الكتابة بحسبها مقاومة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فتحي العابد
    محظور
    • 07-05-2009
    • 52

    الكتابة بحسبها مقاومة

    الكتابة بحسبها مقاومة

    تعد الكتابة في عصرنا بل في كل عصر ، إحدى أهم الوسائل التي يمكن من خلالها قراءة مجتمع ما ، بتفاصيله وهمومه ، تقرأ من خلالها حياة الناس اليومية وآمالهم ، وتحاول أن تشير إلى مواضع الخلل، لأنها لا تخاف بل تلج إلى أعماق القضايا الساخنة والحرجة، والكتابة حين تقوم بهذا الدور تقول الكثير وتعطي الكثير، إذ تصبح كالمرآة التي يرى المجتمع فيها نفسه والتي تحتم عليه تحريك طاقته ومشاعره ليصبح أكثر وعيا، لأن النص المكتوب ليس إلا رسالة باتجاه القارئ فإذا فقد مضمونه الجاد ألغى نفسه وقارئه .
    إن إيماننا راسخ بأن الكتابة قوة خفية آسرة، إن براعة النص المكتوب وقوته تفعل في نفوس الطغاة والمجرمين عند مطالعتهم إياه فعلا فاتكا، وإذ هم على الفور يكشرون عن أنيابهم فيغلقون الصحف والمجلات، ويمارسون عمليات الإقصاء وضروب الإستعباد وإقامة مساحات الصمت والإضمار ويتبعون نظام التعقيب والتبرير والتكرار لكل من أراد التجديد والكشف والإبتكار، ويطلقون العنان لكتائب المرتزقة لتسويغ فعل وقول العاد والباغ، لأنهم يعرفون أنه ليس على الأرض أخطر على حكمهم من كاتب يعيش من أجل فكرته، فهو يركز كل وجوده فيها كما تتركز أشعة الشمس في العدسة ليستطيع أن يحدث مثلها نورا وهاجا ساطعا، فتدفع القارئ والمفكر والكاتب للإكتمال الصعب وهم إلى النقص الملازم للعاجزين والكسالى، إنها الملاذ الذي يدفع قبحهم وحصارهم، وكم نحن مدينين لهذا الإيمان الكاسح الذي يدرأ عنا بفضل الله الأذى الذي يواجهنا.
    إن الكتابة الأصيلة يكفيها أن تحول بيننا وبين الكتابة المتصنعة التي تكون حسب الحجوم والمناسبات.
    الكتابة هي الهوية الفكرية للإنسان المثقف يثبت من خلالها وجوده ويبرز من سطورها حضوره، هو يكتب أو يقرأ فهو موجود، ولئن كان ميلاد الإنسان اللغوي يثبت بالكلام فإن ميلاده الفكري يثُبّت بالكتابة، والكتابة الصادقة تمتزج بمواقف الإنسان امتزاج الروح بالبدن، وهي ليست سواد في بياض وصفحات تقرأ أو لا تقرأ بل هي شهادة في سبيل الله، واكتشافا لسبيل التوصيل والتواصل مع شريحة من المجتمع جعلت من الحروف قوتها وقوّتها، تفرح بالنص الجديد المضمخ بطيوب الواقع لا المتضخم بزائف الفواقع…
    الكتابة الصادقة جهد وجهاد، لأنك:
    لا تستطيع أن تكتب خارج دمك
    نعبر البرك فنشمر عن أرجلنا
    في الكتابة لا بد أن نشمر عن أرواحنا.
    عندما يضَحِي الكاتب بسلطته يصبح كاتب السلطة، لأن الكتّاب الذين خافوا أصبحوا كتبة والشجعان مع الكرام البررة.
    يقول ابن تيميه رحمه الله "نجد أئمة البدع والفرقة والنفاق يصنفون لأهل السيف والمال من الملوك والوزراء ويتقربون إليهم بالتصنيف فيما يرضيهم".
    مثل هذه الكتابة نشويات فكرية وليست غذاء، كلام دون إشارة ، قول دون دلالة، أصوات بلا معان، كم دون كيف، مهنة رسمية تمحى فيها الشخصية، لا تتغير من مكان إلى مكان ولا من قضية إلى قضية، أدت إلى قلة اهتمام الشعوب وفقدان الثقة في الكاتب والمكتوب.
    أما الكتابة الجادة فقد تفتح على المرء أبواب البلاء والمعانات، لكنها تروي حقول الإنتظار بقطرات الأمل، وتهطل على النفوس بأشعة الوعي، فإذا لامست عروق القلب اهتزت وربت وأنبتت من تجاوب القراء بقدر ما تحمل من عناء الكاتب وجهده.
    الكتابة شهادة لله وشهادة على الناس، إنها ليست فن ارتياد اللغة فقط فكم من كاتب يكتب ولا يعرف يكتب، وليست كذلك دخول العقول المفتوحة بل فتح العقول المغلقة، إذ أنها لا تقف عند حدود التفسير فقط بل تستشرف التغيير وآفاق الغد، هي ليست معركة في ميدان وهمي، هي ليست لعبة فكرية تدعي عمق فكري مفقود، أو تغطي فضاء مشهودا .
    الكاتب العضوي الحامل في قلبه هموم الأمة لا يضع قلمه في يده فقط بل وقلبه أيضا ، يحتفظ بمبادئه دون صراخ ويصر عليها دون مساومة، عندما نكتب يجب أن نكون –نحن- وليس مصالح الآخرين المزيفة معكوسة فينا، يجب أن نكون صوت القلوب لا صوت الحناجر فقط، وهذا الكلام موجه لثلة من الكتاب في هاته البلاد تربعوا على كرسي الصحافة لحاجة في نفس يعقوب، فتبرعوا بالخضوع وتطوعوا بالخنوع، هم باعوا أقلامهم وذممهم وأطلقوها تنهش في أعراض الناس باسم محاربة الإرهاب، هم أصحاب الكتابة المدجنة والأفكار المهجنة، هم الذين قبضوا أقلامهم عن نصرة الحق وأهله، فهم عصبة الإفك يقولون البهتان، وكتاباتهم لا تستطيع نقل القارئ إلى آفاق أوسع بل تراوح مكانها لأن كاتب المراوحة لا يستطيع أن يضخ في عقول الآخرين مبادئ المعرفة، مالم يتعلم مبادئ الحرية والأخلاق والتسامح والترفع.
    إن الكتابة التي بسببها تُصادر فيها حرية فرد أو شخص –ما- أي شخص مهما كان انتمائه ومدى قبولنا لكلامه أو اختلافنا معه، هي المدخل المؤدي إلى مصادرة الوطن والفكر معا، وتقييد الكتابة يؤدي إلى تدمير الوطن والمواطنة.
    إن الكتابة التي تؤسس للحوار الهادف المسؤول وليس للإقصاء المتعسف، هي بفضل الله ضمان مستقبل أفضل، وأملي في "البريد العربي" أن تكون صوت من لا صوت له:
    "عندما يخرس الإنسان في بلائه
    يمنحني الله قدرة التعبير عن شقائه"
    والخلاف الفكري مهما احتدمت معركته وحمي وطيسه يضل صمام أمان يحمي الأنفس والأرواح ويحول دون الظلم والطغيان كما يضل أرخص من نقطة دم تسفك وطي يوم على ندم أو حقد.
    إن حصار الكاتب رغبة أو رهبة ينتج طبقة من الكتاب المدربين على تقديم المعلبات الفكرية والثقافية والأدبية يقدمونها بعد أن انتهت مدة صلاحيتها لتسمم عقول القراء وأفكارهم.
    في مناخ المصادرة التامة أو الجزئية يتعرف الكاتب على اتجاه الريح، فإن كان عصر الإستعمار الإمبريالي الخارجي عسكريا وإعلاميا وثقافيا المسمى ب"التحرير القادم" تحت عناوين لهم وشعارات كبيرة، عكف على سير أعلام الخبثاء من لوسيان جودلمان(من كبار نقاد الأدب الغربي) إلى وقتنا هذا، وإن مثل هؤلاء الكتاب يصبحون غربيين ويمسون قوميين عرب إذا اتجهت بوصلة السلطة إليهم، هؤلاء هم كتاب النشرة الجوية وكتاب مصالحهم.
    وإذا ما نفى الكاتب موضوعية الآخر بهوى النفس، واختزل العالم بنظره الكليل، ونقل الإبداع من حوار بين الكاتب والناس إلى حوار بين القلم الأسود وقوى الإبتزاز والقرصنة بكل صورها، فإن الكتابة حينئذ تكون قد فقدت مشروعها ووأدت طموحها.
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    [align=center]
    أهلا بك أخي فتحي العابد و سهلا و تحية طيبة.
    موضوعك مهم جدا و يحتاج منا إلى وقفة متأنية.
    الكتابة و سيلة نضال و سلاح قتال عند من يسحن توظيفها لخدمة مجتمعه الكبير، الإنساني، أو الصغير، المحلي الضيق، و لذا نجد الجبابرة و المستبدين يقمعون الأقلام الحرة المناضلة و المجاهدة.
    أشكرك أخي الكريم على مقالتك القيمة.
    تحيتي و تقديري.
    [/align]
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    • د. سعد العتابي
      عضو أساسي
      • 24-04-2009
      • 665

      #3
      منذ الازل كانت الكتابة تقاوم شيئا ما
      حتى الاسطورة كانت تقاوم الطبيعة ومخاطرها والملحمة تقاوم الالهة وتسلطهم على نحو ما وهكذا
      فكل ابد يقاوم والا يدخل في باب الثرثرة
      تحاتي لك
      الله اكبر وعاشت العروبة
      [url]http://www.facebook.com/home.php?sk=group_164791896910336&ap=1[/url]

      تعليق

      • د. م. عبد الحميد مظهر
        ملّاح
        • 11-10-2008
        • 2318

        #4
        [align=right]
        الأستاذ الفاضل فتحى العابد

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        مقالتك نشرت يوم 19 اكتوبر 2009

        ما هى الرسالة التى أردت توصيلها من خلال مقالتك؟

        هل تعتقد ان رسالتك وصلت؟

        و تحياتى
        [/align]

        التعديل الأخير تم بواسطة د. م. عبد الحميد مظهر; الساعة 16-12-2009, 19:14.

        تعليق

        يعمل...
        X