[frame="15 98"]
وابـــــــور الجـاز
الكون سكون و لمبة الجاز يسلمك أحمرها من قاعة إلى قاعة , و بالكاد يخترق دياجير الليل في محاولة فاشلة للإنتصار على رائحة الفول السوداني الآتية من فوق وابور الجاز , الوحيدة التي شقت عتمة الدار دون بصيص .

وابـــــــور الجـاز
قصة قصيـــرة
بقلم
محمد سلطان
بقلم
محمد سلطان
الكون سكون و لمبة الجاز يسلمك أحمرها من قاعة إلى قاعة , و بالكاد يخترق دياجير الليل في محاولة فاشلة للإنتصار على رائحة الفول السوداني الآتية من فوق وابور الجاز , الوحيدة التي شقت عتمة الدار دون بصيص .
جاز اللمبة و جاز الوابور من نفس البرميل المسنود على فردتين كوتشوك مفتوقتين أمام دكان عم عصفور , كانتا المحرك الرئيسي بعد الحمار في العربة الكارو .
في مولد النبي زين عم عزيز آتانه البيضاء بأجمل الإكسسوارات , إلى جانب دواليب الطرح و الإيشاربات المشجرة توافدت من كل فجٍ ..
من أرادت لطفلها زفافاً بهيجاً فوق العربة فلتبعث مع ولدها أجمل إيشارباً لحمارة عم عزيز و لا مانع أن تصر الإيشارب بكيلة أو كيلتين من الفول و العدس .
لم تتحمل العجلات أكوام اللحم المرصوصة فوق ظهر العربة كحزم القش , من سن خمس سنوات وطالع , ذاب صراخ الأولاد و البنات و امتصه نهيق الآتان حينما فرقعت العجلتان في آنٍ كقنبلتين موقوتتين ؛ اشتراهما العصفور وصارت من نصيب البرميل مسندان يستقر عليهما بعد مفاوضة عصيبة انتهت بكيلو فول سوداني و نصف صفيحة جاز .
انعدمت قيمة الجاز أمام عنفوان النهار المخترق ضلفات الباب , كشف الأركان المتعددة للقشر المبعثر بعد صراعٍ حامٍ طول الليل , لكن لم يستطع تفتيت الرائحة العالقة في الثياب و جدار الأنف كعزيزٍ رحل و ظلت ذكراه حيةً ..
كانت بمسابة الجسر الذي قلقل العجلات تحت البرميل كلما ذهب لإحضار المزيد ؛ استعداداً لسهرةٍ أخرى لمعزوفة الجاز الليلية , أو للتهليل و التكبير كلما فشّرت حبة ذرة صفراء يتيمة جاءت غلطة و لم ينتبه لها العصفور , أو لو طارت و التصقت بقفا أحد العفاريت كشظيةٍ نافرةٍ استنكرت صوت الوابور ..
لكن .. يخمد اللهب و تتحشرج رقبته المسدودة .. لا يصطبر الصغار .. يتلاهفون المحصول كالكتاكيت .. يـبعدهم الكبير فلا يكترثون , يقضون عليه كله ويضيع نصيبه ..
يمسك الرجل برقبة الوابور , يغرس فمه في فوهته , يحاول العثور على السدّة .. ينفخ .. ينفخ .. ينفخ .. بانت ثعابين رقبته و تلونت قباب وجهه بالهباب كالبلياتشو ..
نطت الكتاكيت .. صفقت .. هللت .. رفرفت الأم بعد أن واربت ضحكتها و أخفت إعجابها بالفقرة , ثم راحت تهشهم .
رمى الوابور بقرفٍ , انقضوا عليه يتلاقفوه , شخصوا الفقرة من جديدٍ .. يجرب كل منهم مرة واحدة و من يأتي دوره يصبح هو البلياتشو .. تهببت خدودهم و امتلئت بالقهقهات , تشبعت ملابسهم بالجاز .. عادت إليهم و هبت لإسكاتهم .. تركتهم .
اقتربت منه و فردت كمها , مررته على جبينه المقطب ؛ تزيح بطرفه الخطوط السوداء .. مالت على أذنه برفق .. همست له , وكان دور المهرج الأكبر ,,
ازداد تأففه لم يطق ملاطفتها , فـلملم القشر المتناثر .. كبشه , ثم راح يتأكد من عشاء الآتان ..
كانت العربة مقلوبة على ظهرها ـ كالبقرة النافقة ـ بلا عجلات, استشاط مخه و أكلت النار هشيم ظهره أحس بحرقتها تنال من صدره .. امتدت إلى جوفه .. طالت الأثواب .. ازداد الشياط .. جاءت صرخة ؛ الجلد يحترق .
توالت الصرخات , أيقظت الحارة تدافع الجيران وانتفض العصفور في دكانه , طار صوب الدار .. شق الزحام و القش الوالع بجناحيه , وقفز إلى الداخل .. لكن وصل متأخراً ..!!
[/frame]
في مولد النبي زين عم عزيز آتانه البيضاء بأجمل الإكسسوارات , إلى جانب دواليب الطرح و الإيشاربات المشجرة توافدت من كل فجٍ ..
من أرادت لطفلها زفافاً بهيجاً فوق العربة فلتبعث مع ولدها أجمل إيشارباً لحمارة عم عزيز و لا مانع أن تصر الإيشارب بكيلة أو كيلتين من الفول و العدس .
لم تتحمل العجلات أكوام اللحم المرصوصة فوق ظهر العربة كحزم القش , من سن خمس سنوات وطالع , ذاب صراخ الأولاد و البنات و امتصه نهيق الآتان حينما فرقعت العجلتان في آنٍ كقنبلتين موقوتتين ؛ اشتراهما العصفور وصارت من نصيب البرميل مسندان يستقر عليهما بعد مفاوضة عصيبة انتهت بكيلو فول سوداني و نصف صفيحة جاز .
انعدمت قيمة الجاز أمام عنفوان النهار المخترق ضلفات الباب , كشف الأركان المتعددة للقشر المبعثر بعد صراعٍ حامٍ طول الليل , لكن لم يستطع تفتيت الرائحة العالقة في الثياب و جدار الأنف كعزيزٍ رحل و ظلت ذكراه حيةً ..
كانت بمسابة الجسر الذي قلقل العجلات تحت البرميل كلما ذهب لإحضار المزيد ؛ استعداداً لسهرةٍ أخرى لمعزوفة الجاز الليلية , أو للتهليل و التكبير كلما فشّرت حبة ذرة صفراء يتيمة جاءت غلطة و لم ينتبه لها العصفور , أو لو طارت و التصقت بقفا أحد العفاريت كشظيةٍ نافرةٍ استنكرت صوت الوابور ..
لكن .. يخمد اللهب و تتحشرج رقبته المسدودة .. لا يصطبر الصغار .. يتلاهفون المحصول كالكتاكيت .. يـبعدهم الكبير فلا يكترثون , يقضون عليه كله ويضيع نصيبه ..
يمسك الرجل برقبة الوابور , يغرس فمه في فوهته , يحاول العثور على السدّة .. ينفخ .. ينفخ .. ينفخ .. بانت ثعابين رقبته و تلونت قباب وجهه بالهباب كالبلياتشو ..
نطت الكتاكيت .. صفقت .. هللت .. رفرفت الأم بعد أن واربت ضحكتها و أخفت إعجابها بالفقرة , ثم راحت تهشهم .
رمى الوابور بقرفٍ , انقضوا عليه يتلاقفوه , شخصوا الفقرة من جديدٍ .. يجرب كل منهم مرة واحدة و من يأتي دوره يصبح هو البلياتشو .. تهببت خدودهم و امتلئت بالقهقهات , تشبعت ملابسهم بالجاز .. عادت إليهم و هبت لإسكاتهم .. تركتهم .
اقتربت منه و فردت كمها , مررته على جبينه المقطب ؛ تزيح بطرفه الخطوط السوداء .. مالت على أذنه برفق .. همست له , وكان دور المهرج الأكبر ,,
ازداد تأففه لم يطق ملاطفتها , فـلملم القشر المتناثر .. كبشه , ثم راح يتأكد من عشاء الآتان ..
كانت العربة مقلوبة على ظهرها ـ كالبقرة النافقة ـ بلا عجلات, استشاط مخه و أكلت النار هشيم ظهره أحس بحرقتها تنال من صدره .. امتدت إلى جوفه .. طالت الأثواب .. ازداد الشياط .. جاءت صرخة ؛ الجلد يحترق .
توالت الصرخات , أيقظت الحارة تدافع الجيران وانتفض العصفور في دكانه , طار صوب الدار .. شق الزحام و القش الوالع بجناحيه , وقفز إلى الداخل .. لكن وصل متأخراً ..!!