية التي دربتها على البقاء لئلا يحاصرني النسيان في عتمات الخطى الضالة الطريق إليك حيث لم أجد بعضي هناك ولم أذبح الورود في الطريق .
أتقول لي من أين لي بقلب آخر لا ذاكرة له ؟ ! .. قلب لا يقتل أحرفي ولا يشعل البرد في نار أجزائي الباردة؛ قلب لا يقف على الشبابيك الصغيرة ينتظر باب الحلم؛ لأن يفتح لي المساحات على مصراعيه ويحصد ثورة الفصول الحائمة حولي .. ها هو ذاته قلبي يرجع من سفر ثقيل محمّلاً بمُرّ كآبته .. وعلقم تُعسه .. فعلى حين غضبٍ سينام القلب مخضّباً بالحزن باكياً لكل الأشياء .
أتظن أنه تكاسل الروح في الوصول ..؟ أم ارتعاشة أصابعي للوصول إلى كوب الشاي .. أم ارتجاف شفاه ألفت البكم، وعافت طعم الشاي وطعم الحياة .. أم هو التقاعس لتمايل سنابل الحلم الأخضر لانبلاج صباحات جديدة، واعادة تشكيل الأنا والأنت من جديد .. أم هو اعتياد مدافن الحلم وبكاء عيون السماء بصمت لاذع موجع يرقب من بعيد بحيادية التخلي، لتساقط العمر المهدور على جدارية الحياة، وظلفها بتآمر مع اغفاءة محبوسة غريبة الأطوار.
أرجوك لا ترجم شوقي إليك .. ذلك الشوق الذي رفض الركوب في قافلة الحياة المُصطحبة لهجيـر الشمسِ المسافرة إليك .. واختار أن يحيا في بوتقة من عزلة بعد أن أجهض ألوان الحياة تحسبًــا من الضيــاع ليرتب نفسه في الأزقـّة المنعزلة ليفضي عن فرمانٍ، مفادهُ اعتقالك بداخلي الذي أورق جفافاً ليس إلا .
ما زلتُ محتفظةً بملامحك التي أحفظها عن ظهر قلب لأغرقَ أَشيائِي بِك تلك التي ترقُدُ على أرصِفَة الماضي، وركام الحزن المبلل بمطر ألمك .. ؟ أي لعنة أنت تجتاحني .. فتقصم ظهري ؟ أي لعنة أحاول عبثاً التخلص من وطأتها .. فلا أفلح ؟.
لم يخطر لي يوماً .. أن أجدك تحت مسامات جلدي .. فيوهن العظم مني إلى درجة اللاتجرد منك، فأنت الرابض بي كذبحة صدرية.
فلي قلب فقد نحبّه عندما قرّر أن يُحرق كل تاريخي معك .. تاريخ قصاصة ممزقة تقول لي فيها (جاوِبْنِي .. تِدْري الوَكِتْ) فواصلها حزينة .. حروفها مشرّدة، وجدتها كـزقاق مهجور رقص عليه غبار الزمن .. لكنه ما زال يحتفظ برائحة أصابعك فيها وقلبك .. قصاصة تتبعثر لها مشاعري، وتكبر فيها خسائري التي أتكبدها برضى مبهم .. فهي كنزع الذات من الذات أو كتسلقٍ لأبنية الروح الشامخة التي تفضي إلى عالم افتراضي لا يشبه الحقيقة كثيراً ..
عالم ينبثق من شرفة الغابات المخضوضبة بالأخضر، تلك التي لا يعترف الربيع بكيانها .
ذاتَ مساء ...
تقتُربُ النهايــات الصعبة التي لم يُنفض رمادها عن جفني الكسير .. لثانية من حدود الوقت، وقتها فقط ستُدرك أنني حين رحلت .. نسيتَ أن تقلّدني وسام النسيان.
تعليق